ها هي الأيامُ قد دارت دورتها المعتادة، ومضى رمضان بصيامٍه وقيامٍه وتلاوةٍ للقرآن وذكرٍ وتسبيحٍ وصدقاتٍ, والكثبر من الطَّاعات والقربات. مضى رمضان وقد ربح فيه من ربح وخسر من خسر، وسيأتي رمضان يوم القيامة شاهدًا لأناسٍ، وشاهدًا على آخرين. وقد اعتاد المسلمون في رمضان المحافظة على صلاة القيام كما قال -تعالى-: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السّجدة: 16]. لقد كان رمضان ميدانًا يتنافس فيه المتنافسون، ويتسابق فيه المتسابقون، ويحسن فيه المؤمنون، تروضت فيه النُّفوس على الطَّاعة، وتربت فيه على الفضيلة، وترفعت فيه عن الخطيئة، وتعالت عن الرَّذيلة، واكتسبت فيه كلّ خيرٍ وهدًى، وتزودت فيه من الرَّشاد والبرِّ والتَّقى، وسمت فيه النُّفوس ، وتطلعت فيه لرَّضى الملك القدوس، وتعالت فيه الهمم، وارتفعت وسمت فيه العزائم. فخشعت القلوب. ودمعت الأعين، وخضعت الجوارح وزكت النُّفوس، وتهذبت الأخلاق. فاللهم تقبل منا رمضان واعده علينا أياماً عديدةً وأزمنةً مديدةً أمين .
وقد احترتُ فى أى شىء أكتب الى أن اهتديت الى استكمال المشوار وأكتب عن أحداث حدثت فى شوال مختلفة ما بين الدينى والعسكرى والساسيى والإقتصادى والإجتماعى فوافقنى حدثى أن أفرد لكل حدث حديث حسب أهميته وتشويقاً للقارىء وافادته منه وهذا ما أصبو اليه من كتابة مقالاتى هذه ولقد وفقت فى اختيار حدث هذا المقال وهو عن (غزوة أُحد)*********************
مستلهماً أحداثها من القرآن الكريم وكيف أن الله سبحانه وتعالى عَزَى رسولَه صلى الله عليه وسلم فى شهداء أحد فى آيات محكمات جميلة أرشدنى الله الى ذلك فأقول مستعيناً بالله وتوفيقه فى عرض الأحداث علنى أكون مقدماً لكم وجبة علمية دسمة أغوص فى بطون الكتب والمراجع ثم استخلص لكم من الصدفات ما يفيدنى وينال استحسانكم ويشبع رغباتكم . ففى أواخر سورة آل عمران -في النصف الأخير منها، النصف الذي تضمن (معركة أُحُد)- نجد أن رب العالمين فتح أبواب التوبة والمغفرة، ويسَّر للمسلمين الذين وقعت منهم أخطاء أن يرجعوا إلى ربهم، وأن يتخلصوا من أخطائهم، وأن يجدوا الطريق أمامهم مفتوحاً لإحراز الثواب الكثير، وذلك في قول الله -جل شأنه-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [ال عمران:133]، إن هذه الآية وما بعدها نزلت في أثناء الكلام عن معركة "أحد" وما وقع فيها من أحداث.
لقد صهرالله فى وقائع هذه المعركة الرهيبة صحابة محمد والمنتسبين الى دينه كما يصهر التبر فى بوتقة الحامية لنفى الخبيث عنة وتصفيته ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) نعم لقد ذاق محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه فى هذه المعركة حلاوة النصر ثم تجرعوا مرارة الهزيمة كما أخذوا دروساً قاسية من عواقب العصيان المريرة ومخالفة الخطط المرسومة للمعارك لقد كانت معركة أحد بحق سلسلة من الامتحانات القاسية سببتها مفاجآت مثيرة ومباغتات مذهلة غير منتظرة امتحن الله بها صفوة هذه الأمة فى مختبر المصائب والنكبات فابتلاها بأنواع من القتل والجرح والاندحار اختبرها وهو الاعلم بها ( ام حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ) ولقد ظهرت فى موقعة أحد أنواع من البطولات الاسلامية وضروب من التضحية والبذل والفداء لم تشهد الدنيا مثيلاً لها وانها لدروس فى الصدق والايمان بالله والوفاء بالعهد والاخلاص للعقيدة والتضحية فى سبيل المبدأ سجلها فى هذه المعركة اولئك الأجداد البررة دروس جديرة بان يعيها الأحفاد ويترسموا خطاها ويهتدوا بهديها اذا ما كانوا راغبين حقاً فى تحقيق الخير لهذه الأمة وتوفير الأمن والرخاء والعزة والإستقرار لها ان التاريخ حقاً مرآة تنعكس فيها حقيقة كل أمة ويظهر فيها واقع كل جيل وكل أمة واعية لها ماض مجيد فان رجال الحكم المخلصين فيها والمفكرين وأساطين العلم الأمناء يحرصون دائما على نشر هذا الماضى وتجسيده تجسيداً كاملاً امام أجياله. وبدأ الله سبحانه وتعالى يمهد للمؤمنين المعركة ويهيأهم نفسياً وروحياً بأن من دخل المعركة فله أمرين اما النصر أو الشهادة وماذا أعد الله سبحانه للشهيد ومكانته وهذه التهيئة النفسية كانت أول شارات النصر فقال تعالى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133].
