في
مساء الثاني والعشرين من أكتوبر عام 1967، لم يكن البحر صامتا كعادته، بل كان
غاضبا... ثائرا... يشهد على لحظة نادرة سطر فيها التاريخ العربي سطورا من المجد
فوق مياهه. هناك، في قلب المتوسط، وعلى مقربة من سواحل بورسعيد، وقعت ملحمة ليست
كباقي الحروب، بل كانت صدى لصوت الكرامة حين تنتفض، ولإرادة أمة قررت أن تنهض من
بين ركام النكسة لتعلن للعالم" نحن هنا... ولا تزال فينا الحياة".
كانت
المدمرة الإسرائيلية "إيلات" تتجول في مياهنا كما تشاء، مطمئنة إلى
غطرسة القوة وضعف الرد، لا تدري أن المصريين لا يُهزمون مرتين، وأن جرح الكرامة لا
يُترك ينزف طويلا. فجاء الرد في هيئة زوارق صغيرة، تحمل صواريخ مصرية الصنع،
وأرواحا لا تخشى الموت. أُطلقت الصواريخ، فاصطكت الأمواج، واشتعلت السماء بنار
الحق، لتغوص "إيلات" في القاع، ومعها غرور العدو.
هكذا
تحدثت للبحر
لم
تكن المعركة فقط صراعا بين سلاحين، بل كانت معركة إرادة، فيها قالت البحرية
المصرية كلمتها، وكسرت للمرة الأولى أسطورة التفوق الإسرائيلي. كان ذلك أول
استخدام ناجح لصواريخ سطح-سطح في التاريخ، فدخلت البحرية المصرية كتاب التاريخ من
أوسع أبوابه، ورفعت رؤوس العرب بعد انكسار.
#جمال_عبد_الناصر_رجل_لا_يعرف_الاستسلام
كان
الزعيم جمال عبد الناصر حينها يواجه أحلك لحظات حكمه. جراح النكسة لا تزال نازفة،
والقلوب مثقلة بالحزن والخذلان. لكنه لم يكن رجلا يرضى بالهزيمة، بل كان مؤمنا أن
النصر يبدأ حين تؤمن به، وحين تزرعه في نفوس جنودك ومواطنيك. فكان دعمه الكامل
لرجال البحرية، ورؤيته أن معركة الكرامة تبدأ من البحر.
فتدمير
"إيلات" لم يكن مجرد نصر عسكري، بل كان ترجمة لفكر عبد الناصر في
المقاومة والصمود، كان رسالة تقول إن الكف قد يهزم المخرز، إذا كان الكف يحمل روح
الوطن.
#الانتماء_حين_يصبح_البحر_وطنا_آخر
هذا
النصر لم يكن لحظة عابرة، بل أصبح رمزا للانتماء الحقيقي. حين ترى جنديا شابا
يواجه مدمرة عاتية بزورق صغير، تدرك أن حب الوطن ليس شعارا، بل فعل، وتضحية،
وإيمان بأن الأرض لا تُترك، والسيادة لا تُنتزع. لقد أعاد هذا الحدث تعريف
الانتماء في قلوب المصريين، وجعل من البحر شاهدا جديدا على أن مصر لا تُكسر.
الذاكرة التي لا تغفو
فى
النهاية بقى أن أقول ؛ثمانية وخمسون عاما مرت، لكن ذكرى "إيلات" لا تزال
حية. في كل موجة تضرب الشاطئ، في كل علم يُرفع فوق سارية، في كل جندي يؤدي قسمه،
تعيش هذه اللحظة. إنها ليست ذكرى فحسب، بل درس خالد في الوطنية، في الثقة بالنفس،
في أن الهزيمة ليست نهاية الطريق، بل بدايته إن شئنا.
فيا
أبناء هذا الوطن، تذكروا دوما أن في تاريخنا أياما كتبتها دماء الشجعان، وأن
انتماءنا لا يقاس بالكلام، بل بالفعل، تماما كما فعل رجال البحرية في تلك الليلة
الخالدة.

0 comments:
إرسال تعليق