• اخر الاخبار

    الجمعة، 6 سبتمبر 2024

    حسن بخيت يكتب عن : فيلم ( حياة الماعز ) زوبعة هندية في صحراء السعودية

     


    ( فيلم حياة الماعز )  عرض في آخر مارس الماضي على نتفليكس للمخرج الهنديّ بليسي إيبي توماس، وأصل الفيلم رواية «أيام الماعز» للّروائيّ الهندي بنيامين، والصادرة عام 2008م، ولقت انتشارًا كبيرًا، وأصل الرّواية أنّ عاملا مالايالاميّا اسمه «نجيب» ذهب كآلاف الهنود للعمل في دول الخليج، وجعل وجهته السّعودية، وتعرض لحادثة أشبه بالاختطاف من قبل شخص ادعى أنه كفيله، وأخذه إلى الصحراء لرعي الأغنام والإبل، ويتم التّعامل معه تعاملا غير إنسانيّ، إذ جعله يعيش حياة الماعز، ويتمكن من الهروب بعد ثلاث سنوات، وفي الصحراء يلتقي بصديقه حكيم الّذي جاء معه، وصاحبه إبراهيم من أصول إفريقيّة، بيد أنّ حكيمًا يموت في الطريق بسبب العطش والجوع.

     فيلم «حياة الماعز»، فيلم  هنديًّا من حيث الحضور والإخراج والتّمثيل، ومن حيث المكان تتشارك فيه الأردن وصحراء الجزائر وكيرلا بالهند، ومن حيث الإنتاج فهو مشترك بين شركات هنديّة وأمريكيّة، ومن حيث التمثيل فأغلب الممثلين وإن كانوا قلة من الهند، وشارك فيه من عمان طالب البلوشيّ بدور الكفيل، ومن الأردن عاكف نجم بدور المساعد

    هذه الرواية تحكي حالة فردية لها مثيلاتها أو قريب منها من «الاتّجار بالبشر»، ليس في السعوديّة فحسب، بل في معظم دول الخليج عموما، فهناك استغلال لنظام الكفيل من قبل بعض الأشخاص، وهناك اتجار بالبشر باسم النّظام نفسه، وجائحة كورونا السابقة كشفت عن هذه المآسي،

    الفييلم السينمائي ( فيلم هندي )  وبكل المعايير التي نعرفها عن المنتجات الهندية. عندما نشاهد في حياتنا تصرفا غير معقول ولا يمت للواقع بصلة، نقول هذا "فيلم هندي"، كلمة "فيلم هندي" تعني خزعبلات وخارج المعقول (رجل يفتح باب الطائرة ويقفز لينتحر، ولكن قدرة الهندي الخارقة توقعه على شجرة يصدف أن حبيبته كانت تجلس تحتها)"

    ومن وجهة نظري الدرامية أن. هذا الفيلم يدين الهنود أنفسهم ، حيث يقدم الإنسان الهندي بوصفه إنسانا ذليلا لا يملك أي درجة من التدبر والمقاومة ؛ فهو أشبه بالحيوان لا حول له ولا قوة .

     التساؤلات  هنا التي تطرح نفسها :

    هل مؤلف الرواية كتبها كعمل روائي أم كتبها كمذكرات؟

      هل الرواية الهندية تنحو منحى السينما الهندية في صناعة المعجزات والمآسي التي يتقطع لها نياط قلب المتفرج الهندي ؟

