|
الملخص: إن الإرهاب، يمثل خلال المرحلة الحالية من تاريخ العالم أكبر تهديد للسلام والاستقرار العالميَّين، فهو يستهدف دول العالم كلها دون استثناء، ولا يمكن لأي دولة، مهما كانت إمكانياتها وقدراتها، أن تكون في مأمن من أخطاره، كما لا يمكن توقُّع أين سيضرب ومتى وكيف، لأن الأمر يتعلق بعدو يتحور باستمرار، ويبدِّل جلده، ويغير أساليبه وأدواته دون توقف.
والخطِير في الأمر أن بعض جماعات التطرف والإرهاب لديها قدرة كبيرة على الخداع والتلوُّن وتقديم نفسها بأقنعة مختلفة إلى الشعوب والحكومات، وبعضها يجيد فنون التقية والمراوغة واللعب على خرافة «الاعتدال» و«التشدد» والأخطر أنها تجد مَن يصدقها، ويدافع عنها، أو يقدم إليها الدعمَين المالي والإعلامي، ويوفر لممارساتها الغطاء الأخلاقي.
وهناك من يدعم جماعات الإرهاب، ويمولها ويدافع عنها لأنه يستخدمها لتحقيق أهداف سياسية، لكنه لا يدرك أن هذه الجماعات لا صديق لها، وحتى إذا أقامت صداقات، فإن صداقاتها مؤقتة، وسوف تتخلى عنها عند أول فرصة سانحة، لأنها تنظر إلى الجميع بوصفهم أعداء لا بدَّ من التخلص منهم، وإخضاعهم لمشروعها حينما تحين الفرصة وتتهيأ الظروف. وعلية رأي الباحث أهمية تناول هذا الموضوع فالإرهاب لا دين له، ولا يمكن تحميل دين أو عرق أو منطقة جغرافية وزر ممارساته، لكني أشعر أن المرمى من وراء هذه المقولة في بعض الأحيان هو التهوين من خطورة الظاهرة، والتهرُّب من المسؤولية الملقاة على عاتق المسلمين، دون غيرهم،
في هذا العصر لمواجهة الفكر الديني المتطرف، ومراجعة التراث، وتنقيحه ممَّا لحق به من أفكار وانحرافات تشجِّع على العنف والدم، وترفض الآخر، وتدمر التعايش بين الناس. نعم، العنف له تجلياته وجذوره في كل العصور والثقافات، ولدى الكثير من الشعوب والمجتمعات، لكن علينا أن نعترف بأن الذين يمارسون الإرهاب في المرحلة التاريخية الحالية ينتسبون إلى المسلمين، وليس غيرهم، ويرفعون شعارات الدين الإسلامي، وليس غيره، ولذلك فإن المسؤولية الأولى في مواجهة هذه الآفة تقع على كاهل المسلمين، والخطوة الأولى في تحمُّل هذه المسؤولية هي مواجهة الذات بصدق وواقعية بعيداً عن العاطفة أو الشعارات الفارغة.
إذا تم تسليط الأضواء على أن الأخطر والأولى بالمواجهة والحرب هو الفكر الذي تستند إليه هذه الممارسات، والتمويل الذي يغذِّيها، والقوى التي تبرر للإرهابيين أفعالهم، وتحاول أن تفتح لهم مجالاً للنفاذ إلى المجتمعات تحت ستائر زائفة.
لقد حان الوقت لكي تعرف دول العالم كلها أن أي تأخير أو تردُّد في مواجهة خطر الإرهاب يعني أن العالم سوف يدفع ثمنه من أمنه واستقراره ومكتسبات شعوبه، وأن تقديم أي دعم للإرهاب، سواء بالمال أو السلاح أو التبرير أو الدعم الإعلامي، يضع صاحبه، سواء كان دولة أو فرداً أو مؤسسة أو حزباً أو جماعة، تحت طائلة المساءلة والملاحقة العالمية. ولم يعد هناك مجال للتهاون أو التأجيل بينما يُقتل الناس يومياً في كل مكان، وبعد أن أصبح الإرهاب شبحاً يطاردهم في الشوارع والمدارس والأسواق وأماكن العمل والعبادة، ومعول هدم للحضارة الإنسانية، ومصدراً للصراع والاقتتال والكراهية بين البشر.
وعلية فقد بينت نتائج الدراسة إن الهدف من الإصلاح الديني الذي نريده ليس الإساءة إلى الدين، أو تغيير أحكامه، كما يدَّعي بعض البلهاء والمزايدين وأصحاب المشروعات المشبوهة، وإنما هو أكبر خدمة للدين لأنه يجلي حقيقته الساطعة النقية ممَّا لحق بها من أدران فقهية فاسدة بعيدة عن جوهره ومقاصد نصوصه وشرائعه.
واظهرت الدراسة إن الساحة في هذه المنطقة الوسطى من العالم-التي يسمونها بالشرق الأوسط-بخاصة والعالم كله عامة مصابة بقلق تتفاوت درجاته، فيَصِل في بعض المناطق إلى التدمير والإفناء المتبادل نتيجةَ تصورات حادة تتحول إلى مقولات جامحة، وتنتهي إلى عنف جسدي لا هوادة فيه، تحيل إمكانية العيش المشترك على ظهر هذه الأرض. كما أن مشكلة الانحراف عن أخلاق الفضيلة تشكل الوجه الآخر للجموح الفكري والنفسي.
ومن المفارقات أنه يوجد بين المحورين، -التطرف من جهة، والانحراف الأخلاقي من جهة أخرى-ترابط إذا لم يمكن وصفه بالسببية التلازمية، فإنه يمكن وصفه بالتأثير المتبادل. فأكثر من انتقل إلى التطرف يكون قادماً من أفق الانحراف الأخلاقي، يَعْبُر إليه بعد أن عاش الضياع النفسي باحثاً عن المعنى، تلقفه المتطرفون مباشرة ليسلكوا به سبيل التيه.
ولهذا فإن من الضرورة أن نستوقف شبابنا لنريهم الطريق الأوسط والمنهج الأعدل، وهو طريق الوسطية والاعتدال الجامعُ بين الأخلاق الفاضلة والفكر المستنير المعتدل المتفتح؛ حتى لا ينتقلوا من تطرف إلى تطرف، ومن تعسُّف إلى تعسُّف، وهكذا يضيعون بين تطرفين -كالمستجير من الرمضاء بالنار.
إن المشكلة التي نعانيها في هذا الجهد ترجع إلى صعوبات مادية وفكرية ومنهجية لتقديم البديل وترسيخ المنهج الأصيل.
وخلصت الدراسة الي ان ظاهرة استثمار إمكانات التكنولوجيا في نقل الجرائم بالصوت والصورة، وتسهيل التواصل بين المجرمين وإعطائهم وسائل ارتكاب الجريمة، كل ذلك خلق أفكار الإجرام وعزَّز نوازع الشر، على حدّ رأي من يرى أن الأفكار إنما هي انعكاس لما تلتقطه الحواس من العالم الخارجي كالفيلسوف جان لوك: (هذه الأفكار لم يخلقها الذهن نفسُه، وإنما استمدها من الأشياء الخارجية، ومن ثم فأسباب “أفكار” الموضوعات النفسية هي الأشياء الموجودة في العالم، والمستقلة عن الذهن: هذه الورقة، وتلك الوردة”).
الدعاية الممنهجة للجماعات المتطرفة، سواء كانت العصابة الغالية الإرهابية التي تُقدِّم حججها الزائفة لتبرير القتل والاعتداء، أو المجموعة المنحرفة العدمية التي تَعرِض ممارساتها لإغراء الشباب. عدم وجود جهود تربوية جذّابةٍ في الشكل، مقنعةٍ في المحتوى، متماسكةٍ في المنهج، تسد الثغرات، وتعالج مكامن الداء -وتضع الهَناء موضع النقب.
إنّ الجُذور المعرفية والفكرية للتّطرف والانحراف الأخلاقي موضوع مجال تَساؤل فَلسفي في الماضي والحاضر، وميدان تعامل فِعليٍّ للمصلحين والمربين قديماً وحديثاً. ذلك أن الأسئلة القديمة هي تقريباً نفس الأسئلة الحديثة، فهي متحدة بالذات وإن كانت مختلفة بالاعتبار؛ إلا أن الأجوبة هي التي تختلف في الزمان والمكان نظراً للتفاعل بين الكون والإنسان.
في ضوء ذلك يري الباحث ان: التطرف ليس مفهوما علمياً في الثقافة العربية الإسلامية، بمعنى أنه لم يستعمل في وصف الأفكار والآراء والممارسات والسلوك، بل استعمل مقابله، وهو الوسط، لوصف حالة الاعتدال الفكري والسلوكي والاتزان.
واستعمل كذلك نظيره، وهو الغلو الذي يعني الخروج عن الاعتدال، والتجاوز عن المعهود والمطلوب في الأقوال والأفعال. لهذا، فإن الإسلام براء من كل تطرف، مع أن التاريخ الإسلامي قد عرف غلاةً ومتطرفين ومتنطعين، إلا أن تيار أهل السنة والجماعة ظل متمسكاً بالمنهج الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط. إن التطرف، سواء كان فكرياً أو سلوكياً، مفهوم يختلف باختلاف الزمان والمكان والإنسان،
ويمكن تعريفه بأنه: خروج على النظام العام فكرياً وسلوكياً، يحمل إمكانية التحريض على العنف أو الإخلال بالأمن.
فالتطرف مذموم في الفقه الإسلامي، وكان من مآسيه في التاريخ حركات الخوارج والباطنية، وفي الزمن الحاضر حركات التكفير والعنف والشغب والقلق السياسي والاجتماعي. أما الشريعة، فإنها تزكي الوسطية المنافية للتطرف والغلو.
لهذا كان الهدف من الدراسة: اثبات إن المعارف المسببة للتطرف بعضها ليس جديداً، وإنما هو وريث لفكر كان في تراثنا وتاريخنا، وهو علاقة هذه الفئات الخارجة بالنص، باعتبار أنها فقدت الصواب في التعامل مع واقع النصوص، وجانبت الصدق في استشهادها بها وجهلت الحق. إنَّ فكر الخوارج بفرقها الكثيرة، يتميز بحرفية في الفهم بلا تأويل ولا تعليل، واجتزائيةٍ في الدليل وفروع بلا أصول، والأخذِ بالجزئيات مع إهمال الكليات. لقد جر ذلك على الأمة منذ القرن الأول حروبا وتفرقا داخلياً لا تشفى منها حتى يَذُرَّ قرنُ فتنة أخرى، وتَبرُز جماعةٌ لتكرر نفس السلوكِ المتطرف مستنجدةً بنفس المنهج المجانب للحكمة-أي للصواب والصدق والحق.
