الناقد والكاتب المصرى الدكتور السيد مختار القهوجى ..من النقاد القلائل الذين يتفردون فى التعمق فى بحث الذات الإنسانية ،وخاصة عند الشعراء القدامى .
وفى موضوع رسالة الدكتوراه الخاصة به والتى حملت عنوان " الصورة السمعية في شعر بشار بن برد وكانت تحت اشراف جهابذة النقد العربى منهم : أ.د عبد الحميد القط و أ.د مختار عطية عبد العزيز وحصل بها علي تقدير مرتبة الشرف الأولي / آداب المنصورة.
واليوم البحث عن رسالة الدكتوراه لسيادته ويحمل عنوان ": بشار بن برد المفتري عليه قراءة في الحيثيات المجتمعية والنفسية لشخصية الثائر / المتمرد"،
وهنا لابد ان نقف ونتأمل أهمّية النقد الذاتيّ وأثره في إصلاح الفرد، وفاعليّته بمدى توظيف نتائجه في الحياة العمليّة، واستدراك الأخطاء بتصحيحها، والمباشرة في المُضيِّ بخطوات واثقة نحو مسارٍ ناضج، وقويم، وكما ينطبق هذا الأمر على الفرد، فإنّه ينطبق على المجتمع، وهنا يتركَّز المجهود على النُّخبة الثقافيّة، وقادة الرأي بأن تنحو ناحية تلك الأبحاث.
وإلى ما كتبه الناقد الدكتور السيد مختار القهوجى فى بحثه عن": بشار بن برد المفتري عليه قراءة في الحيثيات المجتمعية والنفسية لشخصية الثائر / المتمرد
رسم نقاد الأدب " لبشار في تاريخ الأدب العربي صورة حالكة شديدة السواد , أسهم في رسمها مؤرخو هذا الأدب : قدامي ومحدثون , ويطول المقام لو حاولنا حصر الصفات الذميمة التي ألصقت به , ويكفي أن نعرف أن هذه الصورة في النهاية . تكاد تكون تجسيداً حياً للشر الكامل المتجرد من كل ذرة من الخير "(1)
فقد تكونت عن بشار – في العقل النقدي شبه الجمعي – صورة نفسية مشوهة شائعة " فبشار في هذه الصورة الشائعة : قاسي القلب , حاقد علي البشر , يمعن في هجائهم ويتلذذ به , داعر فاجر لا يعرف للعرض حرمة , شديد التهالك علي النساء , يندفع إليهن اندفاعاً حيوانياً يشمئز منه الذوق .
كما جمع إلي دمامة الخلقة – في هذه الصورة – ثقل الروح , وغلظة الشعور ... ثم هو زنديق منافق , وشعوبي متبجح , وهجاء سليط اللسان "(2)
ومثل هذه الصورة شديدة الإفراط ولا يعقل أن تتحقق علي هذا النحو , فمن وجهة نظري أن لها خلفيات نفسية سلبية شديدة الخطورة تتعلق بالمحيط النفسي / الاجتماعي / الداخلي / الخارجي لشخصية بشار بن برد
ونحن نقر منذ البداية أن بشار بن برد كان علي قدر كبير من الحدة المزاجية , والطابع الشخصي الثائر ضد المجتمع , فلم يكن متصالحا مع نفسه , أو مع الوسط الاجتماعي / النفسي الذي يعيش فيه , بل سادت علاقاته النفسية والاجتماعية صنوف متعددة من المواجهة والتوتر والحدة , فما كان مجونه وعبثه وزندقته وشعوبيته , واتجاهاته الثقافية , ودأبه علي التميز الشعري والتنوع فيه , وهجاؤه الفاحش : سوي مظاهر عميقة لثورة عارمة ضد مجتمعٍ اعتقد أنه يبغضه , فصار مجونه نفسياً في المقام الأول , وصارت شعوبيته وزندقته حيلتين دفاعيتين / هجوميتين ضد مجتمعه , لدفع نقص يعانيه , ودرء عيب عاش يقاسيه , إضافة إلي الآثار السلبية / النفسية / الاجتماعية لسوء خلقته , وذهاب بصره , لذلك فإني أختلف مع د. طه الحاجري عندما اعتبر أن " حياة بشار انقسمت إلي نمطين من الحيوية حيوية حسية وعقلية فأما حيويته الحسية فتعبر عنها أخبار مجونه وعبثه , وما بلغنا من شعره في ذلك مما يدلنا عًلي تعلق شديد بلذائذ الحياة , ورغبة قوية جارفة في الاستمتاع بها , وأما حيويته العقلية فقد دفعت به إلي بيئات المتكلمين "(3)
وإني أري أن ما يصفه د. طه الحاجري من مظاهر لحيوية بشار يتجاوز هذا المستوي التقييمي بكثير , فالمسألة الخاصة ببشار ليست حيوية حياتية- كما يعتقد د. الحاجري- بقدر ماهي بوادر وعلامات ومظاهر لثورة ذاتية / نفسية / اجتماعية / عارمة , وتمرد فائق الحدة ضد المجتمع , فتهالك بشار علي الملذات نتاج طبيعي لإحساس سلبي شديد بعيب في الخلقة , ونتاج منطقي لفقد البصر , فكانت رغبته في التشبع من كل ما هو حسي نمطاً حياتياً ثورياً متمرداً ضد المجتمع علي المستوي الشخصي , حتي حياته العقلية فقد مارسها علي هذا النحو المتميز حتي يثبت للمجتمع أنه يمتلك القدرة علي درء العيوب وتجاوز النقص , فلم تكن ماهيته حيوية حسية عقلية بقدر ما كانت محاولة تمردية ضالة لتجاوز كل العقبات النفسية والمجتمعية , وهنا نفترض أن تلك الثورة التي نهض بها بشار ضد المجتمع علي المستوي المجتمعي الإنساني واكبتها ثورة فنية علي المستوي الشعري الإبداعي , ونقر أن بشاراً – ربما تعرض لقدر من الظلم النقدي فلم نجد من النقاد من يزود عنه في تلك التهم , ويلتمس له الأعذار , فقد قرأ كثيرون شخصيته من خلال شعره قراءة سطحية , ولم يسألوا أنفسهم : ما الذي ولد هذا الغضب في شخصية بشار ؟؟ ماهي الظروف والملابسات التي جعلت منه هجَّاء عدوانيا إلي هذا الحد ؟؟؟ ما هي حيثيات الصدام بين بشار والمجتمع ؟؟ وما الذي جعل من هذا الكفيف ذي الأصول الاجتماعية المتواضعة ثائرا متمردا ضد المجتمع دائما ؟؟؟ لقد كان بشار بن برد غاضبا / متمردا / ثائرا ضد المجتمع ...
وثورة بشار / تمرده ضد المجتمع يرتكز علي دوافع ثلاثة :
الدافع الأول : الشكل والهيئة :
يقول الأصمعي : " كان بشار ضخماً عظيم الخلقة والوجه , مجدوراً طويلاً , جاحظ المقلتين , قد تغشاهما لحم أحمر , فكان أقبح الناس عمي , وأفظعهم منظراً "(4)
فحساسية بشار المفرطة تجاه قبحه , وإحساسه المرير بالآلام المجتمعية نتيجة ذلك يعد المؤشر الأول لجذور الثورة في شخصيته
يقول د. سيد حنفي حسنين : " لقد جعل كل ذلك بشاراً يعيش حياته في حساسية مفرطة , حساسيته تجاه جنسه , وحساسيته تجاه أسرته , وحساسيته تجاه خلقته "(5)
والذي دعم تلك الثورة أيضاً , وخلق مزالق ومآذق بؤرية نفسية شديدة التوغل في شخصية بشار " أن صورته هذه قد حالت بينه وبين شبقه المستمر إلي النساء وتسببت في إزراء الكثيرين منهن عليه , بل وإنكار المجتمع علي مثل هذا ( الأعمى / المجدور / الضخم ) أن تكون له أحاسيس تنفعل بالجمال أو تتغزل بالمرأة – إذا علمنا ذلك تخيلنا موقفه الحاقد علي مجتمعه الذي يحرم عليه ما يتمتع به غيره من عامة الناس "(6)
لذلك كان من الطبيعي أن تشحن شخصية بشار بصنوف من التفاعلات الحادة الصارخة التي أصابته بعذابات نفسية عميقة , مما كان دافعاً منطقياً لتمرده وثورته ضد المجتمع
يقول د. محمد زغلول سلام : " إن العوامل الأساسية في اصطباغ شخصية بشار بتلك الصفات الصارخة هي خلقته , عماه , دمامته ... وهو مهما تكن البيئة التي يعيش فيها فلابد من أن يتعذب قدراً من العذاب بسبب حرمانه البصر , وقبح منظره "(7)
الدافع الثاني : الانحطاط الاجتماعي الأسري :
فمن الواضح أن انحطاط الأصل الأسري لبشار بن برد كان عاملاً ضاغطاً شكل طبيعته المتمردة الراغبة دائماً في سد ثغرات النقص , ومحاولة استجداء سبل التعويض النفسي والاجتماعي , وبالتالي تكوين طاقات غاضبة داخلية معترضة في صخب ضد المجتمع , فولد ذلك كله حدة عامة في المزاج لديه نتيجة مرجعيته الأسرية شديدة التواضع " فقد كان بشار مولي , وكان يحس بعمق أنه قن ابن قن , وأنه من أسرة فقيرة متخلفة في المجتمع , فانطوي علي مرارة , وولدت فيه ميلاً قوياً إلي العدوان "(8)
لقد وقع بشار تحت طائلة صراع مرير بين رغبته في تعويض نقص شاسع يشعر به نتيجة كف بصره , وبين بحثه عن مصدر اجتماعي يفخر به لتعويض ذلك النقص , فيصطدم حينذاك بوضع أسرته الاجتماعي المتدني , فيزداد فشلاً في محاولاته المتواصلة لتحقيق قدر من الاتزان النفسي والإشباع الحسي , فتزداد ثورته , ويحتد تمرده
يقول د. سيد حنفي حسنين : " لم تكن أسرة بشار تسمح له بأن تكون مصدر فخر أو مباهاة فأبوه طيان يضرب اللبن , وأمه لا أخبار حولها , وأخواه قصابين ويسببان له مضايقة شديدة حين يستغلان بره بهما فيلبسان ثيابه ويوسخانها , وإذا سأله الناس عن سبب رائحتهما الكريهة قال : هذه ثمرة صلة الرحم "(9)
الدافع الثالث : آفة العمى :
كان لآفة العمى أثر سلبي في شخصية بشار " فقد كانت نفسه تنطوي علي غير قليل من المرارة بسبب فقده لبصره "(10) , ولكن ليس العمي هو الإشكالية التي تعرض لها بشار بل المأزق الحقيقي هو مدي تجاوزه لتلك الآفة
يقول د. محمد أبو الأنوار : " أصاب الله بشاراً بهذه الآفة , ولكنه أساء احتمال آفته "(11) , فقد عاش بشار محاصراً بإحساس مرير بانعدام في الأمن , وخيبة في الأمل , وتوتر في النفس جعله علي قدر من التخلخل النفسي وعدم الاتزان السلوكي المجتمعي , وبالتالي حاول تعويض ذلك بطاقات ثورية غاضبة علي المستوي الحياتي / الفني
