كانت حديقة البيت الأبيض المشمسة مسرحاً لـ "فجر شرق أوسط جديد" قال عنه دونالد ترامب إنه بزغ دون "إراقة دماء على الرمال".
وتمثل الاتفاقات الأخيرة حول إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية بين إسرائيل وثلاث دول عربية تحولا تاريخياً في العلاقات بين خصوم قدامى.
غير أن "دائرة السلام" كما وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي تخفي تغيرات كبيرة وراء الكواليس.
إذ أن دائرة أخرى آخذة في الاتساع، ألا وهي حيازة الأسلحة.
فالإمارات التي كانت أول دولة خليجية توقع اتفاقاً للتطبيع مع إسرائيل، تقترب من الحصول على مقاتلات أمريكية متطورة. وبالتبعية ربما تتجه إسرائيل - وهي القوة العسكرية الاكثر تقدماً في المنطقة - إلى امتلاك أسلحة أكثر قوة.
ترى الإدارة الأمريكية أن مبيعات الأسلحة المحتملة هذه تساعد في ترجيح كفة ميزان القوة لصالح حلفائها الإقليميين ضد إيران التي تعتبرها تهديداً عالمياً وتسعى لعزلها.
لكنها في الوقت نفسه تثير القلق في الشرق الاوسط، وسط تحذيرات من جولة جديدة من سباق التسلح، ومخاوف من المزيد من إراقة الدماء في أرجاء المنطقة، حيث تخوض القوى الكبرى حروباً بالوكالة.
إذن، كيف يمكن يتماشى امتلاك السلاح مع تحقيق السلام؟
مسألة "هيبة"
تعد الطائرة إف-35 لايتننغ 2 المصنعة من قبل شركة الدفاع الأمريكية لوكهيد مارتن أكثر المقاتلات الحربية متعددة المهام تقدماً في العالم. وتوصف المقاتلة الشبح بأنها "استثنائية" بحسب جيسون برونك من معهد الخدمات الملكية المتحدة المعروف اختصاراً باسم "روسي" ومقره المملكة المتحدة.
كانت الإمارات تسعى على مدى ست سنوات دون نجاح إلى الحصول على إذن من واشنطن لشراء طائرات إف 35 لتصبح أول دولة عربية تمتلكها.
يقول برونك " في غضون عشرين عاماً ستستخدم القوات الجوية إف 35 في أمور لم نكن نتوقع أن تقوم بها المقاتلات، في إشارة إلى قوتها الحاسوبية وقدرتها على نشر "الحمولات الإلكترونية"، عبر التشويش على دفاعات العدو على سبيل المثال، إلى جانب الصواريخ التقليدية.
ويضيف أن الحصول على إف 35 بمثابة مسألة "هيبة" بالنسبة للإماراتيين.
وقد أفادت وسائل الإعلام الأمريكية يوم الخميس بأن إدارة ترامب أبلغت الكونغرس بصورة غير رسمية بخططها بيع 50 مقاتلة إلى الإمارات مقابل 10.4 مليار دولار.
وتعد هذه خطوة مهمة للأمام بالنسبة للإمارات بعد محاولات دون جدوى على مدى سنوات.
إزالة العقبات
بموجب الاتفاق التي تم التوصل إليه في أغسطس/ آب الماضي بوساطة ترامب أصبحت الإمارات ثالث دولة عربية وأول دولة خليجية تقوم بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
بالنسبة للجانب الإسرائيلي، يمثل الاتفاق خطوة تاريخية من ناحية كسب القبول الإقليمي، إلى جانب إقامة صلات تجارية حيوية جديدة. وبالنسبة للإمارات، يعني تقدماً اقتصادياً وإمكانية للتعاون مع القوة الأمنية والإلكترونية العظمى في المنطقة.
أما الفلسطينيون فعارضوا الخطوة بشدة، معتبرين أنها خيانة للتضامن العربي بشأن آمالهم في إقامة دولة مستقلة.
كما أثيرت عدة قضايا في الوقت نفسه. فقد قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إن اتفاق السلام من شأنه أن يزيل "أي عقبات" باتجاه شراء طائرات إف 35 من الولايات المتحدة، في حين شدد على أن الطلب "غير متصل" بالاتفاق نفسه. ويشير المسؤولون الإماراتيون إلى عدم وجود جوانب عسكرية للاتفاق مع إسرائيل.
كما تحسنت نبرة واشنطن بشأن صفقة إف 35 المحتملة. إذ أقر الرئيس ترامب بطلب الإماراتيين، وقال إنه "قيد المراجعة"، فيما قال صهره ومستشاره رفيع المستوى جاريد كوشنر -الذي قام بجولة في عواصم دول الخليج لحشد الدعم لسياسة الرئيس في الشرق الأوسط- إن الاتفاق عزز فرصهم.
وإضافة لذلك، كانت الإمارات قد حاولت على مدى سنوات شراء طائرات مسيرة أمريكية ( درون) الصنع من طراز MQ-9 لكنها واجهت مقاومة بسبب القيود على تصدير الأسلحة.