المقدمة
إن الأخلاق توفر الأمنَ النفسيّ للفرد، والأمنَ في العلاقات الاجتماعية، والأمنَ في المعاملات، والأمنَ في احترام النظام والتعليمات. إن الصدق، والاستقامة، وحسن المعاملة، واحترام القيم، ويقظة الضمير الوازع عن الغش والخداع، العازف عن الاعتداء على الأعراض والأموال والدماء، المتصالح مع ذاته وبيئته؛ ذلك كله هو حسن الخلق: إيمان بالحق، وإحسان على الخلق. ان الجزع الذي يسبّبه تصاعد التّعصبّ والإرهاب والعنف وكره الأغيار والقوميّة العدوانيّة والعنصريّة واللاساميّة والإقصاء والتّهميش والتّمييز ضدّ الأقليّات القوميّة والعرقيّة والدينيّة واللغويّة واللاجئين والعمّال المهاجرين والفئات الهشّة وممارسة العنف ضدّ من يعبّر عن رأيه. كيف يُعالَج هذا الوضع المعرفي والفكري في ظل ما أشرنا إليه من الصعوبات؟ وأهمها وجود ثقافة مأزومة اختل فيها ميزان المعرفة والسلوك، وغابت فيها الوسطية والحكمة.
إنَّ الأمر يتعلق بمعالجة ثقافية شاملة وتجديد فكري كامل، ولهذا فسنقدم مقاربة مجملة تعتمد على قيمة التسامح والوسطية والحوار.
ثقافة التسامح والتصالح في مواجهة ثقافة التطرف الفكري والانحراف الخلقي: فتصاعدُ التعصب والمواجهة يشكل تهديداً محتملاً لكل منطقة، فالتسامح ضرورة للأفراد وفي نطاق الأسرة والجماعة. فتنمية التسامح والتدرب والتمرن على الانفتاح الذهني وحسن الاستماع والإنصات المتبادل والتضامن يجب أن تسود كل هذه المعاني في المدارس والجامعات ووسائل التربية.
ويمكن القول ان غرس ثقافة التسامح في النفوس، يجب اتخاذ السبل بكل الوسائل التثقيفية، وفي مقدمتها التعليم والتربية، والإعلام الجماهيري، لإيجاد تلك القيم، والتصورات، لضبط وكبح جماح النفوس الميالة إلى العنف، وترجيح كفة التسامح، وحسن تقبل الغير، وباختصار إيجاد الروح الاجتماعية، والتعايش البناء بين أفراد المجتمع. وهي بذلك تقابل ما يسمى بثقافة العنف.
ومعنى ذلك أنّ المُثل والقيم التي يتلقّاها، ويُلقّنها أفراد المجتمع، عن طريق القنوات والأدوات التثقيفية، في مختلف مراحل التّعليم، ووسائل الإعلام بشتّى أشكالها، وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيري، كالخطب، والأناشيد ذات مضمون رصين متسامح، ومتعقّل،
لا يخرج على النّهج العام السائد، والأعراف المقبولة، لشحن العواطف، وإلهاب المشاعر، دون وزن للعواقب، ولا مبالاة بالنتائج. إن هذا الكلام عام في كل مجتمع، مهما كانت فلسفته الحياتية. فإن الميزان الشرعي هو ميزان الوسطية التي لا إفراط فيها ولا تفريط. ميزان الشرع هو نبذ المبالغة والمغالاة، والنظر في العواقب والمآلات. “فالدين واسطة بين الغلو والتقصير”
وميزان الشرع هو ميزان المصالح والمفاسد، يضعها في كفتيه، فيرجح الأصلح، ويدرأ المفسدة، فكما يقول العلامة ابن القيم: “الشريعة مصلحة كلها، وعدل كلها، ورحمة كلها، فما خرج عن المصلحة إلى المفسدة، وعن العدل إلى الجور، وعن الحكمة إلى العبث، وعن الرحمة إلى ضدها، فليس من الشريعة“.
يؤكد التاريخ أنّ الفكر المنغلق على فئة قليلة تتوسل العنف للوصول إلى اهدافها، لا يعيش طويلًا. والفكر السلفي التكفيري الذي يستخدم الإرهاب لبلوغ اهدافه، يحمل بذور فنائه في داخله، فمعظم المسلمين يرفضون هذا الفكر المسيس للدين، ويرفضون ممارساته الدموية. وإذا كانت المواجهة العسكرية أمرًا مفروغًا منه لاجتثاث المنظمات الإرهابية التي بات خطرها مستشريًا، فإن المواجهة تقتضي ايضًا استخدام وسائل اخرى.
إذا يواجه الوطن العربي الان أزمات أن الحركات الجهادية السلفية هي إحدى ادوات الصراع الدولي وصناعته، وأحد منتجات العولمة السياسية والاقتصادية وشركاتها العابرة للحدود. بعضها انقلب على صانعه انتقامًا، والبعض الآخر يباع أو يستأجر، بالإضافة إلى من يستثمر لتحقيق اهداف بعض الدول الإقليمية ومصالحها، وسياسات بعض الدول الكبرى العاملة على ضرب الاسلام بنفسه، ومن داخله، عبر مكوناته الإتنية والمذهبية والعقائدية، وذلك بتفجير صراع طويل يستنفد طاقات المنطقة وامكاناتها ومواردها المادية والبشرية ويعيدها إلى عصور الجاهلية ويفقدها هويتها القومية أو الدينية.
وبالتالي تغيير الانظمة المعارضة واسقاطها لاستبدالها بأنظمة أكثر طواعية، لرؤية الدول الكبرى لمستقبل العالم في القرن الحالي.
إن تفتيت المنطقة إلى كيانات طائفية ومذهبية تتصارع في ما بينها يؤمن لهذه الدول التدخل في شؤون المنطقة، ويتيح لها الهيمنة والوصول إلى موارد الطاقة واسواق الاستهلاك بطريقة سلسة ورخيصة، لإنعاش اقتصاداتها المتعثرة وأسواقها المالية من خلال بيع الاسلحة ومنتوجاتها المختلفة. كما أنه يؤمن التبرير العقائدي والاستقرار الأمني للكيان الاسرائيلي، بما يعزز حججه ومطالبته بأن يكون دولة اليهود في العالم.
لذلك فان إشكالية الدراسة: لعل من أسباب انتشار الفكر المتطرف " التطرف العنيف "، وجود حالة من الجهل وعدم الشعور بالمسؤولية تجاه الأفراد والممتلكات وحق الآخرين في التعبير عن آرائهم بحرية،
وغياب دور الأسرة والمدرسة والمؤسسات التربوية الأولى التي تسبق الجامعة في إعداد الطالب الجامعي، بالإضافة إلى ضعف وسائل الوقاية للحد من ظاهرة التطرف قبل وقوعه، وشعورهم بأنهم يعملون ضمن مناخ لا ترقى فيه حرية التعبير عن الرأي
والموقف إلى المستوى المطلوب، ووجود حالة من القلق النفسي والتوتر لدى الشباب تدفعهم إلى الممارسات غير الواعية أو المحسوبة،
وكذلك تعرضهم للعديد من المتغيرات وعمليات الجذب الثقافي المتأتية من تعدد وسائل الإعلام والثقافة الوافدة التي قد تبث لديهم الكثير من القيم الهدامة.
وتأتي أهمية دراسة لمعرفة اسباب تكوّن هذه الظاهرة، وفهم بنيتها العقائدية، وسلوكها الفكري وخطها السياسي وعملها العسكري وممارساتها العدوانية والإلغائية والإنسانية ضد كل من لا يوافق رأيها ومشروعها، على مسرح بعض دول الاقليم من ليبيا إلى مصر والعراق إلى سوريا ولبنان وما يحيط بها وحتى مختلف دول العالم، قد يؤدي الى تصور استراتيجي يسهم في تكوين فضاء معرفي لمشروع مواجهة متعدد الابعاد يقف بوجه المشروع الجهادي التكفيري. فكيف يكون ذلك؟ في البداية لا بد من توحيد النظرة الفكرية والدولية للظاهرة والاتفاق على التوصيف والمصطلحات.
وذلك باعتبار أن هذه الظاهرة واقعية وقائمة بحد ذاتها كما هي، ومن دون اعطائها توصيفات العمالة والارتباط هنا وهناك، أو الاعتبار أنها وجدت ردًا على مشروع مذهبي آخر.
وهنا من المفترض أن تتوافق جميع الدول في رؤيتها وتوصيفها وتحديدها للمشكلة وكيفية مواجهتها وفق استراتيجية واحدة ومن دون اقصاء أحد.
إن مواجهة هذا المشروع التكفيري تفرض وضع استراتيجيات قريبة، ومتوسطة، وبعيدة المدى، واستخدام «وسائل صلبة» وأخرى «ناعمة».
مشكلة الدراسة إن الخلل الفكري الذي يجتاح العالم اليوم، ويجد من يتقبله ويعتنقه ويتأثر به، إنما يعزى ذلك إلى ضعف التنشئة، والجري غير العقلاني وراء الأهواء، والركض خلف الإثارة على حساب الحقائق العلمية، ولأجل ذلك أصاب الجو الفكري بعض الملوثات الخطيرة تماماً كما يتلوث الماء والهواء بما يفسد الصحة.
ان تناول مسألة التسامح في الإسلام يشكل ثقافة متكاملة لها قيمها ومظاهرها ومجالاتها، كما له أسس منهجية عليها ينبني ومن خلالها يتجذّر، وسنستعرض بعضها: الرؤية الإسلامية للآخر، وموقف الإسلام من الاختلاف والتعددية، ومكانة الحوار في الإسلام.
وتتمحور مشكلة الدراسة: إن تشعب ظاهرة التطرف الديني وتعدد أبعادها يجعل الإلمام بها أمرا عسيرا لكننا سنحاول تسليط الضوء على بعض جوانبها من خلال الإشكالية التالية: لماذا أصبحت ظاهرة التطرف الفكري لدى الشباب ظاهرة مُعولمة فكرا وممارسة؟
لتفكيك هذه الإشكالية سنهتم بداية بالعوامل التي تدفع الشباب إلى تبني الفكر الديني المتطرف أي الفكر السلفي الجهادي وسندرس في مرحلة ثانية مسألة انخراط الشباب في الأعمال العنيفة الإرهابية أي تحولهم في إطار هذا التطرف من الفكر إلى العنف مع إبراز خصوصيات هذا العنف (الإرهاب الجهادي) وكيفية مواجهة هذا الفكر المتطرف المدمر للشعوب والأمم.
ويمكن صياغة تساؤلات البحث في التالي:
- كيفية تعميق وتوسيع أسس ومتطلبات عمليات التجديد في أبنية الدين الفكرية، بلورة صيغ معرفية عملية جديدة، يمكن أن تقدم الإسلام كفكر حي معاصر ومواكب للحياة والتطورات الإنسانية في الزمان والمكان.
- كيفية تكوين فكراً إنسانياً أصيلاً، رافضاً للعنف والإقصاء والتكفير، كما هو في واقعه الذاتي، بعدما أحاطت به (وغلّفته) رؤى وتفسيرات مشوهة وشروحات منحرفة على مدى التاريخ كله.
- كيفية مواكبة التطورات العلمية والفكرية والثقافية والاسهام في تيارات العصر بإيجابية، وذلك عبر إبراز وتوضيح الرأي الديني الصحيح تجاه مختلف قضايا الفكر والمعرفة والثقافة المعاصرة.