مَن هم المتقون؟ هم (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134]، فمن المتقين يقيناً كل من يقع منه خطأ ثم يسارع بالخلاص منه، والتوبة إلى الله بعده، والبعد عنه جهد الطاقة؛ وهذا من رحمة الله بعباده، فإنه لم يفترض المؤمنين معصومين، وإنما فرض في الطبيعة البشرية أنها تخطئ، فالخطأ جزء من كيانها، وما يجرؤ أحد على القول بأنه لم يقترف طول حياته ذنباً، ولم يفرط في جنب الله ويقع منه التقصير، ما يجرؤ أحد على القول بهذا؛ ولذلك فإن من عناصر التقوى أن يسارع الإنسان بتنظيف نفسه من الخطيئة إذا هو سقط فيها: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ والحديث عن معركة "أحد" بدأ من قوله تعالى: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ، وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [آل عمران:121]. "غدوت من أهلك" أي: خرجت في الصباح ترص المؤمنين في الصفوف التي يقفون فيها؛ كي يؤدوا حق الله عليهم في الدفاع عن عاصمة الإسلام (المدينة)، وعن حمى العقيدة، وردّ المهاجمين الذين يريدون أن يطفئوا نور الله
بأفواههم ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم ( 121 ) )
المراد بهذه الموقعة يوم أحد عند الجمهور ، قاله ابن عباس ، والحسن ، وقتادة ، والسدي ، وغير واحد . وعن الحسن البصري : المراد بذلك يوم الأحزاب . رواه ابن جرير ، وهو غريب لا يعول عليه .
وكانت وقعة أحد يوم السبت من شوال سنة ثلاث من الهجرة . قال [ قتادة ] لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال . وقال عكرمة : يوم السبت للنصف من شوال ، فالله أعلم .
وكان سببها أن المشركين حين قتل من قتل من أشرافهم يوم بدر ، وسلمت العير بما فيها من التجارة التي كانت مع أبي سفيان ، فلما رجع قفلهم إلى مكة قال أبناء من قتل ، ورؤساء من بقي لأبي سفيان : ارصد هذه الأموال لقتال محمد ، فأنفقوها في ذلك ، وجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في قريب من ثلاثة آلاف ، حتى نزلوا قريبا من أحد تلقاء المدينة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، فلما فرغ منها صلى على رجل من بني النجار ، يقال له : مالك بن عمرو ، واستشار الناس : أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة ؟ فأشار عبد الله بن أبي بالمقام بالمدينة ، فإن أقاموا أقاموا بشر محبس وإن دخلوها قاتلهم الرجال في وجوههم ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين . وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدرا بالخروج إليهم ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته وخرج عليهم ، وقد ندم بعضهم وقالوا : لعلنا استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إن شئت أن نمكث ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يرجع حتى يحكم الله له " .
فسار ، عليه السلام في ألف من أصحابه ، فلما كان بالشوط رجع عبد الله بن أبي في ثلث الجيش مغضبا ، لكونه لم يرجع إلى قوله ، وقال هو وأصحابه : لو نعلم اليوم قتالا لاتبعناكم ، ولكنا لا نراكم تقاتلون اليوم .
واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا حتى نزل الشعب من أحد في عدوة الوادي . وجعل ظهره وعسكره إلى أحد وقال : " لا يقاتلن أحد حتى نأمره بالقتال " .
وتهيأ رسول الله صلى الله عليه وسلم للقتال وهو في سبعمائة من أصحابه ، وأمر على الرماة عبد الله بن جبير أخا بني عمرو بن عوف ، والرماة يومئذ خمسون رجلا فقال لهم : " انضحوا الخيل عنا ، ولا نؤتين من قبلكم . والزموا مكانكم إن كانت النوبة لنا أو علينا ، وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم " .
وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين درعين ، وأعطى اللواء مصعب بن عمير أخا بني عبد الدار . وأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض الغلمان يومئذ وأرجأ آخرين ، حتى أمضاهم يوم الخندق بعد هذا اليوم بقريب من سنتين .
وتعبأت قريش وهم ثلاثة آلاف ، ومعهم مائتا فرس قد جنبوها فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد : وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، ودفعوا إلى بني عبد الدار اللواء . ثم كان بين الفريقين ما سيأتي تفصيله في مواضعه عند هذه الآيات ، إن شاء الله تعالى .
ولهذا قال تعالى : ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ) أي : تنزلهم منازلهم وتجعلهم ميمنة وميسرة وحيث أمرتهم ( والله سميع عليم ) أي : سميع لما تقولون ، عليم بضمائركم .
وقد أورد ابن جرير هاهنا سؤالا حاصله : كيف يقولون : إن النبي صلى الله عليه وسلم سار إلى أحد يوم الجمعة بعد الصلاة ، وقد قال الله [ تعالى ] ( وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال ) ؟ ثم كان جوابه عنه : أن غدوه ليبوئهم مقاعد ، إنما كان يوم السبت أول النهار قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان خروجه للقوم كان رَواحًا، فلم يكن تبوئته للمؤمنين مقاعدَهم للقتال عند خروجه، بل كان ذلك قبل خروجه لقتال عدوّه. وذلك أنّ المشركين نـزلوا منـزلهم من أحُد -فيما بلغنا- يوم الأربعاء، فأقاموا به ذلك اليوم ويومَ الخميس ويومَ الجمعة، حتى راح رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يوم الجمعة، بعد ما صَلى بأصحابه الجمعة، فأصبح بالشِّعب من أحد يوم السبت للنصف من شوّال .ونستكمل الحديث فى حلقات أخرى حتى لا نشق على القارىء ان شاء الله فالى لقاء جديد باذن الله تعالى.
0 comments:
إرسال تعليق