" قصيدة
"شجر العويل" :
توشحت
القصيدة بوشاح الشعر العمودي الموزون والمنسوج على مغزل البحر الكامل العذب
متفاعلن متفاعلن متفاعلن والذي لا يخلو من الخبن الذي يزيده عذوبةً ونفوذيةً
وجمالا ، اجتهد الشاعر في كتابتها بلغةٍ رمزيةٍ تبث في القارئ روح الفضول للخوض في
متاهاتها العميقة، والمشحونة بالمعاني العاطفية الدقيقة ، والتي جمعت أدب الشاعر
بين الشعر الوطني والسياسي، والصوفي، والرؤيوي الذي يعكس رؤية الشاعر في حالاته
المتأرجحة بين القلق الوجودي المترقب للحدث الصعب، وبين عصارة الألم المرادف
للأحداث .
العنونة والتحليل :
"شجر
العويل" عنوانٌ مبهمٌ يثير علامات الاستفهام ويقوم على جمع النقيضين الشجر
وهو رمزٌ للحياة والخضرة والنمو ، والعويل رمز الحزن والويلات والموت والخوڤ ،
تسير إيحاءات العنونة وفق نسقٍ وطابع فسيولوجي في محاولةٍ للشاعر للتكيف مع الظروف الصعبة وخلق حالةٍ من التناسق
الفكري بينه وبين البيئة المحيطة به .
اللغة والتراكيب البنيوية :
تميزت
القصيدة بلغةٍ شعريةٍ بارزة، لعبت على أوتار الرمزية تارة، والإيحائية تارة،
والبوحية تارةً أخرى، من خلال الإسلوب الصوري والمجازي، ومحاولات الإيحاء والترميز
، وكان لجولات الإيحاء دورها الأبرز والذي لا يخفى، نرى ذلك جليًا في هذه الأبيات :
"قلقٌ
شُجيراتُ الضّبابِ تيبّسَتْ / واستلّها مطرٌ ذَوى بسحابِهِ"
"أنا
أولُ الموتى أتيتُ بلا فمٍ / كي لا أبوحَ بفكرِ قلبٍ نابِهِ"
ونلاحظ بأن القصيدة ذات صورٍ شعرية بارزة،
وتشبيهاتٍ واستعاراتٍ مجازية عديدة لا تخرج عن إسلوب التلغيز والترميز مثال ذلك :
( شجيرات الضباب، المطر، النهر، الشجر، الريح،
شرفة القلب التي في التوت ، والريح تعجن حنطتي) وكأن الشاعر يحاول إيصال رسالةٍ ما
إلى القارئ كقوله :
"مطرٌ
أنا أنهارُ ضَوْئي سافرَتْ / والرّيحُ تعجنُ حنطتي بخِضِابِهِ"
صورةٌ
للذات يصور فيها الشاعر نفسه بصورٍ مشحونةٍ بالعناء النفسي والجسدي المنهك ، في
عملية إلتحام الحزن بالطاقة الذاتية وانصهاره فيها، حيث تتحول الاستعارات الرمزية
إلى كلامٍ فلسفيٍ يحتاج إلى تأويلٍ يفكّ شفراته.
الإيقاع والنبرة والجرس الموسيقى :
تمتّعت القصيدة ببنيويةٍ ظاهريةٍ محدودة،
وباتساعٍ كبيرٍ لما خلف البنيوية حيث أنّ كلّ ما فيها يحتاج إلى نقدٍ تفكيكيٍ يفوق
النقد البنيوي اللغوي الظاهري، ويتغلغل في أعماق الشاعر متفحصًا حالته النفسية
أثناء كتابة القصيدة .
الحرف
الرّوي للقصيدة هو الباء المجرورة والتي تسبقها ألف التأسيس، وتلحقها هاء الوصل
المشبعة بالكسرة (بابِهِ، سحابِهِ،
غيابِهِ...)، مما يمنح القافية جرسًا شعريًّا مميزا .