يقول د. مختار حمزة : " الشخص الأعمي أكثر تعرضاً للإجهاد العصبي والشعور بعدم الأمن وخيبة الأمل التي ربما تسبب له التوتر , وربما تؤثر علي صحته النفسية "(12)
وهكذا يكتمل ركنان هامان من أركان المنظومة الدافعية لتمرد بشار وثورته , وهي منظومة أركانها متمازجة / متماسكة , فسوء الهيئة والعمى عاملان طبيعيان : القصور الجوهري فيهما لابد وأن يؤدي إلي قصور نفسي في تكوين بشار السيكولوجي / الاجتماعي فيحاول بشار الفرار من أعماق الانكسار إلي ملجأ نفسي / اجتماعي
آمن , لينتقل به نقلة نوعية من شعور بالقبح إلي مباهاة وفخر , باحثاً عن مصدر قريب يفخر به , فلما يصطدم بواقع أسري مرير وضيع يكتمل لديه ثالوث الانكسار ( القبح / الانحطاط الأسري / العمي ) , فإذا به ينفجر غضباً , ويزداد سخطاً وتمرداً وثورةً ضد ذاته غير المتوافقة , ثم ضد محيطه الاجتماعي
وثورة بشار تلك اعتراض حاد , وصدام تمردي ضد المجتمع , قاوم فيها ضعفه وإحساساته المفرطة بالنقص والمرارة , وقد صارت دافعيته الاجتماعية المضطربة , وخلفياته النفسية المريضة منطلقه الإبداعي الفني كحيلة دفاعية لا إرادية للرد علي المجتمع
* ولثورة بشار بن برد ضد المجتمع مظاهر عدة :
أولاً : ادعاء النسب :
يرصد أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني نسب بشار بن برد قائلاً " هو بشار بن برد بن يرجوخ بن أزدكرد بن شروستان بن بهمن بن دارا بن فيروز بن كرديه بن ماهفيدان بن دادان بن بهمن بن أزدكرد بن حسيس بن مهزان بن خسروان بن أخشين بن شهرداد بن نبوذ بن ماخر شيدا نماذ بن شهريار بن بنداد سيحان بن مكرر بن أدريوس بن يستاسب ابن لهرافس ... ويكني بشار أبا معاذ "(13)
وأنا أتفق تماماً مع د. سيد حنفي حسنين في أن هذا النسب علي تلك الشاكلة يثير كثيراً من العجب فعندما يتم تداول كتب الطبقات له نجده نسباً يتجاوز عشرين اسماً فارسياً
يقول د. سيد حنفي حسنين : " يعجب الباحث حين يقرأ نسب بشار في كتب الأدب أو الطبقات , فهو نسب يزيد عن عشرين اسماً فارسياً , وقد يصل إلي خمسة وعشرين اسماً , ولا تذكر هذه الكتب هل كان بشار بن برد هو الذي أملي نسبه هذا علي الناس وهل اقتنع الرواة به كي يسجلوه أو هو اجتهاد من الرواة أنفسهم ... إن قائمة النسب التي تلحق باسم بشار قائمة مجهولة لعلماء الأنساب , إذ لم يكن مألوفاً أو معروفاً أن الفارسي يهتم بهذه القائمة لأن النظام القبلي لم يكن هو النظام الاجتماعي عند الساسانيين "(14)
لذلك نستطيع ملاحظة ما يلي :
- ربما يكون بشار قد أملا نسبه علي هذا الشكل كنمط دفاعي للتفاخر والعجب , يؤيد ذلك الرأي أنه لا توجد تعليقات من القدماء علي نسبه ربما خشية منه
- كان ادعاء بشار النسب الفارسي العريق علي هذا النحو حيلة دفاعية عبر بها عن غضبه من المجتمع وتمرده ضد انتقاص المجتمع له , وكأنه يدفع عن نفسه تهماً التصقت به بوضاعة الأصل وانحطاط الأسرة .
- كان بشار قد أطلق عليه كنية أبي معاذ " أما الكنية فهي عند العربي إما اسم لولده أ أو اسم يختاره كي يكني به , ولم تذكر الروايات أنه كان له ولد يسمي معاذ ... فلماذا هذه الكنية نفسها ؟ إن لمعني هذا الاسم دلالة خاصة فالعوذ في اللغة ... بمعني لاذ واعتصم "(15)
لذلك ربما يكون اختيار بشار لتلك الكنية نابعاً من رغبة متنامية منه – حيلة دفاعية – للالتحام بالمجتمع فيلوذ كلاهما بالآخر رغبة منه في التماس أمانه المفقود , وفي الوقت نفسه تلك الكنية اعتراض لا إرادي حاد منه وتمرد ضد عدوانية المجتمع , وكأنه أراد أن يثبت - دفاعاً عن نفسه- أن له دوراً يستطيع القيام به وسط هذا الهجوم الشرس ضده , يستطيع أن يلوذ بالمجتمع ويلوذ المجتمع به .
