حيث أولت مصر اهتمامًا كبيرًا بسياسة الانفتاح نحو العالم العربي والدولي، لاسيما فيما يخص العلاقات مع القارة السمراء ودول حوض النيل، بجانب الولايات المتحدة وفرنسا والصين وغيرها من الدول التي وطدت القاهرة علاقاتها
نحن دولة تؤمن بالتنمية والكفاح من أجل استقرار الدول اقتصاديًا وتحقيق رفاهية الشعوب، وبالتالي فإن أي دولة تساعدنا في البناء فهي دولة صديقة، وأي دولة تحتاج إلينا لمساعدتها في البناء سنمد إليها أيدينا على الفور، نحن احترمنا حاجة إثيوبيا للكهرباء مثلًا وفق هذه القاعدة، ولم تتأخر مصر عن المساعدة وإظهار حسن النية لتتحقق مصالح الشعبين، لا تتحقق مصلحة لشعب على حساب الآخر.
هذه هي العناصر الأساسية لعقيدة الدبلوماسية المصرية في عهد الرئيس السيسي، وفق تقديري، وحسب ما ألاحظه من البيانات الرسمية الصادرة عن مصر في القضايا الإقليمية والدولية، وفى الأوضاع الملغزة والملغمة في الشرق الأوسط، هذه البصيرة المصرية هي التي مكنت مصر من أن تقول رأيها بصراحة، دون أن تجرح أحداً، أو تخسر أحداً،
أو تفرط في مصالحها العليا. شهدت قفزة هائلة في توطيد العلاقات المصرية الخارجية، ذلك أن الرئيس السيسي زار العديد من الدول والتقى الكثير من زعماء العالم ورؤساء الشركات الدولية العملاقة. مواصلة تعزيز علاقاتها مع دول القارة في مختلف المجالات،
لا سيما عن طريق تدعيم التعاون المتبادل على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، إلى جانب الأولوية المتقدمة التي تحظى بها القضايا الأفريقية في السياسة الخارجية المصرية، خاصة في ضوء الرئاسة الحالية للاتحاد.
في إطار خطط وجهود الرئيس السيسي بضرورة عودة مصر لمكانتها وسط أشقائها العرب والأفارقة، ومكانتها العالمية، وهيبتها وسط الدول، وأيضا من أجل تقوية العلاقات مع الدول اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وثقافيا، وفتح باب للاستثمارات الأجنبية والعربية والأفريقية.
يُعد الدور الخارجي في العلاقات الدولية، أحد أهم أدوات الدول، في حكمها؛ لما له من أهمية في تكوين صورة ذهنية عن الدولة خارجيًا، ويساهم في تحقيق قوة للدولة، ويعتمد الدور الخارجي على عدة مدارس مختلفة لكل منها أساليبها وطرقها في توطيد علاقتها الخارجية.
أن القيادة السياسية أولت اهتماما كبيرا لكافة فئات المجتمع ودعمها بكافة السبل والحصول على حقوقهم، بدءً بالمرأة المصرية والشباب وذوي الإعاقة والتي شهد في كل عام خصصه الرئيس لفئة محددة إنجازات كبرى، فعلى سبيل المثال في عام ذوي الإعاقة تم إصدار قانون للأشخاص ذوي الإعاقة الجديد، وصدور اللائحة التنفيذية للقانون وتنفيذه، كذلك تنظيم عدة مؤتمرات والخروج بتوصيات تشمل توفير حقوق للأشخاص ذوي الإعاقة وتوجيه الحكومة بالعمل عليها. ولفهم السياسة الخارجية المصرية في الوقت الحالي وتحديد المدرسة التي يتبعها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في العلاقات الخارجية لمصر، علينا تحديد القضايا والصراعات الخارجية التي دخلتها مصر منذ تولي الرئيس السيسي، وتحليل طريقة وأسلوب إدارته في التعامل مع تلك الصراعات.
وهو ما يؤكد رجوع مصر للصدارة الإفريقية من جديد، وبقوة وخصوصا بعد الاتفاق على إنشاء السدود في تنزانيا وهذا له بعد عميق أمنيا واقتصاديا، وعلى الجانب المحلي قام الرئيس بجولات ميدانية مختلفة لتفقد سير المشروعات التنموية المختلفة، وهو ما يعكس اهتمام الرئيس ببناء مصر الحديثة وتوفير حياة كريمة للمصريين. وتأمين مستوى أمني وصحي للمواطن من مشاريع زراعية مثل مشروع بشاير الخير، وحمله "100 مليون صحة".
وعلى المستوى العربي، لم تخاذل السيسي، عن دعم الأشقاء العرب، وحاول جاهدًا إعادة العلاقات العربية المصرية، لمجراها الطبيعي بعد أن أفسدت جماعة الإخوان الإرهابية علاقتنا بالدول العربية، خلال فترة حكم المعزول محمد مرسي، لصالح ملف تجاذبات الجماعة الإرهابية، الإقليمية،
وتنفيذ الأجندة القطرية، حيث أعاد الرئيس إحياء العلاقات المصرية السعودية، والتي تجلت بزيارة الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين إلى القاهرة وإعلانه عن حزمة من الاستثمارات السعودية في مصر، وكذلك إعادة إحياء العلاقات المصرية الإماراتية، والتي توترت في عام 2012 بعد اكتشاف أبو ظبي مؤامرة إخوانية لقلب نظام الحكم هناك مدعومة من التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، وتجلى انتعاش هذه العلاقة في عدد من الاستثمارات التي ضختها الإمارات في مصر في عدد من المجالات.