محورُ القصيدة الفكرية والموضوعية : الوطن الجريح
من
أعماق روح الشاعر تدفق شريان الوطنية في صيحةٍ تكاد تشق الصدر وترسم الأمل من
جديدٍ تأتي في هذه الأبيات :
"ستعودُ
أضدادٌ إلى بغدادِها / ويعودُ دجلةُ زاخراً بعُبابِهِ"
"من
ها هنا مرّ النهار بموكبٍ / وبه العراقُ يقولُ مرّ عتابِهِ"
النقد التفكيكي للقصيدة :
الذات
الشعرية لدى الشاعر في حالة اللا شعور
تُجرد نفسها، فكيانها مفجوع، والتعبير
الجاد لعله غير مسموع، وهل هناك من يسمع صوت الألم، وأنين الروح، وآهات الحسرة،
وصوت أقدام الرحيل. وكأن هذا الفقد هو جزٌ من ذاته لا يتجزأ.
ويلعب
الإيحاء الدور الأكبر والأول في القصيدة ، وفي هذا المثال بعض هذه الإيحاءات والتي
أحيانًا تكون غامضةً ومبهمةً تحتاج إلى تدبرٍ وتفكرٍ للوصول إلى مبتغى الشاعر :
وأصابعُ
الفقْدِ التي في داخلي
سرَقَتْ
بيادرَ منتهى أتعابِهِ
"أصابع" توحي بقوةٍ خارقةٍ تمارس
الفعل بخفّةٍ بالغةٍ يتسلّل منها الفقد بقوته المسيطرة على أعمق نقطةٍ بداخل
الشاعر
تسرق بيادر حصاده ونتاج جهده وتعبه، وهذا
التعبير يُعد أحد الرموز الإيحائية في القصيدة .
وهنا
تنعكس نفسية الشاعر المتألمة مما يحدث لوطنه من أحداثٍ تثير القلق ، إن هذا الفقد
سرق منه كل ما جناه بعد التعب، مما يعكس لدى الشاعر شعورًا عميقًا بالخذلان
وبالخيبة والحرمان.
ذئبٌ توابيتُ الرّحيلِ ترصّدَتْ
خطواتِنا
فقضى على ألوانِهِنّ بنابِهِ
هنا نجد
إستخدام الشاعر لإسلوب التشبيه حيث
يشبه الفقد أو الرحيل بـ"ذئب" يتربّص
بالأرواح، وكلمة التوابيت هنا إشارة للموت والفناء، أو الوداع النهائي والأخير .
"قضى
على ألوانهنّ": يقصد أن هذا الذئب (الموت أو الفقد) دمّر اللحظات الجميلة
والحياة الملوّنة والمقصد ألوان تلك الخطوات
والقصيدة
مليئة بالرموز وموشحة بالإيحاءات القوية والمعقدة .
إنّ
للإيحاءات والذّبذبات الإيحائية طاقاتها
الإيجابية ، والتي تنتقل من فكر وروح الشاعر إلى فكر وروح المتلقّي ، وفقًا لوعي
ومدارك ذاك المتلقّي، وقد يرسم لها صورةً مغايرةً تمامًا للصورة الذهنية التي عند
الشاعر، والمتكونة من عدّة إيحاءاتٍ وغموضٍ يرى الشاعر ضرورتها لأكثر من سبب.
أستخدم
الكثيرُ من الشّعراء لغة الإيحاء كوسيلةٍ لإيصال رسالةٍ ما لفئةٍ من الناس أو
مجتمعٍ ما، أو فردٍ ما يخصه الشاعر بالقصيدة ،أو لإضافة جمالياتٍ بلاغيةٍ ولغويةٍ
على قصائدهم، تثير فيها الغموض وحبّ الاستكشاف لدى القارئ والمتلقّي، ليبحثَ عن تأويلات هذه القصيدة وعن رؤى الشاعر
المخفية بين أبيات القصيدة.
