• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 16 يوليو 2019

    الحلقة التاسعة من سلسلة : من يؤرخ لمصر بعنوان: السادات بطلا .. بقلم المؤرخ والشاعر طارق فريد

    الحلقة التاسعة من سلسلة : من يؤرخ لمصر بعنوان: السادات بطلا .. بقلم المؤرخ والشاعر طارق فريد

    استحق السادات لقب بطل للحرب والسلام وايقنت ذلك وانا في ريعان شبابي فاحببته حبا جماً حتى ان يوم مصرعه بكيت على فراقه وانا في تونس ليلة عيد الاضحي عام 1981 ولم تكن لمصر وقتها علاقات مع الدول العربية فقد قطعت الدول العربية علاقاتها بمصر فيما عدا السودان والصومال والمغرب وسلطنة عمان على استحياء بسب توقيع اتفاق كامب ديفيد ومعاهدة السلام عام 1979 ..
    بدا السادات حكمه باستعادة اركان الدولة وتثبيث دعائمه فقام بحركة اصلاحيه عرفت بثورة التصحيح عام 1971 قضى فيها على رموز نظام عبد الناصر واصدر الدستور الدائم لمصر الذي يعد حتى الان مرجعية لكل الدساتير المصرية المتلاحقة .. كان للسادات كل عام عملا رائعا ففي عام 1972 قام بطرد الخبراء السوفيت من مصر لتبدا مصر عهدا جديدا مع الصديق الامريكي الجديد على السياسة المصرية وفي عام 73 كان نصر اكتوبر وعبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف وهو اعظم انتصارات الحرب وفي اعتقادي كان السادت ذو العبقرية والحنكة يرغب في تحقيق نصر سريع ومحدود على اسرائيل يمكنه فيما بعد لاستعادة الاراضي المحتلة وخاصة ان سيناء تعادل مساحتها 66 الف كم مربع اي ضعفي مساحة فلسطين واكثر ( 29 الف كم ) فكان يستحيل على القوات المصرية ان تعبر القناة والساتر الترابي وتحرر كل سيناء امام جيش يدعمه الغرب والامريكان بما اوتوا من قوة ..
    وفي عام 1974 كانت سياسة الانفتاح التي نقلت البعض من القاع للقمة علي حساب سلبيات مجتمعية عديدة الجميع يعرفها ثم افتتح قناة السويس في 1975 بعد ان ظلت متوقفة منذ نكسة يونيو67 وفي عام 1976 الغي المعادة الروسية المصرية ثم جاءت مبادرة السلام في 1977 وتوقيع اطار معاهدة السلام في كامب ديفيد 78 ثم معاهدة السلام في 79 وفي عام 80 الغاء الاحكام العرفية ..
    بطل الحرب والسلام :
    وفي السادس من اكتوبر مات بطل الحرب والسلام صريعاً على يد ابناءه من افراد القوات المسلحة وان كانت لهم انتماءات دينية متطرفة لكنهم بالنهاية كانوا محسوبين على سجلات القوات المسلحة .. كان السادات ذو سطوة عربية كبيرة حافظ من خلالها على كرامة المصريين بالخارج خاصة في الدول العربية ولمست ذلك خلال تواجدي لقترة ليست قصيرة في ليبيا وتونس وزيارة خاطفة للجزائر اكتفيت فيها بمدينة عنابة ثم عدت منها سريعا الي تونس فلم يكن فيها المصري مرحب به في عهد السادات خاصة بعد كامب ديفيد .
    كان السادات يسانده جيشه اقوى الجيوش العربية وقتها وظل كذلك حتى بعد مصرع السادات الي ان جاء الجيش العراقي وأشاع صدام حسين حشد مايقرب من مليون جندي مسلح بعتاد قوي ليكتسب شعبية عربية تجاه فلسطين ومراسا كبيرا أدخله في حرب ضروس استمرت لثمان سنوات مع الجار الايراني وانتهت باستعادة الفاو العراقية وتحريرها بدعم عسكري واستراتيجي من مصر ايضا لتنتهي الحرب في عام 1988..
    الحرب الليبية المصرية:
    في عام 1977 كان الجو الرسمي عدائيا بين مصر وليبيا بسبب التدخل الليبي بالشان المصري وحشد القذافي لمظاهرات تقوم باقتحام الحدود المصرية الليبيبة وازالتها وماحدث قبل اعياد ثورة 23 يوليو حيث قام السادات بشن هجوم جوي محدود على بعض القواعد العسكرية الليبية ومنها قاعدة جمال عبد الناصر بطبرق وقاعدة العضم قرب مدينة بنغازي واهداف اخري كما نزلت قوات ابرار مصرية قرية مساعد داخل الاراضي الليبية واحتلتها لمدة 72 ساعة وكان ذلك ردا على مناوشات وتحرشات ليبية طالت مدينة السلوم الحدودية فكان الرد قاسيا من قبل السادات ولما سُأل السادات عن ذلك قال انها ( قرصة ودن بس) وان عدتم عدنا كما قالها صراحة انه يؤدب الولد المجنون بتاع ليبيا (يقصد معمر القذافي)
    كان الشعب الليبي وقتها شعبا ودودا بسيطا ينظر لمصر كدولة كبرى وفي تلك الفترة اذكر ان الليبيون كانوا يرمون راس البقرة في صناديق القمامة ولما راوا العمال المصريون ينتظرونها تعلموا منهم كيف يستفيدوا منها فصاروا يحتفظون بها ويبيعون الراس بدينار واحد.. ورغم حالة الاحتقان وترحيل عدد كبير من العمال المصريين انتقاما من السادات فلم يستطع القذاقي ان يستغني عن خدمات المعلمين والاطباء المصريين فظلوا في منأى عن الترحيل وما كان ليجرؤ ان يحتك احد بمصري في شوارع البلاد ومن هنا جاء حبي وعشقي للسادات حتى ان الليبيبون انفسهم كانوا ينتظرون موعد خطاب السادات ليستمعوا اليه خِفية وبصوت منخفض عبر الراديو خوفا من اللجان الثورية الليبية التي شكلها نظام العقيد القذافي ..
    الزيارة المستحيلة:
    وجاءت زيارة السادات لاسرائيل في19 نوفمبر عام 1997 لتزيد التوتر بين البلدين وكلنا لا نصدق ان السادات سيفعلها حتى ان الشوارع في ليبيا قد خلت من المارة وبدون مبالغة لم يكن احد ليتخيل ان السادات بالفعل سينزل من الطائرة في مطار بن جوريون بتل ابيب .. فحتى اللحظة لا ادري اي شجاعة امتلكها هذا الرجل لكي يذهب الي قلب العدو الذي ظل يقاتلنا منذ عام 1945 وحتى عام 1973 كنا نتبادل الهمس امام شاشات التلفاز مشككين في الامر رغم هبوط طائرة الرئاسة المصرية لارض المطار بينما يصطف كبار قادة اسرائيل والوزراء في انتظار تلك المفاجاة الي ان ظهر انور السادات كالمارد ونزلت صورته وهو يهبط علي سلم الطائرة كالصاعقة على كل خصومه واصدقاءه فما بالك بالشعوب العربية وقتها ؟
    جاء خطاب السادات بالكنيست الاسرائيلي شجاعا وقويا مثله حيث القي خطابا تاريخيا للعالم اجمع وليس للاسرائيلين فقط اورد لكم منه مقتطفات على النحو التالي"
    (( قد جئت إليكم اليوم على قَدَمَيْن ثابتتين، لكي نبني حياة جديدة، لكي نُقِيم السلام وكلنا على هذه الأرض، أرض الله، كلنا، مسلمين ومسيحيين ويهود، نعبد الله، ولا نشرك به أحدا. وتعاليم الله ووصاياه، هي حب وصدق وطهارة وسلام" فيا كل رجل وامرأة وطفل في إسرائيل شجعوا قيادتكم على نضال السلام، ويا أيتها الأم الثكلى، ويا أيتها الزوجة المترملة، ويا أيها الابن الذي فقد الأخ والأب، يا كل ضحايا الحروب، املأوا الأرض والفضاء بتراتيل السلام املأوا الصدور والقلوب بآمال السلام اجعلوا الأنشودة حقيقة تعيش وتثمر. اجعلوا الأمل دستور عمل ونضال وإرادة الشعوب ...))
