تشكل التكنولوجيا الحديثة بكل أنواعها وأشكالها سواء المتمثلة في الانترنت وتشعباتها المختلفة أو الأجهزة الإلكترونية واللاسلكية والبرامج المرنة المتجددة قفزة نوعية في الحياة البشرية.
ولقد ساهمت التكنولوجيا مساهمة فعالة في تحويل العالم الكبير إلى قرية صغيرة، وتحقّق ذلك بفضل ما قدّمته التكنولوجيا للناس من وسائل وطرق لتعزيز وتسهيل التواصل فيما بينهم، فتنوّعت هذه الوسائل لتمتد من الهاتف الثابت والهاتف المحمول، لتصل إلى شبكة الإنترنت وما يرتبط بها من قدرة تواصل الناس مع بعضهم البعض عبر القارات والبلدان المختلفة.
وللصحافة ميزة كبيرة أيضاً وهي قدرتها على مخاطبة الوجدان وصياغة العبارة أو الكلمة الدقيقة التي تستطيع التعبير عما يعيش في الوجدان والنفس البشرية كما أن الصحافة المكتوبة تستطيع كذلك إطلاق عقل القاريء ليفكر فيما حوله من أحداث.
فقد لعبت الصحافة دورا بارزا في حركات التحرر الوطني وتفجير الثورات وفي عمليات التغيير الاجتماعي ومقاومة التخلف والجهل، بل أنها ساعدت عل إيقاظ الوعي الوطني والقومي وتثوير المجتمع العربي من خلال كشفها للحقائق وتعريتها لمساوئ الأنظمة الفاسدة وتبنيها المواقف وحاجات الإنسان العربي.
ظهرت الصحافة الإلكترونية واحدة من الأشكال الإعلامية التي تعاملت مع هذه التقنية الجديدة وسماتها المتطورة. وخلال الأعوام الأخيرة، تحولت صحف عالمية من قوالبها المطبوعة إلى قوالب إلكترونية، مدركة أن السرد الإلكتروني لم يعد نوعا من التطور الذي يعكس مواكبة وسائل الإعلام والصحفيين لكل ما هو جديد، بل أصبح من ضرورات البقاء والحفاظ على الجمهور والوصول إليه بسرعة وسهولة تامة.
الصحافة الإلكترونية هي الانتقال من الشكل التقليدي الورقي إلى الشكل الرقمي كما كان الانتقال من الشفاهة إلى الكتابة حتمياً، لكن هذا لا يعني إطلاقاً موت الأدب الكتابي، إذ لم تؤدِّ الكتابة إلى موت الأدب الشفاهي الذي ما زال حاضراً خصوصا في الفنون الشعبية، ولكن منزلة الأدب الكتابي ستتراجع ليصبح في منزلة الأدب الشعبي.
تشارك الصحافة الإلكترونية في ظاهرة الصحافة السحابية وهي تمثل تدفقًا ثابتًا للمحتويات في مجتمع النطاق العريض ،كما تسمح بالتواصل والتناقش على مستويات لا توفرها الصحافة المطبوعة بمفردها وتقوم بتوفير الفرصة للجماهير المتخصصة، مما يسمح للأشخاص بالمزيد من الخيارات فيما يتعلق بما يتم عرضه وقراءته.
لا تختلف الصحافة الإلكترونية من حيث المفاهيم والمضامين والأهداف عن الصحافة الورقية، إلا أن الأولى تستخدم وسيطا جديدا إلكترونيًا قادرا على تقديم المادة المقرؤة والمصورة مدعمة بالصوت والحركة بطريقة مميزة وجذابة، كما أنها تتيح مساحات تخزين إلكترونية وتوفر للقاري فرصا للاستفادة من المعلومات التي يرغب فيها، وتوفر من المعلومات والتفاصيل باستخدام ميزة الروابط التشبعية والتي لمجرد النقر عليها تقود القارئ إلى تفاصيل معمقة للموضوع أو مواضيع أخرى في صفحات أخرى.
الصحافة الاكترونية هي ثمرة طبيعية لبيئة الشبكة الدولية للمعلومات بآلياتها الجديدة والمتطورة، وبالتالي فهي تعكس كل السمات التي جاءت بها هذه التقنية. لقد أخذت الصحافة الإلكترونية ماهو معمول به في الصحافة الورقية وبدأت مشوارها لتسخر تقنيات الاتصالات والبرامجيات لخدمتها.
تمثل التطورات المبكرة التي أتاحها العصر الرقمي للصحافة في البحث السريع وسهولة التحرير وتوفر وسائل الراحة وتسريع وقت تسليم المقالات. وقد وسعت شبكة الإنترنت من نطاق تأثير العصر الرقمي على الصحافة. وبسبب شهرة شبكة الإنترنت، فإن أغلب الناس يدخلون إليها، ويمكنهم إضافة النموذج الخاص بهم من الصحافة على شبكات المعلومات.
تمتلك الصحافة الالكترونية القدرة على توفير المعلومات الحديثة التي تتراوح بين المواقع الشخصية وتلك التي يصل عدد جماهيرها إلى مئات الآلاف، وتخلق أفقًا إعلاميا جديدًا للقرن الحادي والعشرين، من خلال تقنيات تقلل الحواجز المفروضة على الدخول وشبكات الحاسوب، بالإضافة إلى أنواع الكتابة الحديثة وترسم صورة مختلفة لعالم جديد، لعل من أبرز خصائصه وفرة المعلومات وكثافتها وتدفقها بسهولة وسرعة فائقة، فضلاً عن التنوع في استخدام تلك المعلومات والتحكم في مساراتها وتوجهاتها، وتوظيفها من قبل بعض القوى الدولية.
ستبقى الصحافة الورقية محافظة على قرائها باستمرار وأن الصحافة الالكترونية تخدم محافظتها على مكانتها حيث أن التعامل مع تقنيات الوصول الى الصحافة الالكترونية من خلال استخدام الحاسوب والبرامجيات المتعددة مازال في طور النمو الى نوع من الثقافة الالكترونية مستمرة.
إن الصحافة الالكترونية ليست خطراً على الصحافة التقليدية إذا فكرت تلك الصحف في تطوير ذاتها واستثمار الجمهور الجديد لصالح الصحافة من خلال تطوير الجوانب الإعلانية داخل الصحيفة الإلكترونية باعتبارها مورداً اقتصاديا بديلا. لقد أصبحت الصحافة الالكترونية هي بمثابة التطور للصحافة ولا تؤدي إلى انقراض الوسائل الأقدم منها كما أن الصحافة الإلكترونية لا تلغي الصحافة الورقية. فالصحافة الالكترونية هي التي تفتح أفاقا جديدة في العالم.
*كاتب المقال
أستاذ مساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عالية ،كولكاتا – الهند
0 comments:
إرسال تعليق