كتب: محمد حسن
مسرح المواجهة
في الشرق الأوسط كان محظوظا، حيث يشهد أعتى مواجهة استخباراتية "مباشرة"،
وعسكرية "باردة" بين مصر وتركيا.. بدأت منذ يناير 2011 ومازالت تستمر حتي
اللحظة..
لماذا كان مسرح
المواجهة في الشرق الأوسط محظوظاً بهذه المواجهة؟
لانها بين قوتين
متناقضتين.. فمصر قوة "برمائية" تجيد تحريك الفيالق العسكرية الجرارة في
الصحاري، وتجيد عبور القنوات والأنهار وتحريك الأساطيل البحرية في أعالي البحار، كما
أنها قوة حضارية لها شخصية محددة.. أكرر شخصية محددة لها ثوابت للأمن القومي والسياسة
كذلك. علاوة على أن مصر تدعم، بل تتبني مشروع الدولة الوطنية في المنطقة.
أما تركيا فهي
قوة "برمائية" على مقياس الجغرافيا، إنما على مقياس العسكرية فهي قوة بحرية،
تجيد تسيير السفن، وتعجز عن تحريك جيشها النظامي البري في مناطق شمالي سوريا والعراق
وغرب ليبيا، وتستعين بتشكيلة واسعة من التنظيمات الارهابية لتنفيذ العمليات البرية.
كما أنه ليس لتركيا أي شخصية محددة، فهي إسلامية حين تتحدث للعالم الاسلامي وعلمانية
حين تتحدث مع أوروبا.. وهي استعلائية حين تتحدث مع العرب، وتدعي بغباء الوجاهة الأوروبية
على الرغم من أن الأصول الجينية - العرقية لهضبة الاناضول تمتد للقبائل الرعوية التي
استوطنت سهول اسيا الوسطي.. فتركيا اقرب للمغول وجنيكيز خان، من اللوردات والبارونات..
إذن نحن أمام صراع
قوتين متناقضتين، مصر قوة حضارية لها مجتمع استخباراتي يتعامل بميراث آلاف السنين ويتشبك
مع أعتي الأجهزة في العالم دفعة واحدة.. وتركيا قوة ليس لها أي جذر حضاري، ولها مجتمع
استخبارات يتعامل بأسلوب "المافيا" ويعتبر شريكاً لمشروع أجهزة استخباراتية
أخري "عالمية".. بداية من العلاقات الاستراتيجية مع التنظيمات الارهابية
وصولاً لشبكات الجريمة المنظمة من شرق أوروبا حتي الساحل والصحراء، فلك أن تعلم، تركيا
كانت المعبر الرئيسي لحوالي 30 ألف إرهابي أجنبي دخل الاراضي السورية للالتحاق بداعش
والنصرة، وهذا الأمر تم عياناً بياناً تحت إشراف الاستخبارات التركية..
ولهذا، فإن التصادم
بين القوتين، حتما سيُسفِر عن نظام إقليمي جديد، له نتيجتين محتملتين:
1- النتيجة الأولي: لمشروع الهندسة الطائفية نتيجة
لوجود مشاريع توسعية عقائدية: مشروع توسعي للاسلام السياسي بنسختيه السنية (تركيا)
والشيعية (إيران) ومشروع عقائدي اسرائيلي (قومي يهودي).
2- النتيجة الثانية:
نسف مخططات الهندسة الطائفية في المنطقة، وصعود لمشروع الدولة الوطنية التي تقوده مصر
من الألف للياء.
إذن.. كيف كانت
نتيجة التصادم العنيف بين مصر وتركيا؟
كي تفهم النتيجة،
يجب أن تقف أمام 3 وقائع:
الأولي: في يونيو
2020 حينما أعلن الرئيس السيسي خط سرت الجفرة خط أحمر للأمن القومي المصري. وهنا أوقفت
تركيا هجومها على وسط ليبيا واحترمت الخط الاحمر المصري، لانها تدرك بشكل كامل قدرة
الجيش المصري على تمريغ انوف الاغاوات في صحراء ليبيا.. بالمناسبة تركيا لا تحترم الخطوط
الحمراء لقبرص واليونان براً وبحراً.. ملحوظة: اردوغان تعهد بمواصلة الهجوم في تركيا
باتجاه سرت الجفرة، وبعد إعلان الرئيس السيسي "سرت الجفرة" خط، أحمر، تراجعت
تركيا حتي طرابلس..
الثانية: قصف طيران
مجهول لقاعدة الوطية غرب ليبيا وتدمير بطاريات الدفاع الجوي التركية.. والأخطر أن القصف
تم بالتزامن مع زيارة وزير الدفاع التركي ورئيس اركانه لقاعدة الوطية.. هنا كانت (الصفعة)..
الثالثة: تأسيس
مصر لمنتدي غاز شرق المتوسط وحصوله على الاعتماد الامريكي والأوروبي.. تركيا كانت تريد
ان تكون عقدة الغاز في المنطقة بعد تدمير سوريا..
هذه الوقائع الثلاثة،
أثبتت لصانع القرار التركي أنه يتعامل مع قوة
مصرية فاقت التوقعات.. ملحوظة: تركيا كانت تنظر لمصر في البداية كأنها دولة "عربية"
ضعيفة استخباراتياً، فإذا بها تواجه فيالق من الأسود والذئاب والبوم، التي طوقت اسطنبول
وأنقرة ونجحت في "تسجيد" تركيا في ليبيا.. وتباعاً بدأ مشروع الدولة الوطنية
يُبصر النور، طورت مصر علاقات مع الاردن والعراق، وهدأت قليلاً وتيرة "الطحن"
الطائفي في المنطقة..
المحصلة: انتصار
مصري ساحق، في شرق المتوسط، تحجيم تركيا في جيب صغير لا تخرج عنه في طرابلس.. ونسف
مخططات تركيا للتواجد العسكري في جزيرة سواكن في السودان، وحصر تواجدها البحري الاستراتيجي
على تخوم بحر العرب، قبالة الصومال، وفي الدوحة قبالة الخليج.
ركز معي في الاتي:
- اردوغان: لن
أقابل السيسي - فبراير 2019
- اردوغان: لن
أتصالح مع السيسي - مارس 2019
- اردوغان: اجراء
محادثات استخباراتية مع مصر أمر مختلف والحوار بين الجانبين أمر ممكن - سبتمبر
2020
- اردوغان: تركيا
ستعزز الحوار مع مصر لتطبيع العلاقات - مايو 2021
- وفد من الخارجية
التركية يصل القاهرة لبحث تطبيع العلاقات.. لاحظ المبادرة بدأت من تركيا..
التغيير ده سببه
زيادة القوة المصرية.. تركيا أدركت مفيش مفر غير انها تحترم مصر وتقبل وجودها كقوة
إقليمية.. حاولوا في ليبيا فشلوا.. حاولوا في سيناء فشلوا.. حاولوا في السودان فشلوا..
حاولوا في شرق المتوسط اتهانوا..
طيب ده معناه ايه
في مصفوفة القوي؟
ده معناه تراجع
حتمي لمحور قطر وتركيا..المحور ده لا يتراجع الا لو شايف انه مصر بترد الصاع صاعين.. و ده معناه برضه تخفيف الارتباط بين محور
"قطر - تركيا" وجماعة الاخوان الارهابية.. و ده بيخلي جماعة الاخوان الارهابية
ترجع لسيدها الأصلي.. عاصمة الضباب .. لندن.. الملاذ الأخير للجماعة.. وبيخلي جزء من
الجماعة الارهابية يرجع لإيران كذلك لان بين ايران والجماعة الارهابية تحالف سياسي
استتر بالعقيدة.. أو تحالف عقائدي استتر بالسياسة..
الصورة اللي انت
شايفها دي قايمة على صفعات مصرية لتركيا، أدت لتغيير في المقاربة التركية للتعامل مع
مصر، وتباعاً بيحصل تغيير في مصفوفة القوي الاقليمية.. وخاصة بعدما استشعرت تركيا حجم
الخطر الإيراني عليها في العراق وسوريا وجنوب القوقاز وعزلتها المتنامية في شرق المتوسط
والمنطقة العربية..
الصورة لا تضمن
صفحة جديدة، أو شراكة حقيقية، أو تقارب جاد.. بقدر ما تضمن، إبراز حقيقة مفادها:
"كل القوي اللي رفضت مصر كدولة وطنية ذات سيادة بعد ثورة 30 يونيو، أصبحت الآن
بتحترمها وبتهاب نفوذها، بايدن.. ثم بيلوسي..
وتميم .. واردوغان.. وقادة أوروبا..ولا ننسي الشخص القابع في تل ابيب الان.. كل شخص
منهم خد موقف عدائي تجاه مصر، رجع لها صاغر..
الشئ الأكثر بؤساً
في هذا التطور، هم الجماعة الارهابية... كل راعي اقليمي تخلي عنها صاغراً.. تفرقوا
في بقاع الارض كالشتات اليهودي.. لم تقم لهم قائمة.. حقاً هم كالأنعام بل أضل سبيلاً..
0 comments:
إرسال تعليق