    جاءت تلك الكلمات لتنفي مزاعم المعارضين الذين اتهموا السادات بتوقيع صلح فردي مع اسرائيل ويؤكدها فيما بعد دعوة اطراف المواجهة في سوريا وفلسطين والاردن ولبنان الي طاولة المفاوضات لكنهم غابوا عن المشهد وظلت مقاعد تلك الدول خالية بينما كرس السادات جهده في الاصرار على المضي قُدما للوصول الي اتفاق سلام بين مصر واسرائيل فكانت الاجتماعات والمشاورات والاتصالات شاقة ومضنية ومستمرة مع الجانب الاسرائيلي في عدة دول حتى نجحت اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 في وضع اطار نهائي لمعاهده السلام عام 1979 بين مصر واسرائيل ..
    وكما رفضت الدول العربية زيارة السادات لاسرائيل رفضت كل ماترتب عليها و تصاعدت حدة الخلاف بين مصر والدول العربية عقب مؤتمرالقمة العربية في بغداد 1979 فقطعت الدول العربية علاقاتها مع مصر واوقفت معونتها والمشروعات المشتركة معها ونقلت مقر الجامعة العربية من القاهرة الي تونس وتشكلت جبهة عرفت بجبهة ( الصمود والتصدي ) قادتها دول العراق وسوريا وليبيا والجزائر واليمن ومنظمة التحرير الفلسطينية الا ان تلك الدول ظلت عاجزة عن منع السادات من تحقيق اهدافه رغم ما دار في كواليس اجتماعاتها من اقتراحات تزعمتها العراق وسوريا باستخدام القوة لمنع السادات وتوقيفه فكان السادات اقوى من كل العرب ..ورد على الدول العربية ردا قاسيا في خطاب له قائلا (( مصر تعزل ولا تُعزل .. مصر امكم جميعا ))
    دول الرفض والحرب الاعلامية:
    قاد السادات مرحلة من اصعب المراحل التي شهدتها مصر فكان له من المعارضين في مصر التيار الاسلامي والشيوعي ورجال فكر وسياسة ابرزهم الكاتب محمد حسنين هبكل الذي حبسه السادات و مصريين اخرين رفضوا معاهدة السلام واختاروا الذهاب الي الجزائر او ليبيا والعراق وكان من ابرز هؤلاء حكمت ابو زيد الوزيرة السابقة للشؤون الاجتماعية والفريق سعد الدين الشاذلي مهندس ومخطط العبور العظيم وانتصار اكتوبر ومجموعة اخري من الفنانين الناصريين والشيوعين وكانت العراق و ليبيا شبه مقرا لهم مثل عبد الغني قمر الذي هاجم السادات بشراسة من اذاعة صوت مصر العروبة التي كانت تبث من بغداد ومحسنة توفيق و محمود السعدني وعلي الشريف ومن المفكرين لطفي الخولي وعبد الستار الطويلة هؤلاء اختاروا ان يكونوا اداه لانظمة خارجية في اذاعات العراق و ليبيا فاتخذوا منها منبرا للرفض والسباب وتوجيه الخيانة للسادات وزوجته التي طالها الكثير من اللغط
    وعلي جانب اخر ضمن الحرب الاعلامية فتحت مصر ذراعيها للمعارض الليبي عمر المحيشي الذي كان احد اركان ثورة الفاتح من سبتمير في ليبيا عام 1969 وكان وزيرا للتخطيط والبحث العلمي في الحكومة الليبيه وقام بمحاولة انقلابية في عام 1975على نظام معمرالقذافي لإساءة الأخير إلى الليبين وتعذيبهم وانحراف أهداف الثورة الليبية عن مسارها الصحيح،لتتحول من ثورة ضد الظلم والاستبداد إلى ثورة لتعذيب الليبيين وإذلالهم ومطاردتهم بوليسياً في كافة أنحاءالعالم وخصصت له اذاعة الشرق الاوسط برنامجا بعد العاشرة مساء لفضح مساوئ القذافي ونظامه الدكتاتوري غير ان المحيشي لم تدم اقامته بمصر واعتبر شخصا غير مرغوب فيه لمعارضته لسياسة السادات ومعاهدة السلام فغادر الي المغرب الذي عقد صفقة مع القذافي بتسليمه مقابل وقف دعم القذافي لجبهة البوليساريو الساعية لاستقلال الصحراء الغربية عن دولة المغرب فكانت الصدمة للمحيشي الذي توجه لاداء العمرة بالسعودية لكنه فوجئ بهبوط طائرته في ليبيا ليجد القذافي بانتظاره فيُهان ويعذب حتى الموت ....