- دور العقل المعرفي العملي في فهم النصّ المؤسّس، حيث يجب أن يكون الفقيه والمثقّف متحرّرين من أيّ قيد أيديولوجي أو مزاجي في دراسة النص، وأن تكون الحرّيّة هدفهما ومنطلقهما في ذلك.
- استمراريّة التجربة، وتراكم الفعل المسؤول والواعي، إلى تكثيف الفعل الثقافي والاجتماعي لتحرير ديناميّة التحول الاجتماعي في مجالنا الإسلامي من كوابحها ومعوقاتها الذاتيّة والموضوعيّة،
- دور التعدّديّة في السياسة والتعبير موقعها الأساس في تنظيم الخلافات والصراعات، وضبطها، وحتّى تتجه كلّ الجهود والطاقات نحو البناء، والسلم، والاندماج الاجتماعي والوطني، وتعميق موجبات العدل، والمساواة، والحرّيّة.
أهمية البحث: فالانحراف الفكري والتطرف هو أصل الإرهاب، لكن هذا العدوان له تربته الخاصة المتمثلة بالأمراض الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة كالفقر والاستغلال والهيمنة الثقافية التي تقدح شرارة العدوان وبالتالي الإرهاب. فالإرهاب يتحرك ضمن خلفية واسعة، حافزة على الإرهاب وسط هذه التناقضات والصراعات.
فالإرهاب يبدأ حينما يعجز العقل عن اللجوء إلى أساليب منطقية في التفاهم والتحاور مع الطرف الآخر. ويعد الانحراف الفكري والتطرف مخالفاً وخارجاً عن الدين الإسلامي في عقيدته الصحيحة وشريعته السمحة وتعاليمه السامية وأخلاقه الفاضلة، بل طعن لمبادئ الأمة وخلخلة لصفوفها، وتشتيت لجهودها وقدراتها، وتشويه لصورة الإسلام والمسلمين.
إن تردي الظروف الاقتصادية والاجتماعية في مجتمعاتنا العربية، وإتباع الفتاوى الشاذة، وانتشار البطالة وشح فرص العمل، وتدهور الاقتصاد وتدني دخل الفرد، والتذمر والمعاناة، وغياب الحوار المفتوح، وعوامل الصراع العرقي والديني والخلافات الداخلية، وضعف الحكومات، وعدم الثقة بالسلطة السياسية، كل تلك المنابع تؤدي إلى أعمال إجرامية.
إن الانحراف الفكري ليس مشكلة أحادية البعد من حيث أسبابها أو من حيث طرق الحل؛ وبالتالي فإن تصدي أجهزة الدولة لها لا يجب أن تقتصر على طريقة واحدة وهي العنف لأنها تؤدي إلى مزيد من العنف ولكن الاهتمام بمشاكل الشباب وإيجاد حلول لهم لتمكنهم من القيام بدورهم من خلال مشاركة أكثر إيجابية، وأكثر فعالية، مشاركة تتضافر فيها الجهود مجتمعة من أجل التصدي لمشكلاته والخروج من أزماته على نحو صحيح.
ومن ثم فأن أهمية الدراسة الراهنة تكمن في انها تسلط الضوء على موضوع يعد من اهم المواضيع التي تغيب عن الباحثين في الأقطار العربية لان وطننا العربي يسير متفاعلاً مع مجريات الحياة من حوله؛ ولذلك فإن دوره يؤثر في هذه المجريات ويتأثر بها بما قد ينعكس على سلوكه وأخلاقياته وطبيعة علاقاته الاجتماعية وانتماءاته المختلفة.
ومن ثم فأن الدراسة الراهنة تظهر، إن المجتمع العربي يتميز بالكثافة الشبابية في بنائه الديموغرافي، وإذا ما استطاع أن يوظف قوة الشباب بشكل ملائم وفعال، ويستثمر طاقاتها على نحو سليم؛ كانت هذه القوة ايجابية وبناءة، واستطاعت أن تمارس أمورها بشكل صحيح مما يؤدي إلى ريادة المجتمع والنهوض والسير به نحو مستقبل أكثر رفاهية واستقراراً ينعم بوافر الهدوء والأمن والسلام الداخلي.
أما إذا فشل المجتمع في استيعاب قوة شبابه وإمكاناته التي لا حدود لها فإنه يصبح مهدداً بالعديد من الظواهر التي تهدد أمنه واستقراره وتعوقه عن التنمية هذا فضلاً عن احتمالية أن يصاب المجتمع بالفوضى وتتبدد طاقاته في التصدي للعديد من الظواهر السلوكية المرضية التي قد تشيع في بنائه الاجتماعي بعامة وفي طليعته الشبابية بخاصة.
الإرهاب، التطرف الفكري، الانحراف الفكري ظواهر تعبر عن السلوك المشوب بالقسوة والعدوان والقهر والإكراه، بعيداً عن التحضر والتمدن، تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية استثماراً صريحاً بدائياً، كالضرب والتقتيل والتكسير والتدمير للممتلكات، واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره. ويمكن أن يكون فردياً أو جماعياً أو عن هيئة تستخدم جماعات كبيرة كما يحدث في التظاهرات.
ويمكنني القول بأن السلوك المنحرف الذي يوجه الأفراد نحو التطرف وممارسة الإرهاب في حالة توافر أرضية فكرية خصبة تبرر أنماط السلوك التدميري، وقابلية الإيحاء لتقبل الأفكار وتنفيذها على أرض الواقع، والفرصة السانحة لتحول مشاعر سالبة إلى أنماط سلوكية على أرض الواقع، والتطرف على المستويات الثلاث.
لذلك تأتي أهمية البحث في تحقيق الأهداف التالية:
- كيفية تفكيك تلك الظواهر، والكشف عن مسبّباتها، وميكانيزمات قوَّتها وتفشيها في بنية المجتمع، وصلتها بالقيم والأخلاق المكتسبة من التنشئة الاجتماعيَّة، سواء في مناهج التعليم أو الخطاب الدّيني السائد الرسمي أو الحركي، أو الخطاب الثقافي بشكل عام، وتأثيرات العولمة والحداثة وما بعدها، والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي... إلخ.
- و كيفية تحليل هذا التناقض للدّين في المجال العام، وذو سيولة تأويليَّة تفسح المجال أمام التأويلات المتطرّفة الانتقائيَّة والمجتزأة من سياقاتها، أو تلك التي كتبت على هامش النص. وتشتغل على إبرازها كمفاتيح أوليَّة ومؤسّسة لفهم غايات الدّين ورسالته، وتدفن تحت مظانّها وجزئياتها الرسالة الإنسانيَّة المنفتحة للدّين على كافة الثقافات والأديان والتلوينات الاجتماعيَّة.
- اثبات مخالفة ما تروّجه أدبيات الجماعات الجهاديَّة، إبراز الجهاد (قتال وقتل) كمبدأ مؤسّس للإسلام الذي يستمدُّ معناه ووجوده من وجود الجماعة واستمراريتها، والتكفير كمحدّد لهويَّة الجماعة المتمايزة عن البشريَّة، والعنف كفلسفة ورؤية للقوَّة وإثبات الوجود.
- وبالرغم من ضآلة وسطحيَّة هذه الأفكار، فإنَّ السؤال لا يتوجَّه نحوها مباشرة بقدر توجُّهه نحو أسباب رواجها وانتشارها، والتربة التي تستمدُّ منها قوَّتها، ونعني هنا تلك العلاقة الملتبسة بين الدّيني والسياسي، بين الدّين والدولة والمواطنة، وزجّ الدّين بلا هوادة في الصراعات السياسيَّة، واختطاف مفاهيمه ابتغاء الترويج لمشاريع سياسيَّة؛ كمفاهيم الخلافة والحاكميَّة ودار الحرب والسلم والجاهليَّة والكفر والجهاد والجماعة والأمَّة...إلخ.
- كما تهدف الخطَّة البحثيَّة من خلال أسئلتها إلى الكشف عن العوامل الأخرى الخارجيَّة الدافعة، التي تشكّل تربة خصبة لتفشّي هذه الظواهر. كفشل الخطط التنمويَّة، والتعاطي السياسي الغربي وتدخُّلاته في المنطقة العربيَّة، والصرعات والحروب التي تفتك بمجتمعاتنا، ورهانات الهيمنة المباشرة عسكرياً أو سياسياً، أو تلك التي تأتينا تحت شعارات الحداثة والعولمة ودمقرطة المجتمعات، وخلفياتها الفلسفيَّة غير المحايدة والمتحيّزة، وكذلك الاختزال التنظيري المسيس المقصود أو غير المقصود القاصر عن فهم مجتمعاتنا، والكابح في عمقه لأشكال التعدُّد والتنوُّع الثقافي والاجتماعي.
- كما ستكشف الخطَّة البحثيَّة في مفاصلها الدراسيَّة عن جوهر القيم والأخلاق والمبادئ الدينيَّة المناهضة لأفكار التطرُّف والعنف والإقصاء، والمؤسَّسة في جوهرها للتعدُّد والتنوُّع الديني والثقافي، الذي يقوم على التعارف ومكارم الأخلاق واللَّاإكراه. وميكانزمات الدفاع في القرآن كنصٍّ مطلق لا يستجيب للاستخدام المبتذل المتطرّف والإقصائي.
فرضيات الدراسة: تنطلق الدراسة الراهنة من فرضية رئيسية هي:
1-إنَّ الناظر إلى فكرة التطرُّف يرى في عمقها أنَّها تحطّم فكرة الوطن والمجتمع، وتؤسّس لفكرة الارتباط بالجماعة، المختزلة في لحظة زمانيَّة ذات حمولة إيديولوجيَّة ثابتة لا تتغير.
2- حمولة إيديولوجيَّة منتقاة ومفصَّلة على مقاس الجماعة، وقابلة للمزيد من الاختزال والانتقاء بحسب طبيعة الجماعة وأهدافها واستراتيجيتها.
3- هذه الرؤية العامَّة المتطرّفة منفصلة عن المكان، وماسخة للزمان، ومدمّرة للإنسان والمجتمع مادياً ومعنوياً.
4- وما دور المجتمع والتنشئة الاجتماعيَّة، والأنظمة السياسيَّة، والاستراتيجيات والمصالح السياسيَّة الغربيَّة، والإسلام السياسي، والإسلام الرسمي، والعولمة والحداثة وما بعدها وفلسفتها، والاستعمار بأشكاله المختلفة؟
منهجية البحث: من الأهمية بمكان: ان تستند البحوث والدراسات الي القواعد النظرية العملية التي تساعد الباحث علي توجيه بحثه الي الأسباب التوضيحية والعوامل المفسرة ل (موضوع البحث) كما هي في دراستنا الراهنة استخدام المنهج التحليلي لأنه يعتمد على تفكيك العناصر الأساسية للموضوعات محل البحث،
ومن ثَمَّ دراستها بأسلوب متعمق، وفي ضوء ذلك يتم استنباط أحكام أو قواعد؛ يمكن عن طريقها إجراء تعميمات تساعد في حل المشاكل الاجتماعية، ويشيع استخدام ذلك المنهج في العلوم الشرعية والأدبية والفقهية والاجتماعية بجميع أطيافها.
