لنبدأ بسؤال افتراضي ونقول ما هي المهمة الروائية ابتداء؟، فهي يمكن أن نقول مهمة نقل وقائع متصورة عن التاريخ والميثولوجيا والمجتمع، ومن ثم التعبير حسب مشاعر الكتابة نيابة عن التاريخ والميثولوجيا والمجتمع على السواء، والعملية ليست بيانات سردن بل وجهة نظر تقدم فرضيتها حسب استدلالات وعي الكتابة، واذا كان المجتمع منتجا للتاريخ سردا، اذان هو استعار قيمو ادبية كبرى من بداية التاريخ حتى لحظته المعاصرة، ولكن الرواية كانت اجدر في استلهامها العوامل الكبرى، حيث هي لا تكون معتقدة بها بالشكل الديموغائي كما لدى نماذج متفرقة في الوجود الشرين فهي اولا ذات منظور انساني يتصاعد فسه بغايات جمالية، وتهتم بالتعبير المثالي كغرض عام، وليس بصفة خاصة، والرواية الانموذج الامثل طيلة سيرورة الحياة، فهي تلك الحياة التي أن يعيشها التلقي العام، فهو المثال الاجدر للحياة، وتلك الفكرة تعكس لنا معنى مهما في تداولها، فأن الحياة تسير برتابة فيما الحياة الروائية تسير بتميز، والفرق واضح وجلي بين سيرورة الحياة وسيرورة الرواية وايهما اقرب للنفس البشرية، ولقد استمر ت الرواية في سيرورتها الاجدر، بل حتى بلغت حد التندر والاختلاف العميق في تناول موضوعاتها، وهناك طروحات مثيرة هزت وجدان العالم, ولابد من ذلك فوظيفة الرواية ليست لازالت بعد فقط للمتعة، بل تحولت الرواية الى خطاب وجداني، وقد تمكنت من تغيير نظم وجودية وتلك احد مهامتها، لكن ما هي مهمة الرواية في الاحتجاج بقيم مثولوجية؟، وهذا ما سنسعى الاجابة عليه من خلال رواية – لبابة السر – فهو انموذجنا المنتخب لتفسير تلك الفكرة وذلك السؤال، ورواية شوقي كريم – لبابة السر- الصادرة من دار الشؤون الثقافية هي من وجهة نظر ميثولوجية هناك مستوي الوعي الخارجي والوعي الداخلي للميثولوجيا، وانساق الكتابة هي متراكبة بين الوعي المسؤول ووعي المسؤولية، اي أن شخص الكاتب هو المسؤول عن المعلومات الواسعة العديدة، في الامر الواقعي والحقيقة الملموسة، اما وعي المسؤولية فهو داخل مرتبط بمنطق الظروف المسرودة وجميع الافاق التي دونتها الرواية كحقيقة خالصة تمثلها اكثر مما هي قد درجت في بنية التاريخ البشري كوحدات ميثولوجية، وكما لابد أن نشير هناك اركلوجيا واسعة ما دام هناك واقع ميثولوجي، حيث لم يكن الشخوص عبر تلك الاركلوجيا الا ممثلين بشكل رسمي لواقعهم البشري، وتصنيف السرد اركلوجيا مهمة ليس باليسيرة والسهلة، لكن قد استطاعت الرواية بلوغ المثامات الرفيعة في تمثيلها لبنية ميثولوجيا كانت اركلوجية الصفة .
نود أن نثير سؤالنا المعرفي ازاء بنية الرواية التي حققتها الوحدات السردية من جميع الوجوه والجوانب في افعال سردية متنوعة اعتمدت ابعاد اشارة وعلامة ودلالة متواصلة بتدرج سردي نحو افق المنطق النهائي، ونود أن نسال لماذا الميثولوجيا وليس التاريخ؟، بداية حسب المفهوم الشتراوسي إننا امام نسق ميثولوجي اكثر مما هو تاريخي، وفي تفسير المنسوب التاريخي هنا هو فقط يرتبط بسيرورة تلك الحياة التي اختارتها الرواية، اذن لابد أن نقر بأن شكل السيرورة تاريخي اوما مضمونها فهو ميثولوجيان والتاريخ يستوعب الحقائق فيما الميثولوجيا تستوعب الاساطير، وهذا ما استفاد منه شوقي كريم، فهو جعل روايته تحتمل افق حكائي قطعته الوحدات السردية كي يلائمها، وهنا يكون نفس الامتاع مشاعا، وفي المضامين السردية من جهة المبنى المقابل هناك السحر والغرابة الاسطورية، وهذا ما سيضيف الى متعة الرواية نساق اخر ويزيدها عمقا، لكننا لم نستنفد طاقاتنا المعرفية لبلوغ حد المتعة بل لنفسر الغايات التضمينية لتلك الميثولوجيا واساطيرها والهدف النفسي والثقافي لاستيعابها .