    انهيار الجبهة الداخلية :
    واجهت السادات عدة مشاكل داخليه منها انتفاضة 18 و19 يناير1977 التي اطلق عليها انتفاضة الخبز اوالحرامية فقد كان شعب مصر يحلم بالرخاءالاقتصادي الذي وعد به انور السادات بعد حرب 73 وتحولت البلاد الي الراسمالية وتقرب من الولايات المتحدة الامريكية
    الا ان اعلان نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية في هذا الوقت وهو الدكتورعبدالمنعم القيسوني في بيان له أمام مجلس الشعب مجموعة من القرارات الاقتصادية منها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية شملت أسعارالخبزوالسكر والشاى والأرزوالزيوت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع الهامة في حياة المواطن البسيط فثار الشعب منتفضا ورافضا لتلك القرارات ..
    بدأت الانتفاضة بعدد من التجمعات العمالية الكبيرة في منطقة حلوان بالقاهرة في شركة مصرحلوان للغزل والنسيج والمصانع الحربية وفى مصانع الغزل والنسيج في شبراالخيمة وعمال شركة الترسانة البحرية في منطقة المكس بالأسكندرية يساندهم اليساريين والشيوعيين الذين وجدوا الفرصة لتحقيق مبتغاهم وبدأالعمال يتجمعون ويعلنون رفضهم للقرارات الاقتصادية و ازمة ارتفاع الاسعار ويعض السلع مثل الخبز واللحوم رغم ان سعر كيلو اللحم وقتها لم يزد عن جنيه واحد فقط وكان من ابرز الشعارات لحشود الثوار (سيد مرعىي يا سيد بيه كيلواللحمة بقا بجنيه... ( كان سيد مرعي رئيس مجلس الشعب وقتها ) وبالفعل تم الغاء القرارات الاقتصادية ونزل الجيش الي الشوارع واعلن حظر التجول حتى عادت الحياة الي طبيعتها في شوارع القاهرة ..وكان السادات حدد بيع منافذ اللحوم لثلاثة ايام فقط بالاسبوع لمواجهة جشع التجار وبالفعل انخفضت اسعارها ..
    الفتنة الطائفية:
    على ان سياسة السادات تجاه الاحزاب الدينية والمعارضة قلبت الطاولة عليه فشدد على ان (لا سياسة في الدين ولا دين بالسياسة ) فانهال على رجال الدين سباً وحبس الكثيرين منهم مثل الشيخ كشك والشيخ المحلاوي وخاصة بعد توقيع معاهدة السلام التي كان لها معارضين من المفكرين ورجال الدين والفكر والسياسة حتى ان البابا شنودة لم يسلم من اجراءاته فعزله وحدد اقامته في منفاه في خطابه الشهير في الخامس من سبتمبر عام 1981 بعد احداث الزاوية الحمراء التي اندلعت في 17\6\ 1981 وشهدت فتنة طائفية بين المسلمين والمسحيين وراح ضحيتها العشرات من الاقباط والمسلمين وتعود اسبابها الي 12/6/1981 حيث أعلن مسلمون عن حقهم في قطعة أرض اعتزم بعض الأقباط اقامة كنيسة عليها وتحول الامر من شجار عادي بين الجيران الى معركة مسلحة، وأصيب سكان الزاوية الحمراء بالتوتر والهلع وبعد خمسة أيام، أي في يوم 17/6/1981، اشتبك المسلمون والمسيحيون في الزاوية مرة أخرى.
    أظهر السادات في أحاديثه الإعلامية حرصه علي الوحدة الوطنية وعبر عن ذلك برفضه عن تعبير عنصري الأمة للدلالة علي المسيحيين والمسلمين، مؤكداً أنهما عنصر واحد فقط، لكنه واقعياً، أقدم علي عدد من المممارسات التي ألهبت الفتن الطائفية في القاهرة وصعيد مصر، ثم خرج في «شهر المحنة» شهر سبتمبر 1981 ليعلن عن إجراءاته التعسفية لإعادة الإمور إلي نصابها.