الفصل الاول : اسباب التطرف والتمسك
1- من الضرورة الإشارة إلى أن التمسك بالكتاب والسنة، أو بالأحواط من آراء الفقهاء ليس تطرفاً، وإنما التطرف هو التجاوز عن الحد الوسط مع التعصب للرأي تعصباً لا يعترف معه للآخرين بوجود، وقد يؤدي ذلك إلى التكبر أو الاعتداد بالذات أكثر من لازم، فقد سمعنا بعضهم -وهم لا يزالون محتاجين إلى فهم النصوص الشرعية- يقولون: هم -أي أبو حنيفة ومالك والشافعي ونحوهم- رجال، ونحن رجال! ومن مظاهر التطرّف أيضاً: التزام التشدد على النفس، والتشديد على الغير في غير محله، وإلزامهم بما لم يلزمهم الله به، في حين أن الإسلام دين التيسير في الأحكام، والتبشير في الدعوة، قال صلى الله عليه وسلم: (يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا، وَلاَ تُنَفِّرُوا)[ 46 ].
ومن مظاهره أيضاً: الغلظة والخشونة في التعامل، وهم يخطئون في الاستشهاد بآية نزلت في حالة الحرب مع الأعداء {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}[التوبة:123]. ومن مظاهره أيضاً: سوء الظن بالناس، والتساهل في غيبتهم من باب الجرح والتعديل، في حين أن من أخلاق الإسلام حسن الظن بهم والتماس الأعذار لهم.
ومن مظاهره الخطيرة: السقوط في هاوية التفسيق والتكفير للمخالفين لهم، وحينئذٍ تكون الكارثة حيث تُسقط عصمتهم وتُسفك دمائهم[ 47 ]. ثانياً: العناية القصوى بتوسيع دائرة الولاء والأخوة الإسلامية لتشمل جميع أهل القبلة، مع السعي للتصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة، والاهتمام بنشر ثقافة المحبة والقبول بالآخر، وثقافة الجمال والتحضر.
2- الجانب العقابي من خلال العقوبات من الحدود والتعازير المرتبطة بما ينتج من الانحراف الفكري من التطرف والإرهاب.
وقد شرع الله تعالى عقوبتين خطيرتين لمن يدفعه الانحراف الفكري إلى الإرهاب والعنف ضد المجتمع والدولة، هما:
عقوبة الحرابة والفساد في الأرض:
لقد شرع الله -تعالى- لقطع دابر الفساد في الأرض، ولمنع الاعتداء على أمن المجتمع عقوبةً تعدّ على الإطلاق أشدّ العقوبات، إذ يقول تعالى: {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[المائدة:33].
ودون الخوض في التفاصيل الفقهية، فإنّ الفقهاء مجمعون على حرمة الحرابة والفساد في الأرض، بل هي من الكبائر الموبقات، وهي جريمة موجهة نحو المجتمع، وليست جريمة ذات طابع فردي؛ ولذلك ليس لأولياء المقتول الحق في العفو عن المحارب المفسد،
وإنما الحق للدولة من قبل القدرة عليهم، ثم اختلفوا هل هذه العقوبات موزعة حسب نوعية الجريمة، فإن قتل فقط يقتل، وإن قتل وأخذ المال عنوة قُتِل وصُلِب، وإن أخذ المال قُطِعَ فقط، وإن قام بالتخويف والرعب سُجن، أم أن الدولة مخيرة حسب المصالح في اختيار أي عقوبة ما دامت الحرابة قد تحققت[ 48 ].
فالحرابة مبناها على الرعب، والإرهاب، وأنها خروج مسلح، أو استعمال للقوة لإحداث الفوضى، وسفك الدماء، والإخلال بالأمن والأمان والقانون، والنظام العام، وأنها عادة تتحقق بخروج مسلحين يقطعون الطريق ويحدثون الفوضى، ويسفكون الدماء، ويهلكون الحرب والنسل ويعتدون على إحدى الكليات المقصودة في الإسلام من الدين، والنفس، والعقل، والمال، والنسل والعرض، قال -تعالى- في وصفهم: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}[البقرة:205].
ويدخل في مفهوم الحرابة: عصابات القتل، والخطف، والسطو على البيوت أو البنوك، وخطف النساء للفجور بهنّ، واغتيال المسؤولين ابتغاء الفتنة واضطراب الأمن، وإتلاف الزرع، وقتل المواشي والدواب، ومن يقوم بالتفجيرات بين المدنيين، ونحوها من الجرائم التي تحدث الفزع داخل المجتمع[ 49 ].
عقوبة الاعتداء على الدولة وأمنها:
هذه العقوبة تسمى في الشريعة بحدّ البغاة، وهم الذين يخرجون عن الإمام (الدولة الشرعية) خروجاً مسلحاً بتأويل، جاء في بدائع الصنائع: "فالبغاة هم الخوارج، وهم قوم من رأيهم أن كل ذنب كفر، يخرجون على إمام أهل العدل، ويستحلون القتال والدماء والأموال بهذا التأويل، ولهم مَنعة وقوة"[ 50 ].
ولكن الراجح هو أن الغلاة أعم من الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وسبي نسائهم، ويكفرون علياً وأصحابه وعثمان وطلحة والزبير، أما البغاة فهم الخارجون خروجاً مسلحاً ضد الدولة بتأويل، مطلقاً، ولذلك قال ابن عابدين: "الظاهر ... أن البغاة أعم"[ 51 ]، وعلى عمومهم جمهورُ الفقهاء"[ 52 ]. قال ابن قدامة: "وجملة الأمر أن من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته: ثبتت إمامته ووجبت معونته، وأن من خرج عليه يعتبر باغياً وجب قتاله"[ 53 ].
والخلاصة أن هؤلاء البغاة الذين خرجوا على الدولة الشرعية بتأويل يجب بذل كل الجهود لتحقيق المصالحة العادلة، والسعي لاستجابة مطالبهم المشروعة، فإن أبو ذلك أو قاموا بأعمال إرهابية وجب قتالهم بالإجماع، قال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات:9-10].
3- الخوارج مرجع كل تطرف ديني في الإسلام:
وإذا رجعنا إلى السنة المشرفة نرى خطورة الغلو في الدين لدى الخوارج، وأن من صفاتهم الجرأة على الدين وعلى الصحب، حتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم عن أبي سعيد الخدري قال: (بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا، أَتَاهُ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ، فَقَالَ: وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ؟
فَقَالَ: دَعْهُ، فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ... آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ، إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي نَعَتَهُ)[ 54 ].
وفي رواية لمسلم عن جابر قال: (أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ، وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا، يُعْطِي النَّاسَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اعْدِلْ، قَالَ: وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ، فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)[ 55 ]،
وفي رواية أخرى لمسلم عن أبي سعيد في قصة توزيع ذهب على أربعة نفر: (فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ، مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ، غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ، نَاتِئُ الْجَبِينِ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ، فَقَالَ: اتَّقِ اللهَ، يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَنْ يُطِعِ اللهَ إِنْ عَصَيْتُهُ، أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَلَا تَأْمَنُونِي؟ قَالَ: ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ، فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فِي قَتْلِهِ -يُرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ، أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ)[ 56 ].
وروى البخاري ومسلم وغيرهما بسندهم إلى علي بين أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ،
فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا، لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[ 57 ]. وفي رواية أخرى قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صَلَاتُكُمْ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِشَيْءٍ، وَلَا صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَيْءٍ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ، لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَوْ يَعْلَمُ الْجَيْشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُمْ، مَا قُضِيَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَاتَّكَلُوا عَنِ الْعَمَلِ)[ 58 ].
ويظهر من هذه الأحاديث الصحيحة وغيرها مما ذكرتها كتب الصحاح والسنن والمسانيد أن هؤلاء القوم تبنوا الفكر المتطرف، والغلو في الدين، والتشدد في الحكم، مع تزكية أنفسهم بأنهم أفضل الخلق، وأن القرآن لهم فقط، وأن تأويله لصالحهم، وأنهم مكثرون للصلاة، والصيام والقراءة ومبالغون فيها، وفي الاعتناء بمظاهرها، ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصفهم بأن هذه العبادات الظاهرية لن تتجاوز أماكنها، بل إنهم شر الخلق والخليقة، فقد روى مسلم وغيره عن أبي ذر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي -أَوْ سَيَكُونُ بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي- قَوْمٌ يَقْرَؤونَ الْقُرْآنَ، لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ، يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ)[ 59 ].
حيث يدل هذا الحديث على أن الخيرية لا تتحقق بكثرة الصلاة والصيام والقراءة وحدها، وإنما بالفكر المعتدل، والالتزام بالأخلاق والقيم والمصاحبة لها، وبالتربية والتزكية. وأشارت هذه الأحاديث الصحيحة إلى أن الخوض في قراءة القرآن دون الفقه والفهم العميق يترتب عليه الإفراط والتفريط، والتشدد والتكفير.
وقد نقل كثير من العلماء الاجماع على وجوب قتالهم إذا حملوا السلاح، فقال ابن تيمية: "والأئمة متفقون على قتال الخوارج المارقين"
ثم قال: "وقد أجمع المسلمون على وجوب قتال الخوارج، والروافض، إذا فارقوا جماعة المسلمين، كما قاتلهم علي رضي الله عنه"[ 60 ].
وهذا القتال مشروط بما يأتي:
1. أن تدعوهم الدولة إلى الحوار والمصالحة وأن تستجيب لمطالبهم المشروعة، وأن ترفع عنهم الظلم البيّن إنْ وجد .
2. أن يرفعوا السلاح في وجه الدولة، إما بالمنع من أداء واجبها، أو بالإقدام على القتل والنهب، والإرهاب والتخويف.
3. أن يمتنعوا عن الحوار، أو المصالحة والسمع والطاعة، بأن يريدوا فرض رأيهم بالقوة، وحينئذ يجب قتالهم حمايةً للأمن والأمان، ووحدة الدولة والمصالح العامة[ 61 ].
وبناء على ما سبق فإن الانحراف الفكري إذا أدى إلى الارهاب والقتل والاعتداء؛ فإن الاسلام شرع مجموعة من العقوبات المفروضة نصاً واجتهاداً في باب: الحرابة والفساد، وباب البغاة، ولكنها تحتاج إلى الاجتهادات المؤصلة للجرائم الواقعة تحت لافتة الإرهاب الداخلي، والإرهاب الخارجي.
الفصل الأول: تعزيز السلم في نشر التسامح
أولا: الرؤية الإسلامية للآخر:
إن الإسلام يعتبر البشر جميعا إخوةً، فيسد الباب أمام الحروب الكثيرة التي عرفها التاريخ الإنساني بسبب الاختلاف العرقي.
