التمهيد:
تعد الحوكمة من المواضيع الحديثة التي يتم تداولها في الوقت الحالي ويجب الإشارة إليها وإلى أهميتها في تطوير البيئات التنظيمية (مؤسسات الدولة والشركات المختلفة) وذلك من خلال علاقتها بآليات وإجراءات الإصلاح الإداري الذي يعد أحد العناصر المهمة في نظام الحوكمة الذي يساهم في ضبط العمل وتوجيه العمليات نحو النجاح والتطور المستمر.
مفهوم الحوكمة:
الحوكمة -في جوهرها-تعني تطبيق قواعد عامة ومجردة على كافة الشركات والمؤسسات الفردية والعائلية والجماعية والوطنية وتلك التي تملكها أو تديرها الحكومات، كما تستلزم تطبيق قواعد الشفافية والإفصاح وتقديم الإقرارات ونشر المعلومات والمراقبة الفعالة والإدارة الرشيدة للمخاطر والتقييم الدقيق للأنشطة، ويقصد بالشفافية -في هذه الحالة-قدرة الأفراد والجماعات على الرقابة الفعالة والدقيقة وحق الحصول على المعلومات أي إتاحة المعلومات والقدرة على التحليل الدقيق لها ومشاركتها أي علانيتها
وما يتصل بذلك أيضًا من الإفصاح عن الموقف الحقيقي للشركات والمؤسسات من حيث أنشطتها ووضعها المالي والقانوني، ولا شك أن ذلك يثير معضلة مركبة، فكيف يمكن المواءمة بين حق الناس في المعرفة من ناحية وحق الشركات والمؤسسات في الخصوصية من ناحية أخرى، كما أنها تثير كذلك معضلة الحوكمة من الناحية القانونية وثقافة الحوكمة Culture of Governance (CoG) سواء داخل الشركات والمؤسسات أو بين الشركات من ناحية والمواطنين من ناحية أخرى، ولا شك أن تطبيق قواعد الحوكمة والشفافية والإفصاح يزيد من القدرة على المسائلة نظرًا للدفع بالحقائق بما يطلق عليه الإفصاح النشط، وهو ما يؤدي كذلك إلى ما يسمى بـ”حلقة المعلومات والشفافية” Information- Transparency Cycle ، بمعنى أن الإفصاح يؤدي إلى الشفافية والشفافية تؤدي إلى تحسين جودة المعلومات، وكل ذلك يعمق من ثقافة الشفافية Culture of Transparency (CoT) لدى مختلف أطراف العملية الاقتصادية، والحوكمة بالمعنى السابق ليست وليدة اليوم ولكنها تعود للقرن الثامن عشر خاصةً عام 1722 في بريطانيا.
ويعتبر موضوع حوكمة الشركات Corporate Governance هو موضوع الساعة الذي يهم كل من البلدان المتقدمة والنامية علي حد سواء وتهتم به العديد من الدوائر الاقتصادية والمالية والقانونية في جميع أنحاء العالم؛ فمع العولمة وانهيار الحواجز التجارية والعوائق الخاصة بانتقال الأموال من الدول تتزايد أهمية هذا المفهوم في كل بلدان العالم علي حد سواء.
العلاقة بين حوكمة الشركات والدولة:
تلعب حوكمة الشركات دورا مهما في تغيير العلاقة بين مجتمع الاعمال والدولة، ومن هنا فأن العلاقة الضبابية بين رجال الدولة وبعض شركات القطاع الخاص من شـأنها ان تقوض الاقتصاد وتقضي الي انهيار اقتصادي، فالافتقار الي الشفافية في التعاملات التي تجري بين مجتمع الاعمال والدولة من شأنه ان يؤدي الي معاملة قانونية وتنظيمية وتفضيلية، والى نهب الأصول وهدر الموارد، والفساد، والتي من شأنها جميعا ان تقضي على قدرة الاقتصاد الوطني على التنافسية، من اجل افادة حفنة من أصحاب الحظوة.
لا يمكن فرض ممارسة حوكمة الشركات حتى إن جاء من اعلى مستويات القيادة، وبشكل مماثل ستجد الشركات صعوبة في الالتزام بالقواعد المنظمة لحوكمة الشركات ان لم يواكب ذلك تحسين المناخ القانوني والتنظيمي الكلي في الدولة، ان المبادئ والقيم الاخلاقية التي تسود الشركة من الداخل، والاطر المؤسسية السائدة في البيئة الخارجية المحيطة هي التي تحكم وضع وتطبيق حوكمة الشركات، ليس فقط لمصلحة الشركات بل لمصلحة المجتمع ككل.
وفي كثير من الدول تسعى القوانيين المحلية للاتساق مع تلك المعايير التي تعتبر دولية في حد ذاتها، وفي مجال حوكمة الشركات توجد قواعد منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عن حوكمة الشركات، وكثير من الدول شرعت في المطالبة بضرورة تطبيق تلك القواعد كشرط لممارسة العمل، وكذلك التنني الطوعي لمعايير الرقابة الذاتية والتي تمثل الحد الأدنى الذي يفرضه القانون.
