" أساسياتُ كتابة الشعر والنثر "
يُعدّ الأدبُ بكافة أصنافه وتعدداته من الفنون العلمية والعالمية، بل هو من أرقى الفنون الفكرية للإنسان، فلا تقوم قوائم الفنون الأخرى كالسينما والمسرح وغيرها إلّا على النّصوص الأدبية، ولا يُطلق على أيّ نصٍ أدبيّ ٍ أدبًا إلاّ إذا استوفت أركانه أكثر الأساسيات الأدبية لذاك النّصّ الذي سيقدّمه كاتبه للمجتمع، فمتى يكون النّصُ أدبيًّا؟
في الحقيقة أنّ النّصوصَ الأدبية متفاوتة، فلكل كاتبٍ ولكلّ شاعرٍ أسلوبه الخاص به واستراتيجية رؤاه.
أركانُ النّص الأدبي :
١- التّراكيب اللغوية الجذابة :
من أهمّ نجاح صيغ التّراكيب الأدبية هي عملية الإتقان اللغوي، والنحوي، والصرفي، فضلًا عن جمال العبارات وتناسقها وقدرتها على شدُّ ذهن القارئ للمتابعة.
٢- الفكرة المحورية :
وهي عمود الخيمة كما يقولون لأيّ نصّ أدبيٍّ، والذي لابدّ أن يتمحورَ النّصُّ فيها، فلا يتشتت ذهنُ القارئ، بأمورٍ وكلماتٍ لا دخل لها بمحور النّصّ الأدبي، وإلاّ فُقدت كينونة النّصّ كنصّ ٍ أدبيّ ٍجيدٍ، وخرج عن قالب الجودة الأدبية.
٣- الأفكارالجانبية :
وهي من ضروريات جمالية النّصّ الأدبي، فهي ألوانُ هذا النّصّ الجذابة،وعليه يترتب انتقاء المناسب منها مع الفكرة المحورية، لكن ليس بصورةٍ مباشرةٍ، بل بأسلوب التّورية والتّأويل والترميز، ليزدادَ في جمالية النّصّ، فبعض الغموض يدفع بالقارئ لاستكشاف ما وراء هذا الغموض، وهذه الطّريقة ليست بالسّهلة البسيطة كما نتصورها، بل هي ريشة هذا الكاتب، وعبقرية هذا الشاعر، ليرسم بها لوحته الأدبية بإتقانٍ وبدقّةٍ جيدة، وليحذر من كثرة الغموض، حتى لا ينقلبَ إلى عكس ما يرجوه الكاتب والشاعر من اقبال القارئ على النّص، فغموض كلّ النّصّ أو أكثره يتسبب في نفور المُتلقّي والمتذوق للأدب.
٤- الهدفُ من وراء النّص :
إنّ لكلّ نصّ ٍ أدبيٍّ أهدافُهُ يسعى الكاتب لتحقيقها، وقد يكون أحادي الهدف، وقد تكون الأهداف متنوعةً ووفقًا لفكرة النّصّ المحورية والأساسية والتي يجب أن يحرص عليها الشاعر .
٥- الخيال الواسع :
وهنا نقطة الخلاف بين المدرستين، المدرسة الأدبية المتقوقعة في وصف الطبيعة والمفردات الإنشائية الجذابة والتي تجعل من القارئ متقوقعًا أيضّا غير واعٍ لما حوله ، أو تلك المنحصرة في رؤيةٍ واحدةٍ لا تتزحزح عنها وكأنها تكتب ذات القصيدة وتكررها لأعوامٍ وأعوام وتعيش بداخلها لدرجة الغثيان والهذيان ! وبين المدرسة الأدبية الواقعية المنطلقة والتي تحمل على عاتقها هموم الأمة وآلآمها وقضايا المجتمع والإنسان ككل والبعيدة كلّ البعد عن الانحيازية المغرضة والتحريض المسموم وعن إشعال فتيل الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية ، بل تعمل على دحض تلك الرؤى التحريضية كما من رؤى المدرسة الواقعية المنطلقة الإبتعاد عن قصائد الجنس والشبق المثيرة للغرائز والتي انطلق بها بعض من يريدون صناعة جمهرةٍ لهم من خلال تلك القصائد المنحلة أخلاقيًا.
