• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 4 فبراير 2020

    حسن بخيت يكتب عن : " مهلا أيها الشامتون "

    حسن بخيت يكتب عن : " مهلا أيها الشامتون "


    فور انتشار الأنباء عن فيروس الكورونا ،الذي أصاب الصين ،وجاء رد الفعل العربي التنوع بين المتعاطف مع الصينين وعددهم قليل ، واخرون غلبت عليهم الشماته فيهم وهم الأغلبية ، نظرا لظهور هذا الفيروس عقب محاصرة الحكومة الصينية لمسلمي الأيغون .
    تفسيرات كثيرة كتبت على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لما يحدث الأن في الصين ، منها ما يقبله العقل ، ومعظمه مبالغ في تأويله ، فالغالبية اعتبروا ظهور فيروس الكورونا هو انتقام الإله ورده على محاصرة الصين لمسلمي الأيغور وتعذيبهم قبل شهور ، واعتبر آخرون أنه انتقام لجرائم الصينين ضد المسلمين ، وقال مغردون : أن فيروس كورونا مصتنع ووراء ظهوره أمريكا وترامب لوقف النمو الاقتصادي الصيني الذي أصبح مرعبا ، بينما اتخد فريق ليس بالقليل من المغردين العرب موقفاً معارضاً للشماتة والتفسيرات التي اعتبروها ساذجة.
    -- أحترم كل الأراء ولا أقلل من عقول الأخرين - لكن تعالوا معي نحلل ونناقش القضية بالعقل وبدون عصبية وفقدان للعقل والفكر
    أولا : لا أحد ينكر أن الأزمات كالأعاصير والزلازل وانتشار الأمراض كالفيروسات، وغيرها من الظواهر والأزمات التي لا دخل للانسان في تواجدها ، تحل بالدول دون إختيار منها ، بل رغم أنفها ، وتكون مكرهة عليها ، لأنها جند من جنود الله يرسلها كما يشاء ، ولمن يشاء ، وتكون للعبرة والعظة ، أو للابتلاء والإختبار ، وأحيانا للغضب والانتقام ،ولا يعلم أمرها الا الله -سبحانه ، فالكون بيده والبشر عباده ، وكل شيء عنده بقدر معلوم ..
    ثانيا : الأمر ليس بوقوع الأزمة أو مجيئها ، فقد رأينا دول كبري متقدمة تتعرض لأكبر وأصعب الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين والاعاصير ، او انتشار الفيروسات ، وغالبا ما تكون خسائرها البشرية أو المادية متدنية جدا مع حجم وقوة الكارثة ، بينما نرى الأمر مختلف تماما في دول أخرى ، فقد تمر تلك الدول بمشكلات بسيطة ، لا تصنف كأزمات أو كوارث ، كسقوط أمطار غزيرة، أو انهيار عقار ،او انفلونزا عادية ، ونراها تعصف بها ، وتغرق في شبر من المياه ، لانها غير مهيئة ولا تمتلك من فنون التعامل مع الأزمات أي رصيد ، وتفشل في الخروج من الأزمة بسلام ، والعجيب أن نفس المشكلة تتكرر معها عام بعد عام ، لتكون المحصلة مئات بل ألاف من الوفيات ، والخسائر المادية تكون فادحة ، لأنها لم تستطع التعامل مع الأزمات لا بعلم ولا بفن إدارة الأزمات، ولا توجد ثقافة لدى المواطن للتعامل مع أي مشكلة " ولم تتعلم من أزماتها السابقة في المستقبل ، لانها تعتمد على العشوائية في التخطيط ، بجانب الجهل والتخلف السائد بين مواطنيها ..
    تساؤلات تفرض نفسها ...
    ------------------------------
    لماذا كل هذه الحملات والتغريدات التي تظهر الشماتة في دولة أصابها الله -سبحانه - بأزمة حتى ولو كانت غير مسلمة ، وفي الوقت نفسه، لا ينكر أحد أنها دولة متقدمة وشعبها منتج ومخترع وأستفاد من اختراعاته وانتاجه وفكره وعلمه العالم كله ، وعلى رأسهم الدول العربية ؟!!!
    الصين ليست دولة الملائكة ، وفي نفس الوقت دولة ليست عدوانية كدول أخري تريد السيطرة على العالم العربي بالبلطجة ، وكلنا نعرفها !!!