إنّ
إسلوب الإيحاء نزعةٌ حضارية، وطفرةٌ أدبيةٌ تجسّد وترسم مدى المعأناة والجراح والمظلومية
المكبوتة عند الشاعر، أو عند الأمّة، إنّها لغةُ قمّة الألم والصراع بين البوح
وعدمه، وبين التصريح والتلميح، وقد يخلط البعض بين إسلوب الإيحاء وإسلوب التشبيه.
ولقد
استدعت عدّة عواملَ وأسبابٍ لاستخدام الشعراء لغة الإيحاء أذكر من تلك العوامل:
١- الإضطهاد
،والضغوطات السياسية، أو النفسية، أو الإجتماعية، أو الأسرية، أو العاطفية.
٢- الإبداع
ومحاولة القدرة على تسخير الأساليب البلاغية من خلال لغة الإيحاء والترميز.
٣- القصائد
الإيحائية نوعٌ من أنواع القصائد القابلة للتأويلات المتعددة، وهو تدفّقٌ شعوريٌّ
ينفجر في حالة العنفوان الشّعري خاصةً، فيعطيها طعمًا أدبيًّا مختلفًا وأكثر جمالا
وإثارة .
٤- إسلوب
الإيحاء في القصيدة لا يكتبه إلاّ شاعرٌ متمكّنٌ له قدرته الأدبية والبلاغية،
والأبيات الإيحائية أو القصيدة الإيحائية تحتاج أيضًا لمتلقٍ وقارئ ٍمبدعٍ لديه
المكنة اللغوية، والثقافية، والتّشفيرية.
٥- قد
يحتاج الأمر أحيانًا لشرح بعض المفردات في هامش الكتاب، إلاّ أنه ليس من المستحسن
فكّ الرموز أو الإشارة إلى المعاني المخفية.
"بنابِهِ":
صورةّ تشير إلى العدوانية ونهم الافتراس، يرسم فيها الشاعر مدى العنف والوحشية حيث
أن الناب من ضروريات الإفتراس .
يا حنطةَ الجوعِ التي كَمْ أشتهي
منْ أنْ تمُرّ على الطّوى بلُعابِهِ
الياء حرف نداءٍ لـ"حنطة الجوع"، تعبيرٌ مجازيٌّ يصور
فيه الشاعر مدى معأناة الوطن والشعب من الحصار الذي لحق بالوطن فأولد هذا الاشتهاء
لدى المواطن على لسان الشاعر .
ولا يخلو المعنى من ان يكون الجوع ليس جوعًا
جسديًا فقط بل روحيًا و اجتماعيًا يحتاج للطمأنينة والسكون .
الشاعر
يتمنى أن "تمرّ" هذه الحنطة بفمه وإن كانت مجرد لعابٍ لا حقيقة فيه،
وهنا قمة الحسرة مما يدل على عمق الحرمان الذي لحق بالوطن.
الفَقْدُ خَاصَمَني وداسَ خَواصري
وشَكا لمزْرَعةِ الغيابِ بما بِهِ
" الفقدُ
خاصمني": علاقة صراعٍ داخليٍ مع شبح الفقد، وفي هذا البيت التعبير مجازيٌ
كناية عن هذا الخصم الذي يدوس فيه خاصرة الشاعر والبيت يصور لنا ما وصل إليه الحال
من قمة الفظاعة والإجرام الذي لحق بوطن الشاعر.
"داس
خواصري" : تصويرٌ بلاغيٌّ في منتهى
القوة لدى الشاعر لإيصال الفكرة والمعنى الشامل للمعأناة ، فالدوس لا يكون إلّا
بالأقدام، وأصعب الدوس الذي يكون في
الخاصرة ، "في الحقيقة التعبير مؤلمٌ جدًا يكاد قلمي يجمد في مكانه".