ويقول برونك إن إدارة ترامب قد حاولت إيجاد طرق للتغلب على هذا الأمر "عبر إشارات متعددة على مدى العامين الماضيين إلى أن الولايات المتحدة توشك على تخفيف هذه القيود"، مضيفاً أن البيت الأبيض يريد مواجهة المبيعات الصينية للطائرات المسيرة الهجومية، قائلاً "الجني خرج من القمقم بالفعل، فيما يخص الطائرات المسيرة المسلحة".
لكن كيف يمكن لهذه المبيعات أن تؤثر على توازن القوى في الشرق الأوسط الملتهب؟
توتر في صفوف القيادات الإسرائيلية
يعارض البعض في إسرائيل بقوة بيع إف 35 للإمارات، وسط قلق بشان تداعيات ذلك على التفوق العسكري لبلادهم في المنطقة.
وينص القانون الأمريكي على أن مبيعات السلاح الأمريكية للشرق الأوسط ينبغي ألا تعرض للخطر "التفوق العسكري النوعي" لإسرائيل.
ونتيجة لذلك، فإسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك طائرات إف 35، إذ تلقت أول دفعة قبل أربع سنوات، ومن المقرر أن يصل عدد مقاتلاتها من هذا الطراز إلى 50 بحلول عام 2024، بقيمة 100 مليون دولار للطائرة الواحدة.
وفي مايو 2018 قال سلاح الجو الإسرائيلي إن إسرائيل كانت أول دولة تستخدم إف 35 في عملية قتالية، ويُرجح أنها استهدفت مواقع إيرانية في سوريا.
وأثارت كذلك انتقادت بسبب صورة مُسربة لطائرة إف 35 إسرائيلية تحلق فوق العاصمة اللبنانية بيروت، وسط توتر بين البلدين الذين ما يزالان رسمياً في حالة حرب.
لكن انقساماً سياسياً شديداً وقع بعد ما نشرت صحيفة إسرائيلية ثم وسائل إعلام أمريكية تقارير حول موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سراً على أن يتم بيع مقاتلات إف 35 للإمارات خلال المحادثات التي سبقت اتفاق تطبيع العلاقات.
وقد نفى مكتب رئيس الوزراء هذه التقارير بشكل قاطع، وقال في بيان مطول إنه أكد في واشنطن مراراً معارضته عملية البيع. كما نفى ما يتردد عن أنه أخفى تفاصيل ذلك عن مؤسسة الدفاع الإسرائيلية.
وكان هذا الجدل كافياً لصب مزيد من الزيت على نار السياسة الإسرائيلية المتأزمة، وسط تحذيرات شديدة من أن عملية البيع ستقوض التفوق الجوي الإقليمي لإسرائيل.
وتوجه بيني غانتس وزير الدفاع والخصم السياسي لنتنياهو إلى واشنطن لضمان حفاظ إسرائيل على "تفوقها" في حال بيع طائرات إف 35 لدول اخرى في المنطقة.
ورفعت الحكومة الإسرائيلية الآن أي معارضة لطلب الإمارات شراء طائرات. كما تفيد صحيفة مقربة من الحكومة بأن غانتس توجه إلى واشنطن حاملاً قائمة مشتريات ترغب اسرائيل في الحصول عليها.
وتزعم الصحيفة أن الطلب الإسرائيلي ربما يتضمن شراء طائرة أوسبري V-22 ذات المراوح القابلة للإمالة ومقاتلات إف 15 EX وصواريخ موجهة بالليرز.
وفي غضون ذلك، طلب مشرعان أمريكيان من الكونغرس السماح لإسرائيل بشراء القنبلة GBU-57 الفائقة القوة التدميرية والتي يبلغ وزنها 14 ألف كيلوغرام ومخصصة لتدمير التحصينات تحت الأرض.
"لقد حاول غانتس الحد من الضرر"، هكذا قال عاموس جلعاد المسؤول السابق بوزارة الدفاع الإسرائيلية وأحد معارضي نتتياهو.
وأضاف لصحيفة يديعوت أحرونوت " المشكلة ليست في الإمارات، وإنما فيما ستحصل عليه دول عربية أخرى"، وذلك وسط تقارير حول رغبة السعودية -التي لم توقع بعد أي اتفاق دبلوماسي مع إسرائيل- في شراء إف 35 أيضا.
ويتردد كذلك أن قطر قدمت طلبا، في حين تفيد التقارير بأن البحرين التي تلت الإمارات في تطبيع العلاقات مع إسرائيل تأمل أيضاً في شراء تكنولوجيا عسكرية متطورة من الولايات المتحدة.
ويخشى كثيرون من أن تودي زيادة إمدادات الأسلحة إلى تفاقم التوترات الإقليمية.
"ضوء أخضر" للانتهاكات
"تدير الولايات المتحدة في الوقت الحالي سباقاً مع نفسها للتسلح في الشرق الأوسط" هكذا يقول ويليام هارتونغ من معهد السياسة الخارجية في واشنطن وهو مركز أبحاث ذو ميول يسارية أسسه نشطاء سلام بعد حرب فيتنام.
