من المسطور تاريخيا أن الشعر قرين الوطن، وهو صنو
كل مجتمع في كل عصر ومصر: كان سلاح القبيلة ووقودها ومشعلها في الجاهلية، ثم صار لسان
الإسلام والمسلمين وسنانهم في العهد النبوي الشريف، والزمن الراشدي المنيف، ثم صار
ملازم نظام الخلافة عند الأمويبن والعباسيين وغيرهم.
ولا أدل على تلك الصلة الوجودية بين الإبداع الأدبي
وكل نظام قائم، من صلة إمبراطور الشعر العربي (المتنبي) بالحاكم المظفر سيف الدولة
الحمداني، ومن اعتماد الناصر صلاح الدين الأيوبي على القاضي الفاضل والعماد الاصفهاني،
وصلة أحمد شوقي أمير الشعراء بالبلاط الخديوي في بدايات مصرنا في العصر الحديث، ولسان
هؤلاء الشعراء جميعا قول ابن الرومي:
ولي وطن آليت ألا أبيـــعه وألا أرى غيرى له الدهر مالكا
وقول أمير الشعراء:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
ولكن بدأت هذه الصلة الإيجابية الحتمية تقل شيئا
فشيئا ، حتى إنها لتكاد تنعدم الآن، وذلك راجع إلى الشللية الثقافية المهيمنة أو انعزالية
الشاعر وانزوائيته !
وخلال متابعتي الحركة الشعرية المعاصرة
في تفاعلها مع أحداث وطننا ومجرياته، أكاد
أفتقد هذا الحس الوطني العملي المخلص الحار من قبل كثير من الشعراء، فبعضهم صار تاريخي
الإبداع، وبعضهم اكتفى بالرمزية والسريالية وأحيانا العبثية، وبعضهم قصر بضاعته الشعرية
على ما يتاجر به أو يغازل به أو يتنمر به، وبعضهم جبن عن الوقوف وقفة فاعلة في هذه
المجريات الفاتنة والخادعة والمؤذية! وثلة طيبة من الشعراء هي تلك التي تستثمر فنها
في تنوير الجماهير وتعبئتها نحو الخير العام والنفع الشامل، وتنفيرها من النزعات الأنانية
والنزغات المقلقة والمفرقة!
ولا أكاد أقف مع تجربة وطنية فاعلة ساحرة
آسرة كتجربة الحبيب الأزهري الأكاديمي الدكتور ( علاء السيد أحمد جانب) في تفاعله مع
جماهير وطننا المبارك في كثير من المحافل والمؤتمرات، وفي تفاعل شباب الوطن معه، إذ
أجدني أكاد أقر بوظيفة تنويرية مهمة ضرورية لشعره الوطني، يجب استثمارها في آننا هذا،
لا سيما حين تكون من قامة جاذبة وساحرة ذات كاريزما خاصة وقبول فاعل كالأستاذ (الدكتور علاء جانب)،
شاعر الأزهر، وأمير الشعراء، ذلك السهم الجنوبي السوهاجي المثير بفنه إبداعا وإلقاء،
والمنير بعقله الأزهري الوسطي الصريح الصادق الجريء!
إن أمير الشعراء( علاء جانب) يغرس بشعره
في نفوسنا حب مصر والفخر بها، والرضا بما فيها؛ وليس هذا فقط، ولكنه يجعلنا في يقين
تام بعظمتها وصمودها وخلودها، ويوقفنا على أعدائنا وأكاذيبهم وتلبيساتهم، وتناقضاتهم،
ويعرفنا بحاضرها وماضيها ويبشرنا بمستقبلها بطريقة تخييلية جاذبة وساحرة، فنعرف خيرها
ونعرف فضلها ونعرف حقها، فنكون على أهبة الاستعداد للدفاع عنها وفدائها بأغلى ما نملك!
علينا أن نبحث عن كل (علاء جانب) في ربوع
وطننا، وأن نعطيهم الصدارة، وأن نوظف شخصياتهم وأشعارهم وفنونهم في خطاب جماهير الوطن،
لا سيما طبقة الشباب منهم! بدل أن تقتصر الساحة الإعلامية على هؤلاء المتصدرين المكروهين
من طبقة كبيرة من الشعب، بسبب أنهم مستفزون بلغتهم الفجة ولسانهم العدائي المقيت، وعقلهم
العشوائي المفرق! مما يستدعي ويستوجب تجديد الخطاب الإعلامي الوطني الرسمي والخاص،
في أفراده وشكله ومضمونه.
وإن كان من أنموذج شعري دال على ذلك من
أشعار أمير الشعراء، فدونك رائعته( لأنك مصر) وهي من الشعر الوطني الوافري، الخاص بحادث
العبور العظيم، وبتعبير النقاد: من الإبداع الأكتوبري أو بلغة أهل الشام من الأدب التشريني،
يقول في مطلعها:
لأنك مصرُ..
ينتفض الكلام..
فتعلو هامةٌ.. وتخرُّ هامُ..
وتسكتُ كلّ ناطقة بفخر..
لأن لسانك الأعلى حُسامُ
إذا التاريخ قال ..فكل رأس
مطأطئة وكلُّ فمٍ لجامُ
وحسبك من بنى الأهرام جداً…
وتاريخ الزمان له غلامُ..
وأن الأرض دونك محض :"أرضٍ"
وأنتِ على اسمها ألفٌ ولامُ
فهذه مقدمة دالة على مكانة تاريخية سامقة
ومنزلة حضارية باسقة لمصرنا. وأعتقد أن هذا المقطع التقديمي من هذه القصيدة بصوت علاء
جانب وإلقائه يقنع كل متلق بقيمة الوطن وعظمته الخالدة والمستمرة كل وقت وحين: ماضيا
وحاضرا ومستقبلا إن شاء الله. وقد رأيت بعيني أثر هذا المقطع وهذه القصيدة في نفوس
الناس عامة والشباب خاصة! عندما يلقيها سمو
الأمير في محافل كثيرة، وأقترح تسجيله فيديوهيا
بطريقة فنية سينمائية عالية، وبثه على أكبر قطاع وبكل وسيلة ممكنة.
وتبرز هذه المكانة لوطننا المحروس عند ربطها بجيشنا القوي، يقول أمير الشعراء:
وحسبك أن جيشك حين يُبلى
على لهبٍ يسومُ ولا يُسامُ
دمٌ حرٌ .. وأفئدةٌ جبالٌ
على ضيمِ الهزيمة لا تنامُ
وزندٌ في المعارك من حديد
وصوتٌ
لا يطاقُ له خصام ..
0 comments:
إرسال تعليق