• اخر الاخبار

    الجمعة، 1 مايو 2020

    سر !!! ..قصة قصيرة بقلم الأديب العراقى الكبير عيسى عبد الملك

     
    عيسى عبد


    عصرا، رُفعت عارضة مدخل وحدة المدفعية الثقيلة التي تقذف العدو ليلاً ونهاراً بالحمم وليلا ونهارا تتعرض لأعنف الهجمات من طائرات العدو . وقفت سيارة قيادة من نوع واز. ترجل الآمر الجديد منها . كان برتبة مقدم بدا صارما قصير القامة متين الجسم يعتمر خوذة قتال حديدية بلون التراب. اراد ان يتفقد الوحدة العسكرية فورا. بكامل قيافتنا ، وقفنا على شكل دائري ، كل آمر امام وحدته . راح المقدم يستعرض الوحدة .جلبت عكازتي نظره فوقف امامي قليلا . للحظات التقت عيوننا .ما ان دخل ملجأ القيادة المغطى بعشرات اكياس التراب ،حتى خرج نقيب كان برفقته يحمل امر نقلي الى وحدة مقاتلة أشد خطورة قال عنها النقيب . صعقت. طلبت مقابلته فقال النقيب ممنوع ، نحن في حالة انذار.سيارة الايفا بانتظارك . كانت السيارة كبيرة مموهة بالطين والاعشاب ..جنب السائق جلس نائب عريف جريح وملازم لفت احدى عينيه بضمادة طبية ...
    بعد كارثة تجفيف السلطة للاهوار، حولت كثير من الغدران والسواقي والنهيرات الى ممرات عسكرية مموهة باكياس عبأت بالرمل والتراب .عند أخدود ، توقف سائق سيارة الايفا الروسية .من قمرة القيادة، اخرج رأسه وقال ، اسلك هذا الأخدود ولا ترفع رأسك.سر منحيا مسافة ساعة لا اكثر. هناك عند نهاية الاخدود تجد وحدتك .احذر القناصين الذين يتسللون احيانا لاصطياد الجنود المنفردين واحذر الكلاب السائبة فقد توحشت . استعن بالعصا ولا تطلق الرصاص عليها فتجلب انتباه العدو .احرق كل ما معك من عناوين وصور وكل ما يدل على هويتك واحذر حقول الالغام .تفضل امر نقلك ، في حفظ الله. قال سائق الايفا. كنت احمل بندقية رشاشة ،جعبتي رصاص ،زمزمية ماء ، كوبا لشرب الشاي والماء ،.ابريقا من النايلون ، ناظورا ليليا ، قناع ضد الغازات السامة ،خوذة حديدية ، حقيبة لحاجاتي الضرورية ،امواسا وماكنة حلاقة وفرشاة اسنان ومشط ومرآة جيب صغيرة ، حربة علقتها في حزام بدلتي العسكرية .وعلى ظهري المحني احمل فراشي ، بطانيتين، مخدة قطن حشوت فيها بعض الملابس و حصيرة من القنب للفراش وكيسا من الادوية وقطعا من الصمون والجبن وعلب سردين ...بين فخذي اخفيت كتاب نقلي لهذه الوحدة . بيدي حملت العصا التي بها أدرأ عني خطر الكلاب التي لأسباب احتراسية يمنع اطلاق الرصاص عليها. في الطريق وقفت .كاد ان يتوقف قلبي عن الخفقان حينما رأيت قطيعا من الكلاب يركض باتجاهي .امامه كلب يركض لاهثا والكلاب باثره .وقفت منتصبا .اقتربت الكلاب مني. مالعمل ؟ اتكفي عصاة لدحر كلاب متوحشة سائبة .؟ تصورت نفسي بين انياب الكلاب.بثبات بوجه الكلب رفعت عصاي وكانت المعجزة غير الكلب مساره دون توقع وانحرف قطيع الكلاب اللاهث وراح يبتعد عني ..لقد كان قطيع باجمعه يطارد كلبة في وقت تزاوج الكلاب. تنفست الصعداء.شكرت الكلبة ودعوت للفائزبها بالتوفيق . وقفت قليلا انظر الخطر وهو يبتعد . تناولت حبة اضافية من حبوب ال{ stugeron} المضادة للدوار الذي لا زمني من سنين حد فقدان الوعي احيانا .من بين فخذي، أخرجت امر نقلي .ما ان قرأت اسم المقدم والوحدة، حتى صحت بكل ما املك من قوة، لماذا يابن الكلب لماذا؟ وحدة مقاومة الطائرات ، حظيرة دوشكا يا حقير ،انا الذي لم احسن الرمي بالبندقية !!.
