• اخر الاخبار

    الجمعة، 8 يناير 2021

    عرض وتحليل لــ #الحمارخانة لـ د.أحمد قنديس ..غواية الأشكال الأدبية المختلفة في عمل يبكيك ويضحكك في آن واحد.. بقلم: الشاعرة شريفة السيد



    أسميها مسرحية، بعد أن حيَّرني جنسها الأدبي.. فهي تجمع بين القص والسرد والشعر المنبري الجماهيري والدراما التليفزيونية وشكل من أشكال المسرح، وإن لم تتوفر أدواته .
    فالمكان واحد (داخل العربخانة)، والأبطال لا يغيرون الملابس والديكور كذلك،
    إذن هو شكل أقرب للمسرح.. فلنتفق على أنها مسرحية.
    ..
    الحمارخانة " ملهاة مبكية ومأساة مضحكة .. كوميديا حزينة لا تدرى معها إن كنت تبكي على نفسك أم على الآخرين....
    الشكل العام للعمل :
    * لم تقع هذه المسرحية في أسر التقليد أو السطحية رغم المباشرة..
    * ‏وهى قص غير تقليدي، يكسر أساليب الحكي المعتاد، خارج وداخل العربخانة.
    * جعل المؤلف أبطاله كلهم من الحمير ومسرحهم/ العربخانة، ويقرر صاحبها (المعلم حُكشة) أن يحولها إلى مضيفة/مبيت لحمير المنطقة، بعد أن باع حِمارَيْهِ ِالصغير والكبير، حين وصل سن التقاعد من مهنته/جمع القمامة.
    * هذا الشكل يتماس مع بعض القصص التراثية (كليلة ودمنة) مثلاً ومؤلفها بيدبا الفيلسوف الذي استنطق الحيوانات في كليلة ودمنة،
    * ‏ولكن الكاتب هنا استنطق نوعًا واحدًا من الحيوانات وهو الحمير، وجعلهم أصحاب موقف من بني البشر وتصرفاتهم وسلوكياتهم،
    * ‏ وبلا مقدمات شرَّف المبيت هذا خمسة حمير/الأبطال..
    ‏===========
    * وأعطى الكاتب لكل واحد منهم ثفة ولقب بحسب وظيفته:
    * ‏
    فالأول (قدرة) يجر عربة الفول
    والثانى (خميرة) يجر عربة الخبز
    والثالث (زغلول) يجر عربة الفاكهة
    والرابع (زبلول) يجر عربة القمامة
    والخامس (زجلول) يجر عربة مياه الصرف الصحي.
    * وجعل الكاتب (زجلول) شاعرًا زجالاً.. يعبّر شعرًا وجعله هو الذي يختار أسماء بقية الحمير، بدلا من الأرقام التى اقترحها أحدهم . ووافق الجميع على ذلك. للدلالة على أن كلمة المثقف أو الشاعر مسموعة في عالم الحمير وإن كانت غير كذلك في عالم البشر.
    * تبدأ الليلة الأولى بينهم بالتعارف.
    * وفي الليلة الثانية بعد العودة من العمل بدأوا يرفهون عن أنفسهم بالنكت،
    * ‏ولكنهم بعد ذلك وفي الليالي التالية امتنعوا عن إطلاق النكات لأن هموما اجتماعية وسياسية واقتصادية ات حساسية تعتمل في أذهانهم وتؤرق حياتهم، وتفرض نفسها بقوة.
    القضايا التي يناقشها الحمير:
    =====================
    *وقد قرروا منذ البداية أن ( البني آدمين دول مخهم على قدهم ) بدليل تصرفاتهم بداية من:
    إلقاء فضلات الطعام في حديقة الحيوان، وفي الشوارع مثيرًا لقضية تلوث البيئة وأسبابها وحرق القش والقمامة والكاوتش الخ
    * ثم حوار حول قضية الخبز المكسر أو (المعفن)، الذي يشتريه التجار لبيعه لمزارع الدواجن ومزارع الأسماك أو كخميرة للطعمية.
