لم اخطط لحضور جلسة اتحاد الادباء في البصرة مساء امس , بل فوجئت بها عندما, فجأة وجدت نفسي في مواجهة جمهور الحاضرين وان المسؤول الذي وعدني بفك أسر هويتي المرتهنة منذ اشهر لسبب عرفت انه غير مبرر, مع اني سددت بدل الاشتراك كاملا واستلمت بطاقة ماستر كارد غير سارية المفعول , كان وسط الجلسة .. وخشية ان احسب على المتصيدين في الماء العكر في ذروة تبادل الاتهامات بين قادة الاتحاد ومنتقديهم , سكت عن حجب منحة الادباء عني وحبس هويتي أشهرا !
بعد ان فوجئت بانعقاد الجلسة,
رأيت من غير اللائق ان اشتت انتباه الحاضرين واقطع سلسلة افكار الزميل المسؤول الذي كان يتوسط الجلسة او الدكتور المحاضر .
. انتحيت جانبا ورحت استمع مرغما الى المحاضرة التي بدا لي انها تتحدث عن الطيبة والأصالة التي خص بها الخالق اهل البصرة دون سائر العراقيين والعالم .تساءلت مع نفسي هل هناك معيار لقياس الطيبة والاصالة ؟ من هو الطيب ومن هو الخبيث ,من هو الاصيل ومن هو الهجين او الكديش بين ابناء محافظة استباحتها قديما جيوش صاحب الزنج واحرقت مسجدها والمصلين فيه حتى وصلت جيوش الزنج تخوم محافظة واسط او الكوت بعد ان اتخذت من منطقة ابي الخصيب مقرا لعاصمة دولة الزنج واسمتها المختارة وعاثت فيها سنينا فسادا .؟ ثم عرجت على جحافل الغزاة الذين كثيرا ما دخلوا العراق من البصرة الميناء المطل على الخليج العربي حيث الطريق سالكة الى الهند , وعشرات آلاف الغزاة الذين عادة ما , بعد رحليهم يخلفون رواسب من اقوام جندوها حطبا لنيران حروبهم , اعدادا من المرتزقة وممن استهوتهم حياة البصرة وكثرة مواردها كالهنود من السيخ والهندوس والكركه والبلوش والفرس ناهيك عن اختيار الكثيرين من ابناء البلدان المجاورة للبصرة ,البصرة سكنا لهم . وقد شهدت بعضا من الرعيل الاول من لاجئي الارمن الذين بعد نكبتهم ,اسكنوا البصرة وتأقلموا مرغمين فيها وهم المنغلقون على انفسهم وكان لوالدي رحمه الله مع بعض شيوخهم ولي مع بعض شبابهم صداقات حميمة وذكريات !!
ثم تساءلت ايضا, هل سكان الدول الاوربية واستراليا المسيحية الدين الذين احتضنوا الملايين ممن هجرتهم بلدانهم المسلمة اشرار وغير طيبين ؟ طبعا لا. ولأن لدي فائض وقت وغردت وحدي خارج سرب الحاضرين مع اني بينهم , تذكرت ممثلة امريكا في الامم المتحدة , تلك الزنجية التي رغم سطوع اضواء القاعة الفخمة, لا تكاد ترى وجهها الا اذا ابتسمت ونادرا ما تفعل ذلك.!
تذكرت رئيس وزراء بريطانيا الهندي {اللفو } و الرئيس الامريكي الرشيق المرح , القاتل بصمت مثل كاتم صوت , اوباما الافريقي وجدته التي اشيع انها من اصول اسلامية وتذكرت ان نصف سكان الولايات المتحد الامريكية لفو ,الجنرال الامريكي ناصع السواد , أوستن وزير الدفاع الامريكي الحالي , رئيس المحكمة الامريكية العليا و كوندليزا رايز وزيرة خارجية أمريكا السابقة، السوداء ذات (الكشرة) القبيحة وغيرهم وتساءلت ايضا ,هل هؤلاء امريكيون أصلاء ,ام انهم لفو مثل بعض ملايين العراقيين الذين نزحوا إلى البصرة مرغمين , تذكرت رئيس هيئة الامم المتحدة الاسود كوفي عنان وقلت والله لو عندنا لما زوجه احد ابنته َمالم يكن من لونه (كلمن يشده بنده) لكن سويدية شقراء تزوجته كما تزوجت فرنسية مثقفة طه حسين الطالب المصري الفقير الاعمى وكانت سندا وعينا وعصا له يتوكأ عليها وكتبت عنه , طه حسين الطالب الأعمى اللفو على فرنسا الذي اصبح وزير المعارف المصرية بعدئذ . تذكرت ملايين العراقيين المستضعفين الذين , قسرا , اتخذوا من البصرة ملاذا مفترضين انها عراقهم وليست مجيرة باسم طائفة او نخبة منتقاة !!
قبل سبعين عاما او ثمانين, حينما كان هؤلاء النازحون يسكنون اطراف الزبير و صبخة العرب و الداكيرد ونهير الليل والبرغوثية والحكيمية والرباط والشمشومية وشط الترك يديرون عجلة اقتصاد البلاد , حملا على ظهورهم المنحنية تحت وطأة العوز والغربة, تعبى , يفرغون بضائع العالم تحملها بواخر تمخر عباب بحار العالم . او يعملون في مكابس تمور البصرة المحرمة عليهم تمورها ومن علقت بملابسه تمرة يعاقب عند التفتيش , يرزمونها في صناديق واكياس محلاة بالجوز واللوز الى انحاء العالم .عملوا شرطة وحراسا لبيوت اهل البصرة ومشغلين لحركة سير القطارات في المعقل وقبل ثمانين عاما لم اسمع من كرام البصريين الكلمة السبة المعيبة { لفو } !
اوه مالي وهذه المعمعة وانا المطعون في اصالتي البصرية . فرغم العقود الثمانية في البصرة يحسبني بعض اصلاء البصرة في تجمعهم ومجالسهم لفوا كما يحسبوا ملايين العراقيين لفوا يجب طردهم وتهجيرهم ..!
صرفت النظر عن فكرة المشاركة في المناقشة ونظرة التعالي هذه على أبناء وطنهم وقلت يا هذا بما انك ارتضيت ان تكون اديبا ,فلا تكن عملة محلية تنظر العالم من خرم ابرة فكل الناس اخوة وليست الطيبة والاصالة حكرا على قوم او طائفة .!!
. ولكي ابتعد عن هذا الجو الملغوم بالتنابز بالألقاب , فكرت في خساراتي في البصرة انا البصري اللفو الهجين !
فكرت في البصريات العاملات في مملحة الفاوالجنوبي، في أقدامهن الرقيقة ملفوفة بقطع قماش ثخينة والجروح التي تنهش فيها، فكرت في قصور اغنياء البصرة الاصلاء وفي منازل الأقنان البصريين الذين لا يجدون قوت يومهم يلفون أجسامهم بالوزرات لستر عريهم رغم طيبتهم!
.فكرت في سنين السجن في باستيل العراق، في شقيقي المفقود ماجد، في عبد الصمد الذي لم نعثر على جثته وعلى ما يدل عليه من قرص تعريف او خاتم وما شابه .في آخر لقاء بيننا فكرت . كنت في غرفتي حزينا افكر في مصير اخي صمد ووصية والدته ,صمد الجندي في القوات الخاصة حينما فجأة فتح الباب ودخل على من كنت افكر فيه أخي صمد .كان اشعثا مغبر الملابس ممزق الحذاء مصفر اللون وقبل ان انهض هجم علي واحتضنني بلهفة من يريد ان يفارق .اعذرني اخي فقد اتعبتك كما اتعبك كل اخوتي .سامحني فقد لا نلتقي بعد اليوم!
صمد ماذا جرى, تهتز وانت الشجاع ؟ من اين جئت وهل مررت بوالدتك ؟ جئت من سعير جهنم التي طالما ابتلعت افواجا والوية من جنودنا وهي تصرخ هل من مزيد ؟. جئت من الفاو ولم ازر امي .!
كيف وهي على طريقك في الزبير ؟ هل رأيت خالك ابو خريبط , مديح السعدون وابناءه وخالك كركان ؟
جئت مباشرة الى خمسة ميل اودعك وامي واخوتي .في عودتي اعرج على جميع الأحباب في الزبير وأرجع !
بقيت اسبوعا في الزبير مرابطا على الاطراف أسأل العائدين مخذولين من الجبهة عن الفتى الرياضي الاسمر صمد ! وخشية ان افجع كانوا جميعا يحجمون عن قول الحقيقة المفجعة الا جنديا من ذي قار وضع رأسه على كتفي وراح ينحب ويقول , كان عبد الصمد في مأمن لكنه خاطر بنفسه لاخلاء جندي مصاب في ساحة المعركة ولأنه رياضي حمل المصاب على ظهره وسط تكاثف القصف واحتدام المعركة .كنا على بعد نشاهد المنظر عاجزين عن فعل شيئ , فقط نبتهل و ندعوا الله ان ينجي الاثنين. ومثل جناح حمامة كان عبد الصمد يلوح بيده فرحا حينما استهدفته رصاصة قناص فخر صريعا ولم يستطع احد انقاذه . !!!
اوصيك ان عاد عبد الصمد , دله على قبري , في مقبرة الحسن البصري وتعال معه .هي ليست بعيدة اليس كذلك ؟
قالت أمي الثانية قبل ان تلفظ اخر انفاسها !!.
مرت سنون ومثل عشرات الالوف من الجنود لم يعد صمد ّ!!
0 comments:
إرسال تعليق