    .انتهى الاخدود الضيق، فجأة امامي على تل مرتفع مربع له مدخل واحد ، انتصبت اربع مقاومات للطائرات من النوع الذي تستهدفه طائرات العدو وتخشى نيرانها .في كل زاوية مقاومة .عند قاعدة تل الدوشكات بكل ما املك من صوت صرخت ابن الكلب !
    جفل جندي كان يقضي حاجته في حفرة عند قاعدة التل.نهض خائفا . رفع بنطاله الخاكي على عجل. حشر قميصه فيه بيد وبيده الاخرى رفع ابريقه بوجهي صائحا، قف .!
    ضحكت حينما سكب الماء على رأسه .رفعت خوذتي الحربية وصحت: صديق ، لا تخف. ضحك الجندي المرتبك حينما سألته هل قضيت حاجتك ؟ قال ولا يهمك لدي سروال احتياط وحفاظة تمنع التسرب عند الضرورة ثم عانقني وقدم نفسه .عريف سعيد من بعشيقة في الموصل الحدباء .قدمت نفسي له واضفت من البصرة الفيحاء. ساعدني في حمل بعض ما احمل هنا في قمرة الدوشكا ترابط .تتناوب مع الجنود الباقين تحت امرة العريف سعيد .فقط لا تخالف الاوامر والا نقلت من جديد الى وحدة اخرى .قال الآمر الجديد ، كان برتبة ملازم واضاف في الجبهة كثرة التنقل قد تفقدك حياتك نم في حفرة واستتر قدر المستطاع ، تلك هي الرجولة .
    .عاد الضابط وقال للعريف سعيد، الجندي الجديد في عهدتك .حاضر سيدي .هل سبق ان تدربت على مقاومة طائرات من قبل ؟ ابدا ولم اطلق رصاصةعلى احد ،قلت.انت مثلي قال العريف .بشعة هي الحرب يا اخي ولكن نرغم على خوضها تقتلني او اقتلك من اجل من؟ لا ادري تلك هي الحرب ،قذرة .القى عريف درس الصباح اليومي المكرر دائما ، تفكيك البندقية الرشاشة واعادة تركيبها .كنا جميعا جالسين على التراب اطبق الملازم دفتره وذهب الى خيمة تقع بين دوشكتين سمعته يقول ضاحكا بتهكم ، معوق آخر !
    أهذا ما كان ينقصني ؟ لاحظت ان رجل الضابط من خشب.
    .فجرا حلقت فوقنا مقاتلة كانت على ارتفاع عال .صاح الضابط ، انبطاح ،لا تطلقوا والا نباد.حلقت المقاتلة عاليا ثم اختفت .ظهرا عادت ومعها مقاتلة ثانية .حامتا حولنا مرتين على ارتفاع متوسط وكالعادة انبطحنا على الارض ولم تطلقا . بعد ساعة جاءت ثلاث مروحيات .امطرت بالقنابل كل الأهداف الوهمية المموهة والكرفانات المهجورة وبعض آليات مدمرة ولم تطلق علينا. افرغت حمولتها وغطانا التراب .كنا منبطحين على الارض .لم تصب احدا.رحنا غير مصدقين ننفض التراب عن ملابسنا ونحدق في القنابل المزروعة على جوانب التلال الاربعة .كانت المروحيات في مرمى الهدف .ولكن لماذا لم تدعنا نطلق النار عليها يا سيدي ؟ ولماذا لم يقتلونا؟ فقد كنا تماما مكشوفين لهم .! سألت الضابط ضحك وقال لأنهم لا يريدون قتلنا ، وما دمت تموء كثيرا سأكشف لك سرا عسكريا حسبت الا احد يعرفه. كل هذه المقاومات عاطلة وخارج نطاق الخدمة وضعت للتضليل ونحن حظيرة معوقين عجزة.عرف العدو ذلك من اول طلعة استطلاع .
    . في المساء، اذيع بيان عن تصدي مقاوماتنا الباسلة لطائرات العدو وارغامها على تفريغ حمولتها بعيدا في التراب مشيدا ببطولة جنود حظيرتنا الباسلة !
    .اتريد ان تعرف من كان ذلك المقدم ؟ قال صديقي المحجور بفعل الكورونا . قلت عبر شاشة الحاسوب بلى.
    قال، حسن زايد ،الطالب اليتيم، صباغ الاحذية الذي كنا نغض النظر عنه كلما تأخر عن حضور الدرس !!!
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: سر !!! ..قصة قصيرة بقلم الأديب العراقى الكبير عيسى عبد الملك Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top