    *والقضية الأخطر والتي لها علاقة بالهوية العربية والانتماء القومي : قضية تدهور اللغة العربية على ألسنة بني البشر بسبب تداول اللغات الأخرى بينهم، مثل السيارات التي تحمل أرقامًا أجنبية وإطلاق الأسماء الأجنبية على المنتجعات والمحال التجارية وبكلمات ركيكة وبشكل يشوه لغتنا العربية.. فيقول أحد الحمير:
    ‏_( أرأيتم لغة في العالم تهان وتمتهن كرامة رموزها على ألسنة ناطقيها وعبر الوسائل الإعلامية الرسمية بمثل هذه الدرجة... )
    * ومنها إلى قضية ارتفاع الأسعار وقضية جنون البقر، التي أدت إلى إفتاء بأكل لحم الحمير؛ لأنه مفيد لمرضى القلب والسكر والروماتيزم، وكذلك شائعة عصير البرسيم وغضب الحمير لأن بني آدم سيشاركهم في غذائهم البرسيم رغم تمتعه بأغذية كثيرة.
    * ويناقش أيضا سلبيات المجتمع المصري بشكل لاذع جدا مثل: رصف الشوارع أكثر من مرة في فترة قصيرة، مما يثير قلق المشاه اصافة لخسائر ميزانية الدولة وأموال تنفق في غير مسارها الصحيح، وكذلك قضية هدد جراج العتبة.
    ...
    تعدد أساليب السرد
    ==============
    * السخرية والتهكم
    =============== كأسلوب أساسي.. وغالبًا ما يعرض الكاتب سلبيات وقضايا المجتمع في قالب شعري ساخر أيضًا على لسان زجلول فيقول مثلاً:
    اللي معاه قرش محيره ،، يشترى حمام ويطيـــره
    واللي معاه ألف محيره ،، يبني الرصيف ويكسره
    واللي معاه كذا مليون ،، بعد ما يبني يغيــــــــره
    وغضبي
    (وغضبي) هي البديل المناسب لكلمة (عجبي) بعد كل رباعية أو خماسية أو سداسية أتت عليها القصائد الزجلية.
    الأسلوب الصحفي
    ==============
    * حيث يقدم إحصائيات دقيقة على طريقة الأخبار الصحفية، التي غالبًا ما تتكئ على البحوث العلمية خاصة في جرائد المعارضة، كأدلة وبراهين على فشل السياسات الاقتصادية، فيقول مثلا على لسان أحد الحمير:
    (تصور 25 % من المساحة المحصولية في مصر بتتزرع برسيم، يعني ربع مساحة الزراعة، يعني 3 مليون فدان برسيم... وموش مكفية، علشان كدة ساعات بناكل قمح لأن الخبز أرخص من البرسيم)
    * وينتقل من هذه القضية إلى قضية (استيراد القمح من بره) فيقول:
    (السنة اللي فاتت استهلكوا حداشر مليون طن قمح منها أربعة مليون مستوردة وبعد عشرين سنة هتبقى ثمانية مليون؟؟ موت يا حمار على ما يجيلك القمح.. علشان يبطلوا تجريف الأرض، بدل ما يزودوا الثروة الحيوانية أو يطوروا عمليات صيد السمك ؟)
    التكثيف رغم كثرة الموضوعات
    ======================
    وهكذا نجد أنه في حوار قصير جدًا كالذي سبق يناقش قضايا متعددة (المحصول, البرسيم, القمح, استيراده, تجريف الأرض، بالإضافة لتطوير الثروة الحيوانية والثروة السمكية.... الخ) ومنها ينطلق إلى قضايا الغش التجاري التي سادت في الآونة الأخيرة مثل قضية (جزَّار الجيزة) الذي كان يقدم للناس لحم الحمير في صورة كباب وكفتة – مدهش – ويتضح في الزنزانة أن أحد زبائنه كان يأكل من عنده منذ عشرين عاما فيردد بأسى شديد:
    ‏ (يا راجل حرام عليك دا أنا زماني أكلت جحشين تلاتة).
    * وفي تهكم بديع يحمد الحمير ربنا سبحانه وتعالى على أنهم حمير، وليسوا من بني البشر؛ لأن هناك شعوبًَا يتم طردها من أوطانها، وتشريدها واغتصاب نسائها وتيتيم أطفالها، كما أن هناك أقليات لا تستطيع أن تصنع لنفسها وطنـًا من الأساس.. فيما يتفرج العالم كله دون أن يحرك ساكنا.. غير الشجب والإدانة والاستنكار وكأنه – أي المؤلف- يحاول أن يستثير غضب العروبة لاتخاذ موقف مشرِّف تجاه الشعوب المنكوبة والعروبة المحتلة، ويتجلى ذلك بوضوح في قصيدة: (مِية مسا .. مِية مسا ..... القاعدة حلوة ومؤنسة) التي يقول في ختامها:
    فضوها سيرة يا عـــرب . . وبلاش كلام ومنظرة
    لموا الورق حارجع ورا . . بكفــاية ذل ومسخرة
    وبلاد كتير متنـــــــأورة . . ع اللي جرى.... الخ
    فكرة الليالي الشهرزادية
    ==================
    * وتتعدد أساليب الحكي عند د. أحمد قنديس فيستخدم الحوار والسرد والشعر باللهجة العامية، بالإضافة إلى تقسيم العمل ككل إلى مجموعة من الليالي التي تشبه ليالي شهرزاد وشهريار، حيث يحاكي في الحمارخانة ذلك الأداء التكنيكي الشهير الذي نعرفه جميعًا والذي يبدأ بجملة (( ولما كانت الليلة الــ كذا... بعد الألف... )) ويستبدلها بجملة: (ولما كانت الليلة التالية من ليالي الحمار خانة) والذي ينتهي بجملة ((وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح)) فيستبدلها بجملة: (وهنا أدرك زجلول النهيق فأنشد بصوت غير رقيق) والتي تتغير من ليلة الى ليلة حسب الحالة المزاجية للمتحدث سواء كان زجلول أو قِدرة أو غيرهما...
    الإعلان عن أعماله كمؤلف:
    ====================
    * أسلوب آخر يشير فيه بطريقة سريعة إلى مجموعة قصصية له كمؤلف لم تصدر بعد،
    وكأن مسرحه تحول إلى مساحة للإعلان عن مجموعته القصصية، عندما يحكي أحد الحمير قصة قسوة معاملة الناس للحمير؛ فيسأله زميله (اتنشر فين الخبر ده في أي جريدة؟ فيقول له: لا .. دى قصة من مجموعة قصص للمؤلف كاتب الحمار خانة.! فيعلق الحمار المتحدث بقوله: (حبيبنا الدكتور ....) فيرد عليه: (وحبيبي أنا كمان)
    فيدخل الكاتب في نسيج عمله المسرحي، وكأنه حدث ضمن الأحداث المحكية فيه،
    فهو لا يكتفي بكونه مؤلف محبوب بين الكتاب، وإنما يصبح شخصية محبوبة لدى عالم الحمير يكتب عنهم ويشفق عليهم ويسخر ممن يعاملهم بقسوة ويعلن عن أعماله القادمة من أجلهم، ليصنع من نفسه بطلاً ضمن أبطال العمل المسرحي مشيرًا إلى ضرورة تفعيل دور جمعية الرفق بالحيوان.
    * ويرتفع الخط البيانى من أجل إحساس الحمير بجمال عالمهم وروعته، عندما ينفي وجود حالات اغتصاب من أي نوع في عالم الحمير؛ يقول:
    _ (عمرك سمعت إن حِمار اغتصب حِمارة؟ لا _ عمرك سمعت إن حِمار أخد رشوة من حِمار تاني؟ أبدًا.
    _ عمرك سمعت إن حِمارة اتفقت مع حِمار عشيقها على دس السم في برسيم الحِمار جوزها، أو خلعته علشان يخلا لهم الجو.؟)
    بينما تتزايد هذه الحالات بين بني البشر، وكذلك التي تدس السم لزوجها في الطعام أو التي خلعته لكي يخلو لها الجو.... الخ في مقارنات شديدة بين عالم الحمير وعالم البشر بسلبياته الكثيرة
    فيستعرض خيانات أكبر وأكبر في عالم البشر ومنها خيانة البلد والوطن والدين والجاسوسية والسرقات الكبرى والقروض والاغتيالات السياسية ويتعرض للفرق بين مصطلحي الاستعمار والاستحمار .
    * ويتصاعد الخط البيانى أكثر وأكثر إلى القضايا العالمية والمطرب المخنث المتهم باغتصاب الأطفال والعولمة ومصائبها وطغيان التدخل الأجنبي في شئون البلاد والهامبورجر والكنتاكي والجينز وادعاءات مفاوضات السلام والنظام العالمي الجديد... الخ
    *
    وفجأة يعود بنا إلى قضايا المجتمع والفساد الاجتماعي (سقوط طائرات, غرق سفن بالحجاج, حوادث قطار الصعيد, السحور الراقص في رمضان, أزمة المرور والزحام الشديد في شارع صلاح سالم وشارع القصر العيني والجيزة، أزمة السيولة، وصفر المونديال ومشكلة إعادة توزيع الطرق في شكل اتجاه واحد وإنتاج 301 مليار سيجارة سنويًا ثم إنفاق الملايين على المدمنين وضرر مخلفات المستشفيات،
    وعدم التفكير في حل مناسب لكل هذه الأزمات حتى الأحزاب السياسية وشروط العضوية بها، ومشكلة السكان وجماعة كفاية...الخ
    ‏ليبيت الحمير في قهر وكدر وكمد آسفين على ما يحدث خارج الحمارخانة؛ فيما يفخرون بأن أحدهم ظهر مع توفيق الحكيم في حمار الحكيم وأنا وحماري ومع محمود السعدني في حمار من الشرق، فيحلم كل منهم بظهور أحدهم على غلاف الحمار خانة.
    * وتنتهي المسرحية بمشهد غاية في السخرية والتهكم، حينما يصحو سكان المنطقة على خمس عربات يجرها رجال وكل عربة يقودها حمار يضرب الرجل الذي يجر العربة بالكرباج قائلاً له:
    ( شي يا بني آدم )
    وكأن هذا هو الوضع الصحيح الذي يجب أن يكون.
    من جماليات العمل أيضًا:
    ===================
    * المزج بين الخيال والواقع .. الصراحة الشديدة في ذكر أسماء الشوارع والميادين وبعض الجماعات المعارضة للنظام السياسي.
    * اللغة السهلة البسيطة العميقة في ذات الوقت، وهى اللهجة العامية غير المبتذلة فالكاتب لا يهتم بكتابة نص شاعري ولا نص جزل الألفاظ، ولا يعتمد على الرموز بقدر ما يعتمد على المباشرة على طريقة الضرب في المليان.. وهذا يتناسب تمامًا مع نوع القضايا المطروحة - المؤلمة - والتي يحاول الكاتب من جانبه إيجاد حلول حاسمة وسريعة لها فقد استفشى المرض العضال، وما عاد هناك من وقت للانتظار لحل شفرات ورموز...
    * أنك تشعر في كل مشهد من مشاهد العمل أنك موجود بشكل أو بآخر... وبأن هذه المصيبة مرت عليك، وأنك كنت طرفا فيها حتى وإن كنت مجرد متفرج على أحداثها... فهي قضايا كثيرة منفصلة ومتشابكة، تمثل بالنسبة لنا كل شيء كالماء والهواء والملبس والمأكل، لأنها تمس كل شيء في حياتنا... فيما ننتظر ما تجود به السماء من حلول مناسبة تنقذنا مما نحن فيه.
    * جميل أيضًا أن توصلنا هذه المشاهد إلى حالة تقترب من الانفجار، ثم تأتي القصائد الشعرية أو النكات لتصنع نوعًا من التبريد الذاتي، وكأنه يشد الحبل ويرخيه مرة أخرى، لكي لا يصل القارئ بالفعل لحالة الانفجار، لكنه يصل به فقط إلى حالة الندم الشديد من عدم اتخاذ موقف وقت وقوع المصيبة أو المشكلة أو الأزمة.
    * تذكير الناس بما يحدث حولهم وهم غـُفلٌ لا يتحركون، يغطون في نوم عميق. وبعد أن كانت النفس البشرية دواءً لبعضها البعض أصبحت داء يُطلب الشفاء منه... فهل نظل هكذا ؟ أم سنتغير بعد قراءة هذا النص !!! ؟؟؟ هذا هو السؤال. ؟
    وأخيـــــــــــــــــــــرا :
    * كنت أتمنى أن تختتم المسرحية على أن كل منهم ينام ويحلم بأن تصبح صورته على غلاف الحمارخانة.
    * لم أفهم مبررات وجود (الأتان) الوحيدة في المسرحية، وإن كنت حاولت تفسير موقفهم تجاهها بأنه حُسن ضيافة يفعلها بنو البشر خارج الحمارخانة، مما يُخرج هذا المشهد من تلك المقارنات الساخرة التي جاءت في المسرحية بين عالم الحمير وعالم البشر ... إلا إذا كان المقصود هو استغلال هذه الضيافة من جانب (الأتان) بشكل يوصل إلى الاحتلال والاستعمار البطيء، وهذا ما لم يبدُ جليًا في هذا المشهد تحديدًا..!!
     
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: عرض وتحليل لــ #الحمارخانة لـ د.أحمد قنديس ..غواية الأشكال الأدبية المختلفة في عمل يبكيك ويضحكك في آن واحد.. بقلم: الشاعرة شريفة السيد Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top