حوكمة الشركات بصفتها اداة لمكافحة الفساد :
لكل ماسبق وأخذا في الإعتبار ما أنتجته حركة العولمة من تغيرات جدرية في نظام الأعمال العالمي – تزايد الاتجاه في كثير من دول العالم للأخذ بنموذج إداري متطور يواكب تلك المتغيرات ويوفر القدرة على التعامل الايجابي مع متطلبات تأمين المنظمات والتعامل الواعي مع مصادر الافساد التي تتعرض لها، كذلك لما أتجهت كثير من الدول النامية والاقل نمواً للتحول إلى أقتصاد السوق وتطبيق برامج خصخصة شركات القطاع العام وإتاحة الفرص الأكبر للقطاع الخاص في مختلف مجالات النشاط الاقتصادي، بدأت الحاجة إلى وجود نظم ومعايير لضمان سلامة الإدارة في تلك الشركات سواء الوطنية أو الاجنبية حماية للاقتصاد الوطني .
ومع تلك المستجدات في واقع الأعمال، تتأكد مرة أخرى أهمية فرض معايير لجودة الإدارة المحترفة في منظمات الأعمال الوطنية وغير الوطنية، وتبدو أهمية فرض معايير لجودة الإدارة وضمان التزامها بالقواعد والأسس الموضوعية للمحافظة على مصالح الملاك والعاملين والمتعاملين مع المنظمات، وكذلك رعاية حقوق ومصالح المجتمع .
النقطة الجوهرية هنا إن حوكمة الشركات جزء مهم من محاصرة الفساد، وإن أصحاب المصلحة في القطاعين العام والخاص، ومستثمرين ومساهمين ومنظمين …..الخ – عليهم أن يضطلعوا بدور فعال لتحقيق هذا الهدف، الذي يتحقق من خلال مجالس إدارات يتحمل اعضاؤها المسئولية الكبرى في إرساء مبادئ وقيم الأخلاق والنزاهة التي تضع الأساس لثقافة كيفية أداء المنظمات لعملها، وتنطبق هذه النقطة الجوهرية بنفس القدر على اية نوعية من المنظمات سواء كانت عالمية أو محلية.
أن الحرب على الفساد تبدأ بالقيادة وسيادة القانون والمؤسسات الأجتماعية والسياسية والاقتصادية المؤثرة، تلك القيادة التي تتطلب قدراً عظيماً من الالتزام الشخصي والشجاعة والمثابرة، تحدوها قيم ومبادئ اخلاقية قوية لمواجهة وإنهاء الممارسات الفاسدة التي تنتج للأفراد إساءة استغلال سلطة الوظيفة المولولة إليهم من أجل مكاسب شخصية.
الحوكمة و الاقتصاد الليبي :
في حقيق الامر مازال هنالك العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة، من فقر وتأكل للبنية الأساسية، ومحدودية في النفاذ إلى الموارد الأساسية، وأفتقار في الوظائف في القطاعين العام والخاص، وما أزمتا السكن وغلاء الأسعار البازغتان سوى تجسيد لتلك المشاكل والتي يجب أن يأتي حلها على رأس اجندة كل من يشارك في التنمية والبناء، إذ أن مشاكل المواطنين التي لم يتم التعامل معها تنسف مشروعية الحكومات وتقضي إلى إنتكاس لمسار الإصلاح الديمقراطي وإصلاح السوق.
من هنا فان حوكمة الشركات تساعد كثيراً على التعامل مع هذه المشاكل، كما تمثل حلاً فعالاً للشللية والمحسوبية والقبلية والمحاباة.
حيث أن تطبيق الحوكمة الرشيدة للشركات على المشروعات المملوكة للدولة المزمع خصخصتها يمكن أن يلعب دوراً مهماً في إعداد تلك الشركات للتحديات الجديدة التي تفرضها الملكية الخاصة، فقد اتضح عند دراسة ميرات الخصخصة في الاقتصادات المتحولة خلال التسعينات أن الكثير من الفساد، واستغلال المساهمين، واساءة استغلال المنصب الذي افرزته يمكن أن يغزى مباشرة إلى فشل الدولة في ارساء اليات حوكمة فعالة، فقد كان نهب الأصول وتسريب رأس المال على يد المديرين، كلها من ملامح الرأسمالية الغربية الشرسة والتي ضربت العديد من الاقتصاديات الشيوعية السابقة، فساهمت في الإساءة مبكراً في مفاهيم الرأسمالية والديمقراطية، لذلك فلحوكمة الشركات دوراً محوري تستطيع أن تلعبه ليس فقط في تجهيز المؤسسات للخصخصة ولكن أيضاً في تحاش التشويه المحتمل للأسواق الذي قد يحدث عندما يتم خصخصة الشركات دون وجود رقابة داخلية فعالة، وآليات انتظام التقارير المالية وضمان وحماية مصالح المواطنين.
الخاتمة:
إن ظاهرة حوكمة الشركات لها تأصيل علمي يعكس المفاهيم والاجراءات المتعلقة بعناصرها كما إن ظاهرة حوكمة الشركات تمثل ظاهرة عالمية تصدت لها معظم دول العالم وإتخذت في مقابله الاجراءات الكفيلة بتحقيق النجاح .
دكتور القانون العام
ونائب رئيس اتحاد الاكاديميين العرب
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان
مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
مستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسا
مستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية
مستشار تحكيم دولي محكم دولي معتمد خبير في جرائم امن المعلومات
نائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
نائب رئيس لجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة سابقا
عضو استشاري بالمركز الأعلى للتدريب واعداد القادة
عضو منظمة التجارة الأوروبية
عضو لجنة مكافحة الفساد بالمجلس الأعلى لحقوق الانسان
محاضر دولي في حقوق الانسان
0 comments:
إرسال تعليق