لقد بدأت رواية الميثولوجيا من تلوح لنا بعالمها منذ المستهل، حيث شكل نسق الكتابة تبويبات متوالية, حيث بدلا من فصل استخدمت مدلولا ميثولوجيا, وكان بصفة مبتكرة وهي – الرقيم الأول – وتدرج افق السرد في عرض صراعات الخير والشر الازلية من رقيم الى اخر, وقد اهتم المؤلف بالجانب الاعتباري اكثر من اهتمامه بنسق تلك الحياة الميثولوجية، فتفسير الصراع هو اشارة لفكرة تبئير علينا أن نرفع من مستوى وعينا لبلوغه، فنرى أن تلك الواجهة الاسطورية الرحبة هي انعكاس لكل زمان, وما تجاوزتها حياة في بنية التاريخ فيها قمة متسلطة وقاعدة تعاني من الظلم والتهميش، بل هناك صرخة داخلية للمؤلف علينا ان نكتشفها ونتضامن معها، ووفق هذا التفسير شكلت الرواية نوع من السرديات المثيرة للفكر الانساني، وهي قد استعارت الميثولوجيا كونها انسب رمزيا من المظاهر المكررة التي قدمها لنا التاريخ، وكذلك قدمها لنا الفن الروائي من الجهة المقابلة، حيث تمكن من تفسير الرمية الاسطورية كنسق حي رغم البعد التاريخي الكبير .
الترسيم الاشاري للرمز – شكلت بنية الرواية تواصل افعال سردية من جهات مختلفة ومستويات صوتية عدة، فكانت الرواية ذلك العالم اليثولوجي العديد التفاصيل السردية والوصفية، وتلك التفاصيل رغم تصاعد الحس الاسطوري بها كانت كرموز واقع مشهودة، فهي كشخصيات كانت من لحم ودم، حتى تلك التي كانت كنص الهي واخر بشري والفاصلة بين الحقيقة الميثولوجية والتصور الاسطوري لها، وقد تلاحمت افاق سلسلة السرد بقوة من جميع الجهات لتقدم لنا مواقف عديدة كل موقف في الرواية شكل افق اشاري من جهته الظاهرية بالرغم من تصاعد افق سهمه، وقد نجحت صيغ الكتابة والاسلوبية في توثيق المعرف والمجهول، وجعلهما سواء على خط افق واقع السرد والسرد قد تنامى بسرع زمنية مختلفة من جهة تفاصيل الى اخرى، وكانت الوقائع هي التي تدون نفسها من جديد داخل الحقيقة الروائية، لنحصل على وثيقة جديدة بمعنى ومستوى رمزي يوازي الوثيقة الاصلية التاريخية دون الحاجة أن يطابقها تماما، والحقيقة المنشودة التي سعت اليها التفاصيل هي نسبية هي ولن تجد هناك حقيقة كاملة, بل ن التفكير البشري كما اشارات الرواية في صفحتي 98 – 99, أن هناك وهما يبعد الناس عن الحقائق, ولن تصل العقول للحقيقة عبر التصورات, وملامسة الحقيقة التاريخية قادتنا اليها التفاصيل, حيث من وحدة سرد الى اخرى لتكمل تلك الحقيقة الناقصة في تصورات الشخوص, وقد بلغت اقصى افق تلك الحقيقة التاريخية المؤسطرة بين ما هو حقيقي وماهو خرافي قابل للتطور التأويلي اذا قبلت ما قبله للتفسيرات المعلنة .
كانت هناك تضمينات من جنس لغوي اخر صعدت الافق الرمزي من جهة، لكنها لعبت دورا في اغناء مضامين تحتاج دعم لغوي، فالأفق اللساني للغة الرواية هنا قد مال بنا لتفسير دور جنس اللغة الرديف الذي اغنى تفاصيل عدة في بنية الرواية, ومسالة ان تتدخل لغة الشعر في وصف ما عجز عنه السرد امر مسلم به في الحالات الطارئة العامة, لكن وجدنا هناك طارىء خاص في الرواية, وبه تصاعد ايقاع اللغة ليوازي القيمة الميثولوجية وابعادها الرمزية التي هي تحتاج رديف لغوي، ليس فقط لتكون اللغة الرديفة مفتاحا للتشفير العميق والبعيد الاثر، بل لإغناء المضامين من جميع الوجوه، وسنتناول لسانيا ثلاث مواضع لتلك اللغة الرديفة في بنية الرواية، والموضوع الأول هو غايتنا اكثر ممن يتلوه، ففي الصفحة 123, هناك عنونة علت فوق افق اللغة الرديف, وهي – نشيد 1- وكان هذا النشيد اللغوي عبارة عن جمل شعرية تصف لنا اوضاعا انسانية, وقد جاء بعد ذلك نشيد اخر بنفس النفس اللغوي, ومن ثم اعقبه ثالث, وجاء بعد الثالث رابع, ومن ثم خامس وفي الصفحة التالية كان هناك – نشيد الانشاد –, وتلك التعابير توازت مضامينها وتضامنت ايضا, وفي صفحة 231 كان هناك مشاعر ساحت على شكل نثر لغوي, وكانت اللغة اشبه بدعاء روحي لذات صوفية غير معرفة, وكان في صفحة 433 ذات ما عيناه وما اشرنا له, وهذا التصاعد الحسي اغنى مضامين الرواية وحولها الى موشور لغوي لسانيا احتمل الميثولوجيا والموازي لها من نفس شعري على السواء، وكانت الرواية فكريا سياحة بنت لها افقا نموذجيا خاصا, وبنت على اعتابه مثالها الاسطوري الرحب من جميع الوجوه .
**رد الكاتب شوقى كريم
خص الناقد محمد يونس رواية لبابة السر بدراسة علمية وافية تحمل رقم ٣٢.. محباتنا وتقديرنا له)
دعامة سردية لتأصيل المثولوجيا
0 comments:
إرسال تعليق