"مزرعة
الغياب": هنا استعارةٌ مكنيةٌ عن المسمى الحقيقي مقبرة الغياب.
إعتمد
الشاعر في كتابة قصيدته الرّمزية على
معأناته الشخصية العاطفية منها، أو الإجتماعية، أو المعأناة الجماعية لوطنه،
أولشعبه، أو لقبيلته، وما إلى ذلك.
فلديه القدرة أيضًا على التّقمص في شخصية من
يريد إبراز شخصيته، وما فيها من طموحاتٍ ومتاعبَ وأوجاعٍ من خلال اتّباع إسلوب
التحدث عن النفس والذي يمثل صور الجماعة .
أنا أوّلُ المَوْتى أتيْتُ بلا فَمٍ
كي لا أبوحَ بفكْرِ قلبٍ نابِهِ
أنا
أوّلُ الموتى أتيتُ بلا فمٍ":
إستعارة مكنية أول الموتى - أتيت بلا فمٍ - صورةٌ
رمزيةٌ تفيد السكوت المطلق والصمت القسري أو الاختياري الضروري لدى الشاعر .
"كي
لا أبوحَ بفكرِ قلبٍ نابِهِ":
يبرر
الشاعر ذلك لكي لا يبوح بما يجول في قلبه من أفكارٍ و مشاعرَ مؤلمة يفضل كتمانها،
فالفم موضع النطق والبوح .
و"قلبٍ
نابِهِ" أي قلبٍ غاضبٍ ومتألمٍ فاض به الكيل.
إستخدم الشاعر الرمزية كعادته في بقية القصيدة
عندما قال أنا أول الموتى
"الموتى"
ليس بالضرورة الموت الجسدي، بل قد يشير الشاعر وبرمزية دقيقةٍ وبإيحاءٍ فلسفيّ غير
مباشر إلى ما يعانيه من الانكسار والخذلان والكبت والقهر والتمرد الصامت.
السّمات الأسلوبية والجمالية في القصيدة :
اللغة : تميزت لغة القصيدة بكثرة الرموز
والإيحاءات والتراكيب الشعرية المشفرة، مما يمنحها كثافةً لغويةً عالية كهذا البيت
الذي يقول الشاعر فيه :
وطنٌ
أبابيلُ الصّراخِ تدوسُهُ
وتذُرُّ
عنقاءُ الأذى بهضابِه ِ
الصور
الرمزية : إعتمد الشاعر على الصور الرمزية كـ"ذئب"، "حنطة الجوع"،
"مزرعة الغياب".
الصور
الإيحائية : توشحت القصيدة بوشاح الصور الإيحائية كثيرًا كقول الشاعر :
غَصّ
النّدى منفاهُ رجّعَ رمْلَهُ
والأفقُ
سافرَ في الضّحى لضبابِهِ .
وزّعْتُ
عُشْبَ الرّوحِ في شَطحاتِنا
وتراقصَ
الدّرويشُ في أعصابِهِ
الصدمة الوجودية : الشعور بالقلق على الوطن
،الفقد ، الرحيل ، وهم الإنكسار وردت آشاراتها في هذه الأبيات :
إنّي
احتسيْتُ نداءَ جُرْحي مرّةً
وَمضى
الدّجى يبكي على أكوابِهِ
جمّعْتُ
أنفاسي وزرْتُ حُصونَها
فدخلْتُ
منْ تعَبِ المتى لرحابِهِ
ليلي
سَيَبْني بارتكابِ جريمةٍ
قَصْري
فيحمِلُني إلى أعتابِهِ
إيجابيات القصيدة :
تميزت القصيدة بالصور البلاغية والتراكيب
اللغوية وبالصور الشعرية القوية الغير مكررة، وهذا يدل على قدرة الشاعر ومدى مكنته
الأدبية .
