يعد نص الشاعر( يحي السماوي ) (هبوط اينانا ) توليفة شعرية يتداخل فيها الأسطوري والواقعي وايهام المعاني وتورياته ، انها فذلكة شاعر محترف يحيل القوافي نثرا ويحيل النثر عمودا مقفى .
انها لعبة شكلية في الدلالتين المبنى والمعنى والدال والمدلول .
الشاعر يصب خبرته واحترافه في هذا النص والذي يعد حالة عشق ونفحات روحية تسطر لوحات ذاكراتية للمكان والناس .
لقد وظف الشاعر ( السماوي ) نصوصا دينية وحكايات أسطورية عدة منها : ( النص الديني وقصص الخلق السومرية والبابلية ) ، لم يلتزم الشاعر بشكل شعري محدد فلا يمكن لهذا النص أن تقاربه شكلا كقصيدة عمودية أو شعر حرة أو نص نثري ، القارئ يكتشف هناك بحورا شعرية تناثرت بين اشطر القصيدة وقواف تعددت .
لقد هبط الحب والجمال والعشق في عمق روحه هذا الحب السماوي للسماوة وناسها :
(فـإذا بـبـاديـةِ الـسـمـاوةِ واحـةٌ ..
والـنـهـرُ طُـرِّزَ بـالـزوارقٍ ..
والـضـفـافِ تـفـيـضُ بـالــنَّـسَــمِ الـعـلـيـلْ )
انها ليست لحظات اكتشاف فليس المراد منها الهبوط لتسجيل حالة ما بقدر ما هو تعبير عن الاحتفاء والامتنان لناسه فيفصح خطابا مفاده / ان المدن الأصيلة في فيافيها ونخيلها وفراتها لن تنسى عشاقها ، فاعتلى قلوبهم عرشا أبديا دلالة على الحب لهم وحبهم اليه .
(لـلـهِ مـا لـلـهِ
لـكـنْ
مـا لــقــيـصـرَ مـن عــروشٍ لـيْ ..
ولـلـعـشـقِ الـولايـةُ ..
نِـعـمَ دِيـنـاً عـشـقُ " إيـنـانـا "
وأكـرِمْ بـالـخـلـيـلـةِ والـخـلـيـلْ )
السماوي اِصطحب رفيقه ( قاسم ) كي يكون رفيقا له في بحثه عن سرّ جمال مدينته ، ليكون أنيسا له وأنكيدو آخر ليشاطره عشقه لناسها وأمكنتها ولعذب فراتها .
قاسم هو الشاهد والرفيق في رحلة الهبوط ورحلة الخلود في ذاكرة محبي ( يحي السماوي ) :
(وحـدي " وقـاسـمُ " كـنـتُ فـي " قـصـر الـغـديـرِ "
مُـهَـرْوِلَـيـنِ وراءَ قـافـيـةٍ
ونُـطـنِـبُ فـي الـحـديـثِ عـن الـبـلاغـةِ والـبـيـانٍ
وسِــرِّ عَـجْـزِ الــنـهــرِ
عـن إرواءِ مـتـبـولٍ تـأبَّـدَهُ الـغـلـيـلْ )
الشارع الذي كني باِسم الشاعر يعبر عن اِعلان حالة الحب الأزلي من المدينة لمبدعيها الخلص من شعراء وأدباء وعلماء ، شارع بات مقدسا ويكتسب قدسيته لمجاورته الفرات هذا النهر المخلد في كل النصوص الدينية وهو من أنهار الله الخالدة :
(هَـبَـطـتْ إلـيَّ إلـهـةُ الـعـشّـاقِ " إيـنـانـا "
فـأشــمَــسَــتِ الـطــريــقَ الـى مـضـاربِ " عــروة بـن الـوردِ "
وابْـتـكـرَتْ لإسـرائـي " بُـراقـاً " فـالـسـمـاءُ قـريـبـةٌ مـنـي ..
وكـنـتُ أُقـيـمُ فـي " قـصـرِ الـغـديـرِ " أمـام جُـرفِ الــنـهــر
في أرضِ الـسـمـاوةِ
يـومَ حَـطَّ عـلـى سـريـري هـدهـدُ الـبـشـرى بـأوَّلِ زخَّـةٍ عـذراءَ
مـن مـطـرِ الـهـديـلْ ).
ما بين رحلة ( السماوي ) وهبوطة ثمة قصة اسراء ثانية هذه الاسراء كونت جنات بساتين السماوة واصلاتها وسفرها الخالد لأنها اتسقت تاريخيا كوليدة أول حضارة على أرضنا المعمورة ( مدينة اوروك ) وملكها ( أور نمو ) ومبعث الحضارة السومرية وهنا في هذه المملكة خُط أول حرف عرفه البشر ورُسم بأصابع مرواح فلاح سماوي سومري وختم بشفاه ( اينانا ) .
هذا النص في معانيه وخطبه يجسد أغنية عشق مغايرة للمألوف الشعري المعتاد والسائد لكونه يبتعد عن الغنائية .
ربما هو يقترب من جنس عرفه السومريون والبابليون والعراقيون القدامى جنس أدبي يوظف لكتابة السيّر والأسفار يخط عادة على رقم وألواح طينية ، تشي حروف هذا النص وكأنها عطر عنبر وريح غرين ، وتأخذك نشوة العنبر وكأنك جالس في قصر الاِلهة ( اينانا ) لتستمع بعزف القيثارة السومرية وولدان سومريين وآمورين وفينيقيين يسقونك من نبيذه وخمرة الرطب بكؤوس الفضة المهداة من ( بلقيس ملكة سبأ ) فثمل الشاعر ونسى فجره وأصيله فلعن الهدهد الذي توسد دوارق النبيذ :
(فـثـمِـلـتُ مـن خـدَرٍ
فـمـا أدري أكـان الـوقـتُ صُـبـحـاً أمْ أصـيـلْ ؟
هام الشاعر في تيهه وعشقه فتاه المتلقي معه بين كأس خمر وخصر ( اينانا ) وبريق أقراطها وحليّها ، وأختلط الأمر علينا بين ( السماوة ) مدينة عشقه و بين فيض نصه بجماليات رمزية وأيقونات حب ووله :
(تـحـتـالُ " إيـنـانـا " عـلـى قـلـقـي
فـتُـشْـغِـلـنـي بـرشـفِ نـدى زهـورِ الـلـوزِ
والـسـفـرِ الـطـويـلْ :
مـا بـيـن فِـضَّـةِ قُـبَّـتـيـنِ وتِـبْـرِ مـهـبـطِ قـرطِـهــا
وقــرنـفــلِ الـشــفــتــيــنِ
والـدفءِ الـمُـشِـعِّ لـذاذةً مـن مُـقـلـةِ الـخـصـرِ الـنـحـيـلْ
)
0 comments:
إرسال تعليق