د/ يوسف ادريس ..البيروم ..فاقوس.. الشرقية .ولد سنة 1927 وكان والده متخصصاً في استصلاح الأراضي ولذا كان متأثراً بكثرة تنقل والده وعاش بعيداً عن المدينة ،وكانت الكيمياء والعلوم تجتذب الطالب يوسف إدريس لذا فقد أراد أن يكون طبيباً
وفي
اثناء سنوات دراسته بكلية الطب أنخرط في العمل السياسي واشترك في مظاهرات عديدة ضد
المستعمر البريطاني ونظام (الملك فاروق )
وانضم
يوسف إدريس الي تنظيم ( سري ) الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني الماركسية ( حدتو ) وهي واحدة من أكبر التنظميات السرية الشيوعية
التي عرفتها مصر آنذاك وأكثرها جماهيرية
كما شارك في حركة ( أنصار السلام ) وكانت أولى رحلاته إلى أوروبا للاشتراك في
مؤتمر أنصار السلام في فيينا في فبراير عام (1952).
وفي
خضم الانغماس في العمل السياسي اثناء الدراسة كتب يوسف ادريس اول قصصه القصيرة
بعنوان (أنشودة الغرباء ) ونشرت في مجلة 'القصه' (مارس عام 1950). وبعد تخرجه نشر
قصصه في 'روزاليوسف
وعندما
قامت ( ثورة يوليو 1952 )كان يوسف ادريس طبيبا شابا حديث التخرج وأعلن انحيازه
وحماسه لها فور قيامها، ووجد في شعاراتها ومشاريعها المتوالية تحقيقا لأحلامه
كمثقف وفنان متمرد
واندفع
للانضمام للثوار الجدد وأحس بأن مشروعا وطنيا ثوريا يتحقق ولكن اقترابه من ( المثقفين
الشيوعيين ) بدأ يباعد بينه وبين رجال الثورةوبعد عامين وقع الصدام ووجد يوسف
ادريس نفسه يصنف ضمن( أعداء الثورة ) ويحاكم ويسجن بسبب قصة قصيرة كتبها وهي قصة (الهجانة
) التي نشرت في مجموعته الاولى ( ارخص
ليالي )
فعلى
الرغم من انها صادرة عن سلسلة حكومية هي الكتاب الذهبي وكان يشرف عليها ( يوسف السباعي ) فإنها اتهمت
مع كاتبها يوسف ادريس بالتنديد بالثورة وتصوير رجالها في صورة الغاصب المستبد
خصوصا انها نشرت في اعقاب ازمة مارس 1954 الشهيرة
وهي
حسب مدلول اسمها تصور كتيبة من جنود الهجانة تسطو على قرية وتحتلها وتعيث فيها
فسادا
وبسببها ( اعتقل يوسف ادريس ) وقضى في السجن حوالي عاما
ونصف العام
وكان
مقررا له ان يستمر طويلا رهن الاعتقال ولكن ذات صباح من شهر أغسطس عام 1955 خرج من
( السجن) متجها الي ( قصر عابدين ) مباشرة
فأثناء
( اعتقال يوسف إدريس ) حدثت مستجدات على الساحة المصرية والسودانيةعقب ( مؤتمر باندونج )
وكان
من الضروري أن يذهب ( صلاح سالم ) عضو
مجلس قيادة الثورة إلى السودان للتفاوض مع الجبهة الوطنية هناك بشأن الوحدة، فخطر
في ذهن صلاح سالم
أن
يفرج عن عدد من الكتاب والفنانيين المعتقلين ويرسلهم إلى السودان كجزء من القوى
الناعمة لمصر.
ويقول
يوسف ادريس كنا في حالة لا يرثى لها بعضنا يرتدي بيجاما مهلهلة، وبعضنا يضع
الملابس في صرة من القماش وجزء ثالث حافي القدمين
هكذا
يصف أوضاع المعتقلين أثناء الأفراح عنهم، الذين أخذتهم سيارة الامن مباشرة إلى (صلاح
سالم ) في قصر عابدين وخلال أيام من
خروجهم
استقال ( صلاح سالم ) وجاء ( زكريا محيي الدين )
خلفًا له
وهنا
يستطرد إدريس :
(
كنت متوقع عودتي إلى المعتقل ) ولكن ربنا ستر، وعدت إلى مهنتي الأساسية كمفتش في
مكتب صحة الدرب الأحمر بوسط القاهرة
وفي عام 1961 انضم يوسف ادريس إلى المناضلين
الجزائريين في الجبال وحارب معارك استقلالهم
لمده ستة أشهر
وأصيب
بجرح ( وأهداه الجزائريون وساماً) إعراباً عن تقديرهم لجهوده في سبيلهم وعاد إلى
مصر
وقد
صار صحفياً وأديبًا معروفًا حيث نشر له
روايات وقصصاً قصيرة، ومسرحيات.