خلاصة التحليل :
تحمل
القصيدة نفسًا شعريًّا طويلًا لشاعرٍ متمكنٍ من شاعريته، وصوتًا نابضًا بالحياة،
وصرخة وطنٍ ، وصوت شعبٍ تمثّل على لسان الشاعر محمّلًا بالجراح والألم ، ومن أعماق
الشاعر حيث الفقد والرحيل والموت .
القصيدة
شديدة الرمزية وقوية تحتاج لقارئٍ بارعٍ وغير متسرعٍ ليحط رحاله عندها على مهلٍ
ويتأمل في مفرداتها .
شجَرُ
العويلِ
شجَرُ
العويلِ يراكَ غُصْنُ ترابِهِ
وإليكَ
يفرُشُ ما يُريدُ ببابِهِ
أغصانُهُ
نبتَتْ حروفَ قصيدةٍ
والماءُ
أفرغَ ما يُرى بلُبابِهِ
ونوافذي
زارتْهُ بعدَ مماتِهِ
ليرى
انْسكابَ المُشتهى بشرابِهِ
قلقٌ
شُجيراتُ الضّبابِ تيبّسَتْ
واستلّها
مطرٌ ذَوى بسحابِهِ
والقادمونَ
منَ المتاهِ ترجّلوا
والصّمْتُ
ضاعَ على صدى مِحرابِهِ
غَصّ
النّدى منفاهُ رجّعَ رمْلَهُ
والأفقُ
سافرَ في الضّحى لضبابِهِ
لا
شرفةُ القلبِ التي فيّ التوَتْ
تأتي
ولا بابي يعودُ لما بِهِ
إنّي
احتسيْتُ نداءَ جُرْحي مرّةً
ومَضى
الدّجى يبكي على أكوابِهِ
جمّعْتُ
أنفاسي وزرْتُ حُصونَها
فدخلْتُ
منْ تعَبِ المتى لرحابِهِ
ليلي
سَيَبْني بارتكابِ جريمةٍ
قَصْري
فيحمِلُني إلى أعتابِهِ
وستحْتَفي
روحي بروضةِ نهْرِها
وتثيرُ
فلسفةَ الرّؤى بعذابِهِ
هذي
الوجوهُ على جمالِ وجودِها
تُسقيكَ
حيْرتَهُ مرارَ عِقابِهِ
ودُوارُ
دُولابِ الحياةِ مفازةٌ
سيُريكَ
داجيها دروبَ تبابِهِ
يوماً
سينطفئُ الشّعاعُ وينتهي
زمنٌ
ويرتحلُ الدّجى بشهابِهِ
يوماً
يُقالُ بأنّ روحَكَ قدْ ذوَتْ
وتَعَطّلَتْ
فرطَ الأذى بكتابِهِ
لا
شرفةٌ للصّبْحِ تعجُنُ عِطرَها
كلا ولا عِطرُ الضحى بثيابِهِ
طاحَتْ
على فلكِ الأذى مَهَجاتِهمْ
وتساقطَتْ جمراً بفكرِ مُصابِهِ
لا
الأفقُ أرجوهُ البقاءَ ولا الأسى
فشَطَبْتُ أنفاسي وصحْتُ بصَابِهِ
أبني
إلى ليلي بقايا خيمةٍ
كي يَحْتفي فيها الرّدى بصِحابِهِ
وَجْهي
ملامحُ موجةٍ غجريّةٍ
بدمي أضاءَتْ لي رؤى عنّابِهِ
وزّعْتُ
عُشْبَ الرّوحِ في شَطحاتِنا
وتراقصَ الدّرويشُ في أعصابِهِ
مطرٌ
أنا أنهارُ ضَوْئي سافرَتْ
والرّيحُ
تعجنُ حنطتي بخِضِابِهِ
وأصابعُ
الفقْدِ التي في داخلي
سرَقَتْ بيادرَ منتهى أتعابِهِ
ذئبٌ
توابيتُ الرّحيلِ ترصّدَتْ
خطواتِنا فقضى على ألوانِهِنّ بنابِهِ
يا
حنطةَ الجوعِ التي كَمْ أشتهي
منْ أنْ تمُرّ على الطّوى بلُعابِهِ
لا أشتهي منْ أنْ أكونَ مودّعاً
لكنّني
أبكي ليومِ حِسابِهِ
الفَقْدُ خَاصَمَني وداسَ خَواصري
وَشَكا
لمزْرَعةِ الغيابِ بما بِهِ
أنا أوّلُ المَوْتى أتيْتُ بلا فَمٍ
كي لا
أبوحَ بفكْرِ قلبٍ نابِهِ
ويدي مُهَشّمةٌ أصابعُ حُزْنِها
تشكو
إلى المعنى فراغَ جوابِهِ
تفّاحُ أوجاعي أباحَ خُمورَهُ
وَمَلَتْ
أباريقُ الشّروعِ لِغابِهِ
أنا مُثخنٌ بترابِ أفكارِ الضنى
وبهِ
سَتَسْعى أهلُهُ لخرابِهِ
وطنٌ أبابيلُ الصّراخِ تدوسُهُ
وتذُرُّ
عنقاءُ الأذى بهضابِه ِ
هلْ ينهضُ المذبوحُ في أعبائِهِ
ويعودُ
منْ شرٍّ دجا لشبابِهِ
الموتُ
قبّرةٌ وطفلٌ جائعٌ
فارْصُفْ بقايا المفرداتِ لِدَابِهِ
والموتُ
قانونٌ ووعْدٌ أحمقٌ
ولمَوْئِلٍ أعمى تُرى بجِنابِهِ
والحرفُ
يبقى للخلودِ مفازُهُ
ونداءُ مصلوبٍ مضى بركابِهِ
والبرقُ
منْ جُوعٍ تنمّرَ قلبُهُ
وشكا النّخيلُ منَ الظّما ليبابِهِ
ليْ
موطنٌ كنّا ننامُ بظلّهِ
وسهولِهِ العَطشى لومْضِ سرابِهِ
يا موطني
مولايَ يا عَصَبَ السّما
ماذا ستقرأ للأذى المتشابِهِ
مولايَ
يا شيخَ المنافي كُلّها
يا أيّها المنفيُّ في أحْبابِهِ
لنْ
تنطفي يوماً ولنْ يَهْوي الدّجى
سيُضاءُ ترْحالُ السّرى بثقابِهِ
والبيدُ
سوفَ تصيحُ في زوّارِها
والقهْرُ مُنكفئٌ على أعقابِهِ
ستعودُ
أضدادٌ إلى بغدادِها
ويعودُ دجلةُ زاخراً بعُبابِهِ
فالأرضُ
طفلتنا التي فيها نَرى
ضوءَ الحياةِ يلوحُ بعدَ غيابِهِ
إنّا
حضورُ الوقْتِ نقراُ للفضا
ما قالتِ الأجيالُ في أحقابِهِ
مِنْ ها
هُنا مرّ النّهارُ بموكبٍ
وبهِ العراقُ يقولُ مُرّ عِتابِهِ
ألقى
على كلّ النّيامِ تحيّةً
وتخارَسُوا وَسَعوا إلى أبوابِهِ
واستهْدَفوا
شَجَرَ العويلِ بنوْمِهِمْ
وبثغرِ أشْجَعِهمْ مَرارُ تُرابِهِ
.................................................
ا26/9/2025
تمنياتي للشاعر بمزيدٍ من التألق والنجاح
والتوفيق .
أ.د. أحلام
عبدالله الحسن " أحلام الحسن "
أكاديمية
- عروضية معتمدة - شاعرة وكاتبة
ماجستير
إدارة أعمال- دكتوراة إدارة موارد بشرية

0 comments:
إرسال تعليق