لن أنسى مولانا الشيخ مصطفى أبو عطية خادم المسجد أو حمامته كما كان الآباء ينادونه فى طفولتى كنت أراه على الدوام فى المسجد تارة يقوم بنظافة المصلى وأخرى وهو يقوم بنظافة دورات المياه وما أدراك ما كان يتعرض له من عناء وتعب فقد كانت دورات المياه من طراز غريب فى التصميم. وهى على الدوام دائمة الانسداد وكم عانى هذا الرجل رحمة الله فى سبيل تسليكها وتنظيفها. لن أنسى عندما كان يجمعنا ونحن صغار لمعاونته فى نظافة المسجد. صحيح أن ما كنا نقوم به كان عملاً هامشياً إلا أننى ومعى غيرى كنا نستشعر سعادة غامرة. ولم لا وقد شاركنا فى نظافة المسجد. وكان يختصنا بحبات الكارميل التى كان يحتفظ بها فى جيبه على الدوام. لم تكن مياه البلدية قد وصلت إلى البيوت وبطبيعة الحال لم تصل إلى المسجد الوحيد واليتيم بالقرية. فكان الرجل يقوم بملء الخزان من المياه الجوفية عن طريق الطلمبة. وكان يمكث الساعات الطوال لإنجاز مهمته اليومية. وكنت أراه وقد تصبب العرق على جبينه. يا لها من رحلة كلها شقاء وتعب. وعندما اشتدت عودى كنت أشاركة العمل وكان ذلك حافزاً لمن هم فى سنى وكنا نتسابق فى التعلق بالطلمبة لملء الخزان. فى البداية كان الأمر صعباً ثم رويداً رويداً احترفنا قيادتها وأصبح بمقدور كل منا أن ينفرد ويديرها وحده لساعات. كانت رياضة لكل عضلات الجسم وبعد فراغنا من أداء المهمة كان الشيخ مصطفى يختصنا بالصابونة الخاصة به لإزالة ما علق بنا من عرق هكذا كان يقول. تدور الأيام دورتها وأتسلم عملى كإمام وخطيب بالمسجد وبرغم كبر سنه إلا أنه ظل وفياً للمسجد لا يبرحه إلا عند تناول الطعام. حرصت على احتضانه وكان لى بمنزلة الوالد حتى رحل إلى العالم الآخر بعد رحلة ليست بالقصيرة مع المرض العضال. والغريب أنه ظل يعمل بالمسجد متطوعاً طوال حياته. مولانا الشيخ مصطفى كان يمتلك صوتاً شجياً وحنجرة ذهبية وعلاوة على ذلك كان موشحاً للمدائح النبوية طوال أيام شهر رمضان المبارك. كان نبيلا وقدم النموذج المتفرد فى خدمة بيوت الله. وما أجلها من خدمة وفى الحديث الشريف أن امرأة سوداء كانت تقيم المسجد. فسأل عنها النبى صلى الله عليه وسلم فقالوا ماتت. فقال: أفلا كنتم اذنتمونى؟ قال دلونى على قبرها فدلوه فصلى عليها. وفى الحديث بيان أن خدمة المساجد والعمل فيها من أجل ما يقوم به الإنسان، والأمر لا يقف عند الرجال فقط بل يمتد إلى النساء والصبيان.
*كاتب المقال
كاتب وباحث
0 comments:
إرسال تعليق