وفي
عام 1963 حصل على( وسام الجمهورية )ككاتب من أهم كتّاب عصره
إلا
أن النجاح والتقدير أو الاعتراف لم يخلّصه من انشغاله بالقضايا السياسية
وظل
مثابراً على التعبير عن رأيه بصراحة، ونشر في عام1969 (المخططين ) منتقداً فيها نظام عبد الناصر
ومنعت المسرحية، وإن ظلت قصصه القصيرة ومسرحياته
غير السياسية تنشر في القاهرة وفي بيروت
قال عنه
(الدكتور طه حسين ) كأنه قد خلق ليكون قاصا
وقال (محمد
عودة ) الأديب يوسف إدريس هو (تشيكوف ) الأدب
العربى بل إنه تخطاه
ووصفه (
رجاء النقاش ) بالفنان من نوع خاص وهو نوع
نادر وأصيل يعيش الحياة التي يكتبها بروحه ودمه، ووصفه (انيس منصور) بأمير القصة العربيه
حصل
يوسف ادريس على وسام الجزائر (1961)
ووسام
الجمهورية عام (1963 و1967)
ووسام
العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام(1980)
كان
( يوسف ادريس ) غزير الثقافة واسع الاطلاع
بالشكل الذي يصعب معه عند تحديد مصادر ثقافته أن تقول إنه تأثر بأحد الروافد
الثقافية بشكل أكبر من الآخر
حيث
اطلع على الأدب العالمي وخاصة الروسي وقرأ لبعض الكتاب الفرنسيين والإنجليز، كما
كان له قراءاته في الأدب الآسيوي
وقرأ
لبعض الكتاب الصينيين والكوريين واليابانيين، وإن كان مما سجله النقاد عليه أنه لم
يحفل كثيرا بالتراث الأدبي العربي وإن كان قد اطلع على بعض منه.
هذا
من ناحية أدبية وفنية وثقافية عامة ساهمت في تشكيل وعيه العقلي والأدبي
ولعل
ممارسته لمهنة الطب وما تنطوي عليه هذه الممارسة من اطلاع على أحوال المرضى في أشد
لحظات ضعفهم الإنساني، ومعايشته لأجواء هذه المهنة الإنسانية ما أثر في وعيه
الإنساني والوجداني بشكل كبير
مما
جعل منه إنسانا شديد الحساسية شديد القرب من الناس شديد القدرة على التعبير عنهم
حتى لتكاد تقول إنه يكتب من داخلهم وليس من داخل نفسه.
بدأ
نشر قصصه القصيرة منذ عام 1950، ولكنه أصدر مجموعته القصصية الأولى «أرخص ليالي» عام
1954
لتتجلى
موهبته في مسرحية «جمهورية فرحات» عام 1956،
الأمر
الذي دعا عميد الأدب العربي (طه حسين ) لأن
يقول
أجد
فيه من المتعة والقوة ودقة الحس ورقة الذوق وصدق الملاحظة وبراعة الأداء
مثل
ما وجدت في كتابه الأول (أرخص ليالي) على تعمق للحياة وفقه لدقائقها وتسجيل صارم
لما يحدث فيها
وهي
ذات المجموعة التي وصفها النقاد حينها بقوله: إنها تجمع بين سمات ( ديستوفسكي
وسمات كافكا معا )
لم
يتوقف إبداع يوسف ادريس عند حدود القصة القصيرة والتي صار علما عليها
حتى إنها تكاد تعرف به وترتبط باسمه لتمتد ثورته
الإبداعية لعالمي الرواية والمسرح.!!
توفي
د/يوسف ادريس عام ١٩٩١ عن عمر يناهز ٦٤ عاما سلاما لروحه
0 comments:
إرسال تعليق