    معظم المغردون العرب يدعون ويتمنون انهيار الاقتصاد الصيني !!! ،ولم يفكر أحد منهم أويسأل نفسه سؤال واحد ، كيف نعيش بعد انهيار الصين اقتصاديا ؟ وكل ما نستخدمه نحن العرب الآن فى حياتنا اليومية ولا يمكن الاستغناء عنه باي شكل كان، لم يخترعه العرب أو المسلمون مثل: التليفون والموبايل والتلفزيون والكمبيوتر والطائرة والقطار والكاميرا والسيارة والثلاجة والغسالة وجميع الأجهزة الكهربائية والالكترونية ، وأدوات المدارس من قرطاسيات وأقلام ... الخ , ناهيك عن الملبس والمأكل وكل مقومات الحياة ،حتى فانوس رمضان ولعب الأطفال وعيدان الكبريت والولاعات ليست من صناعة العرب ، فالعرب لا يصنعون شيئا لا داخل بلدانهم أو خارجها ، أى أننا نستعمل فواكه الحضارة الحديثة هذه من دون أن نشارك فى صناعتها بكل أسف!
    المسلم لا يشمت في أحد ، فداء الشماتة لا تتصف به الا النفوس المنحطة الوضيعة ، والمسلم ليس كذلك ، فلماذا نرى الشامتين يغردون ويكتبون ويتحدثون بفرحهم وسرورهم نكاية ببني بشر قدموا للبشرية الكثير من المنافع ، فيعمل إعلام الشامتين على منصات التواصل الاجتماعي على إظهار الغبطة والنشوة بما يحصل لهم ، ويتصدى الشامتون لوسائل التواصل يردحون ويرقصون طربا لتلك الأزنة وما ذلك إلا لأن الشامتين يختلفون مع أولئك في طروحاتهم أو آراءهم أو أفكارهم أو منهجيتهم.
    لكن : ماذا نفعل مع جهلاء الدين وأنصاف العقول ، فديننا الاسلامي حرم الشماتة ولم يبيح للمسلم أن يشمت في مصائب غيره ،ولا أدري كيف يبيح المسلم لنفسه الشماتة سواء بأخيه المسلم أو بفير المسلم ؟ فهل لك أن تتشفى بمصيبة الأخرين ، حتى وإن كنت تخالفه؟ ألم يرد على مسامعك : (أن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال: أليست نفساً؟ )
    أما تخشى أيها الشامت.. أما تخشى أن تبتلى بمثل ما ابتلي به الأخرون ؟ كما روي في الأثر (لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك)، يذكر أهل التاريخ أن القائد صلاح الدين حين مات فرح بموته أحد قادة الأقاليم واسمه سيف الدين حتى أسرف في الشماتة بموت صلاح الدين فلم يمهله الله بعد ذلك إلا شهرين فمات بعدها.
    حتى كان السلف يخافون من تلك الخصلة اللئيمة فقال أحدهم: شمت من رجل فقد أسنانه ففقدت أسناني، وقال آخر: شمت من رجل فقير فأصابني الفقر، وقال آخر: شمت بمفلس فأفلست، حتى قال ابن مسعود: إني لأخشى أن أشمت بكلب.
    تساؤلات كثيرة أخري لن أذكرها ،لأنني لا أجد اجابة لها !!!
    لكن : ما العمل؟ وأين الحل ؟
    لماذا وصل الحال بنا إلى هذا المستوى البائس؟ وكيف ننفلت من أسر هذا الوضع المحزن والمخزي ؟ كيف ننهض ؟
    للأسف لن ننهض ولن نخرج من عنق الزجاجة ، لأن طريقة تفكيرنا هى المشكلة نفسها , ورؤيتنا للعالم هى المأساة الحقيقية ..
    ومع كل هذه التحديات والصعاب التي تعرقل نمو ونهضة الأمة العربية والاسلامية ،الا أنني أؤكد أن خلاصنا من واقعنا المر لن يتحقق الا عندما نحرر عقولنا من كل ما يعرقل نموها وتطورها ، ولا بديل لنا من أن نصنع مجتمعاً ينهض على العلم، مجتمعاً ينعم بالفكر والأدب والوعي والثقافة ، مجتمعا يقدر قيمة العمل والانتاج، مجتمعاً يسهم بنصيب فى إثراء الحضارة الإنسانية. مجتمعاً ينفر من القبح والفوضى والقذارة، مجتمعاً يبجل قيم الحق والخير والعدل والجمال
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: حسن بخيت يكتب عن : " مهلا أيها الشامتون " Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top