ثانياً : التوجه الثقافي :
لما كان القرن الثاني جدت عوامل متعددة , نهضت بالأدب والنقد , " فاتصل الجنس السامي بالأري , واشتد النشاط العلمي وقامت ثورة علي الأدب القديم جهر بها أبو نواس وعمل في ظلها بشار "(17)
لقد حاول بشار التجديد الفني , ومما دفعه إلي ذلك- كما أري- التماسه لحيلة دفاعية متمردة لإثبات الذات ضد انتقاص المجتمع , فحاول امتلاك سبل الثقافة , كأداة دفاعية يقاوم بها القهر المجتمعي بإثبات الذات – شعرياً- عن طريق التميز والهجوم وصناعة كل ما هو مختلف , وربما كان توجهه الثقافي الشامل والمتخصص محاولة لتعويض نقص عن طريق بلوغ القمة ثم الانتقام من المجتمع عن طريق ريادة ميدان الشعر حتى يستطيع أن يقاتل فيه من نعتوه بالنقص , فيهجوهم تارة , ويشوههم تارة أخري , وفي ذلك مظهر ثوري متمرد ضد المجتمع
يقول د. سيد حنفي حسنين : " وقد نجح بشار إلي حد كبير في محاولاته التجديدية تلك , فقد كان إلي جانب الموهبة الكامنة فيه قد تثقف بثقافة عصره , فعرف ماهية القديم ومصادره , ثم تعرف علي الثقافات المختلفة التي كانت تشتبك في البصرة قادمة من روافد عدة , وممثلة تيارات مختلفة , ثم كان قوي العقل , عميق الفكر , مرهف الإحساس , وجمع إلي جانب هذا كله أنه يطمع أن يكون شاعر العصر "(18)
وقد استغل بشار المناخ الذي كان سائداً في الدولة العباسية في تلك الفترة كي يمتلك أدواته القتالية / الذاتية / النفسية / المجتمعية علي النحو سالف الذكر
يقول د . عز الدين إسماعيل : " الدولة العباسية اتخذت لنفسها الطابع الإسلامي بكل رحابته . ومن ثم فإنها في الوقت الذي استطاعت فيه أن تستوعب كل الفئات والعناصر الإسلامية من غير العرب , أشاعت جواً من الحرية لكل العناصر التي كانت تشكل المجتمع لكي تعبر عن نفسها وتسعي في تحقيق مصالحها , ومن ثم
انفسح المجال أمام النابهين من هذه العناصر , فاستطاعوا – علي المستويين الإداري والثقافي – أن يثبتوا وجودهم , وأن يقوموا بدور ملموس في الحياة السياسية والعلمية للمجتمع "(19)
وبذلك يتضح أن توجه بشار الثقافي هو نمط تمردي بحت , ومظهر ثوري ضد المجتمع , فما الذي يمكن أن يدفع هذا الأعمي / الدميم إلي محاولة الإلمام الشمولي بكل هذه الروافد الثقافية إلا لأنه أراد أن يقاوم النقائص الأساسية كلها / التهم الاجتماعية جميعها , تلك التي وصمه بها المجتمع , فالتوجه الثقافي بالنسبة لبشار كان سلاحه المقاوم لامتلاك أداة دفاعية / هجومية ضد من صبغوه بصبغة النقائص , فأراد أن يدرك المعارف كلها , ويلتمس سبل الروافد الثقافية المتاحة , ليتميز في شعر- ذي طابع قديم / متجدد -
يستطيع من خلاله أن يوجه سياط الهجوم ضد من يريد , ويعبث كيفما يريد , ويصرخ بما شاء وقتما شاء .
( فالتوجه الثقافي لدي بشار بن برد مثل صنوفاً من الرغبة في المقاومة والتمرد )
ثالثاً : إرهاصات المجون النفسي
لقد عاش بشار بن برد في تلك " البيئة التي تحتوي علي ضروب شتي من المجون , وبخاصة بعد أن ضعفت سطوة الإسلام في النفوس وخلا الجو للفرس الذين بدوا وكأنهم يثأرون لتغلب الإسلام عليهم , إذ أورثوا المجتمع العباسي كل ما يعج به مجتمعهم من لهو وفساد , فبالغوا في مجونهم وبالغ معهم الناس "(20)
دعم ذلك " تغير الحياة العربية أيام بني العباس , (تغيراً تاماً) ( والذي ) أثر في حياة الشعر تأثيراً واضحاً , فمحا الفن السياسي محواً , وحول الغزل عن طريقته الأموية "(21) وعلي الرغم من هذا الانحطاط الأخلاقي " فقد ربح الأدب , فلم يعرف العرب عصراً كثر فيه المجون وأتقن الشعر في فنونه وألوانه كهذا العصر "(22)
وقد كان بشار مرآةً نفسية وفنية صادقة لهذا العصر , إلا أنه امتلك دافعية خاصة لهذا المجون
يقول د. سيد حنفي حسنين : " إن قصص مجون بشار كثيرة في كتب الأدب والطبقات , وهي قصص تصور علاقاته بالنساء , وفجورهن معه , وكان يلذ لهن العبث به , وإقامة العلاقات معه "(23)
وعلي الرغم من أن الواقع النفسي / الاجتماعي في المجتمع العباسي قد هيأ لظهور المجون , وانحرف كثير من الشعراء فيه " فإن هذا لا ينفي أن كل شاعر اندفع إلي هذا التيار إنما كانت له دوافعه الخاصة التي يجب أن يبحث عنها علي حدة ... فقد كانت هناك دوافع خاصة وراء مجون شاعر كبشار بن برد , تختلف عنها لدي شاعر كأبي نواس "(24) , فمجون بشار – كما أري , علي فحشه السلوكي , وانحرافه العاطفي / النفسي – لم يكن ذا دافعية غريزية بحتة بل كان حيلة نفسية / دفاعية / لا إرادية / تمردية ضد أوضاع / ظروف مجتمعية رفضها بشار رفضاً قاطعاً / مطلقاً , فقد كان مجونه غضباً , وسلوكه العابث تمرداً , وانحطاطه الأخلاقي طلباً لقدر من الطمأنينة والأمان , وتهالكه علي الملذات تزمراً وصخباً واعتراضاً , يضاف إلي ذلك أن بشار كان – بطبعه الممتزج بفقره وعاهته – حاد المزاج , شديد الصخب والعنف , ولعل ذلك - كما أري – قد أظهر مجون بشار علي هذا النحو من الفحش والحدة والصخب
يقول د . سيد حنفي حسنين : " وبشار من هؤلاء كان سلوكه مكملاً لملامح هذه الشخصية من جوانبها الاجتماعية والعقلية , فشعوبية صريحة , وعقلية متشككة , وتكوين نفسي وعضوي يدفع إلي التمرد والكفر بالمجتمع وتقاليده "(25)
ولهذا كان مجون بشار ثورة ودفاعاً لا إرادياً عن حق ضائع في إثبات كينونة الأنا الذاتية , وماهية إحساس مرير بالفقد والتيه لضائعٍ – علي المستويين النفسي والاجتماعي – أذله العمى والفقر والهوان .