وفي الملف السوري، لعبت مصر دورًا محوريًا، للحفاظ على الدولة السورية من التفكك والانهيار، حيث استضافت القاهرة في 2017 عددًا من أطراف النزاع السوري، حيث قاموا بتوقيع اتفاق خفض التوتر في منطقة الغوطة الشرقية برعاية مصرية.
أن الأمر امتداد لحقبة مبارك من حيث السيطرة الكاملة من قبل الرئاسة على هذا الملف، واقتصار دور الخارجية على دعم وجهة نظر الرئيس، ظهور سمات الحكم الفردي على شكل نظام الحكم الذي يُؤَسِّسه حالياً؛
ومن ذلك انفراده برسم توجهات السياسة الخارجية، حتى الترويج لها عن طريق دغدغة مشاعر المصريين بإطلاق شعارات وطنية فضفاضة وغير واقعية، وعن طريق زيارات خارجية من أجل اكتساب شرعية دولية للنظام، وتصوير قبول دولي متزايد له
فإن أحد الأدلة على استمرار نهج الشخص والحاكم الفرد هو عدم إتمام السيسي لما أعلن عنه أثناء خوضه انتخابات الرئاسة عن نيته في إنشاء مجلس أعلى للسياسة الخارجية؛ مكون من سياسيين وعسكريين ودبلوماسيين وخبراء في الاستراتيجية لرسم الملامح العامة للسياسة الخارجية، وربطها بالمصالح العليا لأمن مصر القومي ومكانتها الإقليمية؛ إلا أنه حتى الآن لم يتم تشكيل هذا المجلس.
وكانت أبرز الزيارات التي قام بها السيسي والتفاعلات على عدة محاور:
محور الدول الأوربية: قام السيسي بعدد كبير من الزيارات الخارجية لدول أوروبية وآسيوية وعربية للحصول على اعتراف بنظام 3 يوليو، وإحداث تقارب بين تلك الدول والنظام الذي أطاح بالمسار الديمقراطي في مصر؛ ومن بين الدول التي زارها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا وقبرص واليونان والمجر.
محور الدول العربية: وكذلك الجزائر والسعودية والسودان، وأسفرت تلك الزيارات عن إبرام عدة اتفاقات وبرتوكولات تعاون أبرزها صفقة طائرات "رافال" مع فرنسا بـ 5.2 مليار دولار، كما تم عقد صفقات مع ألمانيا بـ8.9 مليار دولار، وبريطانيا بـ12 مليار دولار، وصفقة عسكرية مع إيطاليا بـ100 مليون دولار، ودول الخليج بـ12.5 مليار دولار،
وأثارت تلك الصفقات والمبالغ الطائلة المدفوعة فيها العديد من التساؤلات حول دوافعها الحقيقية وجدواها الاقتصادية وحتى العسكرية؛ حيث فسرها بعضهم على أنها محاولة لشراء شرعية دولية (بلغ إجمالي قيمة تلك الصفقات 38.5 مليار دولار)
عن طريق استقبال رؤساء الدول للسيسي والظهور والمشاركة في مؤتمرات وقمم رسمية مع قادة الدول وزعمائها. كما اتسم بعضها بالمناكفة السياسية؛ مثل زيارة السيسي لقبرص واليونان؛ التي شكك الكثيرون في جدواها سياسياً، وفسرت على أنها مجرَّد نكاية في تركيا، وليس وراءها أي هدف استراتيجي ملموس. كانت القضايا السياسية في الشرق الأوسط أسهل كثيرًا في الماضي،
كان العالم بين قوتين إما الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي، ثم انهار الاتحاد وظلت أمريكا منفردة، وكانت القضايا أوضح، إما مع الحرب أو مع السلام العربي الإسرائيلي، إما مع اقتصاد السوق أو ضده، مع احتلال العراق للكويت أو ضد هذا العدوان، لكن الشرق الأوسط لم يعد بسيطًا كما كان،
فالدولة الواحدة قد يكون لها المصلحة ونقيضها في وقت واحد، وقد تتفق في العلن وتفعل عكس هذا الاتفاق في السر، قطر مثلًا، تقدم نفسها كشريك دولي في الملف الليبي، وتخادع الفرنسيين وأوروبا في مباحثات سلام هامشية وتسوق نفسها كراعية للمصالحة. بينما كل سلاح في درنة وراءه أموال قطرية، وكل إرهابي في الغرب الليبي تم نقله بتنسيق تركي قطري مشترك. انظر إلى هذه العقدة.
**كاتب المقال
دكتور القانون العام
ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق