
انتهزت فرصة وجودي في بغداد .حننت إلى كورنيش الاعظمية .ومع أن الوقت كان عصرا، بدا الكورنيش مقفرا إلا من بضع شباب .اقتربوا مني .أأنت هندي ؟ سألني أكبرهم بانكليزية ركيكة .قلت نعم .من أي مدينة أنت؟ سأل الثاني .قلت من البصرة. وهل في البصرة هنود ؟ قلت ما أكثرهم ! .
انطلقت ضحكات الشباب .بلهجة أهل بغداد علقوا .قال الأول وافد. وقال الثاني زائر للعتبات أما الثالث فقال عمالة وافدة تزاحمنا ولم يعلق الرابع .سألته وما تقول أنت، لما لم تعلق؟ ، قلتها بلهجة الجنوب . فوجيء الأربعة وراحوا يعتذرون .
وباحترام راحوا يثنون على البصرة مضيف العراق في الأزمات . درعه في الحروب .جمله الذي يحمل ذهبا ويأكل العاقول .غير بعيد كانت تجلس عجوز تسمع الحوار .رغم الكبر كانت انيقة بشكل ملفت . عليها مسحة من جمال بغدادي مميز كان هوس شبابي .دعتني إلى الجلوس جنبها .فسحت لي مجالا على مسطبة قديمة متآكلة عليها لعبة طفل كان يلعب قرب شجرة تشكو العطش قالت انه حفيدها . التفتت إلي، وإذن أنت من البصرة يا حاج ؟ .قلت نعم .تغير لون وجهها وقالت كيف هو الحر عندكم ؟ قلت نشوى على نار هادئة يا حاجة .
- سمعت نتفا من الحديث .وماذا تعمل في البصرة ؟
متقاعد ..اقتل وقتي بالكتابة ويقتلني سئما .اكتب قصصا عن ماض جميل كاد يندثر _
.انا متقاعدة مثلك .لي قصة غريبة قبل أن أموت ، جئت احكيها لدجلة، خازن أحزان العراق . قالت العجوز بوقار .اشرب هذا العصير وعدني أن تكتب قصتي .فقط غير الأسماء. فتحت حقيبة سوداء أخرجت صورة .قبلتها وقالت هذه صورة بصري احببته ذات يوم ،كنا نلتقي هنا .يومها كنا طلابا في الجامعة .صورنا مصور جوال .
ذلك الفتى البصري .غيبته سجون السلطة قبل عقود . .كان أول وآخر من علق في شغاف القلب . ولأني احببته لم أزل عذراء، هل تصدقني ؟ فأنت قد تفض بكارة فتاة في الزواج لكن، نادرا ما تفض بكارة قلبها .قلت نعم فكثيرا ما يحدث هذا فأمر القلب عجيب يا سيدتي .
. .أنا الآن مصابة بالسرطان وذلك الطفل حفيدي. قريبا سألحق به .بذاك البصري الذي له سحنة هندي بفعل الحر .كانت قصة جميلة محزنة.
كانت العجوز تحكي و بين حين وآخر ، تمسح قطرات دمع تنساب على خديها . وأنا استمع إليها بخشوع ، كنت احبس عبرة كبيرة تشبه الصرخة . كنت أحدق بحزن في الصورة التي بين يدي كانت الصورة صورتي قبل عقود ....!..
0 comments:
إرسال تعليق