رابعاً : الزندقة ( أقصي الممارسات المنحرفة في استجداء الحرية والاصطدام بالمجتمع )
الزندقة سلوك عقائدي منحرف في شخصية بشار بن برد , لكننا لا نستطيع - بأي حال من الأحوال - أن نقر جرم هذا السلوك في الحيز القيمي النفسي لدي بشار- علي إطلاق الأمر- قبل أن نبحث خلفيات هذا السلوك المختل لديه , وكيف كان وسيلته الشاذة / شديدة الحدة للاعتراض علي المجتمع , وللكفر بقيمه العقائدية , ليس من أجل التنكر القيمي الديني بقدر ما هو تعمد صاخب للخروج علي المألوف , والشذوذ عن السياق العام , فقد كانت زندقته الصرخة شديدة الحدة في وجه المجتمع
وكلمة الزندقة – كما يبحثها د. شوقي ضيف – " ليست عربية , إنما هي تعريب لمصطلح إيراني كان يطلقه الفرس علي صنيع من يؤولون ( الأفستا ) كتاب داعيتهم زرادشت تأويلاً ينحرف عن ظاهر نصوصه , ومن أجل ذلك نعتوا به دعوة ماني ومن فتنوا بها من الفرس . وأخذ مدلول الكلمة يتسع في العصر العباسي ليشمل كل من استظهر نحلة من نحل المجوس , واتسعت أكثر من ذلك فشملت كل إلحاد بالدين الحنيف وكل مجاهرة بالفسق والإثم "(26), إذن فماهية الزندقة في العصر العباسي قد اقترنت بتحدي المجتمع وتعمد الخروج علي قيمه العقائدية , وأعرافه الأخلاقية , وهذا جوهر ممارسة بشار للزندقة كسلوك أخلاقي وليس كانتهاج عقائدي , فقد كان همه- في المقام الأول- الخروج عن القيم المجتمعية , والأسس الدينية العقائدية , كخطوة علي طريق سخطه الدائم , وتمرده ضد المجتمع , ولو كان أساس المجتمع العربي في تلك الفترة هو المجون الخالص والزندقة الصرفة , لكان بشار بن برد أكثر الناس ورعاً لا لشيء , إلا لكي يصنع ما يخرج به عن الأعراف المجتمعية المعتادة كصرخة ثائرة ضد مجتمع لم يتصالح معه أبداً .
يدعم تلك الرؤية ذلك السلوك الشاذ الصارخ الذي مضي به بشار يجاهر بزندقته , كأنه يعلن مع تلك المجاهرة تحديه للمجتمع , وللأعراف , وللدين نفسه
يقول د. شوقي ضيف : " غير أن بشاراً مضي يعلن زندقته لا يزدجر مصرحاً بأنه لا يؤمن إلا بالعيان , وما شهده الحس , فهو لا يؤمن بجنة ولا نار , ولا ببعث ولا حساب , ويحاول أن يثير الغبار في وجه واصل وغيره من المعتزلة , فيعلن أنه يعارض ما يذهبون إليه من الإنسان يخلق أفعاله "(27)
وربما وجد بشار في سلوك الزندقة وسيلة مثلي للانتقام الفكري / السلوكي / العقائدي من المجتمع , فالزندقة – كما يري د. عثمان موافي " كانت نزعة هدامة , ساعدت علي نشر المجون والخلاعة في المجتمع , , وقد حاول دعاتها أن يشككوا الناس في قيمهم ومثلهم الإسلامية الأصيلة , بما ينفثون من سموم قاتلة , كما وجد المجان وأصحاب الخلاعة في تعاليمها فرصة لإشباع رغباتهم الحسية والجسدية , فكثيرا ما كان الزنادقة
يصطحبون معهم المجان أثناء المنادمة "(28)
لذلك نستطيع أن نستنتج أن تمرد بشار بن برد وتمرده ضد المجتمع اقترن لديه بمسألة الزندقة من وجهين :
الأول : عدم القدرة علي تحديد هوية عقائدية منذ البداية , فقد سبب التكوين النفسي , والضيق الذي عاشه بشار إلي إنتاج شخصية حادة المزاج / مترددة , فعاش – نتيجة ذلك – في صراع عقائدي مرير في مرحلة ما من حياته , فحاول أن يحسم هذا الصراع بالثورة والتمرد.
