تواجه الأنظمة الصحية بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أعباء متزايدة من جراء تفشي فيروس كورونا، حيث أفادت البلدان بتسجيل أكثر من 200 ألف إصابة مؤكدة ونحو 10 آلاف وفاة. وقد قام البنك الدولي بالفعل بتعبئة التمويل في أنحاء المنطقة (بما في ذلك في الجزائر وجيبوتي ومصر والعراق والأردن والمغرب وتونس والضفة الغربية وقطاع غزة واليمن) للمساعدة على الوقاية من الآثار المباشرة لفيروس كورونا والكشف عن الإصابة به والتصدي لها.
وبالإضافة إلى الآثار المباشرة للفيروس، تشكل هذه الجائحة خطرا على جانبي العرض والطلب للخدمات الصحية الأساسية الأخرى. إذ تشير النماذج بالفعل إلى احتمال تراجع استخدام خدمات صحة الأم والطفل بنسبة 15%، مما يشكل خطرا داهما على تراكم رأس المال البشرية في المنطقة لسنوات مقبلة.
وتواجه بلدان المنطقة بالفعل أعباء ثقيلة ومتزايدة من الأمراض غير السارية؛ ولديها مجموعة متنوعة من السكان الأولى بالرعاية والمعرضين للخطر من جراء الفقر وعدم المساواة والصراعات والأزمات الإنسانية؛ فضلا عن أوجه الضعف والقصور في أنظمتها الصحية. ومن هنا،
ففي حين يسعى واضعو السياسات جاهدين لتحقيق التوازن بين الحاجة لفتح الاقتصاد، واحتواء تفشي الفيروس، لا تزال الأنظمة الصحية القوية تشكل الركيزة الأساسية لأية استجابة قوية لمواجهة الجائحة. ويمكن للمنطقة،
تحسين الإنصاف في النظام الصحي
يشكل تحسين الإنصاف في تمويل الرعاية الصحية وتقديم الخدمات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عاملا رئيسيا في الحد من الآثار المباشرة وغير المباشرة لجائحة كورونا، وخاصة بالنسبة لفئات السكان الأكثر ضعفا والأولى بالرعاية. فبلدان المنطقة لا تنفق سوى 7% من موازناتها الحكومية على قطاع الصحة في المتوسط، ويأتي نحو نصف الإنفاق على الرعاية الصحية مباشرة من الأسر في نقاط تقديم خدمات الرعاية. علما بأن القطاع غير الرسمي من الاقتصاد يعمل به نحو 65% من الأيدي العاملة في أي بلد بالمنطقة، ولا تتوفر شبكات أمان لمعظمهم، بما في ذلك التأمين الصحي.وقد عملت بعض البلدان، مثل مصر، بمساندة من البنك الدولي أيضا على إصلاح ترتيبات التمويل لتقديم الخدمة بغرض تعميم خدمات الرعاية الصحية الشاملة. تجدر الإشارة إلى أن مشروع تطوير نظام الرعاية الصحية في مصر يهدف إلى مسح 53 مليون مصري للكشف عن المصابين بفيروس الكبد الوبائي "سي" والأمراض غير السارية، وتحسين جودة الخدمة في 600 من منشآت الرعاية الصحية الأولية.
وفي الأجل القصير، من الضروري كإجراء طارئ إلغاء الرسوم التي يسددها المستخدمون فيما يتعلق بجميع الخدمات الصحية للحد من تراجع الطلب خلال تفشي الجائحة. وفي الوقت الحالي، تُسدد رسوم معظم مقدمي الخدمات على أساس كل حالة على حدة، مما يجعلهم عرضة لأي انخفاضات في استخدام الخدمات. ومن شأن إصلاح طرق دفع رسوم مقدمي الخدمات على أساس المجموعات المرتبطة بالتشخيص أو التوسع في تحويلات الميزانية المباشرة إلى المنشآت الأمامية أن يكفل توافر الخدمات وأن يحسن جودتها.
وعلى الصعيد الوطني، من الضروري التحرك بسرعة لزيادة الحيز المتاح للإنفاق في المالية العامة. ومن شأن ذلك تعزيز الاستثمار في توفير الأجهزة الطبية ومعدات الوقاية لحماية الكوادر الطبية العاملة في الأرياف والمناطق النائية. وينبغي أن تولي بلدان المنطقة الأولوية في تقديم الخدمات للنازحين وكبار السن الذين قد يضطرون إلى العيش في ظل الإغلاق لفترة أطول من غيرهم.