    وشن السادات حملة قاسية علي البابا شنودة متهما إياه بالإضرار بالأقباط في أحداث الزاوية الحمراء. وقال في خطابه يوم ٩ سبتمبر (( يؤسفني أن أعلن أنه لم يضر أحد بالمواطنين الأقباط مثلما فعل ذلك الرجل «الأنبا شنودة»، وسوف يسجل عليه أنه قد أضر بمصر، لأن الأقباط هم جزء من مصر.. جزء من البلد.. جزء من التاريخ وهم شركاء في كل شيء. وقال تعقيباً علي تساؤل حول عزل شنودة (( الدولة لاتتدخل في التقاليد الكنيسية التي تقرر انتخاب البابا، ويظل هو البابا إلي أن يموت.. ولكن هناك شقاً آخر، وهو أن مزاولة البابا لعمله تصدر بقرار جمهوري.. والتقاليد الكنيسية تقضي بانتخاب البابا.. كما تقضي بوجود من يقوم بأعمال البابا.. شخص واحد.. أو لجنة من ثلاثة.. أو من خسمة.. وفي حدود سلطتي الدستورية فضلت أن تكون لجنة القيام بالمهام البابوية من خمسة أساقفة..)) وقد ظل البابا في منفاه حتى افرج عنه مبارك عام 1985 وعن المعتقلين الاخرين الذين حبسهم السادات والتي قدرتهم السجلات بنحو 1531 معارضا من كافة الاطياف ...
    وجاء يوم السادس من اكتوبر 1981 ليدفع السادات ثمنا باهظاً لسياسته الداخليه ويُقتل يوم نصره في احتفالات الجيش اثناء العرض العسكري وعلى يد جنده حتى لو كانت لهم اتجاهات دينية متطرفة فقد كانوا من العسكر ويُحسبون على القوات المسلحة .
    كنت وقتها في تونس الخضراء كنت اشعر بكرامتي كمواطن مصري مع هذا الرئيس بل واري الحب والاحترام في عيون العرب والاجانب في عهده حتى في الدول والحكومات الكارهة له كان الاشقاء في ليبيا على سبيل المثال يكنون لنا كل الاحترام والتقدير وفي تونس كنت اذا تحدثت كلمة بالعامية المصرية اجد الحب في عيون الناس ففي تونس تسير كثيرا في اسماء شوارع مصرية وتسمع في كل درب او نهج كما يطلقون عليه اوبالاسواق اغاني ام كلثوم وعبد الحليم حافظ وعبد الوهاب وغيرهم ولا ابالغ اذ اقول انه كان البعض منهم يقف بالحافلات ويُجلسني مكانه في جو من الحب والاعجاب وفي مراكز الهاتف الذي نسميه السنترال حيث لم يكن هناك هواتف محمولة وقتها كنا نننظر مكالمة من تونس الي القاهرة لساعات احيانا فيطلب مني الموظفون ان احكي لهم نكتة مصرية على سبيل الرشوة ليهتموا اكثر بسرعة اتمام المكالمة . كان هناك فرق وبون شاسع بين علاقات الانظمة والحكام وبين علاقات الشعوب واستطيع القول ان علاقة المصريين باخوانهم من الشعوب العربية ظلت تسودها المحبة والاحترام زمن جمال عبد الناصر وحتى اواخر عهد السادات واوئل عهد مبارك وقد كونت العديد من الصداقات خلال فترة اقامتي في تونس لمده ثلاثة اشهر كنت انوي اتخاذها كمحطة للسفر الي ايطاليا لسهولة ويسر التنقل منها الي دول اوروبا كما ان ثمن تذكرة السفر وقتها من ميناء بنزرت في تونس الي صقلية بايطاليا كان لا يتعدى عشرون دينارا تونسيا ...