يقول د. سيد حنفي حسنين : " وهكذا عاش المجتمع العباسي في صراع بين صنفين من الأخلاق , ونوعين من القيم , مثل أحدهما طبقة المجان والزندقة , ومثل الأخرى طبقة الزهاد والمتعبدين , وليس ذلك بأمر غريب علي المجتمع جمع بين المتناقضات في السياسة والاقتصاد والثقافة , وحاول الإنسان أن يعيش كل ذلك , ولكن تجاذبه طرفا هذين الاتجاهين , فمن الناس من انتحي ناحية طرف منهما , ومنهم من تردد بين الطرفين , لذلك تبلبلت الأحكام , وتنازعت الشخصية الواحدة الاتجاهات المتباينة , يفسر ذلك نماذج من شخصيات هذا العصر ومنها بشار بن برد "(29)
الثاني : حاول بشار التحرر من القيود كلها , عقائدياً ونفسياً , ورغبة دائمة منه في الظهور أمام نفسه قبل أي أحد بمظهر المؤثر في هذا المجتمع الذي يعيش فيه , لتحقيق قناعة ذاتية خاصة بالتميز والمغالبة الاجتماعية في محاولة جادة منه لتجاوز شعوره بالقهر والظلم المجتمعي الذي عاش يعانيه
يقول د. عز الدين إسماعيل : " وفي هذا العهد برزت بشكل سافر فئة من الظرفاء والمجان والمتزندقين الذين وجدوا في ممارسة الحياة علي هذا النحو اللاهي العابث إعلاناً عن حريتهم في السلوك , وفي العقيدة جميعاً , حتى إنهم كانوا يجاهرون بالقول , لا يخشون جرح الذوق العام أو صدمه "(30)
وبذلك نقر بأن زندقة بشار بن برد كانت محاولة دافعية نفسية لا إرادية منه كي ينهم أكبر قدر من الحرية التي حرم منها , فقد عاش سجين المحبسين ( فقره وعماه ) لكن حريته , وتمرده ضد المجتمع اتخذا هذا النمط السلوكي العقائدي الشاذ نتيجة تكوينه النفسي المختل , فاتخذ بشار أنماطاً اجتماعية سلوكية علي هذا القدر من الحدة تعود في الأساس إلي رغبته الانتقامية في الاصطدام المتمرد بالمجتمع .
خامساً : الشعوبية ( حيلة دفاعية ظاهرها التعصب ) :
إن شعوبية بشار نمط آخر من أنماط محاولاته المستمرة لاستجداء القيمة الذاتية من ناحية , ومحاولة دائمة للتصادم المرير مع المجتمع من ناحية ثانية , لقد حاول بشار أن يتجاوز المزالق الاجتماعية والنفسية التي يعانيها ( الثالوث السلبي في حياة بشار : الفقر / العمى / القبح ) , فكانت إحدى وسائله لتجاوز تلك المنعطفات النفسية ذات الطاقة السلبية محاولته التفاخر المرضي بأصوله الفارسية , عن طريق أنماط سلوكية / فنية حاول من خلالها أن يظهر ضعة المجتمع أمامه وليس العكس , وذلك مظهر صدامي بين بشار وبين مجتمعه غير المتصالح معه , وهنا تبرز شعوبية بشار , التي كانت تفعيلاً موسعاً لشعوبية الفرس , التي بدأت بوادرها
عندما " أخذ عنصر الموالي يتميز ويستعلي في المجتمع الإسلامي , وحتى إذا تم الانقلاب العباسي في أواخر الثلث الأول من القرن الثاني , فقد تم للموالي ما أرادوا وتحقق لهم ما أملوا , وعلموا أن دولتهم التي أسقطها العرب قد عادت إليهم في صورة جديدة , ومنذ ذلك الوقت بدأ الصراع الحقيقي بين العرب والموالي , فما أصابه الموالي من نصر ملأ نفوسهم حمية كان نذيراً للعرب أن يدافعوا عن أنفسهم ضد هذا الخطر المتوثب عليهم , فوقفت العصبيتان العربية والشعوبية متحفزتين ... علي أنه كان إلي جانب هذه الخصومة المفرقة , عوامل أخري مجمعة , منها العامل الديني , ومنها العقدة النفسية الكامنة في أنفس الموالي التي كانت تشعرهم بالضعة "(31)
والشعوبية من الوجهة اللغوية أو الاصطلاحية تدور حول مفهوم واحد يعبر عن الحط من شأن العرب
يقول الزمخشري : " وفلان شعوبي , ومن الشعوبية , وهم الذين يصغرون شأن العرب , ولا يرون لهم فضلاً عليهم "(32) , ويعرفها أحمد أمين بقوله " الشعوبية – بمعني الشعوبيين – جمع شعوبي , نسبة سماعية للشعوب , وإذا قصد بها النزعة العدائية فهي مصدر صناعي كالاشتراكية والرأسمالية , وأطلق هذا اللفظ – الشعوبية – علي أصحاب هذه الدعوة لانتصارهم للشعوب الأعجمية "(33)
وما كانت الشعوبية الخاصة ببشار إلا نتيجة لتلك النظرة العرقية من العرب إلي الموالي يضاف إلي ذلك شعوره المسبق بالإحباط والاضطهاد , والتوتر الدائم في علاقته بالمجتمع , نتيجة شعوره بفقدان العدل الاجتماعي
يقول د.: محمد عبد العزيز الموافي " ساعد علي اتساع الفجوة بين بشار ومجتمعه النظرة العرقية التي نظر بها العرب إلي الموالي غير مطبقين لمبادئ الإسلام في التسوية بين كافة الأجناس ... مهملين إقامة العدل الاجتماعي "(34)
ونتيجة لهذا تعرض بشار لما عاناه غيره من الموالي , لكن بشاراً بحساسيته وازدرائه لمجتمعه – لن يقبل الإهانة , فاشتعلت الحرب بينه وبين المجتمع العربي .ومن هنا كان الصوت الشعوبي من أقوي الأصوات في شعر بشار , بدأه هادئاً , ثم استمر يعلو به حتى تحول إلي صخب وضجيج فيما يشبه الثورة ضد المجتمع , لقد وجد بشار في شعوبيته متنفساً موضوعيا / فنياً لينفث فيه شحناته العدائية
الغاضبة / الصاخبة أو التي اعتقد من داخله أنها ستثأر له من هذا المجتمع , والذي شعر تجاهه بصنوف من النقص والهزيمة .