لو تتبعنا الأدب العربي أثناء فترة الاستعمار الفرنسي والبريطاني لوجدنا أن أكثره يقوم على مدرسة الأدب الخيالي الفار من مواجهة الإستعمار إلى ساحة الطبيعة الخلابة في أغلب الأحيان إلاّ ما ندر، فقد قامت كتابة القصص والشعر على الخيال والخيال المفرط ! والتّأملات في جمال الطبيعة الخلابة
وما حوته من أشجارٍ، وطيورٍ، وسماءٍ وغيرها، فكتبوا فيها إلى حدّ الإسهاب، وتنافسوا على جمال التعبير، فعاشوا في دائرة الخيال، ولم يخرجوا منها !! فجاءت النّصوصُ الخيالية تحمل أجملَ وأروعَ جماليات التّعبير، والإنشاء، وتحمل معها أهزلَ وأضعفَ الواقع وأهداف الواقع !
فكان النّصّ مجرّد لوحةٍ فنّيةٍ طبيعيةٍ، تقوقعت في قوقعة الخيال، وابتعدت عن الواقع المرير الذي تعيشه الشعوب.
ومن رحم هذا الواقع الأدبي الهزيل تمخّضت المدرسةُ الأدبية الواقعية الحية، والأدب الواقعي الحيّ الذي يعاصر الحدث، ويتفاعلُ مع الحدث، فكتبَت في معأناة الشّعوب، بدلًا من الطّيور، وفي الوطن السّليب بدلًا من الأشجار والأنهار، كتبت في جراح الوطن، كتب في جراح المرأة، في هموم الرجل، كتب في الطفولة الضائعة، كتبت في انتهاك حقوق الإنسان، كتبت القصائد العاطفية المحترمة فالإنسانٌ كتلةٌ من العواطف التي لا غنى له عنها عاطفة اﻷمومة عاطفة اﻷبوة عاطفة اﻷخوة عاطفة الحبّ عاطفة الرحم كلها عواطفُ يستحيل على الشاعر المدرك ﻷهمية المشاعر ومدى تأثير الكلمة عنها إلاّ يكتب فيها حيث أنه لا غنىً للشاعر عن الخيال الإيجابيّ الذي يُطعّم ويكثّف به قصيدته من خلال الواقع البشري.
فالأدبُ الواقعي الحيّ المعاصر للحدث جاء كي يستفيقَ النّاسُ من سبات أفيون الأدب الخيالي السلبي المتقوقع في قوقعته فلا يعرف ماهو النور.
نلاحظ أنّ شعراء العصر الجاهلي، وما بعده، والتي مازالت أشعارُهم إلى يومنا هذا مضرب الأمثال في الجودة، وفي الجمال، وفي العاطفة، وكلها كانت بعيدةً كلّ البعد عن أدب الطبيعة ومافيه من الهشاشة الفكرية، لا أقول برفض الخيال، بل بمحدوديته، واقتصاره على القصص، والشعر العاطفي بصورة نسبية.
إنّ فكرة النصوص الشعرية في جمال الطبيعة، يجب أن لا تتعدى مرحلة الطفولة، والأناشيد المدرسية، وأدب الطفل، ويستثنى من ذلك ما داخله التمجيد للخالق والدعوة للتفكّر في آلاء الله وهنا تخرج القصيدة عن كونها نصًا إنشائيا خياليا فقط.
ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء
يتبع بالحلقات القادمة
المصدر/ السبيل إلى بحور الخليل " كيف أعدّ نفسي لكتابة الشعر "
أ.د. أحلام الحسن
0 comments:
إرسال تعليق