ووصف ما سمي رسمياً باتفاقات إبراهام بأنه "اتفاق لبيع الأسلحة"، معرباً عن اعتقاده بأنه في حال انضمت دول أخرى للإمارات والبحرين والسودان في تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يمكنها أن تتوقع الحصول على اسلحة أمريكية دون عوائق.
" يعد بيع طائرات أمريكية من الطراز الأول لدول الخليج بمثابة إقرار إضافي بممارساتها. إنه يحمل موافقة ضمنية على انتهاكاتها لحقوق الإنسان، والتي تعد واسعة جداً في الحالة السعودية".
في الوقت نفسه، تعبر جماعات حقوقية عن قلقها بشأن اليمن الذي تعرض للتدمير بسبب حرب بين حركة أنصار الله الحوثية المدعومة من إيران والقوات الموالية للحكومة المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية ويشمل الإمارات.
"مبيعات الأسلحة بمثابة ضوء أخضر لهم ليواصلوا الحرب"، كما قالت راضية المتوكل إحدى المؤسسات لمنظمة مواطنة لحقوق الإنسان لبي بي سي من العاصمة اليمنية صنعاء.
وتضيف "نقوم بتوثيق الغارات الجوية حين تستهدف مدنيين، وثقنا أكثر من 500 واقعة. عثرنا على آثار للأسلحة في عدد قليل من الحالات، وكانت غالبيتها من الولايات المتحدة وبعضها من المملكة المتحدة، ومن إيطاليا في حالة واحدة".
وأضافت المتوكل التي قدمت لمجلس الأمن الدولى إفادة بشأن الأزمة الإنسانية في اليمن" إنهم واثقون من أن الولايات المتحدة ستدعمهم وترسل لهم السلاح".
ويقول برونك وهو محلل دفاعي إن الإمارات تحاول منذ وقت طويل الحصول على الطائرات المسيرة المسلحة الأمريكية لاستخدامها في اليمن، بسبب قدرتها على العمل على ارتفاعات كبيرة، بعيداً عن النيران المضادة للطائرات من جانب الحوثيين.
وتقول منظمة باكس الهولندية المناهضة لتجارة السلاح إن اليمن كان "موقع اختبار لحرب الطائرات المسيرة".
وتنفي قوات التحالف بقيادة السعودية استهداف مدنيين في اليمن.
سباق التسلح والجمهور "الموالي لإيران
يقول برونك إنه إذا حصلت الإمارات على إف 35 فإن المزيد من الدول العربية تتوقع أن تسير في نفس المسار.
وقد يحظى تطور كهذا بقبول البعض في واشنطن، ممن يرون أن هناك حاجة إلى مواجهة التسلح الإيراني واتساع سوق الشرق الأوسط أمام الأسلحة الصينية.
وكان البيت الأبيض قد حرص على بيع الأسلحة لممالك الخليج والحلفاء الآخرين، معززاً مكاسب شركات التصنيع الأمريكية.
وفي تطور مثير للجدل، استخدم الرئيس ترامب العام الماضي قوانين الطوارئ كي يتجاوز معارضة الكونغرس لبيع أسلحة بمليارات الدولارات للسعودية والإمارات والأردن.
ونحى سفيره لدى إسرائيل ديفيد فريدمان جانباً المخاوف بشأن امتلاك الإمارات إف 35 بعد اتفاق تطبيع العلاقات. وقال لصحيفة جيروزاليم بوست إن الأمر سيستغرق سنوات، وإن إسرائيل لن تفقد تفوقها العسكري النوعي، وستستفيد بشكل كبير من "حليف قوي يقع على مضيق هرمز قبالة إيران".
وقال إن الانتقادات ما هي إلا "هجوم سياسي من جانب الجمهور الموالي لإيران".
ويحذر خبراء من أن القدرات الإيرانية تتنامي رغم شيخوخة قواتها الجوية.
وتقول كريستين ماكفان اللفتنانت كولونيل بالقوات الجوية الأمريكية وهي زميلة عسكرية بمعهد واشنطن للأبحاث "طهران أمضت العقد الماضي في بناء صواريخها الباليستية والطائرات بدون طيار وصواريخ كروز" إلى جانب بطاريات الدفاع الجوي.
ويختلف المحللون بشأن وتيرة تسريع الطلب الإماراتي بشأن إف 35 بسبب اتفاق التطبيع، ويشيرون إلى أن الكونغرس يمكنه أن يبطيء أو يمنع بيعها، كما يمكن أن تفعل إدارة بايدن في حال فوزه.
ويرى بعض المسؤولين الإماراتيين أن التركيز على الأسلحة أمر مثير للسخرية، بحجة أن اتفاق التطبيع مع إسرائيل سيجلب التعاون والتعايش بين الأديان إلى المنطقة.
ووصف متحدث باسم سفارة الإمارات في لندن الاتفاق بأنه "فرصة تاريخية" لجلب "التعاون والسلام والرخاء الاقتصادي إلى المنطقة".
وأضاف "يتماشى هذا مع رؤية الإمارات لمنطقة مستقرة حديثة تركز على المستقبل، وتعطي الأولوية للتعايش السلمي".
المصدر: BBC
0 comments:
إرسال تعليق