(المقهى في مدينتنا الغارقة بالقدم،المسحوقة تحت مطارق ضيمها واهمالها، اهم البرلمانات واكثر الجدران معرفة بخفايا الامور،الاتية من البيوت المكتومة الاصوات ،والازقة والدرابين المقفلة مثل زنازين رطبة ساومت انبلاجات الضوءفاغلقت واحد من مصادره ،الاسواق المكتظة بالهمهمات والتوسلات ونداءات تتطاير عند حوافها الوان لاتصدق من الحلفان والتكتف الله،ورشقات الاكاذيب التي يضطرحملة مشاعل الاحزان الى تصديقها واعلان الابتهاج والمودة والستر، المقهى اكوم من الكتب الشفاهية المثيرة للسخرية والتعليقات الغريبة التي لاتستطيع الحناجر الاحتفاض بها وتكرارها عندالحاجة،ثمة ماهوجديد وزاه ومبتكر من اكياس الرفض والقبول والاستكانة..).لحظة صاح(عزيز الاسود)مات الدوشيش،تجمعت دكنة الوجوه مبصرة الدوشيش وهو ينازع انفاسه الاخيرة،مسجى بهدوء عند طرف الصف الخامل لاخوة تخلو عنه ببساطة ودون حساب لما حدث،ابتسم الاسود،شامراً يشماغه الذي اخذ من لون بركة ماء سوادها الاسن، الوانه ورائحته المذكرة بروائح السدر والكافور، وبحركة ماكرة اخترق الهواء طائراً الى علو،لوح بكلتا يديه،استدار ملقياً فوق الرؤوس المراقبة لما يحصل بمرح وامتنان نثار حلواه الصبيانية الماطقة بالاشتهاء، لحظة توقفت روحه فوق ما اختارته من المكان المليء بالكراسي والتخوت،والمناضد الحائلة الالون،والجبولة على الرقص ما ان يمسها احداً،نظره القاعد قبالته متحسراً،تلتمع عينيه بومض مقهور من الاحزان،صرخ الاسود جاذباً انظار المراقبين اليه—أعلن استسلامك مات من تعتبره منقذاً ورفيق درب!!
اشعل
الملفوف بالضجر سيجارة فركها بعصبية بين اصابعه لمرات عدة، ساحباً دخانها الى صدره
الذي خرخش متألماً مثل كومة علب فارغة،الى مقبرة مخاوفه التي ازدادت كراهية،رفع
جسد الدوشيش محاولاً التأكد من الموت الاتي فجأة ليدمر كل الحسابات ،
والمشاريع،ليالي تمتد من المغرب حتى ساعات الفجر،يكون الصراع على اشده،دوي مهول
تصاحبه صرخات احتجاج ورفض واستحسان،يتمنى الاسود العارف لما يقصدلو انه حطم هيبة
الدوشيش المتحكم بمساحات اللعبة مثل ملك اشوري، شديد البأس ولانفة والغرور،تتماوج
الوجوه امرةً الاسود الشبيه بديك(زهرة العويد) منفوخ الاوداج،يتبختر متقلباً الى
اليمين والشمال في مشيته المرتاحة وهو يقود ثمان دجاجات جيء بهن من اراض
بعيدة،تقول عنهن(زهرة العويد) دجاجاتي وديكي من اصول ملكية،لانهن من سلسلات اقنان
دجاج الملكة ازابيل الاولى، اللواتي شاركن شكسبير في عروض مسرحياته امام جلالة
الملكة البهية،عيون خضر وريش مثل ريش نعام، بأن يهدأ مادامت الاحلام تقف حائرة
متمنية الارتماء بين يدي من تحب،نبر المغسول بالفجيعة—ليتني اخذت حذري..ماتعودت
الاسود صائد ارقام محترم..مجرد وقح لسانه بزفرة سمك السفاطة المرمي عندجرف الشط
لايام صعبة العد..القدر غلب خذري..!!
وسع
الاسود مساحة تواجده امراً اتباعه برفع مايعترض دربه من معثرات تعيق حركات رقصته
التي لايتقنها غيره،حركات مذهلة مزيج بين التوحش والليونة والضجيج،يرفع قدميه الى
علو..تتصايح الافواه جذلة.
—طر..طر
لاتبالي بغيرطيرانك..لاتتردد !!—-اخترق السماء بسهم فحولتك لاتتوقف عيب توقفك!!
—-
رمح باسق يخترق صرة السكون!!
—-
نسر فضاءه الجرأة والكبرياء!!
دورتين
متتاليتي تحطمان ركدة الهواء وثقلها المعبأ بالانفاس الناثة دخاناً عطناً ،
لتستقرا ببطء وسط الدائرة التي اتسعت دون ارادة منها،انكفأ الجسد المغزلي مقبلاً
تراب القاع الخشن الملمس، صاح المصاب بلوثة الادهاش وخباله—- فخرك لن يدوم السماء
مهما كانت قاسية لاتغلب النسور .؟!!
ببطءرفع
الاسودرأسه الكثيف الشعر المتدلي على كتفيه مثل كومة فحم،
رمى
ضوء عينيه بحضن المنتشي املاً،فتراجع الآخر بحركة مشوبة بالوجل
قال
الاسودلابساً مكر الذئاب وشراستها
—من
ينازع ملكاً شديد البأس والاقدام على عرشه!!
لبرهة
وقت اطرق الآخر رأسه مراقباً حركة الاقدام
التي اثارت فضوله،لنفسه الهادئةهمس—-إن في الأمر مكيدة يقودها الاسود ..
تناوشت
النفس،سؤاله المهمل،قائلة.
—
لاتجعل خسارتك مصيدة كيد؟!!
قال—لابد
من أمر..لابد من أمر!!
ظلت
النفس تولول غاضبة ،فيما ارتفع الجسد المغزلي لتصطدم جمجمته بالسقف مصدرة دوياً
مرعباً اصاب المتابعين بالدهشةوالذهول، نهض الاخر متلقفاً الجسد المنهار الماً،
همس الاسود بعد ان فتح عينيه على اتساعهما—ليمت
الدوشيش وماتلاه ورحم روحي الراغبة،!!
دهدره
الأخر بلطف الى داخل الدائرة التي ضاقت منصتة مايمكن ان يكون حدثاً مهماً ،صاح
الاسود—-آه لو تعرف كيف يتحمل هذا السواد نيران عشقه؟!
قال
الآخر ضاحكاً —هي لك لقاء ان لاتفكر بقتل الدوشيش ما بقيت؟!!
ضجت
المقهى بالهلاهل والتصفيق والهتافات،كان عزيز الاسود يحلق بجناحين ابيضين مخترقاً
السحب المثقلة بالرعود..!!
0 comments:
إرسال تعليق