• اخر الاخبار

    الاثنين، 3 مارس 2025

    محمود توفيق سعد البليغ المؤدب..بقلم :أ.دصبري فوزي أبوحسين‏

     

     


    قليل هم العلماء العاملون المؤثرون في حياتنا، مَن وجودهم نور، ولسانهم نور، وقلمهم نور، ومحياهم نور، علماء مؤمنون مسلمون: قلبا وقالبا وعقلا ولسانا، وسلوكا، يجذبك جذبا، ويأسرك أسرا، وقد صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وكانوا خير معلنين عن الشرع الحنيف، وموقعين خير توقيع عن أحكام الشريعة في أدق القضايا وأخطرها، فلم يكتموا ما أنزل الله تعالى، ولم تأخذهم في الله لومة لائم،  مهما كان منصبه أو جاهه! علماء مجاهدون يعلنون عن عقيدتهم ومذهبهم بشكل صريح محدد، لا مواربة فيه، ولا مداراة! ولا  خلابة! ولم يشتروا بكتاب الله وعلمهم ثمنا قليلا،  ومنهم أستاذي الدكتور( محمود توفيق سعد)، أستاذ البلاغة والنقد المتفرغ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالقاهرة، وعضو هيئة كبار العلماء، نحسبه كذلك،والله حسيبه،ولا نزكي على الله أحدا. وقد رحل عنا وفارقنا أستاذنا ووالدنا فجأة،  في زمن كنا نعده ظرعنا وملاذنا ولساننا، وسراحنا،، وكنت-شخصيا- أنتظر التمتع برؤيته وزمالته في لجنة شعبة اللغة العربية للدراسات العليا بكلية العلوم الإسلامية والعربية للوافدين، وكنت أنتظر تعليقه على بحث لي وعدني بقراءته، رحل أستاذي الدكتور محمود توفيق سعد  ليلة يوم الخميس٢٧فبراير ٢٠٢٥م،الموافق٢٨من شهر شعبان سنة ١٤٤٦هـ كتب الله له أن يموت في وقت فاصل،  بين شهر رفع الأعمال، وشهر بداية أعمال جديدة، وقد توفاه الله عن عمر بلغ  أربعة وسبعين عاما، نحسبها كلها كفاحا وجهادا في سبيل الحق وأهله، وقد أظهر رحيله هذا أن له من اسمه كل نصيب؛ فقد كان( محمودًا) عند جميع طلاب العربية والشريعة في أقطار المعمورة،كما كان ذا (توفيق)،في كل كتاباته وخطاباته،ونرجو له أن يكون من الذين (سعدوا) في الآخرة، وأن يسعد ذريته ويبارك فيخا؛ كما (أسعدنا) في الدنيا الفاتنة بآثاره العلمية ومواقفه الحازمة، رضي الله عنه وأرضاه!

