ما عوقب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله وما خلقت النار إلا لإذابة القلوب القاسية. فإذا قسا القلب قحطت العين.
وقسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل والنوم والكلام والمخالطة. وكما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب, فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ.
من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته. لأن القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها. والقلوب آنية الله في أرضه فأحبها إليه أرقها وأصلبها وأصفاها, شغلوا قلوبهم بالدنيا. ولو شغلوها بالله والدار الآخرة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحكم من الفوائد, إذا غذي القلب بالتذكر وسقي بالتفكر ونقي من الفساد رأى العجائب وأُلهم الحِكم.
خراب القلب من الأمن والغفلة وعمارته من الخشية والذكر. لا تدخل محبة الله في قلب فيه حب الدنيا إلا كما يدخل الجمل في سم الإبرة.
وقال: إنما يقطع السفر ويصل المسافر بلزوم الجادة وسير الليل, فإذا حاد المسافر عن الطريق ونام الليل كله فمتى يصل إلى مقصده.
قال ابن القيَّم رحمه الله: (فائدة جليلة)
إذا أصبح العبد وأمسى وليس همه إلا الله وحده.. تحمَّل الله سبحانه حوائجه كلها.. وحمل عنه كل ما أهمَّه.. وفرّغ قلبه لمحبته.. ولسانه لذكره.. وجوارحه لخدمته وطاعته.
وإذا أصبح وأمسى والدنيا همُّه.. حمَّله الله همومها وغمومها وأنكادها.. ووكله إلى نفسه.. فشغل قلبه عن محبته بمحبة الخلق – ولسانه عن ذكره بذكرهم وجوارحه عن طاعته بخدمتهم وأشغالهم.
. فهو يكدح كدح الوحش في خدمة غيره.. كالكير ينفخ بطنه.. ويعصر أضلاعه في نفع غيره فكل من أعرض عن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية المخلوق ومحبته.. قال تعالى: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ
وقال رحمه الله:
كيف يَسْلَمُ؟ من له زوجة لا ترحمه.. وولد لا يعذره.. وجار لا يأمنه وصاحب لا ينصحه.. وشريك لا ينصفه.. وعدو لا ينام عن معاداته.. ونفس أمَّارة بالسوء.. ودنيا متزينة, وهوى مردٍ. وشهوة غالبة له.. وغضب قاهر وشيطان مزيَّن.. وضعف مستولٍ عليه..
فإن تولاه الله وجذبه إليه انقهرت له هذه كلها.. وإن تخلى عنه ووكله إلى نفسه اجتمعت عليه فكانت الهلكة
وقال: اطلب قلبك في ثلاثة مواطن:
1- عند سماع القرآن.
2- وفي مجالس الذكر.
3- وفي أوقات الخلوة.
فإن لم تجده في هذه المواطن فسَلِ الله أن يمنَّ عليك بقلبٍ فإنه لا قلب لك
فصل (في أحكام التداوي)
يباح: التداوي, وتركه أفضل نص عليه. ومع ظن النفع: فعله. ويباح: رقية وتعاويذ. ولا بأس: بالحمية. وللرائحة الطيبة أثر في حفظ الصحة, ويكره: أن يستعين بذمي في شيء من أمور المسلمين. ويباح: استطبابه,
وينبغي: أن يستعين في كل شيء بأعلم أهله. وتكره: تمائم ونحوها. وتباح: قلادة فيها قرآن وذكر ولا بأس: بتعليق ما فيه قرآن. نص عليه ولا بأس: بكتب شيء منه لوجع, وشربه, وأن يكتب للحمى والنملة والعقرب والحية والصداع والعين, ويرقى من ذلك بقرآن وغيره.
ويكره: بغير العربية. ولا بأس: بالكتابة لعسر الولادة. ويباح: نفث, وكي, وحقنة لضرورة. وللحاقن ونحوه:
نظر موضع الحقنة. وللطبيب ونحوه: نظر ما تدعو إليه الحاجة, حتى إلى فرج من ذكر وأنثى. صغير وكبير لذكر وأنثى. ويباح التشريط, وفصد العروق, والحجامة, والكحل, ومداوات العين بيد وحديد. ويباح: البط مع الأمن. ويحرم: المداوات والكحل بنجس, ومحرم, ولو كان طاهرًا, حتى بسماع غناء وملهاة. نص عليه.