إن الآخر في رؤية الإسلام ليس عدوا ولا خصما بل هو على حد عبارة الإمام عليّ رضي الله عنه: " أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخَلْقِ"، فالآخر هو كما تقول العرب الأخُ بزيادة راء الرحمة والرأفة والرفق، إنه الأخ الذي يشترك معك في المعتقد أو يجتمع معك في الإنسانية. ويتجلى هذا بسُمُوٍّ في تقديم الإسلام الكرامة الإنسانية بوصفها أولَ مشترك إنساني،
لأن البشر جميعا على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم كرّمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم عليه السلام، (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) (سورة الإسراء الآية 70).
ولهذا فإن الكرامة الإنسانية سابقة في التصوّر والوجود على الكرامة الإيمانية. وهذا التصور الإيجابي للعلاقة بين الذات والآخر أساس متين للتسامح.
ثانيا: الإسلام والاختلاف والتعددية
إنّ التعدد هو سنة كونية، وكذلك هو فطرة بشرية، فالناس من فطرتهم أن تخلتف رؤاهم وتصوراتهم ومعتقداتهم ومصالحهم. ولم يكن الإسلام في يوم من الأيام إلا معترفا بهذا المبدأ ومعلنا بضرورة احترامه. وإن اعتراف الإسلام بالتعددية الدينية ليس مجرد اعتراف بل هو احترام وحماية: ولَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا فقد جعل الله عز وجلّ البِيَعَ والكنائس محمية لا يمكن أن تمتد إليها يد الاعتداء، والتاريخ يثبت أنه لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه هدموا كنيسة ولا بَيْعةً ولا بيت نار، وتلك هي الديانات التي كانت موجودة في المجال الحضاري للإسلام يومئذ.
وقد علم الإسلام المؤمنين أن الإيمان المطلق بالدين لا يعني عدم قبول الاختلاف، فالمسلم يؤمن بدينه ويتقبل الاختلاف والتنوع، ولا يمكن أن يكون هذا الاختلاف مبررا للتدابر والتقاطع.
إطارا ناظما لترسيخ ثقافة التسامح من خلال التأسيس للتعددية الاختيارية، وبناء عقد اجتماعي على أساسها، يقدم مصالح التضامن والتعاون في شكل حقوق وواجبات. فكانت هذه الصحيفة بحق وثيقةً مؤسسة للمفهوم القانوني للمواطنة المحققة والضامنة للتسامح.
ومن أهم ملامح حقوق الإنسان المؤسسة للتسامح الاعتراف للجميع بحقهم في ممارسة دينهم، فسدّ الإسلام بذلك الباب أمام الحروب الدينية التي كاد التاريخ البشري أن يكون مجرد سجل لها.
ثالثاً: تعزيز ثقافة الحوار
إن الحوار واجب ديني وضرورة إنسانية، وليس أمرا موسميا؛ ولذا أمر به الباري عز وجل فقال "وجادلهم بالتي هي أحسن" وبالحوار يتحقَّق التعارف والتعريف، وهو مفتاح لحل مشاكل العالم؛ حيث يقدم كما يقول أفلاطون البدائل عن العنف؛ لأنه بالحوار يُبحث عن المشترك وعن الحل الوسط الذي يضمن مصالح الطرفين، وعن تأجيل الحسم العنيف، وعن الملائمات والمواءمات، التي هي من طبيعة الوجود، ولهذا أقرها الإسلام، وأتاح الحلول التوفيقية التي تراعي السياقات، وفق موازين المصالح والمفاسد المعتبرة.
إن اعتماد وسيلة الحوار لحل المشكلات القائمة يوصل إلى إدراك أن الكثير منها وهمي لا تنبني عليه مصالح حقيقية، وبهذه الحلول التوفيقية التي يثمرها الحوار، تَفقد كثير من القطائع والمفاصلات والأسئلة الحدّية مغزاها، وتتعزز ثقافة التسامح وقبول الآخر في النفوس. المرتكزة على مبادئ تعزيز السلم في العالم وغرس ثقافة التسامح وترسيخ معاني الأخوة الإنسانية في العالم.
إن من أهدافنا ضبط الفتوى لما لها من دور أساسي في ترشيد التدين وبث الوعي الديني الصحيح وترسيخ التسامح في النفوس، وذلك من خلال إنشاء جيل من المفتين الراسخين في دينهم وثوابته، الواعين بعصرهم ومتغيراته. وكما مرّ معنا آنفا ليس السلم والتسامح إلا وجهين لمفهوم واحد، فلا سلام إن لم تتجذر قيم التسامح في النفوس، كما لا تسامح عندما يستعاض عن السلام بالاحتراب والاقتتال. فكل واحد منهما لازم عن الآخر.
رابعا: التعليم والفكر المتطرف
أن من أهم الخطوات الجادة لمجابهة التطرف مراجعة مناهج التعليم في كافة المراحل العمرية. لا يمن تحييد دور المجتمع المدني المصري في مكافحة الفكر المتطرف، فهو أداة مهمة للرصد والتحليل وإبداء آراء محايدة وموضوعية لمتخصصين حقوقيين وأكاديميين، كلٌّ في مجاله. وإذا لم تقم تلك المؤسسات بدورها التنويري والتوعوي من خلال قنوات للتواصل المباشر مع الناس، ومن خلال فعاليات ثقافية للنخب المؤثرة، فلا أمل لهزيمة الفكر المتطرف المؤدي حتماً للإرهاب.
قد لا يستخدم المتطرفون العنف، لكن أفكارهم تبرر أو تشجع الاعتداء على الأفراد والمؤسسات، أو التحريض العام ضد الدولة والمجتمع، مثل مطالبات تيار أقصى اليمين في أوروبا ضد المهاجرين، ومثلما يطالب بعض المتشددين لدينا بحجب حق التعبير للمخالفين لأفكارهم أو محاكمتهم بسبب أفكارهم المشروعة نظاماً أو التدخل الجسدي لتغيير سلوكيات معينة.
خامسا :- التناقض بين الفكر التكفيري ومبادئ الإسلام
1- إن أتباع الفكر التكفيري يدعون إلى مبادئهم ويعملون على فرضها على الناس بالقهر والغلبة وقد ظهر ذلك من خلال ممارساتهم في العراق وسوريا وليبيا وأفغانستان وفي كل مكان امتلكوا فيه السيطرة على العباد.
فهل تتوافق هذه الطريقة مع الإسلام؟ بالتأكيد إنها لا تتوافق بل إنها تتناقض حتماً معه، فالآية القرآنية الكريمة تقول: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾(النحل: من الآية 125)، فالدعوة لا تكون إلا بالحوار والنقاش والمحبة والإقناع، ولا يقبل قهر الناس على الدين، ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾(البقرة: من الآية 256)، ومهمة المسلم أو الداعية إلى الله هي تذكير الناس ليؤمنوا وليس تهديدهم وإرهابهم ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾(الغاشية:21-22).
ومن هنا ندرك أن دعوة تلك الجماعات ليست دعوة لإدخال الناس في الإسلام، وإنما هي وسيلة لقهر الناس والسيطرة عليهم كعمل من أعمال السلطة الجائرة والطاغية، فهذا هو دين الطغاة على مر العصور، إنهم يتوسلون الدين سبيلاً إلى الملك وهي هي غايتهم الحقيقية.
2- الحكم على الناس بالكفر إذا لم يكونوا على نهجهم وشاكلتهم، وجعل ذلك سبيلاً لسفك دماء المخالفين من أبناء الإسلام، وتراهم يضعون للإيمان قيوداً ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يأت بها رسوله (ص)، وهذا مخالف لسنة المصطفى في الدعوة وتأليف قلوب العباد، فقد رضي عليه الصلاة والسلام من الناس بالشهادتين ليعتبرهم مؤمنين، فقال لهم قولوا لا اله إلا الله تفلحوا وقال: "من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله مؤمناً بها قلبه دخل الجنة" والناطق بالشهادتين له ما للمسلمين من حقوق وعليه ما عليهم من واجبات، ورضي من الناس مظهر الإيمان فاعتبر أن الدخول إلى المساجد وتكرار ذلك منه علامة على إيمانه فقال:" إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان".
3- طرد الناس من بلادهم وأماكن سكنهم إذا كانوا غير مؤمنين أو غير مسلمين كما حصل مع المسيحيين في العراق وسوريا ومع الأزيديين في العراق أو قتلهم وسبي نسائهم واسترقاق ذراريهم، وهذا أيضاً مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما سار عليه المسلمون خارج جزيرة العرب فلم يخرج النبي أحداً من بلاده إلا من حارب المسلمين أو أعان على قتالهم وحربهم كما فعل اليهود من بني قريظة وبني النضير، وبني القينقاع الذين تآمروا على المسلمين وقاتلوهم وساندوا أعداءهم رغم المعاهدة التي كانت بينهم وبين المسلمين.
أما غير اليهود خارج جزيرة العرب فلم يتم التعرض لهم بسوء وأبقوا في ديارهم وأراضيهم، ولم يُجبر أحد منهم على ترك معتقده أو دينه، لذلك بقيت النصرانية والصابئة وغيرها من المعتقدات في العراق والشام وبلاد فارس.
4- كما لم يعتد المسلمون على معابد بقية الأمم والأديان ولا على آثار السابقين ولم يدمروها كما تعمل الجماعات الإرهابية والتكفيرية في سوريا والعراق واليمن، حيث تم القضاء على آثار حضارات مرت عبر التاريخ وانقضت، وما بقي من آثارها إنما هو شاهد على وجودها في الزمن ليس إلا، هذا بالإضافة إلى تدمير الآثار الإسلامية والأضرحة والمقامات والزوايا والتكايا الصوفية والمساجد، كل ذلك تحت دعوى محاربة البدع والانحرافات وكأن الأمة ما زالت تعيش أيام عبادة الوثن بينما الحقيقة أن هدف هذه الجماعات هو تصحير الثقافة والتاريخ الإسلاميين والعربيين. وفي هذا أيضاً نقض لدعوة القرآن الكريم للاتعاظ والاعتبار بأحوال السابقين" قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم".
5- جرائم القتل الجماعي: تستبيح الجماعات الإرهابية التكفيرية قتل الناس جملة من أجل إيقاع الرهبة والرعب في قلوب الخصوم، ودفعهم إلى الهروب من المواجهة والرضوخ والاستسلام لإرادة القتلة ثم الدخول في جماعاتهم وتنفيذ مخططاتهم، لذلك تراهم يعتمدون أسلوب تفخيخ السيارات بالمتفجرات ووضعها في أماكن اكتظاظ الناس المدنيين كالأسواق الشعبية حيث تجد النساء والأطفال أكثر مما تجد فيها من الشباب أو الرجال، وفي المساجد والمعابد والمنتديات والحسينيات، وغيرها من الأماكن، فيقتل جراء إجرامهم هذا الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى التواجد صدفة في الأماكن المستهدفة،
ولقد حرّم الإسلام قتل النفس الإنسانية بغير حق ما لم يكن صاحبها قد ارتكب جناية معاقباً عليها بزهق النفس وقد نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن التعرض في الحرب لغير المحاربين سواءً كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً أو كهنة أو أصحاب معابد لزموا معابدهم. كما نهى عن التعرض لأملاك الناس من شجر أو حيوان أو أبنية. فأين سلوك الجماعات التكفيرية الإرهابية من تعاليم وتوجيهات المصطفى(ص).
