لقد اجتاحت موجة غضب الرأي العام العربي والعالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد ما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطته للسلام في الشرق الأوسط ووصفها “صفقة القرن”. ترسم هذه الخطة حسب زعمه مستقبلا مشرقا للإسرائيليين وللفلسطينيين وللمنطقة من خلال طرح طريق واقعي لسلام دائم.
قال الرئيس الأمريكي إنه يجب على إسرائيل أن تتخذ خطوة نحو السلام وستبقى القدس عاصمة موحدة لإسرائيل وأضاف قائلا أن خطته تتضمن زيادة الأراضي التي تحت سيطرة الفلسطينيين بأكثر من مرتين مع إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
اقترح السيد ترامب أن تكون هناك عاصمة فلسطينية في القدس الشرقية، متعهدا بأن تظل القدس عاصمة “غير مقسمة” لإسرائيل. هكذا تقوم الخطة على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة إسرائيل بما فيها وضع مدينة القدس الشرقية المحتلة وحق عودة اللاجئين.
تخلق الخطة واقعا جديدا على الأرض بمساعدة إدارة ترامب لا سيما تمهيد السبيل لضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وتقرر من جانب واحد مصير كل المسائل الجوهرية المطروحة للمفاوضات بما تنسجم تماماً مع موقف الحكومة الإسرائيلية إذ تمنح أولوية لاحتياجات إسرائيل الأمنية عندما يتعلق الأمر بتوزيع الأرض؛ وتجعل كل مستوطنات الضفة الغربية جزءا رسميا من إسرائيل.
لقد عبر الشعب الفلسطيني عن رفضه للصفقة رسمياً وشعبياً في الداخل والخارج حيث أعلنت لجنة المتابعة العليا الفلسطينية بكافة مرتباتها وباسم كافة أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل رفضها للمؤامرة الإسرائيلية الأميركية المسماة “صفقة القرن” الموجهة ضد الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وبكل أفراده في القدس والشتات والضفة الغربية وقطاع غزة والداخل.
فإن الصفقة عرت الدول العربية المشاركة فيها من ورقة التوت، لا بل بينت للفلسطيني مَنْ هو العدو وحلفاؤه مقابل الصديق المؤازر الذي يدعمه بالمال والسلاح. وقد تفاوتت ردود الأفعال من قبل الدول العربية حول هذه الصفقة رسميا وشعبيا.
أما على الصعيد الشعبي، فليس هناك إلا صوت الرفض لهذه الصفقة والمطالبة بالتريث والتمهل والتعقل والمناورة ومحاولة التفكير ببديل عملي يخفف معاناة الإنسان الفلسطيني ويساعده على الصمود ونيل حقوقه المشروعة، فإنه يقابل بالتخوين والتصهين والعمالة.
وعلى الصعيد الرسمي، فإن الموقف العربي الذي راوح بين الضعف والتردد والغموض والسكوت يؤكد الجهود التي تنشد السلام ويؤيد الحقوق الفلسطينية المشروعة بصوت خفي، ولعل هذا التردد والغموض والضعف سببه ومنبعه التردد والغموض والضعف الفلسطيني، بينما تعتقد معظم دول العالم أن الإسرائيل تنتهك القانون الدولي، الذي يحظر استيطان أشخاص تابعين لسلطة محتلة على أرض تحتلها.
إن المواقف الظاهرة لبعض الدول العربية تجاه القضية الفلسطينية و”صفقة القرن” تختلف عن مواقفها الخفية. فإن هناك رفض شعبي للصفقة كما أعلنت الدول العربية جميعها بأنها لن تقبل بحل لا يتضمن قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، والسبيل الوحيد تأسيس دولة فلسطينية مستقلة على حدود ما قبل عام 1967م، والموقف العربي الرسمي يترواح بين الضعف والتردد والغموض والسكوت.
*كاتب المقال
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عالية ،كولكاتا – الهند
0 comments:
إرسال تعليق