ومن الأهمية البالغة أيضا زيادة مستوى الموارد المخصصة في أنظمة الرعاية الصحية، حيث تعاني المنطقة من بعض أدنى المستويات في قدرات المستشفيات، والأطباء، والممرضين، والقابلات، بنسبة الفرد.
وفي العديد من بلدان المنطقة، يلعب القطاع الخاص دورا مهما في تقديم الخدمات، ولاسيما الرعاية الأولية. غير أنه يتعذر في أحوال كثيرة الحصول على هذه الخدمات بسبب ارتفاع تكلفتها وتركزها في المناطق الحضرية. من هنا، ينبغي للحكومات أن تتعاقد مع القطاع الخاص لتوفير خدمات مكافحة فيروس كورونا وغيره من الخدمات الأساسية، مما يساعد على تخفيف القيود على القدرات في المستشفيات الحكومية.
تعزيز المرونة
يجب على بلدان المنطقة أن تعتمد تمويلا أكثر مرونة وأن تعيد تصميم تقديم الخدمات لفرز المرضى المصابين بالأمراض المعدية، وحفز الطلب على الخدمات الأساسية الأخرى.و ويمكن لبلدان المنطقة أن تحد من تجزئة أنظمة المعلومات الصحية وأن تدمجها في أنظمة مراقبة الأوبئة لتوفير المعلومات لعملية اتخاذ القرارات على أساس الشواهد والأدلة. ويمكن أيضاً دمج هذه البيانات في أنظمة المراقبة الإقليمية، مثل مركز مكافحة الأمراض في أفريقيا، ومن شأن تبادل المعلومات فيما بين بلدان المنطقة أن يساعد على احتواء حالات تفشي الأوبئة في المستقبل.
وتؤكد جائحة كورونا على ضرورة التحول نحو اعتماد نهج يركز على المريض في تقديم الخدمات، بعيداً عن النهج الذي يركز على المنشآت. وكان المغرب قد بدأ، بدعم من البنك الدولي، في توفير وحدات طبية متنقلة لتقديم الرعاية إلى المجتمعات المحلية الريفية أجرت نحو 500 ألف زيارة خارجية في عام 2018. ويمكن تعميم نموذج هذه الوحدات في بلدان أخرى، بالإضافة إلى الرعاية المنزلية.
وتشتمل التوصيات الإضافية لتعزيز المرونة على ما يلي:
- إطلاق الخدمات الطبية عن بُعد. لقد برزت بالفعل شبكات غير رسمية لتقديم الخدمات الطبية عن بُعد في جميع أنحاء المنطقة نظرا لارتفاع مستويات الربط بالإنترنت. ويمكن أن يلعب تقديم الخدمات الطبية عن بُعد دوراً في ضمان استمرار حصول المرضى على خدمات الرعاية غير العاجلة، لاسيما المرضى المصابين بأمراض مزمنة.
- الاستعانة بالمرشدين والرواد الصحيين المحليين الذين يمكنهم تعبئة المجتمعات المحلية وتقديم الخدمات الوقائية، مما يقلل إلى أدنى حد من تعطل الخدمات ويضمن تحقق الإنصاف.
- دمج شبكات طب ورعاية الأسرة لتقوية أنظمة الخدمات الصحية الأولية، مما يكفل توفير خدمات صحة الأمهات وحديثي الولادة والأطفال، والتمكين من تنفيذ التدخلات الوقائية الخاصة بالأمراض غير السارية.
- التوسع في منشآت البنية التحتية للمستشفيات، بما في ذلك الفرز لاستيعاب الحالات المصابة بفيروس كورونا، وغيرها من المرضى الآخرين في الوقت نفسه.
- إصلاح آليات التمويل لتحسين المرونة، من خلال تدابير من قبيل وضع الميزانية على أساس البرامج. ويمكن للقوانين والأنظمة المعدلة أن تكفل سداد رسوم مقدمي الخدمات الطبية عن بُعد والرعاية المنزلية.
*المصدر: البنك الدولى
0 comments:
إرسال تعليق