ولا شك في أن إرجاء أبناء المجتمع العادات التي درجوا عليها إلى حين زوال كرب «كورونا»، لا يعني التخلي عنها، وإنما هو التزام واع من الجميع بمواصلة التقيد بإجراءات الدولة الوقائية، والاحترازية، لمواجهة هذا العدو، وحتى تظل إمارات الإنسانية رائدة التحضر، والتميز في التعامل مع «كورونا» بكل ما أقرته من ضوابط.
التواد، والتحاب، والتهاني في العيد، يجب أن يترجمها الجميع إلى مسؤولية، يلتزمون فيها بالحفاظ على الصحة، والسلامة العامة لأنفسهم، وأسرهم، وأقربائهم، ومحيطهم الاجتماعي بالكامل، دونما تهاون، أو تجاوز،
ولنعلم أن المسؤولية علينا جميعاً، فكن أنت الملتزم بأدوات السلامة، وكن قدوة حسنة في بيتك، وبين أهلك، وأقربائك، واترك العاطفة جانباً، وخذ بالعزم لحماية نفسك وأهلك، فهذا هو العيد الحقيقي، أن نكون سالمين غانمين من عوارض هذا المرض، الذي علينا أن تعامل معه بالحذر، وباتباع توجيهات الجهات المختصة لسلامة المجتمع ، الذي هو جزء من هذا العالم الذي يعاني هذه الأزمة، وبالتكاتف سنصل إلى الخير
الحرص على الوقاية خير من العلاج، وحجم المأساة التي يصنعها المستهتر قد يكون ضحيتها أشخاص أبرياء التزموا بالبقاء في منازلهم، ولكن انتقلت لهم العدوى بفعل فرد منهم، وبعدما كانوا في أمان، وصحة، وسلامة، تبدل حالهم إلى صراع مع هذا الوباء، الذي لا يرحم صغيراً، ولا كبيراً، وكم من مشاهد مؤلمة تبكي القلوب،
فهذا طفل يبعد عن أسرته، وهو يبكي ولا يعرف لماذا أبعدوه عن أمه، وهي جنته، ورغم التنبيه والتحذير من مخاطر الاختلاط في هذه الفترة الحرجة، وضرورة التباعد الجسدي والاجتماعي، إلا أن البعض يتهاون في اتباع الإجراءات الاحترازية، وبعدها يجد نفسه تحت وطأة الألم، إما باكياً على إصابته، وإما حزيناً على فقدان أحد أفراد أسرته بسببه.
وبعد أيام سيحل علينا ضيفاً عزيزاً، هو عيد الفطر، وبكل تأكيد سنستقبله، وسنفرح، ولكن سنتخلى عن بعض العادات والطقوس التي كنا نمارسها فيه، حفاظاً على سلامة الأسرة، والمجتمع، حيث علينا الالتزام بالتباعد، وعدم الاستهانة، حتى لا تتحول فرحة العيد إلى كارثة، والفرح إلى بكاء وحزن، فبأيدينا أن نقرر أي باب نفتح،
وأي باب نغلق، فالعيد الحالي في زمن «كورونا» مختلف في طقوس الفرح والبهجة به، حيث يجب أن يظل التباعد هو نافذة السعادة المشرعة فيه، وأيضاً عدم الاختلاط، فما أجمل أن يأتي العيد، وينتهي، من دون أي إصابات، أو حوادث، أو فاجعة، إذ على الجميع أن يدركوا خطورة الموقف في زمن أصبح فيه التباعد خيراً وسلامة، وعليهم ألا يجعلوا «كورونا» يحتفل معهم، ويفتحوا له الأبواب، فأرواح الجميع غالية على الوطن
فقد حل التباعد محل اللقاء، والحجر المنزلي محل الزيارات العائلية والمناسبات الاجتماعية؛ فصرنا –والحكمة تقتضي أم نظل كذلك خلال أيام العيد-كما يقول ابن زيدون في قصيدته:
أضْحَى التّنائي بَديلاً منْ تَدانِينَاّ وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا.
وتطل علينا بشائر العيد، اليوم الذي اقتضت حكمة الله ورحمته بعباده أن يكون يوم فرح بفضله ونِعمه؛ وتوسعة على الناس جميعا، كيفما كان الحال ومهما تكن الظروف؛ ويوما لتسلم جائزة العبادة في شهر الصيام... وهو لذلك محطة أمل ومناسبة استبشار بالمستقبل.
ولأن نهاية كل مرحلة هي محطة ضرورية للمراجعة والتقويم، والنظر بعين المعتبر فيما مضى؛ كان مفيدا أن نسأل عن فوائد هذه المرحلة قبل أن نتذكر أعباءها؛ ونقدر منحها التي جاءت في طي محنة عمت الناس أجمعين.
لعل المراحل المشابهة من تاريخ الإنسانية، تعلمنا دروسا كثيرة عن الكيفية التي تحفز بها إرادة الإنسان .. وغيرها.. كما أنها الآن تستمر في دعم حساب المواطن، وكذلك الاستمرار في دعم مستفيدي الضمان الاجتماعي.
حقيقة هذا الوطن كان وما يزال دائماً (للمواطن).. ففي أيام الطفرة عشنا رغداً من العيش ورخاءً وازدهاراً.. وتنعمنا من خيرات الوطن.. وإن كانت هناك شدائد فتلك من قضاء الله وقدره.. ونحن سنستمر في الوقوف كجبل طويق الذي أشار إليه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في الهمة مع هذه المحنة وغيرها، وصفاً واحداً مع القيادة مهما كلف الأمر.. ولن يؤثر ذلك على عيدنا ومعنوياتنا بالحجر؛ فالعيد ليس فقط زيارات وتجمعات.. العيد إحساس بالآخرين بوجودنا في الحياة معاً وحبنا وتقديرنا لهم
فالتهنئة والمباركة عبر وسائط التقنية المرئية الجماعية قد تكون بديلاً جيداً، وتكبيرات العيد هي إعلان للانتصار على الذات في صيام رمضان وقيامه فجميل أن تكون خارج المساجد ميكروفونات وتكبيرات العيد يسمعها الناس في جميع الأحياء وكذلك من الممكن في البيوت البعيدة عن المساجد أن يتبرع أصحاب المنازل والشقق بوضع التكبيرات في شرفات المنازل حتى يصدح التكبير في الأحياء.. لأن الاحتفاء بالعيد من شعائر الله
وكما قال تعالى «ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ» فيجب إظهار الفرح والسرور.. وارتداء ملابس جميلة فالكثير منا قد لا يستخدم نصف ما في خزانة ملابسه وهي بهذا المفهوم ملابس جديدة..
سنقوم على نطاق الأسرة الصغيرة بجميع الطقوس من تناول الافطار الشعبي حسب عادات كل منطقة وستكون هناك بإذن الله حلوى للأطفال، وعيديات، ومظاهر جميلة كالزينة والورود مما يبعث الأمل، ويجدد الطاقات وكذلك كتابة بطاقات معايدة إلكترونية للأهل، وتشجيع للأطفال على الرسم وكتابة بطاقات المعايدة لتنمية مواهبهم الإبداعية، وعمل مسابقات ترفيهية وثقافية.. كل ذلك لخلق فرحة تليق بقلوبنا وقلوب صغارنا..
وتطبيق سنة نبينا الكريم في إظهار الفرح. فالعيد هو إحساس بلذة الانتصار على الذات في صوم رمضان وقيامه وأنها تستحق لذة الفوز في يوم توزيع الجوائز من خالق عظيم أدينا فرائضه من صلاة وصوم وزكاة استشعاراً للذة الانفاق والتكاتف.. بل تجريب لذة الصفح والعفو وإزالة الأحقاد المتراكمة في النفوس وصفائها فسبحانه الذي مجد ذلك الانسان وقال: «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا..» أي هذب نفسه على طاعة أوامر الله..
العيد هو العودة إلى مناسبة ثابتة في ثقافة أو شرع أو دين لأي مجتمع وها هو عيد الفطر السعيد سيقبل ونحن إن شاء الله نرتدي ثوب الصحة والعافية وهذه أكبر نعمة.. ونهنأ في وطن الأمن والأمان وفي بيوت آمنة ورزق وافر.. فالحمد لله على عطاءه فبالشكر تدوم النعم وكل عام وأنتم الخير للوطن والأمة.
ومهما كانت الظروف صعبة فلا بد من الفرحة، تحقيقاً لشعيرة من شعائر الإسلام العظيمة، إنه العيد السعيد الذي جاء بعد عبادة فيها مشقة ومتعة، وصدق ابن القيم الجوزية: «وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول، وإن وقع ذلك ضمناً وتبعاً في بعضها، لأسباب اقتضته لا بد منها، هي من لوازم هذه النشأة، فأوامره سبحانه، وحقه الذي أوجبه على عباده، وشرائعه التي شرعها لهم هي قرة العيون ولذة القلوب، ونعيم الأرواح وسرورها، وبها شفاؤها وسعادتها وفلاحها، وكمالها في معاشها ومعادها، بل لا سرور لها ولا فرح ولا لذة ولا نعيم في الحقيقة إلا بذلك».
فكيف هو العيد في زمن كورونا، العيد من الناحية النفسية حالة من السرور يشعر بها المؤمن نتيجة استجابته لأمر ربه، ويقتضي الأمر الانتقال من حال إلى آخر، له طقوس مادية مثل لبس الجديد والصدقة، ومعنوية كالابتسامة الصادقة، يبدأ كما نعرف بمجرد إعلان الجهات المختصة نهاية رمضان، عندها يشرع التكبير، وفي صبيحة العيد نكسر حاجز الصوم بتمرات، ثم صلاة العيد في المنزل،
وفعل كل مباح يدخل السرور على النفس من شعائر الأعياد، من صلة للأرحام والأقارب والجيران ولو عن بعد، ومن مظاهر البهجة في الأعياد نشر الأخبار الجميلة والمعلومات الإيجابية، ومن أروع ما تفعل سرور تدخله على غيرك وأوصيكم خيراً بالأطفال، ومن أجل الممارسات في العيد العفو عن الزلل، فما أجمله من وصل، بين شخصين متخاصمين يعلنان الصفح الجميل في هذا اليوم الجليل، لأن أهم درس تعلمناه من كورونا، أننا أعطينا الدنيا أكبر من حجمها..
*كاتب المقال
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق