الطفولة
هي وعاء البراءة والخيال ، وحكاوي الليالي الممطرة ودفء الأسرة ونبع الحنان. فيها
نفعل ما نريد ولا نفكر فيما هو آت،لذا كانت الابتسامة لا تفارق الشفاه. القلوب
صافية والعقل ساطعٌ يُنقش عليه ما يرى ويسمع. ما أجمل الطفولة! لا حسد ولا غل ولا
حقد ، بل البساطة هي السائدة في هذا العالم الملائكي ، لا تذمر ولا شكوى ولا تخطيط،
تحيا لحظتك لتسمتع بها وفقط.الإحساس مرهف والحديث مشوق ومضحك. كم أشتاق لهذه
الحقبة من حياتي؟ وكم أفتقد أحلامي؟ وها نحن قد كبرنا وانطلقنا من عالم الخيال إلى
واقع لا نعلم منتهاه. كبرنا لنصدم ونسعى دوما لمحاولة اللحاق بقطار الحياة ولتفسير
النوايا المريبة والقيل والقال، والجري وراء سراب تكبر دوماً معه الهموم والأحزان.
كبرنا لنصدم بعالمٍ انفصامي، عالم يقال فيه أمراً ويُفعل نقيضه،ولا يقف الأمر عند
ذلك وحسب بل يتعداه إلى محاولاتٍ لحل لعبة المتاهة في هذه الحياة التي نركض في
دهاليزها لعل وعسى نصل إلى بر الأمان. كنا في طفولتنا نكسر لعبتنا بأيدينا ثم نبكي
عليها، أما الآن فينكسر أجمل ما فينا -بلا إرادة منا- ولا نذرف ولو دمعة واحدة، بل
عليك أن تستمر في المحاولة لتلحق وإلا فلن تصل.فأصبحنا نحيا حياة متسارعة بلا معنى.ولكنه
أمر حتمي يجب أن نسايره لنحقق الهدف من خلقنا وهو إعمار الأرض والسعي دوماً من أجل
البشرية ورخاؤها. وهذا لا يمنع أنه بين الفينة والأخرى أخلو بنفسي قليلاً لأعيش في
عالمي المخملي الطفولي، بلا قيود أو هموم أو أية مسؤوليات لأتزود من خلاله بطاقة
ايجابية تعينني على هذا الدرب الواقعي الطويل. كبرنا وما زلنا نحلم بقلوب صادقة
يملؤها الحنان والطهر والحب . كبرنا ومازلنا نعشق الطفولة ونتمنى لو يعود بنا
الزمن كما كنا، فهل من الممكن أن يتحقق ذلك؟ فوجدت نفسي أصرخ وأجيب بشوقٍ:نعم ،
يمكننا ذلك ، بقليلٍ من التراحم والتكافل والنقاء والطهر ، مع قليلٍ من التخطيط
المنضبط بحيث لا يطغى أمرٌ على أمرٍ آخر ،بمحاولة رسم الإبتسامة على شفاه الآخرين،
بأن يكون نصب أعيننا دوماً أن الهدف من الحياة أسمى من نظرتنا الضيقة التي تتمحور
حول الأنا وفقط، بل يجب أن تتعداه نحو إرضاء الله بتحقيق مراده من وجود هذه
الحياة، يقول الله سبحانه وتعالى ﴿هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها – هود، 61﴾.وعن
أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قامت الساعة
وفى يد أحدكم فسيلة (نخلة صغيرة) فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها".
ما أروع الغاية! وما أجمل الحياة بمراحلها المختلفة إذا اتسقت مع هذا الهدف النبيل!
الثلاثاء، 10 مارس 2020
- تعليقات الموقع
- تعليقات الفيس بوك
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 comments:
إرسال تعليق