تواصل حكومة مصر برنامج الإصلاح الاقتصادي الخاص بها بهدف إطلاق الطاقات الكامنة للبلاد من أجل تحقيق نمو مستدام ويشمل الجميع، وأثناء المرحلة الأولى من هذه الإصلاحات، دار محور تركيز الحكومة حول تحقيق الاستقرار في بيئة الاقتصاد الكلي،
وعملت الحكومة على معالجة اختلالات المالية العامة. ومع التحسن الملموس في بيئة الاقتصاد الكلي والمالية العامة، تعكف الحكومة في الوقت الحالي على إطلاق موجة تالية من الإصلاحات لتشجيع النمو الذي يقوده القطاع الخاص، وتحويل محور التركيز نحو تمكين القطاع الخاص باعتباره قاطرة النمو وتوفير فرص العمل.
وقد حققت الموجة الأولى من الإصلاحات نتائج إيجابية ساعدت على استعادة الثقة في الاقتصاد، وبداية من سنة 2014، ركزت هذه الإصلاحات على تحديات الاقتصاد الكلي الملحة، وقام البنك المركزي المصري بتطبيق مرن لسعر الصرف في بداية نوفمبر 2016، وأدى ذلك إلى معالجة نقص العملة الأجنبية،
وتعزيز قدرة مصر التنافسية، ما أدى إلى زيادة كبيرة في احتياطيات العملات الأجنبية. وحتى يتسنى تحسين أرصدة المالية العامة، قامت الحكومة بتنفيذ حزمة من الإجراءات والتدابير لتعزيز الإيرادات مع ضبط النفقات العامة.
وعلى جانب الإيرادات، تم تطبيق ضريبة القيمة المضافة الجديدة، وترافق مع ذلك إجراءات أخرى لزيادة الإيرادات مثل تطبيق ضريبة الدمغة على الأرباح الرأسمالية. وعلى جانب النفقات والمصروفات، واصلت الحكومة التزامها بالإلغاء التدريجي لدعم الطاقة واحتواء فاتورة أجور القطاع العام.
وتم توجيه بعض وفورات المالية العامة للمحافظة على مستوى الإنفاق على الصحة والتعليم، وفي الوقت نفسه مضاعفة الموازنة المخصصة للحماية الاجتماعية، وذلك للتخفيف، إلى حد ما، من الضغوط التضخمية نتيجة التخفيض الكبير في قيمة الجنيه المصري. ومع السياسة النقدية المحكمة التي شهدتها الآونة الأخيرة، من المتوقع أن تتراجع الضغوط التضخمية تدريجيًا. وفي إطار جهودها الرامية إلى تعزيز الشفافية والمنافسة،
بدأت الحكومة في تنفيذ نظام رقمي كامل لمعلومات الإدارة المالية الحكومية لإنجاز جميع معاملات الإيرادات والنفقات بصورة مركزية. وفي قطاع الطاقة، أصدرت الحكومة مؤخرًا القانون الجديد المنظم لأنشطة سوق الغاز رقم 196 لسنة 2017، وينص هذا القانون على إيجاد سوق تنافسية شفافة للغاز، ويجري حاليًا إعداد اللائحة التنفيذية لهذا القانون لتفعيل الجهة التنظيمية لقطاع الغاز التي تم إنشاؤها بالفعل بموجب هذا القانون.
ويعمل تحديث وتحرير قطاعي البترول والكهرباء وإجراءات التيسير ذات الصلة بشأن إنشاء الشركات والحصول على التراخيص على فتح أسواق أمام شركات القطاع الخاص.
وثمة تصور أن المخاطر المالية والتعاقدية المرتبطة بترتيبات تدفقات الأموال الخاصة بالقرض منخفضة. لكن هناك مخاطر مالية وتعاقدية كبيرة نظرًا لأن العديد من مؤشرات النتائج تمثل أهدافًا خاصة بنفقات المالية العامة والإيرادات، وقد حدد التقييم الذي قام به البنك الدولي قصورًا في أدوات الرقابة على ارتباطات بنود الموازنة، وعدم اكتمال دمج وظيفة الرقابة في نظام معلومات إدارة مالية الحكومة،
وعدم وجود إدارة مراجعة داخلية قائمة بذاتها وتتمتع بالاستقلالية المطلوبة. ويتم تخفيف هذه المخاطر المالية والتعاقدية بتجديد تأكيد الحكومة على إصلاح نظام إدارة الشؤون المالية العامة والمكاسب المحققة مؤخرا على صعيد تعزيز شفافية المالية العامة، وهي مجالات لمساندة عملية قروض سياسات التنمية هذه.
وتم تعميم آخر إصدار لموازنة المواطن للسنة المالية 2016/2017 في سبتمبر 2016، وتم تعميم البيان التمهيدي لمشروع الموازنة للسنة المالية 2017/2018 في مارس 2017.
واتساقا مع إطار الشراكة الاستراتيجية، سيستمر البنك الدولي في إجراء الحوار بشأن السياسات وتقديم المساعدة الفنية لمساندة تنفيذ إصلاحات نظام إدارة الشؤون المالية العامة. وقد تنشأ المخاطر البيئية من تنفيذ إجراءات الاستثمارات الجديدة؛
لكن أيًا ما كان الأمر، سيتم الحد من هذه المخاطر من خلال تنفيذ بروتوكول التنسيق بين جهاز الدولة لشؤون البيئة وهيئة التنمية الصناعية. وتم تطوير آليات الحماية الاجتماعية لتغطي فئات السكان المهمشة والفقيرة بالكامل من خلال برامج موجَّهة على نحو أفضل وذات كفاءة، مثل توسيع مظلة برامج التحويلات النقدية وإصلاح منظومة دعم المواد الغذائية.
