في قرية صغيرة، لا يعلو فيها صوت على جرس المدرسة، خرج
الخبر كالصاعقة: "حبس مدرس تربية رياضية (عملى) بتهمة اغتصاب طالبة بالصف
الرابع الابتدائي".
عبارة قصيرة، لكنها كفيلة بأن تزلزل وجدان المجتمع كله،
وأن تفتح أبواب الأسئلة على مصراعيها.
بين السطور، تختبئ مأساة إنسانية لم تكتمل ملامحها بعد. فالتحقيقات
ما تزال جارية، والمتهم ما يزال (متهما) حتى تثبت إدانته. ولكن في زمن السرعة
الرقمية، لا ينتظر الناس قاضي المحكمة، بل ينصبون محاكمهم الافتراضية على صفحات
التواصل الاجتماعي. هناك، تتحول الكلمة إلى سيف، والرأي إلى حكم بات، والعدالة إلى
موجة من الغضب العاطفي.
أي جريمة أبشع من أن تمس براءة طفلة؟
وأي ظلم أدهى من أن يُسجن بريء بلسان إشاعة؟
بين هذين الجدارين يقف المجتمع حائرا، تتنازعه العاطفة
والعقل، الغضب والإنصاف.
#المدرس، رمز القدوة ومصدر الأمان، أصبح في عيون الناس
موضع شك. #والطفلة، التي لم تعرف بعد قسوة العالم، أصبحت محور ضجة لا تحتمل. أما #المدرسة،
التي وجدت لتكون ملاذا للعلم والطمأنينة، فقد تحولت في المخيلة العامة إلى مسرح
للرعب.
لكن الحقيقة — كما العدل — لا تستخرج من صخب الناس، بل
من دقة التحقيق، ومن صوت الضمير المهني الذي يحكم بين البشر. فكم من واقعة هزت
المجتمع، ثم كشفت الأيام وجهها الحقيقي، لا كما روجتها الشائعات.
إن ما نحتاجه اليوم ليس فقط محاسبة الجاني إن ثبتت
الجريمة، بل أيضا محاسبة أنفسنا كمجتمع يتعجل في إطلاق الأحكام. نحتاج إلى وعي
يُفرق بين التعاطف المشروع والتشهير المدمر، بين الغضب الإنساني والانفلات اللفظي.
#العدالة ليست هاشتاجا، ولا تقاس بعدد المنشورات، بل
تبنى على الصبر، وعلى احترام مسار القانون.
فى النهاية بقى أن أقول ؛ فلننتظر - لا تهاونا، بل
احتراما - حتى تقول التحقيقات كلمتها الأخيرة.
وحين تقال، فليكن حكمنا موقفا من أجل الإنسانية كلها ..أن
تحمى الطفولة، وأن يصان العدل، وأن تبقى الكلمة مسئولة لا جائرة.

0 comments:
إرسال تعليق