    النهاية الدراماتيكية:
    كانت نهاية مؤلمة وحزينة بالنسبة لرجل مهما بلغت سلبياته فيكفي انه يُنسب اليه نصر اكتوبر ومعجزة السلام فاستحق لقب بطل الحرب والسلام عن جدارة .... وفي يوم وقفة عرفات السادس من اكتوبر من عام 1981 كان الحدث الذي ادمع عيناي نهارا فبينما كنت جالسا في بيت احد الاصدقاء من تونس نلعب اللعبة الورقية (الكونكان) ونتابع التليفزيون الايطالي عبر قنواته المتعددة وقبل ظهور الِدش جاءت صور من مصر عبر الاقمار الصناعية بحادث المنصة على القناة السابعة الايطالية كانت الساعة تقارب الواحدة والنصف ظهرا وجاء المشهد قصيرا مُزلزلاً و داميا بمصرع السادات واجتمعت كل اسرة صديقي لنرى اغتيال رئيس اكبر دولة عربية ولاننا لا نفهم الايطالية اكتفينا بتكرار المحطة للمشهد اكثر من مرة ولجأنا الي الراديو فجاءت كل الاخبار مشوشة لا تتفق الا على خبر واحد مصرع السادات.
    خرجت الي شوارع العاصمة تونس فوجدتها مليئة بمشاعر التناقض بين الفرحة والحزن كان الكبار سنا يترحمون في ذهول على السادات ويذكروني بان مافعله السادات عرضه رئيسهم الحبيب بورقيبة على عبد الناصر في منتصف الستينات فاتهمه بالخزي والخيانة اما الشباب الصغير فكان متاثرا بمشاعر الحماسة من دول الجوار ليبيا والجزائر حلفاء جبهة الصمود والتصدي فصاروا يهللون فرحين وما ان حل المساء حتى اعلن القذافي فتح الحدود الليبية لجميع المصريين الابطال دون تاشيرة ورغم بقائي في تونس لانتظار تاشيرة دخول لليبيا من اسرتي بدلا من التوجه الي ايطاليا فضلت الانتظار في تونس ولم اغامر بالتوجه نحو الحدود التونسية الليبية التي شهدت احتفالات غامرة باغتيال السادات .
    وفي مساء سهرة اول ايام عيد الاضحى عرض التليفزيون التونسي لاول مرة مسرحية ( شاهد ماشافش حاجة ) فلم تكن هناك اي ملامح للحداد الرسمي بالدولة التونسية التي التزمت بمقررات القمة العربية عام 1979 في بغداد كما وانها لا تستطيع ان تنهج سياسة تتعارض مع الجارتين ليبيا والجزائر على عكس دول اخرى كانت مصالحها مع مصر مثل السودان والصومال والمغرب على استحياء وتحفز الجميع في انتظار سياسة حسني مبارك الذي تولي الحكم بعد فترة رئاسية مؤفتة لصوفي ابو طالب رئيس مجلس الشعب والذي بدوره رشح حسني مبارك للرئاسة بصفته نائبا للسادات . ولم تختلف السياسة الخارجية لمبارك فاعلن تمسك مصر بالمعاهدات والمواثيق الموقعة مع اسرائيل في اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام فكانت الصدمة مستمرة لكل الدول العربية التي توقعت اختلاف الاحوال بعد اغتيال السادات لكن مصر كانت حريصة على تنفيذ بنود الاتفاقية واستعادة كامل التراب المصري على ارض سيناء وبالفعل تحقق لمصر ما ارادت وتم تحرير واستعادة شبه جزيرة سيناء كاملة في 25 ابريل عام 1982 ماعدا النقطة الحدودية طابا التي رفضت اسرائيل التنازل عنها وبعد مماطلة وعديد من المفاوضات المتعثرة لسنوات اتفق الجانبان المصري والاسرائيلي على اللجوء الي محكمة العدل الدولية التي اعلنت بالنهاية احقية مصر في طابا لتسترد مصر كامل اراضيها عام 1989.
    رحل السادات وجاء مبارك صاحب الخطابات المُملة المقروءة لتشهد مصر اسوأ عصورها خلال ثلاثون عاما . كان كابوسا طويلا من مظاهر الفساد والمِحن والازمات الداخلية الا انه كان ناجحا على المستوي الدولي حيث تعقد المؤامرات والدسائس وتدار الازمات ورغم ذلك فقد نجح مبارك بالعبور باتفاقية السلام الي بر الامان ونجح في استرداد كامل التراب المصري المحتل من الجانب الاسرائيلي واقام بعض المشروعات العملاقة كالمدن الجديدة والجسور ومترو الانفاق....والي لقاء في الحلقة العاشرة مع حسني مبارك ...
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الحلقة التاسعة من سلسلة : من يؤرخ لمصر بعنوان: السادات بطلا .. بقلم المؤرخ والشاعر طارق فريد Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top