6- التمثيل في القتلى وقتل الناس بطرق وحشية كقطع الرؤوس وفصلها عن أجسادها، والقتل حرقاً كما حصل للطيار الأردني معاذ الكساسبة، وذبح الضحايا بدمٍ بارد. وقد نهى النبي عن قتلة السوء ونهى عن التمثيل بالقتلى، حتى ولو كان المقتول كلباً عقوراً: "نهى النبي عن المثلة ولو بالكلب العقور".
هذه بعض الأمور الظاهرة والصريحة من أفعالهم التي تتناقض مع الدين الإسلامي وقيمه وأخلاقه فضلاً عن تناقضها مع السلوك الإنساني السوي، مما يدل على أن هذه الجماعات لا تقيم وزناً للدين ولا لقيمه ومبادئه.
ما هو مستقبل الفكر والجماعات التكفيرية؟
إن الفكر التكفيري ليس بالأمر الجديد، ولقد عرف العالم الإسلامي كما بقية الأمم هذا الفكر، فلقد كفر أتباع المذاهب المسيحية بعضهم بعضاً وأعملوا السيف في رقاب بعضهم البعض بسبب التكفير، كما حصل في مجمعي نيفية وخلقدونية، حيث قام الحاكم الروماني بقتل جميع المخالفين لرأيه في قضية لاهوتية المسيح عليه السلام.
وكان الخوارج أول من سنّ سُنة التكفير في المسلمين ونشأ بعدهم جماعات كثيرة سارت على نهجهم وارتكبت جرائم كثيرة بناءً على هذا النهج.
إلا أن ذلك الفكر الذي كان ينشط لفترة لا يلبث أن يعود ليخفت ثم ليندثر لأزمانٍ طويلة فتعود بعد ذلك ظروف الطغيان والفساد والظلم لتساعد على إيقاظه من سباته ولقد ذكرنا أن مما ساعد على عودة هذا الفكر في هذا العصر هو الطغيان الغربي والظلم والفساد الذي وضع الشباب أمام حائط مسدود، عندما أقام أنظمة ديكتاتورية في العالمين العربي والإسلامي سدّت منافذ العمل السياسي الحر أمام أبناء المجتمع، بالإضافة إلى البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
إن الفكر التكفيري الإرهابي هو ظاهرة مرضية في حياة الأمة وهو غير قابل للحياة، وإذا كان قيام بعض الحكومات والأنظمة المحلية أو القوى العالمية باستغلال أتباع هذا الفكر من أجل مواجهة خصومها ودعمه وتمويله وغض النظر عن أعماله، فإن هذا الوضع لن يستمر طويلاً، لأن الإرهابيين والتكفيريين هم مجرد أدوات وعندما تنتهي الحاجة إليهم فسينقلب عليهم من أوجدهم ودعمهم للتخلص من خطرهم، وسيعمل على إيقاع الفتن فيما بينهم فيقتتلون بقتال أشد مما يواجهون به خصومهم، كما حصل مع جماعات الجهاد والأفغاني بعد هزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وكما هو حاصل اليوم في سوريا حيث تتقاتل هذه المجموعات أكثر مما تواجه عدوها.
أضف إلى ذلك أن طبيعة الشعوب ترفض أمثال هذه الجماعات ولا تستطيع تحمّل وجودها، لذلك مصير الإرهاب إلى الزوال والاندثار وستعود الأمة إلى اعتدالها وسماحة دينها.. ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ﴾(الشعراء: من الآية 227).
الفصل الثالث: كبح الأفكار الهدامة
حين يتجاوز الإنسان في فهم النص ومقصده، أو ينزله في غير محله، أو يستنطقه بغير مراده، فإنه يقع في الهوى والانحراف، وربما تطور أمره فصار صاحب الهوى في فهم الدليل يحكم على مجتمع بأكمله وفق آية محكمة أنزلها هو على هواه، أو انحرف في تفسيرها عما وضعت له، أو أخذها إلى محل غير محلها، فكان بفهمه الناقص أداةً تخرب المجتمع، يستبيح بفهمه هذا دماً معصوماً، أو مالاً مصونا. لا يخفى على أي باحث في بطون كتب الشريعة هذا الكم من الخلاف الفقهي بين أئمة المذاهب، وهي ظاهرة تناولها الأصوليون في سياقات متعددة، ووضحوا بالأمثلة أسبابها؛ فـ«الخلاف إما في مسائل مستقلة، أو في فروع مبنية على أصول، والأول ينشأ من أحد أمور؛ الأول: كون اللفظ مشتركاً، أو الخلاف في عود الضمير، أو الغفلة عن أحد الدليلين المتقابلين -ولو بالعموم والخصوص- فينسحب على العموم من لم يبلغه دليل الخصوص»(1)، ومما يدل على ذلك أن العرب تقول: «رغبت عن الشيء إذا زهدت فيه، ورغبت في الشيء إذا حرصت عليه، فلما رُكب الكلام تركيباً سقط منه حرف الجر احتمل التأويلين المتضادين»(2).
فعدم الوعي بسياقات الكلام، والتعميم في غير موضع التعميم، والتخصيص كذلك، تطور إلى موقف وضع فيه من وقع في هذا -وهم الخوارج- واحداً من الخلفاء الراشدين في موقف الضلال والكفر! وتطلب الأمر أن يناقشهم ابن عباس قائلاً:
«أخبروني ماذا نقمتم على عليّ رضي الله عنه؟ قالوا: ثلاثاً:
أما إحداهن: فإنه حكَّم الرجال في أمر الله.
وأما الثانية: فإنه قاتل ولم يسبِ ولم يغنم.
والثالثة: أنه محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن فهو أمير الكافرين.
قال: أما قولكم حكَّم الرجال في أمر الله، فقد حكّم الله الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ونحوها من الصيد، فقال: {لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} (المائدة: 95)، فنشدتكم الله: أحكم الرجال في أرنب ونحوها من الصيد أفضل؟ أم حكمهم في دمائهم وصلاح ذات بينهم؟ وأن تعلموا أن الله لو شاء لحكم ولم يصير ذلك إلى الرجال.. قالوا: نعم.
قال: وأما قولكم: قاتل ولم يسبِ ولم يغنم؛ أتسْبُون(3) أمكم عائشة ثم تستحلون منها ما يستحل من غيرها، فلئن فعلتم لقد كفرتم! وهي أمكم، ولئن قلتم: ليست أمنا؛ لقد كفرتم، فإن الله يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (الأحزاب: 6)، فأنتم تدورون بين ضلالتين أيهما صرتم إليها صرتم إلى ضلالة، قلت: أخرجت من هذه؟ قالوا: نعم.
قال: أما قولكم: محا اسمه من أمير المؤمنين، فقد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية كاتب سهيل بن عمرو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اكتب يا علي: هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله»، فقال المشركون: لا والله؛ ما نعلم أنك رسول الله، لو نعلم أنك رسول الله ما قاتلناك! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنك تعلم أني رسول الله، اكتب يا علي: هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبدالله»، فوالله لرسول الله خير من عليّ، وما أخرجه من النبوة حين محا نفسه، فرجع من القوم بمحاجة ابن عباس ألفان وقتل سائرهم على ضلالة»(4).
وواضح من سياق القصة أن الخوارج احتجوا بأدلة منطقية في ظاهرها لا تحتمل النقض في حجيتها عندهم، لكن جلَّى لهم ابن عباس رضي الله عنهما الأمر، وبيَّن لهم خطأهم في تأسيس الدليل والبناء عليه. فهذا التكييف الخاطئ للفعل، وتحميله ما لا يحتمله، وإلزامه ما لا يلزم، هو ما حدا بالخوارج أن تخطئ في الأحكام، وتستبيح بالخطأ الدماء والأعراض من المجتمع.
استباحة الدماء المعصومة
لم ينج من غائلة التكفير التي انتهجها الخوارج، التي ترتب عليها استباحة دماء الناس، لا عوام الناس ولا خواصهم، فقد أسر الخوارج الصحابي الجليل عبدالله بن خباب، وامرأته، فقالوا: من أنت؟ قال: أنا عبدالله بن خباب، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنكم قد روعتموني، فقالوا: لا بأس عليك، حدثنا ما سمعت من أبيك، فقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي»(5)، فاقتادوه بيده، فبينما هو يسير معهم، إذ لقي بعضهم خنزيراً لبعض أهل الذمة، فضربه بعضهم فشق جلده، فقال له آخر: لِمَ فعلت هذا وهو لذمي؟! فذهب إلى ذلك الذمي فاستحله وأرضاه.
وبينا هو معهم إذ سقطت تمرة من نخلة فأخذها واحد منهم وأكلها، فقال له آخر منكراً عليه: بغير إذن ولا ثمن؟ فألقاها من فمه، ثم قدّموا عبدالله بن خباب فذبحوه، وجاؤوا إلى امرأته فقالت: إني امرأة حبلى، ألا تتقون الله! فذبحوها، وبقروا بطنها عن ولدها(6)! فجمعوا بين ورع كاذب؛ لا يستحلون تمرة؛ لكن لا يتورعون عن قتل صحابي جليل، وذبح زوجته الحامل.
هذا الفكر الذي نشأ نشأة مبكرة، لا تزال له في هذا العصر أصداء حاضرة، ولا يزال يتوارثه الخالف عن السالف، ولا يزال الشطط موجوداً بين طوائف من الشباب جرفته مثل هذه الأهواء المضلة، وهو ما يجعل تسليط الضوء على علاج هذه الآفة مطلوباً.
إن الشباب الذي وقع في أسر جماعات التطرف، ونال من المجتمع تارة بالتكفير، وتارة باستباحة دماء الآمنين وتحول إلى ظاهرة؛ يحتاج إلى دواء ناجع بعد أن استشرى ضرره؛ فالظاهرة في أساسها يلتصق أصحابها بالدين، ويتكئون على أحكامه ونصوصه!
فلا بد في العلاج أن يُلقى في روع الشباب أن العلم الشرعي له موارد يجب ألا تُتخطى، وأن هناك فرقاً كبيراً بين تعلم العلم وحمله من موارده، ومجرد الثقافة الدينية التي يتلقاها المرء من خطب الجمعة والمقالات الدينية والقراءات العابرة في بطون الكتب وصفحات التواصل الاجتماعي، فإن من كان هذا زاده، فهذا قد ينفعه في تهذيب سلوكه وتمكين تدَيُّنه، لكنه يجني عليه ويضره أشد الضرر إذا استعمله في الفتوى وتأسيس الحكم.