     وقد رزقني الله-تعالى- التتلمذ على يديه في الفرقة الرابعة من العام الجامعي الثاني والتسعين والثالث والتسعين من القرن المتصرم، في كلية اللغة العربية بالمنوفية، وأشهد أنه ما تخلف عن محاضرة، ولا قصر في محاضرة، ولا خرج  إلى ذاتياته وذكرياته كما كان يحدث عند بعض رفاقه، وما خرج عن متطلبات المحاضرة. كنا نجلس أمامه مجلس المنصت المنبهر الشغوف المتمتع، ما كان أحد فينا ينشغل أو ينصرف عنه، كنا نكتب عنه ما يقوله عن شرح الدلائل لفظة لفظة، وتعبيرا تعبيرا، ونصا نصا، وبابا بابا، وكأني به طبق نظرية النظم على أسلوب عبدالقاهر ذاته، وإن قلت: إننا كتبنا عنه كشكولا كاملا أو يزيد، وكل منا كتب كل ما فهمه أو يظن أنه قد فهمه،وما استطعنا أن نسجل كل خواطره! وكنا ننبهر بطريقته في التحليل، إنه لتحليل عميق، قائم على منهج التذوق، ذلك المنهج الشاكري العتيق، تحليل يبدأ من القراءة المعجمية واللغوية ثم التذوق اللغوي، والتدبر التعبيري، ثم البياني، ثم البديعي، ثم الإيقاعي العجيب، وهو تربوي في شرحه، ينتقل بنا من درجة أولى في التحليل إلى درجة ثانية، ثم إلى درجة عالية، من سطح، إلى سقف أعلى، ثم إلى مكان علوي خاص! وأنت في كل درجة معجب مندهش،  تكاد تتابعه بصعوبة، لأنك أمام بحر علم هادر، ومحيط فكر ذاخر، يغمرك غمرا. ثم كان أن رزقت رؤيته ومجالسته في رحاب كلية الدراسات العليا، وكلية العلوم الإسلامية للوافدين،ومؤتمر كلية اللغةالعربيةبأسيوط، فكان يفخر بي وزملائي أمام رفاقه، ويعلي من شأننا، كان يتعامل معنا معاملة الوالد، يسأل عن حالنا وآخر كتابتنا، وكان يسأل بقية تلامذته ممن نعرفهم، ويسألني عن ابنه(سعيد جمعة، الأستاذ والداعية والعميد المعروف) وعن أخباره، ويوصيني بحسن الجندية له، ويطلب مني أن أبلغه عن رغبته في الاطلاع على آخر ما كتبه. وكان يذكرني بخير في كل مكان علمي، وكم رشحني لأعمال علمية لظنه الطيب في شخصي، فكم من خير علمي أتاني عن طريق تزكيته وحسن ذكره لشخصي. ومن ثم أوجز كلمتي عنه بأنه كان خيرا، وعاش خيرا، لم يكن أستاذا فقط، بل أستاذ ووالد، فضلا عن أنه المؤدب المربي الصانع للأجيال،رباني وربى أساتذتي،وربى زملاءه،وكتب الله في سنيه الأخيرة أن تصل تربيته إلى قطاع كبير،من الأمة،وإن قلت: إنني فقدت برحيله والدي لا أكون مبالغا، ولعل ما فيَّ من رعاية للأجيال التالية راجع إلى نصحه إياي بذلك.

    وإن تعجب فعجب أن نرى هذا الرجل السبعيني متطورا كل تطور،  لا يترك مجالا يوصل كلمته إلا أتقنه ووظفه خير توظيف، فقد عرفت منه أجاد الحاسوب،  واتقن التعامل معه، فكان يكتب أبحاثه وينسق كتبه بنفسه، ولعل صفحته على ذلك الفضاء الرقمي الأزرق، والمسماة باسمه مجردا من كل لقب، خير دليل على ذلك،  ففيها خلاصة مقالاته وأبحاثه وفيديوهاته، وليس فيها ما عند غيره من تفاخر بصورة أو تباه بحضور! إنها صفحة ملأى بمناشير الخير والعلم فقط! كما كان أستاذنا منذ ظهرت مواقع التواصل حاضرا فيها متابعا شؤون أمته،منضما إلى كل جماعة فيها خير وفيها فاعلية، ولا يستنكف أن يعلق على مناشير طلابه مدحا حينا وتوجيها حينا،وقد رأيت ذلك في منشورات لي،وفي منشورات لللدكتور أ.د عصام فاروق، والدكتور هاني الصاعدي، وغيرهما.

     وأختم مقالتي التأبينية الرثائية هذه بدعاء شعري تضرع به أحد طلاب شيخنا المحمود، وهو الشاعر الأزهري الكبير الزميل الأستاذ محمد فتحي نصار، حيث قال على صفحته الفيسية:

    يا رب عبدك هذا كان يدعونا

                            إلى دروبك فاستقبله ميمونا

    واقبله يا ربنا بمن رضيت لهم

                        فردوس جنتك الفيحاء موضونا

    محمودُ توفيقٌ وسعدٌ، أنت تسعده

                        وأنت تجزيه بالإحسان مضمونا

    وأنت تجزيه أوفى ما جزيت به

                  من عاش باسمك يا حنان مسكونا

     رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجعل عمل طلابه في ميزان حسناته.

     

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: محمود توفيق سعد البليغ المؤدب..بقلم :أ.دصبري فوزي أبوحسين‏ Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top