سادساً : الاتجاه التجديدي في شعربشار نمط من التمرد الفني :
لقد تمرد بشار علي قواعد الفن الشعري , فلم يقتصر إبداعه علي النهج القديم في التأليف فقط , بل جمع بين القديم والحديث , ثم اتخذ لنفسه قالباً قصصياً في إطار الصياغة الفنية للصورة السمعية
وإني أستطيع أن أقرر أن تلك الأنماط التجديدية في شعره ما هي إلا تمرد ضد المجتمع المبدع من الناحية الفنية , ورغبة في الوصول للكمال الإبداعي / التميز الفني لقهر الإحساس بالنقص من ناحية ثانية
يقول د. عبد الحكيم راضي : " بشار الذي اشتهر بأنه زعيم المحدثين وبأنه سلك طريقاً مخالفاً للأوائل "(35)
وجمع بشار بين أسلوبين في الشعر نمط سلوكي دافعي نفسي لتحقيق قدر من التميز , وحيلة دفاعية للتمرد ضد التقاليد الفنية , وبالتالي التمرد ضد المجتمع ككل
يقو ل د. سيد حنفي حسنين : " بهذا وضع بشار منهجاً لجماعة من الشعراء الذين عاصروه أو جاءوا بعده , منهجاً يقوم علي اتخاذ أسلوبين في نظم الشعر , أسلوب قديم يثبت فيه قدرته علي تمكنه منه ويرضي به النقاد اللغويين وأذواق المتمسكين بالفن القديم , وأسلوب جديد يرضي نفسه "(36)
والجمع بين أسلوبين في الشعر – فنياً- قد يعبر عن نفس قلقة , رغبة مجتمعية / نفسية في تعويض هواجس الاختناق الذي حاصر بشار , فتمرد ثم ثار – فنياً – ضد القواعد , في محاولة للصخب والصراخ
يقول د. سيد حنفي حسنين : " لم يكن الأمر سهلاً للشاعر أن يعيش بذوقين , وبأسلوبين , لذلك نلاحظ منذ أول وهلة حين نقرأ شعره الذي يعبر فيه عن ذوق الجيل القديم وبأسلوب هذا الجيل أنه يصطنع ذلك اصطناعاً وأنه يلزم نفسه ما لا تود هذه النفس أن تصدح به لذلك لا تستطيع دائماً أن تحتفظ بكل خصائص الذوق القديم , فتخرج عنه في بعض الأحيان مرغمة وكأنها تلتقط بعض نسمات الأريج الحديث كي لا تختنق , فإذا ما أطلق الشاعر لهذه النفس أن تعبر عن ذوقها وبأسلوبها الخاص اندفعت تعبر بشراهة عن خوالجها , وبتطرف شديد أيضاً وكأنها تنتهز الفرصة لذلك حتى تعوض عن هذا الاختناق الذي تتعرض له من الفينة والأخرى "(37)
ونستطيع أن نقيم جانبين تقنيين أحدهما موضوعي والآخر فني في شعر بشار عبرا عن تمرده الفني ضد القواعد , وبالتالي عبرا عن رغبته في كسر المألوف والتعبير الصارخ عن قيمته الذاتية في مواجهة المجتمع الذي مزق أواصر الترابط معه
الجانب الموضوعي : ويتمثل في غرض الهجاء , فقد بدأ بشار حياته هجاءً بسبب نموه في مربد البصرة , وبتأثير كبير من طبيعته النفسية وظروفه الاجتماعية , وهجاء بشار يتسم بالعنف والخروج علي الآداب,لأنه يتناول الأعراض بأقبح وأحط ألفاظ السباب , وفي ذلك قمة التمرد ضد المجتمع
الجانب الفني : ويتمثل في المطالع , حيث (( حاول بشار – أحياناً – أن يطيل مقدمات قصائده كي يتمكن من التعبيرعن نفسه قبل أن يخوض فيما يرضي ممدوحه ))(38)
وفي ذلك تمرد فني جاء جزءاً من سياق تمرده المجتمعي الجمعي
وهكذا تكتمل حيثيات الشخصية الثائرة / المتمردة / نفسياً / فنياً ..... بشار بن برد الذي تحدي المجتمع
يقول د. سيد حنفي حسنين : (( لقد أصبح بشار في صراع دائم مع مجتمعه حتي كرهه هذا المجتمع , وإن اضطر في حياته إلي ممالأته , كي يكف أذاه عنه , ولكنه حين تم تنفيذ حكم الإعدام في بشار لم يخرج في جنازته أحد إلا جارية سوداء كانت له , أما أهل البصرة فقد هنأ بعضهم بعضاً بموته ... نعم تلك كانت حياة بشار صراع بين ما هو كائن في نفسه وفي مجتمعه , وبين ما يجب أن تكون عليه هذه النفس وهذا المجتمع , كان ابناً لعصره بكل تناقضاته , ثقافي أو جنسي أو سياسي , فعاش يتحدي الحياة , فعاش لنفسه ولم يعش للناس , ولكنه أجبرهم علي أن يعيشوه حتى نجحوا في القضاء عليه ))(39)
وبذلك نكون قد ألقينا الضوء علي الجانب النفسي المتأزم في شخصية الشاعر بشار بن برد وتلك الدوافع النفسية والمجتمعية التي جعلت منه متمردا / ثائرا وفي حالة صدام دائم مع المجتمع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