وكم ضل أناس بتركهم أخذ العلم من موارده، بأن توجهوا للكتب، أو للدعاة حملة الثقافة العامة يحملون عنهم العلم، فضلّوا ضلالاً مبيناً؛ إذ ضلوا في إطلاق الأحكام، بالغفلة عن معرفة موارد الأدلة، والمطلق والمقيد، والمحكم والمتشابه، والفرق بين ظاهر النص ودلالته، قال الشافعي: «من تفقه من بطون الكتب ضيَّع الأحكام»، وكان بعضهم يقول: «من أعظم البلية تشيخ الصحيفة»(7)؛ أي: جعل الكتاب عمدة الباحث دون العلماء، وفي الحديث: «مَن قال في كتاب الله عزَّ وجلَّ برأيه فأصابَ؛ فقد أخطأ»(8).
أدوار مطلوبة
والباحث عن العلاج لهذه الظاهرة أو الوقاية منها سيجد أن أمره يتوزع بين كل مكونات المجتمع ومؤسساته، فالأسرة لها دور مهم في تجنيب أبنائها غائلة الانحراف، والوقوع في شرك الجماعات الخارجة، وذلك بالاهتمام بالأبناء، والعناية بتعليمهم، وعدم إقحامهم في مشكلات الوالدين بأي سبب، والقرب منهم بصفة دائمة،
وألا ينحصر دور الأسرة في توفير الأموال، وإعداد الأطعمة، ووسائل الرفاهية التي تمنحها، واعتبار هذا هو الرعاية والتربية. أما المؤسسات على تنوعها -الإعلامية والدعوية والفنية والرياضية وغيرها- فيكمن دورها في ترسيخ الاعتدال بالتمكين لأصحاب الفكر المعتدل من مخاطبة الشباب؛ لشحذ طاقاتهم نحو تبني قضايا المجتمع، وأن تكون رسالة الرياضة رسالة سامية تنبذ التعصب والكراهية،
وتستخرج الطاقات الكامنة في نفوس الشباب، وتتبنى المبدعين منهم، كما يجب أن يكون الفن حاملاً لهموم المجتمع، طارحاً علاجاً لقضاياه، فاعلاً في معالجة مشكلات الشباب، وأن يبتعد عن خدمة الغرائز، وإثارة الشهوات.
ويجب الانتباه إلى أن التعرض للثوابت الدينية، وإثارة الشكوك حول الغيبيات الثابتة على جهة القطع، يؤسس لموجات الإلحاد، ويسهم في نشأة التكفير، ويوجِد له مبرراً.
وأخيراً؛ فإن التعليم هو حجر الزاوية في صدّ كل موجات التطرف، وكبح الأفكار الهدامة، وهو قضية أمن المجتمع كله، فإن التطرف وما ينجم عنه يخرج في المجتمعات التي ترتفع فيها نسب الأمية، وتُؤخر التعليم عن اهتماماتها، وتجعل المتعلمين في ذيل المجتمع.
الهوامش
(1) «الأشباه والنظائر» للسبكي: 2/ 259.
(2) الإنصاف في التنبيه على الأسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين، ص 56.
(3) أي: أترضون أن تكون من سبايا الحرب كالأمة المسترقة.
(4) أخرجه عبدالرزاق، والنسائي، والطبراني.
(5) أخرجه الترمذي (2194).
(6) البداية والنهاية: 7/ 318.
(7) «تذكرة السامع والمتكلم»، ص 40.
(8) أخرجه أبو داود والترمذي، وهو ضعيف، ولكنه صحيح مقطوعاً.
الخاتمة
التطرف والتعصب والارهاب إنه ببساطة نتاج الفكر الديني المتطرف، والتكفير الرافض للآخر والداعي إلى تصفيته، وهو ينتمي إلى تيار متطرف لا صلة له بالإسلام الوسطي المعتدل الذي ينتمي إليه الغالبية العظمى من المسلمين. وهذا التيار يستخدم لتنفيذ أهدافه الإجرامية شبابا مغررا بهم، يوهمهم بنوال الشهادة إذا ما جعلوا أنفسهم أداة للقتل والحرق والتفجير، وأنهم لو فجروا أنفسهم في سبيل ذلك فإنهم يجاهدون في سبيل الله، والجنة في انتظارهم، وأنه لا قيمة للحياة الدنيا مقارنة بالجنة التي يعدونهم بها.. إن أصل الإرهاب هو التطرف الديني المتسربل برداء الدين، وهو منه براء.. وصناعه ومنفذوه هم أفراد وجماعات تشعبت وتطورت وأصبحت ظاهرة تهدد كيان المجتمع.
يغررون بالشباب مستغلين مشاعره الدينية لتحقيق أهدافهم الإجرامية التي تتنافى مع مبادئ الدين القويم، الداعي إلى التراحم والتقارب حتى مع المختلفين في العقيدة.. "لكم دينكم ولي دين"، "ومن أراد أن يؤمن فليؤمن ومن أراد أن يكفر فليكفر"، "ولست عليهم بمسيطر".. إنها أحاديث نبوية يتجاهلها هؤلاء لأنها تتعارض مع فكرهم وأهدافهم. وقد حرص الكثيرون على إبعاد الدين عن دائرة الإرهاب باعتباره تفسيرا خاطئا للإسلام الصحيح
، وهو ما تقره كثير من الدوائر الغربية التي تشدد على أنه يجب الفصل بين الإسلام الوسطي المعتدل الذي ينتمي إليه سواد المسلمين، والتيار المتشدد الذي يدعو إلى التطرف والعنف، ومؤيدوه قلة منحرفة لا بد من مواجهتها بالفكر والحجة، وبالمحاسبة ايضا.
والتكفير الذى يمارسه المتطرفون المتأسلمون موجه في المقام الأول إلى المسيحيين شرقا وغربا الذين هم في رأيهم كفار محللة دماؤهم وأموالهم وأرضهم وعرضهم وكنائسهم.. وقد تصدت جريدة "الدستور" مؤخرا لكتاب للشيخ أحمد الدمنهوري، الإمام العاشر للجامع الأزهر، والذي تولى الإمامة في عام 1768،
وقد أعيد طبع الكتاب لقصد مشبوه في عام 2013. ويدعو إلى هدم الكنائس وعدم ترميم الموجود منها، كما يقر بأن المذاهب الإسلامية الأربعة تؤيد ذلك، ويقول أتباع المذهب المالكي: "إن المسيحيين بمثابة عبيد للمسلمين وليس لهم عهد يوفى لهم به".
وقد ترجم هذا الفكر إلى أفعال ينفذها الشباب المغرر بهم من تفجير كنائس وقتل من فيها، إلى الهجوم على المارة في الشوارع وعلى البارات والمطاعم والمتاحف والاسواق في العواصم الغربية، وآخرها حادثة ستراسبورج في فرنسا، حيث قام أحد الأصوليين المتطرفين بإطلاق النار على رواد أحد البارات، فقتل وأصاب العديد.. وهذا ما يتكرر سنويا في فرنسا وغيرها من الدول الغربية خلال فترة التسوق، قبيل أعياد الميلاد المجيد. والشباب المدتثر حزاما ناسفا، والذي يحمل سكينا أو خنجرا، ليس إلا أداة في يد هؤلاء التكفيريين الذين هم الإرهابيون الحقيقيون.. ومنهم مشايخ مدعون وأفراد يحتمون بالمساجد والزوايا والشقق المستترة، يبثون السموم وينشرون العنف والقتل والتدمير دون ملاحقة احترازية فعالة، كفيلة بإجهاض خططهم في مهدها.
فاقتلاع هذا النوع من الارهاب لن يتم إلا بمواجهة الفكر بالفكر، وليس بالفكر وحده، بل وأيضا بمحاسبة دعاة الفكر المتطرف وعناصره، أفرادا وجماعات.. فتكفير الغير والحض على الكراهية والتمييز جريمة، وإذا كان القانون الجنائي لم يتناولها بالقدر الكافي، فقد آن الأوان لوضع قانون جنائي يشمل هذه الجرائم تفصيلا..
وقد طال الحديث عن تجديد الخطاب الديني ليلائم العصر ويتفق مع مسلمات الدين القويم.. وتكون البداية بتنقية المناهج الدراسية وإلزام الأزهر بتقويمها.. وقد طالبت لجنة الشئون الدينية بمجلس الشعب بإعادة النظر في مناهج الأزهر، والعمل على تنقيتها من الأفكار التي تحرض على العنف والارهاب
وأثبتت الدراسة إن الإسلام يعتبر البشر جميعا إخوة، فيسد الباب أمام الحروب الكثيرة التي عرفها التاريخ الإنساني بسبب الاختلاف العرقي. والإسلام يعترف للبشر بحقهم في الاختلاف،﴿ ولا يزالون مختلفين ﴾.
اعترف الإسلام للآخرين بحقهم في ممارسة دينهم، فسد الباب أمام الحروب الدينية التي كاد التاريخ البشري أن يكون مجرد سجل لها. اعتبر الإسلام الحوار والإقناع الوسيلة المثلى وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾.
اعتبر الإسلام أصل العلاقة مع الآخرين المسالمة التي تقدم على بساط البرّ والقسط والإقساط. لعلّه يتعيّن علينا أن نربّي ناشئتنا على القيم الأكثر مقاربة، كما يتعيّن على الحضارة الغربيّة أن تكون أكثر عدالة وتوازناً حتى نلتقي عند نقطة وسط.
وباختصار فلا بدّ من علاج بالمضادّات، ونعني بالمضادّات الحيوية ذلك الخطاب الحيّ الواعي الذي يقوم على نبذ العنف وزرع ثقافة السّلام والتّسامح والمحبّة، وتقديم البدائل أمام الشباب اقتصاديّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً،
ومحاولة صرف جهودهم ونشاطهم في قنوات لصالح المجتمع ولصالح التنمية وجَسر العلاقة بين مختلف الفئات وتجديد الفكر التوفيقي والمنهج الوسطي في النّفوس وحشد جهود الطبقة المثقفة في الجامعات والمدارس ووسائل الإعلام لذلك.
كما يجب تقديم الدّراسات الجادّة في المجالات الثقافية والاجتماعية والشرعية لإقامة الحجة المضادة بالبرهان الشرعي المفهوم.
ثم إنّ هذه الأدوات والآليات التي ترسّخ ثقافة التّسامح لا ينبغي أن تكون موسمية، بل يجب أن تكون دائمة ومستمرة لبلورة ثقافة تصالحيّة أصليّة ومتفتحة، تدمج العناصر الإيجابية المستوردة بالموروث الثقافي في تكامل وانسجام لا تصادمي – حسب الإمكان-في مواءمة بين العراقة والمعاصرة،
وبين القديم والحديث؛ لتصل الأمة إلى تجديد ليس مرادفاً للتدمير، ولا للانسلاخ ولا للانسلاب، بل هو تطوّر إيجابي واعٍ بذاته ومرجعيته التاريخيّة، يحافظ على ثوابته، ويحاور من خلالها مستجدّات العصر في جدليّة رفيعة ومصلحيةّ براجماتيّة.
وهنا تطرح بإلحاح مسألة تغيير المناهج باعتبارها حجر الزاويّة في ثقافة التسامح؛ إذ إنّ مسألة المناهج مسألة دقيقة وحساسة، ولها وقع خاص؛ لأنّ معالجة المواد الدينيّة في المناهج الدراسيّة لا يمكن أن تتم بعقلية خارج إطار منظومة الفكر الإسلامي.
