(أسمعه ينعي بصوته المجبول على الحزن، واضعاً قدام عينية الضاجتين بلوعات الاسئلة رزمة من(الدفاتر )مثلما تصر أمي على تسميتها عمداً ،الموشاة برسومات لاناث مبتسمات بخفريثير الاشتهاء والريبة،مثل توابيت حروبنا المصفوفة دونما انتظام ،تبصرهن (أمي)وكأنها تبصر الشيطان الذي لا اعرف كيف اتقنت وصفه بدقة تثير مخاوفنا وارتجافنا،دفاتر تظن جازمة انها رجس من عمل الشياطين العاملين دون هوادة على غواية بني ادم المطالبين بواجب الابتعاد عنه ،كما علمهاالملا(حطامة المرداس) الذي تعتبره الحارس الامثل لما ترغب به السماء التي حددت مسارات الوجود المحطوطة بين رجس الفجوروتقوى الايمان،تبتسم بمسرات باذخة حين تراه ماراً يسحل وراءه ثغبارة من الاتربة الممحوة الالوان،مزيج من مفاسد السوق وروث الابقار،وسورات مبيت الكلاب وبقايا عفن ماء طشوت الاسماك الحائلة منذ ايام، محوقلاً لاعناً اتباع الشياطين الذين لايريدون ترك حياتنا دون منغص وتغييرحال،يشير اليها محيياًفترد التحيةباحسن منها،نابرة بصوتها الارفع من حبل الوريد—-ملا ادعي لنا بالخير وابعد عنا شر من لايريد لاعمارنا الفرح والمسرة!!
ببطء واضح المطلب،يرفع يدية بحركة
سريعة بإتجاه العلو، تفك طرف شيلتها المغموسة بملوحة السواد، واضعة بين يدية
اللتين امتدتا الى امام درهماً يتلألأ مثل نجمة تبرق بفضة خافتة تتقصدوجودها، يدس
مااخد بين طيات ثيابه غاذاً السير بخطوات شديدة الارتباك، تعاود لهفتها المغدورة
امام اصرار الناعي،الذي لايكف عن ترديد(وخير جليس
في الزمان كتاب…هنا يابو الطيب ياعيني)!!
مثل نسر وجد ضالته،تجلس امي شامرة
شيلتها بعيداً،لامة شيب شعرها الى علو هامتها،قائلة —ليتك تخبرني مالاعرف عن زمانك هذا؟!
بحركة تلفلف آساه ليغدو كرة خرق
موحلة،يرفع كتابه الاثير الى امام وجهها المختض غصباً—هذا هو زمني..الذي يقول /عنيد
ذاك الذي يؤمن ان الامهات لحظات عابرة في محفل ديمومتنا/!!
—زمن منكود يمسح دروب الخير بين
يديك..ليحيلك الى منسي ..تجرك الحكايات دون رحمة ولا هوادة من صومعة اكاذيب الى اخرى؟!
—بل يوضح الطرقات التي طالها
الظلام وعمدتها البلوى…جميلتي الحياة دون هذه التي تسمينها شيطينا لاتستحق العيش..!!
— حرام هذه الدفاتر الملعونة ..حرام..ساعة
احط رأسي على وسادة موتي اشعر بهسيس مدو وصراخ نسوة يتوسلن ورجال يلوحون برؤوس
شوهاء..شياطين دفاترك لاتريد الالبقاء على ستر وجودنا!!
يغمض عينيه باضطراب يجعلها ترنو
اليه محاولة الامساك ببعض من اسراره الضائعة بين طيات دفاتره المشعة بالمحرمات،
اخذت بهدوء ماكر يديه الباردتين الى عمق تنور يديها المرتعشتين ترقباً،ذبت عذوبة
روحها اليه حين همست قاصدة اثارته.
— اما مللت الانتظار ..ايامك
موحشة تبددها الوحدة،أخ لو ادري الى اين تريد المضي؟!!على اتساعهما انفتحت عينيه
البارقتين بشعاع انفلت عقاله ليضيء دهشة الغرفة المليئة بالحاجيات غير المتجانسة
والشديدة العتق،قال،
—آه لو تركتي مرادك هذا..عالمي
شيدته الكتب..واحلامي لاتجد رفعتها الا بين طياتها..تجف ذاكرتي وتموت حين تتعثر
خطواتي عند ابواب معارفها!!
——كتبك لاتمنع مرادي ولاتحد من
مقاصدي!!
— خطوي ماحدد اتجاهه بعد..حلوتي
الوقوف حدواحد لايليق برغباتي!!
صرخت لامَّة جسدها الخافت الحركة
الى مابين يديها—-خطوك ثابت ..ومعانيك لاتجدها على غير هذه الارض..الحمام الشائه
لاتبقيه السماء شائها وان رغب لابد له من
وصول ومستقر!!
اعرف الى ماذا ترمي ،لذا اتخذت
الحذر،الاندفاع محطة الااحب الوقوف عندها،سري ابن اوى ماكر،ماذا او افصحتُ عما
تموربه دواخلي الراسمة لملامح الانثى الرافة بجناح فراشة، اراها تمرق مسرعة لتغيب
داخل دهاليز ظلمتي،لا اعرف كيفية الامساك برؤياي،
أمي نثرت شباك امانيها،متمنية لو انها صادت نعمي..همست— الام وحدها العارفة
بالسر..والقادرة على هتكه عند ضوء مراماتها!!
—٢—
من خلل فتحة باب غرفتها نصف
الموارب والموشى بصور ممثلات اعرف الكثير منهن، يقفن محدقات في ازرقاق
بحرهائج، تنظر الينا بعينين تقدحان
شرراًيسيل لعابه بمكر مخادع يخفي وراءه رغبات انثى لاتعرف ماتريد، ابتسمت شفاه أمي
بعذوبة شربت العنب الموضوع امامنا لغرض الغراية التي تحاشتها أمي التي تعتبر بيت
خالي من مساكن الشياطين والمردة لكنها مجبرة على الاتيان اليه،اوصاها الملا (حطامة
المرداس) لأن تحوقل وتقرأ المعوذات وتنذر لولي طاعاتها نذراً دسماً يبعد عنها
شرالاسرار ومكائدهم،قال خالي بصوته المشروخ بعد ان اشعل سيجارته ونفث دخانها صوب
والدتي التي سعلت منبهة بخبث— صعب ماتقولين الفرق بيننا كبير وانتم تسكنون بيوت
الطين المحاطة بالفقر..لامستقبل بهذه الدنيا لفقير لايعرف الطريق..!!
قالت امي ناشة دخان سيجارته من
امام عينيها—الفقر ليس عيباً.. وكلنا خرج من بيوت فقر ويتم وعوز لاتنسى اصول قصبك ..وتذكر
همسات أبي في اذاننا القصب يعود الى اصوله ان شب وطال..وتائه غريب ذاك الذي لايريد
لجذوره البقاء !!
قال خالي ضاحكاً—ذاك زمان مضى
رفسات المدينة ومواجعها انستني فكرة القصب القصية لاني شيدت ما اريد من
الجذور وافتخر بها..حكايات مواقد جدتنا هراء
دفعنا الى ايمان بما لانريد!!
قالت امي بحدة واضحة—الازمنة التي
لاتغير رفقتها مع الناس لا وجود لها..وإن تشابكت جذورك وارتوت من غير مياهها ستظل
تحن الى بعيدها الذي تعمدت نسيانه..!!
قال خالي مرتبكاً—مثلما سمعتِ..ابنك
لا يمسك من مستقبله سوى الفراغ ..مالذي يطمح اليه وهو الغارق حتى اذنيه باوهام
الكتب واثامها ..طريق سلكه ليعيش قحط ابدي!!داعبت
أمي شفتي صمتها،وبهدوءنهضت لافة عباءتها حول جسدها الشديدالارتباك واللوعة، مشيرة
بتلويحة يد واضحة الغضب اليَّ امرةبالنهوض،نهضت بسرعة محتج يحاول لملمة بقايا
خيبته وفشله(الخنجر الذي دسه خالي في الصدرالعالي الوجيف،جعلت منه تميمة حاضرة
تذكرني بماحدث لسنوات طويلة،ساعة توسدت حضني لتصاحب ملائكة السماء في رحلة تفحص
الاخضرار، والتأكد من وجود ما زرعه الملا (حطامة المرداس) من سوالف ظلت ترددها دون
كلل او هوادة،فتحت عينيها بوهن متعوب،هامسة— لاتنسى ..كلما تراجعت خطاك تذكر فقرك
الذي صار عاراً..وحاذر الارتماء بين يدي
استسلامك!
هززت رأسي الواج مثل تنورمحاط
بهالات النسيان،واضعاً شفتي الغارقتين بصبخة مالحة مجة فوق جبينها الحار.قلت—وصيتك
لاتنسى مادامت مسافاتي تقترب!!
ابتسمت لتبدومثل هالة قمر مكتمل
البدر،ببطء..بهدوء..بسكينة..رفعت اصبع يدها اليمنى ،ورحلت، (اعدت على عجل ترتيب
وجودي المكتظ بالامال المتمسكة بخرابي وحطامات جنوني،الكتب القت اليَّ غايات تمرق
مسرعة لتدلني الى حضوري الباذخ،الفت الرؤيا لكن جرح الخنجر ظل عصياً على ايقاف
نزفه، وأن جف الجرح قليلاً يصدر صراخاً مدوياً ثقيل المعنى. لم استطع ابعاده رغم
محاولاتي المتكرره،والباعثة على النواح والاتيان بما لايعرفه غيري!!
—٣–
( لاتقصص رؤياك على احدٍ،مادمت
تنزف لواعجك فوق بياض صمتك العارف بمعاني الانتشاء،كلما حاولت البوح سحبتك نداءات
البعيد الى ابار اعتراضها..إصمت ..محالك لن يجيء بعد..وشوقك عثرات هشمتها
انتظاراتك الميتة الملامح..لاتقصص رؤياك ثملاً تطوف خارج معابد معارفك متمتماً بما لاتجيد )!!بغتة توقفت تنظر باستفهام مشوب بالارتباك
والقلق، تتفحص غابات ذاكرتها المليئة
بخوالي الايام،اطلقت تنهدات صدرها المندفع الى امام دون ان تثير الانتباه، حاولت
بمكر تجاربي ابعاد اللحظة السحيقة بالقدم،متحسساًا اثر الخنجر البارز مثل نتوء
متقيح،بهدوءوقفت عندنصب حيرتي متأملة انحناءة الظهر وارتفاع وجيب الانفاس
وصعوبتها،قالت بصوت خافتٍ خالٍ من الجرأة،واضح
الخمول.
——اانت هو..محال..اااانت..؟!
الاسئلة المبهمة الخالية من
الفهمًالتوضيح،تثير استغرابي وترمي بيَّ الى وسط دهاليز من الريبةوالشك،قلت ببرود
تعمدته قاسياً —اااسف مافهمت السؤال؟مثل مطر ليلة قارسة البرودة،انهمرتْ
ملاحقةانفاسها البادية الاضطراب،—نعم أنت هو..لا تخطأ روحي وجودك..كلما نظرت اليك
تتحدث من خلل التلفاز..رجمني ضيمي باكداس من حجر اللوم والبكاء..ما كنت بقادرة على
ان اقول لا..تلك هي علتي التي لا اعرف لها شفاءً!!
تقافزت جداء روحي، عند مفترق
عينيها النافضتين لوله ازمنة ماكانت تستطيع الامساك بها،أزمنة وقحة كلانا ظن انها
صعبة الرجوع، بعد أن اخذتنا الطرقات عنوة الى حيث ارادت،بغضب مفتعل اخذت يدها الى
يدي،وبمعرفة شيطانية اخذتها الى شفتي باصماً بقبلة منتقات بحرفية شديدة
التأثير،اصابت جسدها موجات تصخر منعت حركتها، مبصرة ابتسامتي الراعفة حزناً بشرودلاخلاص منه.كانت أمي تقهقه
شامرةبدرهم ذهبي الى حضن الملا(حطامة المرداس) المرتل لتعويذات اثارت شجني وغروري،أخذتها الى مابين يدي هامساً—أرجوك
استلي الخنجر الذي احتفظت به من اجلك كل هذه السنوات؟!!
(لا تقصص رؤياك على انثى هدمت
روحها كثرت الانتظارات حتى غدت مثل جذع نخلة تحركه العواصف كيفما تريد)!!
تجلس قبالتي تائهة في سراب
الاسئلة التي استيقظت فجأة بد ان ظنتها
يابسة لايمكن ان تخضر ،قلت—ولان؟
قالت—ولان..زمن فراغ رجع الى فراغ!!
قلت—هل لنا بقراءة التجربة بحسب
مانريد؟!!
قالت—لا اعرف..لاعرف لاني اكره
الكتب التي ابعدتك عني!!
قلت—اقتربي!!
(لاتقصص رؤياك على من لايجيد
الضحك والبكاء والصراخ والصمت)
١٢/٤/٢٠٢٢
0 comments:
إرسال تعليق