(1) محمد عبد العزيز الموافي : حركة التجديد في الشعر العباسي , ط دار غريب للطبع والنشر , القاهرة , ص179
(2) المرجع نفسه : الصفحة نفسها
(3) طه الحاجري : بشار بن برد , ط دار المعارف بمصر , سلسلة نوابغ الفكر العربي , ط4 , ص19:18
(4) أبو الفرج الأصفهاني (ت 356ه – 976م ) : كتاب الأغاني , تحقيق د . إحسان عباس , و د. إبراهيم السعافين , وأ. بكر عباس , ط دار صادر , بيروت , لبنان , ط3 , ( 1429ه – 2008م ) , المجلد الثالث , ص141
(5) سيد حنفي حسنين : بشار بن برد ( دراسة في النظرية والتطبيق ) , ط دار الثقافة للطباعة والنشر , القاهرة , 1987م , ص92
(6) محمد عبد العزيز الموافي : حركة التجديد في الشعر العباسي , ص189
(7) محمد زغلول سلام : الأدب في عصر العباسيين منذ قيام الدولة حتي نهاية القرن الثالث , ط منشأة المعارف , الإسكندرية , ص330:329
(8) شوقي ضيف : الفن ومذاهبه في الشعر العربي , ط دار المعارف , ص150
(9) سيد حنفي حسنين : بشار بن برد ( دراسة في النظرية والتطبيق ) , ص92
(10) شوقي ضيف : تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) , ط دار المعارف , الطبعة السادسة عشرة , ص214
(11) محمد ابو الأنوار : الشعر العباسي , أعلامه وقضاياه , ط مكتبة الشباب , ص53
(12) مختار حمزة : سيكولوجية ذوي العاهات , ط دار المعارف بمصر , 1956م , ص125
(13) أبو الفرج الأصفهاني : كتاب الأغاني , المجلد الثالث , ص94
(14) سيد حنفي حسنين : بشار بن برد ( دراسة في النظرية والتطبيق ) , ص90:89
(15) سيد حنفي حسنين : بشار بن برد ( دراسة في النظرية والتطبيق ) , ص94
(16) ابن منظور : لسان العرب , ط دار المعارف , مادة : عوذ
(17) أحمد الشايب : أصول النقد الأدبي , ص 111
(18) سيد حنفي حسنين : بشار بن برد ( دراسة في النظرية والتطبيق ) , ص210
(19) عز الدين إسماعيل : في الشعر العباسي ( الرؤية والفن ) , ط المكتبة الأكاديمية , القاهرة , الطبعة الأولي , 1994م , ص239
(20) محمد عبد العزيز الموافي : حركة التجديد في الشعر العباسي , ص45
(21) طه حسين : حديث الأربعاء , ط دار المعارف , الطبعة الرابعة عشرة , ج2 , ص20
(22) المرجع نفسه , الجزء نفسه , ص31
(23) سيد حنفي حسنين : بشار بن برد ( دراسة في النظرية والتطبيق ) , ص110
(24) عز الدين إسماعيل : في الشعر العباسي ( الرؤية والفن ) , ص251
(25) سيد حنفي حسنين : بشار بن برد ( دراسة في النظرية والتطبيق ) , ص109
(26) شوقي ضيف : تاريخ الأدب العربي ( العصر العباسي الأول ) , ص79
(27) المرجع نفسه , ص204
(28) عثمان موافي : التيارات الأجنبية في الشعر العربي حتي نهاية القرن الثالث الهجري , ط دار المعرفة الجامعية , 1996م , ص254
(29) سيد حنفي حسنين : بشار بن برد ( دراسة في النظرية والتطبيق ) , ص88
(30) عز الدين إسماعيل : في الشعر العباسي ( الرؤية والفن ) , ص246
(31) طه الحاجري : بشار بن برد , ص8
(32) الزمخشري : أساس البلاغة , ط كتاب الشعب , ج7 , ص65
(33) أحمد أمين : ضحي الإسلام , ط دار النهضة المصرية , ج1, ص54
(34) محمد عبد العزيز الموافي : حركة التجديد في الشعر العباسي , ص191
(35) عبد الحكيم راضي : النقد والتجديد في الشعر العباسي , ط دار المعارف , سلسلة : كتابك , (155) , 1978م , ص22
(36) سيد حنفي حسنين : بشار بن برد ( دراسة في النظرية ) , ص127
(37) المرجع السابق : ص117
(38) المرجع السابق : ص128
(39) سيد حنفي حسنين : بشار بن برد ( دراسة في النظرية والتطبيق ) , ص114
* البحث عن رسالة الدكتوراه للدكتور السيد مختار القهوجي بعنوان الصورة السمعية في شعر بشار بن برد إشراف : أ.د عبد الحميد القط و أ.د مختار عطية عبد العزيز وحصلت علي تقدير مرتبة الشرف الأولي / آداب المنصورة
حقوق الطبع والنشر محفوظة لكاتب الدراسة والبحث
0 comments:
إرسال تعليق