• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 26 يناير 2021

    أحمد النقاش يكتب عن : عبثٌ

                            



          عبث على عبث تمضي هذه الحياة، أصبحت الأيام تمرُّ على بعض الناس دون هدفٍ يُذكَر فصاروا يعيشون مجرد طيور منكسرة تهاجر وتسافر بعيدا تبحث عن حبات تلتقطها من ثرى الأرض أو وريقات الشجر وربما في كثير الأيام لا تعود أدراجها فقد يأتي ما يفترسها من طيور مماثلة لها لكنَّه أكثر شراسة، أو يأتيها المكر من حيوان في صورة إنسان أو غير ذلك فلربما تموت بانكسارها.

           ما أشرس هذه الحياة! وما أقبح إنسها! فقدوا معاني الرحمة تدريجيا، قد كان هناك مِن قبل مَن تتمثل الرحمة والإنسانية في خطواتهم وأفعالهم، كان الرقي والذوق ينطق من أعينهم.. وماذا حدث؟! لا يدري أحد!

              إننا الآن مجرد كائنات تتنفس وتسرع في انتظار مصائرها المجهولة، تشتكي النساء من عدم وجود الأمن في الشوارع حيث الخطف والاغتصاب، ويصرخ الأطفال ذعرا من سرقة أعضائهم البريئة، إن هذه الصور وأكثر أصبحت مغموسة في نفوسنا، فكم من النفوس أصبحت مرتعا للغش والنفاق والكذب والخداع واللهفة لمجرد مصالحهم، كم من النفوس تحيا بين جدران البؤس والشقاء!

         وفي عبث تسير خطانا، وسنظل هكذا فمنذ افتقدنا الذوق والرقي والحنو والعطف والمشاركة ومنذ افتقدنا الحب في حياتنا، ومنذ افتقدنا السعادة الحقيقية، ومنذ ودَّعنا الكثير من المعاني التي لا نراها الآن إلا في ذكرياتنا القديمة وفقط نبتسم ونقول: "آهٍ .. أيام"!

                 قد يقول لي البعض: ماذا تقول؟! فنحن نضحك نعيش، والأطفال يمرحون كعادتهم، والأحبة في كل مكان ولا يزال الفن حيا في أذواق الناس!

              وأقول لهم: أعزائي؛ أنتم موهومون وتخدعون أنفسكم بل وتصدقون كذبكم وخداعكم، إن ما نشكو منه الآن شيء مرير جدا، فكل شيء من حولنا مجرد شكليات؛ فالضجك والسعادة والحب والحنو والعطف وحتى البكاء ما هي إلا مجرد مناظر تتمثلها بعض الوجوه التي تصادفنا في هذه الحياة لتصل إلى ما تريد من وراء ذلك، الكل يتظاهر ويتمثل أشخاصا مزيفة حتى فُرِّغَت القيم الجميلة من معانيها العميقة ولم تعد إلا عبثا.

            الغريب في الموضوع أنَّ الجميع مقتنع بذلك ويعيش بهذه الفكرة دون أن يسأل نفسه: لماذا نخدع أنفسنا بهذا الشكل؟! لماذا لا أثور وأعيش بحقيقتي البسيطة مهما كانت صادمة، لم لا أشعر وأحس هذه الأحاسيس المختلفة التي خلقها الله في نفوسنا وميزنا بها عن سائر المخلوقات بل لا أبالغ إن قلت إن بعض الحيوانات نرى فيها هذه الصفات واضحة حقيقية معبرة عما نراه فيمن حولنا من أشباه البشر الذين نتعايش معهم!

            لست ملاكا، وبالتأكيد أنني واحد من هؤلاء البشر الذين أتحدث عنهم، لكن تقلب الوجوه والدبلوماسية لم تعد بين السياسيين وحسب، وإنما صارت حتى بين أقرب الناس وبعضهم، فلم تعد قواعد الدين تهز الكثير من الناس وتبعدهم عن هذه الحياة المزيفة التي يعيشونها، ولا ما يمثله كل مجتمع من آداب وقيم وموروثات؛ فكل ذي قيمة صار خيالا عابرا أو شيئا يدهسه الأطفال والشباب غير المدرك لما يفعل.

          كثيرا ما أحس وأنا أسير في الشوارع وأحادث الناس أننا مجرد تماثيل نتحرك بل ونتعانق ونضحك ونتصافح وننظر ونأكل ونفعل كل شيء دون أن نتخلى عن حقيقة أننا تماثيل!

           أصبحنا بحاجة إلى أن نسترد أغلى ما في الوجود "أرواحنا"؛ فتلك الروح التي خلقها الواحد الأحد وأبدعها وجعلها سرًّا خفيا لكنه يفيض إحساسا وشعورا ونبلا وإنسانية وذوقًا ورقيًّا وحبًّا.. أصبحنا بحاجة شديدة إلى أن نوقظ أرواحنا نغذيها بالإيمان ونرفع من نبضاتها بالحب، ونجعلها طاهرة نقية بصدق المشاعر .. فما أعظم نعمتك التي نتغافل عنها يا ألله! فاللهم أيقظ أرواحنا واجعلها نقية بفطرتها كي تنقذنا من هذا العبث التي يسيطر على كل جنبات الحياة! 

    *أحبُّ الاستماع إلى آرائكم قرائي الأعزاء على البريد الإلكتروني الخاص بي وعلى صفحتي على الفيس بوك بنفس العنوان :

    a_ha3im@yahoo.com                                                             

    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: أحمد النقاش يكتب عن : عبثٌ Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top