• اخر الاخبار

    الجمعة، 31 أكتوبر 2025

    قصة .. ثلج تحت الغطاء .. بقلم : محمد خليل

      


     

     ( مرارة اللقمة ) ..

    كلما وضع لقمة في فمه ينتابه إحساس بالمرارة في حلقه .. يتذكر أطفال غزة وغيرهم يقفون بأطباقهم يتنظرون أن يناولهم طهاة الشوارع بعض ما يسدوا به رمقهم، صورهم المؤلمة تفقده الشعور بلذة اللقمة علي لسانه ، كلما جلس أمام التلفزيون وشاهد صورهم تصيبه غصة ، أو رأي صورهم في مجلة أو صحيفة تنتابه حالة من الذعر والغضب  .. " ماذا وأنت متزوج " يا رون ".. ماذا لو تعرضت أنا وأطفالي لمثل هذه المواقف البشعة  ؟ " ..

    الدموع في عيونه كل يوم تلسعه بشدة ، لا يقوي علي تحملها، خاصة بعد أن يعود من طلعته في المطار وقد نفذ أوامر القيادة بإلقاء قنابله ، زوجته وأطفاله يراقبون ملعقته في يده وهى ترتعش تكاد تسقط وهى تدنو من فمه  وهو صامت، يتكرر هذا الموقف كثيرا كلما جلس مع أسرته حول المائدة ، فكر كثيرا أن يحلق فوق (القصر الأسود) ويسقط بطائرته فوقه ، صار لا يضحك مع أحد من أفراد الأسرة ، لا يستمع لمحاوراتهم ولطائفهم في الحديث ، لا يستجيب لمطالبهم ، كثيرا ما يزعق في وجوههم يطالبهم بالصمت والهدوء ...................

      ( ثلج تحت الغطاء )

     

    أحيانا كثيرة يدخل فراشه وهو ملتاع يائس من القرارات التي عليه أن ينفذها حرفيا  في الصباح وإلا ........ ...........

    عندما يدخل تحت الغطاء يتحول شعور الدفء إلي إحساس  بالبرودة  كأنه ينام فوق أو تحت صقيع يجعله ينتفض ذعرا وكأنه يهرب من ثلاجة شديدة البرودة ، وإذا ما نجح في الهرب من هذا الإحساس واستغرق في سبات عميق بعد تناول بعض المهدئات أو أقراص المنوم تطارده الكوابيس والأحلام المزعجة التي تقض مضجعه ، ينتفض فزعا وهو يتذكر الأطفال إناثا وذكورا يبكون حفاة عراة يقتلهم الجوع والعطش والحنان لآبائهم وأمهاتهم اللذين فقدوهم تحت أنقاض قنابله .. ينهض مفزوعا.. يجفف عبراته .. يجلس خلف مكتبه .. يمسك قلمه .. ترتعد أصابعه .. يحاول كتابة طلب إعفائه من التحليق .. يلقي القلم في عصبية .....

     " هذا لا يكفي يا رون  .. قتلت آدميين كثيرين أطفالا وشبابا .. شيوخا بنين وبنات ومواليد يرضعن من أثداء أمهاتهم .. دمرت وهدمت بيوتا وعمارات .. حتي الخيام كنت سببا في أن تسكنها المياه والأطفال يرتعشون يرتعدون ويجلسون حول خيامهم من البرد والهلع ..أوامر .. أنفذ أوامر! .........................

     " أنا إذن لا أستحق الحياة .. أنا من ينبغي أن يموت .. أنا من يجب أن يغادر هذه الحياة البشعة .. فلأنهي حياتي ثمنا لما اقترفت من جرائم يندى لها جبين كل إنسان شريف .. أنا لست شريفا .. أنا لست إنسانا.. أنا خائف من الله .. آه .. سيحاسبني الله حسابا دقيقا  ..بماذا أجيب على أسئلة الله ؟ .. هل أقول لله أنها أوامر ؟! .. سيوقفونني عن العمل أو يفصلوني من الخدمة ويحرموني من راتبي الذي أنفق منه علي زوجتي وأولادي .. آااااااااه ...... الله هو الرزاق يا رون " ..

    اختمرت في عقله فكرة قرار لا مفر من تنفيذه .. " أريد أن أستريح من هذا الضغط النفسي والروحي ..اخاف من غضب الله وحسابه العسير " ...............

        ظهيرة اليوم التالي حزم " رون " ارادته .. جهز زجاجة من البنزين .. حدد موعدا ومكانا لنفسه .. يشفى به غليله فيما ارتكبه في حق الشباب والأطفال والرجال والنساء اللذين ألقي عليهم قنابله وكان سببا في قتلهم وإعاقة بعضهم ودمار مساكنهم .. أضمر في نفسه موقعا هاما يعلن فيه علي الملأ رفضه واعتذاره عن قبوله أوامر الإبادة .. السفارة .. نعم السفارة ..............

     ترجل من سيارته تاركا بابها مفتوحا .. سار بخطوات سريعة والغضب يملأ كل تقاطيع وجهه والإصرار .. وصل إلي أحد الأبواب الحديدية في شارع طويل عريض .. وقف أمام الباب في ثبات العسكريين .. فتح الزجاجة وخلع طاقيته العسكرية .. أفرغها فوق رأسه وملابسه ثم وضع الطاقية فوق رأسه في ثبات  العسكريين .. انحني وأشعل ملابسه من أسفل وراح يصرخ غاضبا معلنا موقفه مما يحدث .. دوت صافرات النجدة .. تعالت هتافات المارة  .. وسقط 
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: قصة .. ثلج تحت الغطاء .. بقلم : محمد خليل Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top