ذروة
المواجهة الإسرائيلية الإيرانية مؤجلة لغاية ظهور النتيجة النهائية لانتخابات
الولايات المتحدة الأمريكية والإعلان عن الرئيس المقبل لأقوى دولة في العالم ، ما
يقع الآن مجرَّد مناوشات والتقاذف لأقصى ما يُعَبَّرُ عليه مِن مُبْهَمِ كلام ،
يُبْقِي النار مشتعلة بالنفخ على الجمر لغاية نفاذ ما تحسبه إسرائيل عن غرورٍ
الحُطام ، فالمرور ساعتها لتعداد قتلَى أقوام ، بغير وجلٍ من عواقب أصدق أحكام ،
حالما تستردَّ هيأة الأمم المتحدة ذاك النِّظام ، الذي مَثَّلَ ميزان العدالة
الدولية إلى أن تكسَّرت إحدى كفتيه آخر هذه الأيام ، التي أظهرت إسرائيل كأغرب دولة
أنها ولُبّ الشَّرِ تَوْأَم ، مندفعة للعربدة في علياء غير مُباحَة إلا إن كانت
فوق رؤوس بعض الحُكام ، يشهد الشرق المنغمسة بعض دوله على صعيد حكوماتها في مذلة
الانبطاح على الدوام ، لمن تيقنوا حسب هواهم أنها مفتاح العصرِ لمزلاجِ أوهام ،
يُيَسِّر لضعَّاف الإيمان الاستمرار على نفس السبيل المُزَيَّن لهم بالافتراءات
الجاعلة مقامهم مفعم بالأمن والوئام ، والحقيقة أنه مصير واضح وصريح يُلحِقهم
بنظام وانتظام ، لأفظعِ وأشرس صدمة والصهاينة يقابلونهم بأسوأ انتقام ، في وقت
يخسرون فيه ما جمعوه من مواثيق صهيونية تصبغ وجوه مُصَدِّقِيهَا بكآبة الندم . اليوم جنوب اللؤلؤة لبنان
الواجدة فيه إيران مَن يُزكي ذاك الهيام ، الماسك صاحبه من شعيرات تطل من تحت
عمامة تخطيط تحجبه كما تصنع بالشمس الغِيام ، مغطيا بعباءته الفضفاضة البارود
وتعليمات الفقيه الولي الإمام ، بترسيخ الشيم الإيرانية دون الاهتمام بمرور
الأعوام ، ليتربى جيل على سماع ما ينغِّص على حمامة العرب بيروت ما ألِفته مِن
حرية وتعايش بين الأديان في سلام ، مع استبدال الطربوش الأحمر بعمامة في مساحة ثوب
خيمة وضرب الحلال بالحرام ، واحتساب العِرْق الفارسي عُمْلَة ثمينة لتحصين النخبة
من تدافع العَوَام ، على اكتساب ثمن رغيف مبلل بعَبَرات تتساقط في مناسبات خاصة
على أطلال الملقبين بالعِظام ، على درجة من السماحة السابحة ببعضهم فوق أعناق
مشبهة بأمواج بحر تتلاطم ، ناشدة التوسُّع دون اكتراث بحرمة اختيارات مَن يمثلون
الأصل في طبعته الأولى مُذ كان لبنان لبناناً واقعاً عبر أحقاب التاريخ وليس
تخيلات متتبعي مروِّجي الأحلام . لم تكن فرنسا قادرة على حصر تلك الموجة الإيرانية
الضاربة المجتمع اللبناني في جزء لا يستهان به بل أظهرت أكثر من مرة عدم الاهتمام
، إذ مجمل التكلفة للتخفيف ممَّا أصاب ذاك البلد الصغير يفوق حجم المساعدات التي
من الممكن أن تخصصها فرنسا لارتباطها التاريخي الأكيد بهذا الجزء الشرقي من أرض
العرب الاستراتيجي الهام ، فوجدتها إيران فرصة لتحويل ذاك الجنوب إلى قاعدة من نوع
خاص بما كدست داخله من أجهزة عسكرية وتشييد أنفاق بعمق سحيق تحت الأرض مكلفة للغاية
تحتضن أسلحة تفوق حاجيات أي جيش نظامي وصرفت أجور مرتفعة لمن اتخذتهم قادة
يمثلون قلباً وقالباً السلطة الفارسية في جناحها المُخصَّص للزحف صوب الدول
العربية قاطبة لقلب نُظُمِها رأساً على عقب كمرحلة أولى مُحكم فيما يخصها التدبير
الشامل العام .
أمام
الكثير من الفرص التي جعلتها إيران متاحة لتعزيز مكانتها العسكرية والعقائدية في
لبنان نجد الأخيرة كدولة منزوية في ركن كأنَّ الأمرَ لم يعد مباح لتتحَرَّك
لتوقيفه ولو جزئياً بالحق في الاقتحام ،
وحتى القائمين عليها سلَّموا بواقع أصبح عَصِياً عن إزاحة وجوده مهما حصل
ممَّا أثار سلسلة من علامات الاستفهام ، وبخاصة حول بعض الشخصيات الوازنة بمساعدة
إيران نفسها عن تحالف داخلي وثيق يصب في خدمة تقوية الوجود الإيراني نفسه مهما كان
الميدان عن استسلام ، انطلاقاً من مساحة محدَّدة مؤقتاً ريثما يتم التغيير الجذري
فتعود لبنان إحدى المقاطعات الإيرانية ليس إلاَّ كآخر التزام ، وعلى رأس تلك
الشخصيات "بري" المحتكر رئاسة مجلس النواب لعقود أسال الكثير من مداد
الأقلام ، والنتيجة الآنية ما يجعل الجيش
النظامي الشرعي لدولة ذات سيادة يقف ليس متفرِّجاً عمَّا يحصل وحسب بل وكأنه
يستعطف إسرائيل تركه لحاله يضيف لعجزه مرتبة العدم ، وحتى الغارات التي طالت بيروت
عاصمة الدولة يتلقاها هذا الجيش اللبناني
ومعه رموز الدولة ببرودة ما تجاوزت عمليات التنديد الشفوي أقصاه تقديم
شكاوي لمجلس الأمن ثم الصمت التام ، وقبل هذا وذاك الاحتماء خلف قوة حفظ السلام
الدولية التي اعتبرتها إسرائيل بين قوسين لا كلمة حاسمة لها مهما اخترقت الآلة
العسكرية الصهيونية المعتدية كل القواعد والأعراف وضربت عرض الحائط بأدبيات الحروب
المفروض أن تراعي حقوق المدنيين احتراماً مؤكداَ وليس ادعاءات إنشائية في أبواق
الدعاية الرخيصة لجهات معروفة لا داعي للتَّذكير باسمها وعنوانها حاصدة عما تزرعه
سوء ختام .
... من
لبنان تفرَّعت أذرع الأخطبوط لتسبح في مستنقعات الفتن المطبوعة بها بعض الجهات ،
شهدت اجتياحاً أمريكياً لتفكيك ما رأت فيها صٌداعاً يطال نفوذها العالمي ،
ويتحداها بتحالفات مضادة الغرض منها معاداة دولة تملك أكبر قوة تدميرية فوق
البسيطة ، تعمل على جعل الغير من دول القارات الخمس في خدمة رفاهية مواطنيها ، من
هذه البلاد العراق التي أرادت إيران مَلْأ ما تركته الولايات المتحدة الأمريكية من
فراغ مقصود ، بلغ حدَّ الفوضى أحياناً مُتَّبِعة نفس التقنية في احتلال عقول غير
الإيرانيين ، فنجحت لحد ما في توطيد فصل من مخططها المذكور متسربة عن طريق عملائها
وأنصارها لأمكنة إقرار القرارات ، لتُطوَّر مثل التصرفات لغاية إخضاع جزء كبير من
العراق كدولة لارادتها ، فتصنع ما يعاني منه العراق حاليا ، إلى أن يتحمَّل
العراقيون مسؤولياتهم الوطنية الرافضة مثل التدخل السافر في شؤونهم الداخلية ، أما
إيران مهما صرفت من مجهود سيمتصه تراب تلك البلاد القادرة على استرجاع صحتها من
داء أصابها حينما سمَحت للفرس الولوج لمحيطها ، بل ستخرج منكسرة الخاطر مُدركة
تمام الإدراك ، أن خيانة البعض لتركب بواسطتها على ظهورهم حَبلها قصير ، ما دام
الوعي انتشر من حيث جمَّدته إيران ليعاود الذوبان فتذوب رفقته بلا هوادة .
... إسرائيل
مهما أثقلت كاهلها ككيان بما اقترفته من تقتيل للأبرياء وتجويع أناس لا ذنب لهم
سوى المطالبة باستقلال أرضهم وإبعاد صفة الاحتلال عن وجودهم ومهما استأصلت زرع
وجذور أشجار تشهد عن أصالة مَن ملكها من الآلف السنين مِن غزة إلى بغداد إلى بيروت
إلى دمشق إلى صنعاء لن تنعم بطلوع فجرٍ كسائر المخلوقات الطيبة الحرة الأبية من
عرب وعجم ، بل ستظل متخبطة في ظلام ليلٍ مملٍ طويل طول قَدَرِها المطبوع لا محالة
بهزيمة لن يشهد التاريخ الإنساني لها مثيلاً ستصيبها دون سابق إعلام .
**كاتب
المقال
مدير
مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي
لحقوق الإنسان في سيدنس – أستراليا
سفير
السلام العالمي
0 comments:
إرسال تعليق