• اخر الاخبار

    الأربعاء، 22 أكتوبر 2025

    احزان للبيع..حافظ الشاعر يكتب عن : فوضى اللايفات وغياب الحارس.. حين تتحول مواقع التواصل إلى منصات للاتهام والافتراء

     

     


    في زمن باتت فيه الحقيقة تُصاغ في بث مباشر، لا يملك صاحبه من أدوات المهنة سوى هاتف بكاميرا وشحنة بطارية، تتعرض مجتمعاتنا إلى هجمات من نوع جديد، لا تقل خطرا عن أي تهديد خارجي. إنها حرب المعلومات الزائفة، التي يطلقها من لا يملك من المؤهلات إلا الفراغ، ولا من القيم إلا السعي خلف عدد "اللايكات" و"المتابعين"، ولو على حساب الأعراض، والسمعة، والحقائق.

    لم تعد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مجرد منصات للتعبير أو التواصل، بل تحولت ـــ في غفلة من الضمير، وفي غيابٍ مؤسف للهيئة الوطنية للإعلام ـــ إلى محاكم علنية، لا دليل فيها سوى الظنون، ولا قضاة فيها إلا الجهل والاندفاع، ولا متهم فيها يمنح حق الدفاع.

    والكارثة يا سادة نجد صفحات بأسماء

    الأقاليم بلا حسيب ولا مؤهل

    فتجد صفحة تحمل اسم محافظة أو مركز أو حتى قرية، يديرها شخص لا يحسن كتابة اسمه، ولم يتلق يوما تدريبا إعلاميا، ولا يدرك معنى المسؤولية المهنية. هو فقط يمتلك هاتفا بكاميرا، وربما قليلا من الوقت، وكثيرا من الجهل. يجلس في ركن منزله أو على مقهى شعبي، يبحث عن "سبق" يروج به لصفحته، وإن كان على جثث الأبرياء، أو سمعة مؤسسة تربوية، أو مستقبل شاب جامعي.

    كما حدث مؤخرا، حين خرج أحد هؤلاء بـ"لايف" على صفحة تحمل اسم الإقليم، يتهم فيه طالبا بكلية التربية بالتحرش بتلميذة. فذكر اسم المدرسة، ووصف الحادثة بتفاصيلها... ثم توالت التعليقات التي فضحت كذبه، وكشفت عن أن ما نشره كان محض إشاعة، وصلته من "واحد قال له".

    فما جرى لم يكن خطأ فرديا فحسب، بل جريمة مكتملة الأركان: تشهير، قذف، ترويع، وبلبلة للرأي العام، ناهيك عن الأذى النفسي والمعنوي الذي لحق بالطالب، وأسرته، وزملائه، والمدرسة بأكملها. ومع ذلك، لم نسمع عن تحقيق، أو عقوبة، أو حتى بيان رسمي يحذر من تكرار المشهد.

    والسؤال ؛ أين الهيئة الوطنية للإعلام؟ أين تفعيل قانون النشر الإلكتروني؟ أين الضوابط الرادعة التي تضع حدا لهذا الانفلات الإعلامي؟ كيف يترك الفضاء الإلكتروني لكل من هب ودب، يعبث بعقول الناس ويعبث بثقة المجتمع في مؤسساته التربوية؟

    فالإعلام لا يصنعه الهاتف بل يصنعه المؤهل ..والإعلام مهنة، لا هواية. ميثاق، لا مزاج. ضمير، لا ترند. ولهذا، فإننا نطالب بإعادة الاعتبار لخريجي كليات الإعلام، أولئك الذين درسوا القواعد والأخلاقيات، وتعلموا أن الكلمة أمانة، وأن الصورة ليست مجرد لقطة بل مسؤولية. هؤلاء هم الأحق بإدارة صفحات الأقاليم، وتغطية أخبارها، والتحدث باسمها.

    واقترح الآتى وهو الطريق إلى الإصلاح:

    1. تفعيل قانون النشر الإلكتروني بصرامة، بحيث يحاسب كل من ينشر معلومة كاذبة أو يمارس التشهير باسم "الإعلام الشعبي".

    2. وضع ضوابط لإنشاء الصفحات التي تحمل أسماء رسمية (محافظة، مركز، قرية)، بحيث تدار من قبل جهة مسؤولة أو أشخاص معتمدين مؤهلين إعلاميا.

    3. تشجيع خريجي الإعلام على العمل ضمن منظومة إعلامية إلكترونية محلية، تمولها الدولة أو تشرف عليها النقابة، لتكون بديلا موثوقا عن صفحات العبث.

    4. نشر الوعي المجتمعي بخطورة "المعلومة السريعة"، وتدريب الجمهور على التحقق من الأخبار قبل مشاركتها أو تصديقها.

    في النهاية بقى. أن اقول، إذا تركت الحقيقة للمجهولين، ستضيع. وإذا استمر السكوت، سيصبح الباطل هو الصوت الأعلى. الإعلام ليس لعبة، ومنصات التواصل ليست ساحات فوضى. ولا بد من وقفة حقيقية، تردع كل من تسول له نفسه أن يلعب بسمعة الناس تحت لافتة "حرية النشر".

    فيا أيها السادة... السكوت لم يعد خيارا.

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: احزان للبيع..حافظ الشاعر يكتب عن : فوضى اللايفات وغياب الحارس.. حين تتحول مواقع التواصل إلى منصات للاتهام والافتراء Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top