وبطاهر مضر. ويحرم: بقاتل. ويجوز: ببول طاهر. ويكره: تعليق القرآن على حيوان طاهر, ويحرم: على نجس. ويباح للمرأة: شرب دواء لقطع حيض ومجيئه, لأقرب رمضان لتفطر. ويجوز: لإلقاء نطفة, لا جنين. ولا بأس: بتعليم الطب.
ولا بأس: بنشره, وأن يطلق عن المسحور ويحل المعقود نص عليه. ولا بأس: بشرب مسهل, ومقيء. وكان أحمد يستشفى بماء زمزم ويكره: سب الحمى والوجع. ولا يكره: مركَّب تُعلَمُ أجزاؤه. واستعمل أحمد دواء مركبًا. ويباح: دواء لا محرَّم فيه. ويباح: استعمال خواص نبات, وحيوان في أمر ينجح فيه مما تدعو إليه الحاجة,
فإن كان الحيوان محرمًا أو نجسًا لم يجز على قاعدة مذهبنا. وعندي: إن جرب نجحه في خلاص نفس من علة متلفة, وخلاص من سم ونحوه: جاز استعماله في ذلك, وإلا فلا. قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل
ولابد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل, فتعتصم به, فتقل آفاتها, أو تذهب عنها بالكلية, بحول الله وقوته. فتقول: اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة: المحبة, والخوف والرجاء.
وأقواها المحبة, وهي مقصودة تراد لذاتها, لأنها تراد في الدنيا والآخرة بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة, قال الله تعالى:
أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ والخوف المقصود منه: الزجر والمنع من الخروج عن الطريق, فالمحبة تلقي العبد في السير إلى محبوبه, وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه, والخوف يمنعه أن يخرج عن طريق المحبوب, والرجاء يقوده,
فهذا أصل عظيم, يجب على كل عبد أن يتنبه له, فإنه لا تحصل له العبودية بدونه, وكل أحد يجب أن يكون عبدًا لله لا لغيره.
فإن قيل فالعبد في بعض الأحيان, قد لا يكون عنده محبة تبعثه على طلب محبوبه, فأي شيء يحرك القلوب؟ قلنا يحركها شيئان:
أحدهما: كثرة الذكر للمحبوب, لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به, ولهذا أمر الله عز وجل بالذكر الكثير, فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً
والثاني: مطالعة آلائه ونعمائه, قال تعالى: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وقال تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ وقال تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وقال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا
فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه, من تسخير السماء والأرض, وما فيها من الأشجار والحيوان, وما أسبغ عليه من النعم الباطنة, من الإيمان وغيره, فلابد أن يثير ذلك عنده باعثًا , وكذلك الخوف؛ تحركه مطالعة آيات الوعيد, والزجر, والعرض, والحساب ونحوه, وكذلك الرجاء , يحركه مطالعة الكرم, والحلم, والعفو,
فالقلب إذا صلح استقام حال العبد وصحت عبادته, وأثمر له الرحمة والإحسان الى الخلق, وصار يعيش في سعادة وفرحة تغمره لا تقدر بثمن, وذاق طعم الأنس ومحبة الله ولذة مناجاته مما يصرفه عن النظر الى بهجة الدنيا وزخرفها والإغترار بها ,والركون اليها وهذه حالة عظيمة يعجز الكلام عن وصفها,
ويتفاوت الخلق في مراتبها, وكلما كان العبد أتقى لله كان أكثر سعادة , فإن لله تعالى جنتان من دخل جنة الدنيا دخل جنة الآخرة.
إذا قسى القلب وأظلم فسد حال العبد وخلت عبادته من الخشوع , وغلب عليه البخل والكبر وسوء الظن, وصار بعيداً عن الله ,
وأحس بالضيق والشدّة وفقر النفس ولو ملك الدنيا بأسرها, وحرم لذة العبادة ومناجاة الله وصار عبداً للدنيا مفتونا بها , وطال عليه الأمد !!
0 comments:
إرسال تعليق