لكن السياسات والمؤسسات الخاصة بتوسيع نطاق الحماية الاجتماعية يلزم أن تتوافق مع وتيرة الإصلاحات المتصورة في برنامج تدعمه قروض سياسات التنمية، لاسيما فيما يتعلق بدعم الطاقة وزيادة إيرادات الموازنة العامة والسيطرة على فاتورة الأجور.
وتهدف استراتيجية الحماية الاجتماعية إلى حماية الشرائح الفقيرة للغاية وقطاع هامشي مع تحمل الطبقة المتوسطة تكاليف التضخم قصيرة الأجل. وحتى يتسنى التخفيف من هذه الخسائر في الدخول بالنسبة للطبقة المتوسطة، يجري حاليًا التركيز بصورة قوية على طرح مبادرات من جانب الحكومة للتدريب على المهارات وتوفير فرص العمل بهدف زرع الأمل في وجود فرص للمضي قدمًا. وعلاوة على ذلك، ولتخفيف حدة هذه المخاطر، تقترح الحكومة استراتيجية شاملة للاتصالات حول برنامج إصلاحاتها،
وتعتزم إضفاء طابع مؤسسي على آلية لمعالجة المظالم وبرنامج للتواصل مع المواطنين من أجل زيادة قبول الإصلاحات داخل المجتمع. وقد عزز البنك الدولي محفظة عملياته في صعيد مصر الذي به أعلى تركيز من الفقراء، وذلك من خلال البرامج الخاصة بالتحويلات النقدية الموجهة، وتنمية المناطق المحلية، وتوصيلات الغاز الطبيعي، والأشغال العامة، وتقديم المساعدة الفنية لمساندة تنفيذ السجل الموحد.
تعتبر المخاطر المتصلة بالقدرات المؤسساتية للتنفيذ والاستدامة عالية. ويحرز برنامج الإصلاحات تقدمًا جيدًا على الجانب التشريعي، وهناك العديد من القوانين المهمة التي تمت المصادقة عليها لتشجيع مساهمة القطاع الخاص في تحقيق النمو وخلق فرص العمل.
ويمثل سن القوانين الجيدة خطة مهمة وضرورية، لكن من الضروري أيضًا الاتساق في التطبيق كي ما يُترجم ذلك إلى تغيير فعال.
ومن شأن عدم اكتمال التطبيق بسبب القيود على القدرات تقويض أثر هذه العملية. ولضمان تطبيق هذه التشريعات بكفاءة،
هناك حاجة ماسة لتعزيز القدرات المؤسسية والتغلب على القيود التي تحول دون التفعيل. ويتطلب ذلك توفير موارد كافية وإطار زمني مناسب،
ومن الممكن زيادة تعزيز التطبيق من خلال مشاورات أوسع نطاقًا ومشاركة فريق العمل التابع للبنك الدولي والمواطنين لتقديم آراء تقييمية حول الاختناقات في التطبيق وتدعيم القرارات التي تُتخذ بالمعلومات اللازمة. وعلى ضوء أن هذه العملية هي الأخيرة في هذه السلسلة البرامجية، نجد أن الإجراءات المسبقة في إطار قروض تمويل سياسات التنمية تساند إضفاء الصبغة المؤسسية على التشريعات الأساسية،
ويشمل ذلك اللوائح التنفيذية الخاصة بالقوانين في مجالات اقتصادية أساسية، مثل الكهرباء ومشروعات الطاقة المتجددة والغاز الطبيعي وضريبة القيمة المضافة وقانون الاستثمار. وشهد العديد من القطاعات إصلاحات مؤسسية تكميلية تضمنت إعادة هيكلة هذه القطاعات وإصلاحات خاصة بالحوكمة
والإدارة الرشيدة في مجالات الطاقة، وتشكيل لجنة لمخاطر المالية العامة بوزارة المالية، وإنشاء مركز لتلقي شكاوى وتظلمات المستثمرين، وتسجيل الشركات وإجراءات التسجيل عبر الإنترنت. ومن شأن تنفيذ هذه التغييرات التشريعية والمؤسسية العميقة ضمان استدامة الإصلاحات بعد هذه السلسلة من قروض تمويل سياسات التنمية، وتحقيق المنافع لجميع المصريين.
وعلى طريق المضي قدمًا، يهدف برنامج الإصلاحات الاقتصادية إلى تحقيق استقرار المالية العامة والاقتصاد الكلي وتحفيز مشاركة القطاع الخاص في عملية التنمية مع ضمان تقاسم المنافع المتأتية من النمو على نطاق واسع.
ويقوم هذا البرنامج على ثلاث ركائز أساسية.
أولًا، تهدف الحكومة إلى تحقيق بيئة مستقرة ومتوازنة للاقتصاد الكلي تمهد الطريق لتحقيق معدلات نمو مرتفعة.
ثانيًا، تقوم الحكومة حاليًا بتنفيذ إصلاحات هيكلية لتهيئة بيئة أنشطة أعمال حديثة وتنافسية أكثر دعمًا للاستثمارات وعمليات الشركات، مع تعزيز قدرة مصر على المنافسة ومساندة الصادرات، وتدعيم الإنتاجية، وتحديث البنية التحتية.
ثالثًا، تعزيز الشمول الاجتماعي وتوفير حماية كافية للفئات الأولى بالرعاية من خلال شبكات أمان اجتماعي أكثر كفاءة وقادرة على الوصول إلى المستحقين. وعملت التدابير والإجراءات المصاحبة لذلك والتي تضمنت مشاركة الجمهور على نطاق واسع والحماية الاجتماعية القوية على تشجيع الحكومة على المضي قدمًا في هذه الإصلاحات في بيئة الاقتصاد الكلي الحافلة بالتحديات.
**كاتب المقال
دكتور القانون العام
ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق