ترددت كثيرًا قبل كتابتي لهذه السطور ، لما قد أناله من هجوم حاد، أو ربما يتم اتهامي بالتطبيل للنظام البائس البائد الذي كان سببا في تشويه صورة الرئيس الراحل حسني مبارك رحمه الله ، ووضعه في تصادم مع شعبه في أخر سنوات حكمه ، لما أصاب البلاد من فساد لم تشهده مصر من قبل ، وسيطرة حفنة من الفاسدين على زمام البلاد ، لكن كان لزاما علينا قول كلمة حق نلقي الله بها ، يوم يحاسب كل انسان على ما قدم في هذه الحياة الدنيا .
مبارك وما له
-----------------
محمد حسني السيد مبارك مواطن مصري له من الحقوقُ وعليه من الواجبات ، تعلم في مدارس مصر والتحق بالكلية العسكرية شأنه شأن أي طالب مصري، تدرج في ترقياته العسكرية لتفوقه في عمله ، عين نائبًا لرئيس الجمهورية في سبعينيات القرن الماضي بعد أن أبلى بلاءً حسنًا في حرب أكتوبر المجيد وحمل روحه على كتفه شأنه شأن كل الجنود المصريين الذي شاركوا في حرب أكتوبر المجيدة من أجل استرداد الأرض المغتصبة، واسترداد كرامة كل المصريين ، وكان مبارك أحد أبطال حرب أكتوبر كغيره من ألاف الأبطال ، وقاد سلاح الطيران الذى حقق الضربة الجوية ومهدت للعبور للعظيم، وقد سجل له التاريخ دوره وحسن أداء عمله شأنه شأن الاف من أبطال مصر ، وحتى لا يتهمني أحد بالتطبيل ، فكلنا نعلم أن الانتصار كان ملك لمصر وعلى أيدي جيش مصر وشعبها وليس ملكا لمبارك، والضرية الجوية التى قصمت ظهر إسرائيل، كانت لنسور الجو المصريين، والحرب والانتصار الذى تحقق فخر لنا جميعا.
شاءت ارادة الله لهذا الرجل أن يتحمل مسئولية البلاد كاملةً وأن يكون رئيسًا لها بعد اغتيال الرئيس الشهيد البطل "محمد أنور السادات " في العرض العسكري في أثناء الاحتفال بذكرى انتصارات حرب أكتوبر المجديد 1982، ولشهادة الحق فقد كان الرئيس مبارك رحمه الله وقتها فعلًا على قدر المسئولية ووصل إلى شعبية جارفة بالشارع المصري ، وأخرج مصر وقتها من مشاكل عديدة، واستطاع أن يسيطر على أمن مصر والخروج بها الى بر الأمان ، وبعد توليه الحكم كانت "طابا " هي الشغل الشاغل للادارة المصرية لتحرير واسترداد آخر الأراضي المغتصبة من الكيان الصهيوني ، ولشهادة الحق التي سنلقى الله بها ، لم يهدأ بال الرئيس مبارك وقتها حتى رفع العلم المصري على أرض طابا بنفسه في إشارة إلى عدم التفريط في شبر واحد من أرض مصر واحترامًا لتراب هذا البلد ومشاعر هذا الشعب العظيم
لن ننسى للرئيس مبارك أيضا أنه فى بداية عهده رفض تشويه سمعة زعماء مصر، وخاصة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس البطل محمد أنور السادات ، وأوقف حلقات محمد حسنين هيكل فى الأهرام التى استهدفت الانتقام من السادات وتحقيره وتشويه صورته، خصوصا الحلقة التى تناول فيها عن أم السادات بألفاظ وعبارات عنصرية ، لن ننسى للرئيس مبارك أيضا أنه هو من رفع شأن حكام مصر فى خطاباته، ولم يتحدث عن أى زعيم إلا باحترام وتقدير
لا ينكر المشروعات القومية التي تم تنفيذها في عهد الرئيس مبارك الا جاحد وناكر الجميل، كبناء الكباري ومد الطرق ،مترو الأنفاق وغيرها وغيرها من المشروعات الكبرى التي تخدم المواطن ، وأرسى مبدأ المواطنة بين الجميع ، وحارب الارهاب والتطرف وقضى على الافكار المغلوطة لدى الشباب التى كادت تطيح بالبلاد الى مستنقع الفتنة الطائفية ، كما أنه حافظ أيضا على هيبة الدولة المصرية عالميًا وعربيا وأفريقيا أمام الدول فكم كنا نفخر بالرئيس مبارك عندما يستقبله رؤساء الدول العظمى استقبالًا حافلًا تعكسُ قيمة هذا الرجل ومدى حكمته وحنكته وقيمته وقدر مصر بين الدول وخاصة الدول العربية ، التي كانت لا تجرأ أن تذكر مصر ولا رئيس مصر بسوء ، وكان المساس بحقوق المصريين في الخليج خط أحمر، فكان مُبارك اذا تحدث أنصت له الجميع من قادة العرب ، كما يحسب له أنه لم يرضخ يومًا ما أمام الضغوط الدولية بإنشاء قواعد عسكرية على أرض مصر أو التورط في حروب ضد أي دولة كما فعلت كثير من الدول العربية .
مبارك وما عليه
--------------------
لم يكن الحظ حليفا للرئيس الراحل حسني مبارك ، ووقع في أخطاء فادحة نهاية حكمه ، كادت تطمس تاريخه واسمه من سجلات التاريخ ، نتيجة لاطماعه في توريث الحكم لابنه ، وتلبية لرغبات أسرته والمحيطين به من الحاشية الفاسدة ، نذكر منها تشبثه بالسلطة لثلاثين عامًا ، حتى وسوس له شياطين الانس من حاشية الفساد بتعديل الدستور بما يَصبُ في مصلحته ومصلحة مشروع التوريث المحتمل وسمح لهؤلاء الفاسدين في التحكم في مقدرات البلاد الداخلية بالإضافة إلى انعزاله عن الشعب في الفترة الأخيرة وسيطرة الحزب الوطني على مقاليد الأمور بالبلاد ، والذى سعى في البلاد فسادا وخرابا، مما زادت الأمور تعقيدًا حتى وصل الأمر إلى تزوير إرادة الملايين من الشعب في الانتخابات البرلمانية على مرئ ومسمع الجميع في تَحدِ سافر لإرادة الشعب المصري، وما كان من الرئيس مبارك الا أنه تجاهل ما حدث في الانتخابات واستسلم لإرادة حزب الخراب الوطني ، وأصحاب الرأسمالية ، والخونة وأطلق تصريحًا أغضب الشعب قائلًا خليهم يتسلوا ، ليمتلك حزب الخراب الحاكم زمام البلاد وسيطر على مؤسسات الدولة بأكملها ،ففسدت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنيابية في أواخر عهده وترك المشهد لابنه يفعل ما يحلو له عن طريق شياطين الفساد، فساءت الأحوال المعيشية والاجتماعية للمواطن المصري ، وانتشر الظلم والقهر والفقر أنحاء البلاد ، فأغلقت مئات المصانع تحت سمعه و بصره مثل مصانع : -إنتاج إطارات السيارت - إنتاج بطاريات السيارات - النصر للسيارات - مصر للألبان والأغذية - الأغذيه قها و إدفينا- مصانع الزجاج و البلور - محالج القطن - مصانع الغزل و النسيج - مصانع المنظفات - مصانع النحاس - مصانع حجر البطاريه - مصانع زيوت الطعام و السمن - جميع مصانع الاكترونيات - المصنع الوحيد للبصريات - جميع شركات النقل الثقيل - جميع أفرع شركة النصر للإستيراد و التصدير حول العالم و التضييق الشديد علي الكثير وكل هذا لصالح المنتج المستورد وتم تسريح العمالة وزيادة البطالة ،بجانب التعليم الذي انهار في عهده ، وأصبحت المدارس مؤسسات قديمة متهالكة لا تصلح للتعليم ، ولا تواكب متطلبات العصر الحديث والتعليم العالمي ، بجانب المستشفيات العامة التي لا تسر عدو ولا حبيب، والعشوائيات التي ضربت البلاد ، ناهيك عن الأكل المسرطن والمياة الملوثة والبنية التحتية المتهالكة ،والفساد الاداري الذي ضرب مؤسسات البلاد والرشاوي والمحسوبية والتربح .
قامت ثورة يناير وحدث ما حدث إيان الثورة المصرية من سقوطِ للشهداء بطريقة أغرب وأعجب من الخيال ، لتخرج علينا الأحزاب الدينية وغيرها من الجحور لتستغل قيام الثورة المصرية والذي من مصلحتها تأجج الأمور وتعقدها حتى يصل كل حزب الى مخططه الذى انتظره كثيرا ، لتتحول الثورة عن أهدافها ، وتنحدر عن مسارها الوطني وتظهر الكلاب المسعورة من أجل تقسيم ما تشتهيه من الوليمة ، ولولا فضل الله -سبحانه - الذى تكفل بحفظ مصر بحفظه ، فسخر لنا الله جيش مصر العظيم ، ويقظة المخلصين من أبناء الوطن لضاعت مصر في براثن المجهول شأنها شأن دول الجوار التي تم تدميرها باسم الثورات والتغيير.
رحل الرئيس مبارك وله ما له من الصواب وعليه ما عليه من الخطأ، وسيقف أمام الخالق -سبحانه وتعالي- عاريًا بلا مالِ أو جاهِ أو سلطان، سيحاكمه أحكم الحاكمين أمام معشر البشر وستظهر كل الحقائق جلية أمام رب الناس ولم يتبقى أمامنا إلا أن نترحم عليه لما أصاب فيه ، ونتغافل وننسى ما أخطأ فيه ، وننظر لمستقبل بلادنا، ونعمل جاهدين من أجل رفعه شأن الوطن، ومواجهة التحديات الكبرى التي تواجه مصرنا الحبيبة .
رحم الله الرئيس حسني مبارك ، وحفظ الله مصر من كل سوء ومكروه .
0 comments:
إرسال تعليق