    هل القارئ الهندي كشقيقه متفرج السينما ينتظر ما يقطع نياط قلبه أيضا"؟

     أي شخصية درامية تكون في داخلها متناقضات كما في الحياة التي نحياها" ؟ ثمة شخصية شريرة يبقى في داخلها قليل من الإنسان، وأي شخصية خيرة تنطوي على قليل من الخساسات الصغيرة. حتى الشخصية السوكوباثية التي تقودها المصالح تشكل المصالح ضميرا ينافق به ضحاياه. هذا الخاطف لم يكن مجرما بل شيطانا، بل إن الشيطان الذي نعرفه يستخدم الخداع والتزلف والاستدراج ليوقع ضحاياه في حبائله ؛ فكل شخصية درامية لها خلفية وماضٍ صاغها وأوصلها إلى ما نشاهده في النص، لكن المخرج يعطيك "فلاش باك" على شخصية نجيب الضحية، وبالمقابل ثمة ماض آخر صاغ شخصية الكفيل وجعله شرا محضا، فالمخرج لم يزودنا بأي جانب إنساني أو فلاش باك عن طفولة هذا الكفيل أو أسرته أو أي شيء يكشف لنا وجهها الدرامي. شخصية منبتة لن توجد أبدا، حتى الشيطان له تاريخ نعرف من خلاله كيف أصبح شيطاناً.

    الفيلم  رعم طول وقته وعرضه  ؛  لا يتوفر على حوار درامي يتوالد عند التقاء الشر المحض بالضعف المتهالك في صحراء قاسية. عادة في مثل هذه البيئة يتدخل الفن ليأخذك في جولة في النفس الإنسانية. تمضي مع المخرج حوالي ثلاث ساعات تتفرج على نفس المشهد يتكرر بصور مختلفة ومملة

    . السؤال الأخر هنا :

    من  الذي مول هذا الفيلم؟ ومن الذي  يقف وراء مموله؟  وما الهدف الخفي من إنتاجه وعرضه ؟

    أما عن نظام الكفيل الذي تطرق إليه الفيلم . فهذه  حالات طبيعيّة، استغل العديد منهم سابقا نظام الكفالة استغلالا سلبيّا، وللإنصاف العديد من الكتّاب والمثقفين والصحفيين والإعلاميين من الخليجيين أنفسهم أثاروا هذا الموضوع قبل أن تتحدّث عنه رواية «أيام الماعز»، ولهذا وجدت في السّنوات الأخيرة ومنها في السّعوديّة ذاتها، كما هو الحال في دول الخليج ؛ العديد من الإصلاحات حول هذا الموضوع، ومع وجود هذه الإصلاحات لا يمنع من وجود حالات غير إنسانيّة، ومع هذا فالقانون يحمي العامل في مثل هذه الحالات.

    الرواية كأي رواية في العالم تثير قضية  اجتماعيّة، قد لا تتجاوز الحالة الفرديّة، وقد يكون لها ما يماثلها أفقيّا من آثار سلبيّة وفق رؤية الكاتب، كما أنّ العديد من السّيناريوهات أو القصص والرّوايات الممثلة تحكي حالات سلبيّة، ، ولا يعني هذا أنّ هذه هي صورة البلد، ولكن هذه هي رسالة الفن من حيث الأصالة، تعالج قضايا سياسيّة أو قانونيّة أو دينيّة أو اجتماعيّة أو تأريخيّة، ولكن لا يعني أيضا عدم استغلاله سلبًا من بعض السياسات، أو لأغراض أيدلوجيّة أو إعلاميّة معينة، ولكن يدرس ويناقش في زاويته تلك من قبل النقاد  والمتخصّصين في ذلك.

    ولو أن الفيلم أظهر الأجزاء الإنسانية والايجابية  الأخيرة من القصة، لما أثار ضجة وكان مقبولًا من الناحية الموضوعية والفنية، لكن يبدو أن رسالة الفيلم المبطنة وإن كانت مكشوفة، هي الإساءة إلى إلى الشعوب العربية بصفة عامة وليس الشعب السعودي وحده، الذي أظهره الفيلم كشعب ظالم لا يعرف رأفة ورحمة، وهذا افتراء غير مقبول ورأي غير مسؤول

    وأختم بالقول المصري الشهير  «ما لقوش في الورد عيب، قالوا يا أحمر الخدين»!.. ولـ«سعودية» المثل لمناسبة المقال: «ما لقوا في نخل السعودية عيب، قالوا: يا كثر عذوقها»!

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: حسن بخيت يكتب عن : فيلم ( حياة الماعز ) زوبعة هندية في صحراء السعودية Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top