كان آخر قطار قد غادر واقفرت المحطة الا من حارس كهل يرتدي معطف جوخ اسود ثخين ومني انا ناظر المحطة في الواجب .جلب انتباهي رجل وقور على مصطبة قديمة معزولة ، يجلس وحيدا ، يحدق في شيء يشبه الصورة.بدافع الواجب والفضول اقتربت منه. كان بجلسته يشبه لوحة التعب لفان كوخ .بدا لي الرجل وجوديا لايثير الريبة يدعوك للحديث معه والتعرف عليه. كنت اجد في الجلوس الى الوجوديين متعة، لانهم يكرهون الزيف. لا ادري كيف خمن ما قصدت ودعاني الى الجلوس جنبه .لم اتردد .
.جلست على المصطبة الباردة قربه . من ترمس صغير كان معه قدم لي فنجانا من الشاي وقال، تدفأ انها تثلج .شكرته ...نظر طويلا في عيني وقال لديك سؤال يلح عليك ؟ قلت بلى ..ما يبقيك وحيدا في منتصف ليلة باردة في محطة قطار موحشة غادرها آخر قطار ؟.قال هذه الصورة أبقتني ، صورة من ودعت قبل قليل،
انظر .!
كانت الصورة لسيدة في منتصف العمر انيقة ذات جمال هاديء مميز ووقار لافت .قلت تلك التي غادرت قبل قليل هل تستحق كل هذا الوجوم والحزن والجلوس في منتصف ليلة باردة في محطة بدت كئيبة بعد ان غادرها آخر قطار ركاب ؟ قد تصاب بالبرد يا سيدي. قال نعم تستحق واكثر فهي خلاصة كل من عرفت من النساء في مسيرة عمري الطويل الصاخب الغريب .
هي مرساي. سكت قليلا ثم بحنان اخرج قلادة عنق في وسطها مفتاح ذهبي جميل .لوح به امام ناظري وقال ماذا تعني لك الصورة والسلسلة والمفتاح ؟قلت ذكرى لعزيز لا غير .! قال ماذا يعني لك المتاح بالذات .؟ قلت اداة صغيرة لفتح اشياء كثيرة بعضها كبير .اطلق ضحكة عالية وقال هل سمعت بقفل العفة ومفتاحه في القرون الوسطى في أوربا ؟قلت لا تهمني القرون الوسطى ما يهمني هو هذا المفتاح .قهقه من جديد وقال يا صديقي هذا المفتاح سر سعادة الكثيرين وسر شقاءهم ايضا، حين لا يحصل التناغم بين القفل والمفتاح .قلت هلا شرحت لي؟ .قال ساشرح لك ايها الحشري : السلسلة حبل مرساة لقارب رجل لعبت به رياح عاتية كثيرة، والمفتاح مدخل لقلب قديسة ساقتها له الاقدار ودعها قبل قليل .قلت مازلت لا افهم .قال اعرف ، يا هذا ،في البدء حينما خلقنا ،خلق لكل منا مسار حياته ومداره وجزيئات تكوينه، تماما مثل الكواكب والنجوم ولكل منا محرك هو قلبه .لهذا المحرك قفل و مفتاح لا يصلح ابدا لغيره لكي لا تحدث الفوضى ولأننا لم ندرك ذلك نعاني . قلبك هو صندوقك الاسود وله مفتاح لا يصلح ابدا لغيره ولأننا لا نعرف سر هذه الحقيقة ندمر انفسنا .نجرب كل يوم مفتاح .هل فهمت ؟قلت نعم .ربت على كتفي وقال هذا مفتاح قلب القديسة التي ودعتها قبل قليل. وجها لوجه قبل ان تغادر وقفنا مرتبكين .هي تبحث عن عبارة وداع وانا اطيل النظر الى هذه السلسلة تتأرجح على صدرها المضطرب بخفقان قلبها
ترتفع وتنخفض .بذكاء ادركت ما يجول بخاطري .بيديها البضتين. بهدوء جردت جيدها من حليته وقالت سافعل ما فعله ذلك المجنون فان كوخ ، لا لا تخف لن اقطع اذني فلست مجنونة مثله .
لنكن على اتصال دائم يا صديقى .وقبل ان تغادر ، على رصيف المحطة اهدتني هذه الاشياء: الصورة والسلسلة والمفتاح وقالت ، الصورة للذكرى ان اشتقت والمفتاح لتطمئن على حديقة ورودك اماالسلسلة فسلك التواصل بيننا على البعد .
مثل طيارة ورق ملونة ، قد احلق على ارتفاعات شاهقة وسط عاصفة تصفيق واعجاب لكني برمشة عين اعود ان حركت طرف حبلنا السري يا صديقي، قالت قبل ان تستقل قطار منتصف الليل يا سيدي الناظر .!!
0 comments:
إرسال تعليق