وبدون شك فإن الأمر يحتاج إلى رسم استراتيجية ثقافية؛ وكل استراتيجية لها غاياتها وأهدافها ووسائلها وآلياتها وبرمجتها الزمنية وخططها، وهي بالضرورة استراتيجية فضفاضة ومرنة قابلة للتعديل طبقاً لنتائج التجارب الميدانية،
تهدف إلى إنشاء جيل مستنير متصالح مع تاريخه، متعايش مع عصره؛ من خلال تقديم وصفة ثقافية ممزوجة بروح حضارتنا لعلاج الإشكالات المطروحة تقوم على الوسطية، وتفعيل فقه الاختلاف، والحوار مع الآخر ومع الذات، وتصحيح مفهوم الجهاد، وتصحيح مفهوم الولاء والبراء، ومفهوم التكفير… إلى آخر المفاهيم.
نشأت مدارس إسلامية تدعو إلى اتباع نهج السلف الصالح في كل شؤون الحياة من مأكل وملبس ومعاملة وطريقة حياة، وتدعو إلى محاربة الجديد في الدين على أنه بدعة. اتباع هذه المدارس ميزوا في البدعة،
كون البدعة كتعريف: هي الأمر المستحدث والذي لم يكن من قبل. ولهذا فإن البدع التي ليس لها علاقة بالدين مباحة، كصنع السيارة والطائرة وغيرها، أما البدع التي كان السلف يحذر منها، فهي بدع تخص الشريعة الإسلامية وليس الدنيوية.
والسلفيون أو السلفية هم الذين يعتقدون معتقد السلف الصالح وينتهجون منهجه في فهم الكتاب والسنة وتطبيقهما.
والمذهب أو المعتقد السلفي، هو ما كان عليه الصحابة والتابعون لهم وأئمة الدين ممن شهد لهم بالإمامة وعرف عظيم شأنهم. ومن هؤلاء الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة: الحنفية، المالكية، الشافعية والحنبلية.
الاستنتاجات
وجدت الأديان لخدمة الإنسان ورفع قيمته ومعناه في هذه الحياة، ودعت إلى مكارم الأخلاق والرحمة والمحبة، لتحسين حياته الشخصية وتمتين علاقته بالآخر المختلف عبر التعرف إليه وحواره، تحقيقًا للأهداف الالهية والدينية النبيلة. لقد أرست الأديان عبر عقود طويلة قواعد سلوك وقيمًا رفيعة، واجتازت مراحل الصراع في داخلها، أو في ما بينها، ومازالت موجودة لتذكر الإنسان بهذه القيم، ولكنها في المقابل حثته على استخدام العقل الذي منحه إياه الله ليساعده في تخطي مصاعب الحياة، وكوسيلة للتعامل بين البشر، واداة معرفية لتقريب الانسان من أخيه الانسان، ولمعرفة الله.
إن حركة الأفكار في التاريخ وصيرورتها تدل أن الفكر المنغلق على فئة قليلة، تتوسل العنف للوصول إلى اهدافها لا يعيش طويلا. والفكر السلفي التكفيري الحالي يحمل بذور فنائه في داخله، وأكبر دليل على ذلك الاسلام ذاته وتاريخه. فلو كان الاسلام عند ظهوره
كما يدعي التكفيريون أو كما يفكرون ويمارسون اليوم، لما انتشرت الرسالة وعاشت طوال هذه المدة. كما أن معظم مسلمي اليوم في العالم يرفضون هذا الفكر التكفيري «المسيس للدين» وممارساته الدموية، ويعتبرونه من مخلفات العصور الظلامية والجاهلية فهو يتوسل بعض النصوص الدينية الإشكالية أو المزيفة أو الدخيلة على الدين والسنة النبوية.
كما أنه يتوسل بعض الفتاوى القديمة التي تحتاج إلى تحقيق وتدقيق ومرجعيات مؤهلة وصحيحة، وهي فتاوى أطلقها أو يطلقها بعض رجال الدين رغبة في جاه أو طمعًا في مال أو تزلفًا لحاكم، لتحقيق أهداف سياسية وسلطوية مشبوهة.
وبالتالي فهي مرتبطة بمصالح البعض وستزول بزوال هذه السياسات أو المصالح أو إفشالها. ومن هنا بدأت الدعوات ترتفع لوضع الخطط والاستراتيجيات للوقوف بوجه هذا المشروع الذي يشوه صورة الإسلام الحقيقي، الاسلام الداعي إلى الرحمة والمحبة.
إن مواجهة المشروع التكفيري تقوم على ضرب الأسس التي قام عليها وهي:
تفكيك الفكر السلفي المتعصب المنغلق بالانفتاح على الآخر المختلف والحوار الديني العقلاني الحر، وتجفيف منابع الدعم التي يتغذى منها ماديًا وسياسيًا واجتماعيًا وبشريًا.
التوصيات
- تجفيف منابع الفكر السلفي الهدام المستند على مغالطات تاريخية وفكرية مشبوهة، وفتح الحوار الفكري والحضاري بين التيارات الدينية والمذهبية والسياسية المتناحرة وإرساء فضاء توافقي لتخفيف حدة الصراعات الداخلية، وإيجاد أرضية صلبة للتلاقي تحرم المشروع التكفيري من البيئات الحاضنة التي تدعم الجماعات الارهابية وتحميها.
- تجفيف مصادر التمويل والدعم (الاشخاص والدول وغيرهم) فلم يكن لهذا المشروع التكفيري أن يتبلور ويتجسد بقواه المادية والعسكرية على ارض الواقع لو لم يتأمن له ما يكفي من الدعم المالي واللوجستي والمعدات العسكرية الكبيرة والمتطورة على مستوى الدول.
إن من ابسط بديهيات العمل لتحجيم الفعل التكفيري والوقوف بوجه هذا المشروع هو وقف دعم الجماعات التكفيرية الارهابية من قبل بعض الهيئات أو الجمعيات أو الدول بالمال والسلاح والرجال، ورفع الغطاء السياسي والدعم الاجنبي لها. كذلك من الضروري أن تلتزم بعض الدول الشفافية السياسية وتمتنع عن تقديم التسهيلات السياسية والأمنية والإعلامية لبعض هذه الجماعات.
- ضبط (أو وقف) بعض المحطات التلفزيونية والاذاعية والفضائيات، وبخاصة تلك التي تحرّض على الفتنة والقتل والتفرقة تحت عناوين مختلفة. وتوجيه الوسائل الاعلامية نحو بث ما يجمع ويقدم الصورة السمحة والحقيقية للدين، وإحياء التراث الاسلامي الصحيح ونشر المصادر والمراجع الإسلامية المتفق عليها عند كبار العلماء.
- إقامة مؤتمرات وندوات للتقريب بين المذاهب الاسلامية المختلفة على مستوى القمة في العالم الاسلامي، من الأزهر إلى مكة، ومن قم إلى النجف، ومن دمشق إلى اسطنبول. وفتح باب الحوار بين التيارات الدينية المختلفة على مستويات عليا من المرجعيات الفقهية والعلمائية، لشرح الأصول والفروع وغيرها
وإثبات بطلان، ولا عقلانية أو شرعية الفكر التكفيري، وعدم استناده إلى واقع موضوعي أو معطى ديني، وافتقاره إلى أي بعد ثقافي، انساني، أو ايماني، فهو فكر مشبوه (مشوَّه ومشوِّه)، ودخيل على الإسلام.
- السعي إلى خلق قيادة إسلامية جامعة وواحدة تعيد الفكر الاسلامي إلى منابعه الأصيلة وتمحو صفحات المذاهب والبدع وتحصرها ضمن حوار الأفكار العلمائية والنخبوية الثقافية فقط. وفي الحقيقة يحتاج العالم الاسلامي إلى ثورة فكرية على المستوى النظري تعيده إلى المسار الطبيعي الذي رسمه القرآن والنبي، وتزيل الشوائب والأدران والاهواء والعصبيات التي علقت به خلال صيروته التاريخية البشرية.
ثورة تعيده إلى أصالته وسمو رسالته، تأخذ من الماضي ما ينفع الحاضر ويتوافق مع المستقبل في اعلاء صوت العقل الذي يدل الانسان إلى الطريق الصحيح، لأن الأديان إنما وجدت لخدمة الانسان وليس العكس.
- خلق فرص عمل للشباب العاطل عن العمل، فالبطالة المتفشية في اوساط الشباب وتفاوت نسبة الفرص بين دولة واخرى في المنطقة، أو بين منطقة وأخرى في الوطن الواحد، تدفع بعضهم إلى الارتماء في احضان إغراء بعض هذه الجماعات رغبة في الارتزاق والكسب السريع.
- تفعيل التربية على المواطنية والواجبات، فالإنسان كائن اجتماعي يتأثر بالبيئة وبالمجتمع الذي يعيش فيه، لذلك على الدول أن تضع في استراتيجياتها خططًا لتأهيل ابنائها اجتماعيًا ووطنيًا واخلاقيًا، بما يخدم المثل العليا في الحياة ويرفع من قيمة الإنسان.
ومن هنا ضرورة التدريب على بناء مواطنين يعرفون حقوقهم وواجباتهم في مجتمع يكون الدين فيه خيارًا إيمانيًا وسلوكيًا حرًا لهم، وليس سلوكًا مفروضًا في تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، فتلك الامور تعود إلى الدولة كناظم ومسؤول عن ادارة شؤونهم الحياتية.
- عدم زج الدين في آليات السياسة والسلطة والحكم في الدولة بشكل مباشر، فاستخدام الأديان والمذاهب في الصراعات الداخلية لأهداف سياسية أو مصلحية، أو إدارية وزجِّها في آليات عمل الدولة، أدى ويؤدي إلى اصطفافات اجتماعية وسياسية ومذهبية ودينية تؤثر على حسن أداء الدولة كمؤسسة جامعة وعادلة، وتأخذها إلى الانهيار.
وبالتالي فإن المجتمع ينحو إلى التفكك، ما يفتح الباب واسعًا لدخول التيارات المتطرفة التي تستغل هذه الثغرات لتعشش وتنمو وتشكل خطرًا كامنًا أو مباشرًا على الدولة والمجتمع.
لذلك من المفترض بالسياسيين أن يبتعدوا في خطابهم وممارساتهم عن الخطاب الديني والمذهبي الذي يفرق، وأن يركزوا فقط على البعد الوطني والاجتماعي والحزبي السياسي الذي يجمع.
أما «الوسائل الناعمة» غير المباشرة فتتمثل بـ:
- إقامة أنظمة حكم رشيدة وديموقراطية، فالأديان تدل على الطريق السليم في الحياة، ولكنها لا تحرم الانسان حريته، أو تستعبده. وطبيعة الاجتماع البشري اليوم وبعد التطور الهائل في مختلف ميادين المعرفة والفكر والعلم ونظريات الدولة والسلطة والحرية وتجاربهما، باتت تفرض على هذا الانسان أن يختار الطريقة المناسبة لتنظيم شؤونه الاجتماعية والحياتية وإدارتها عبر المؤسسات المختلفة،
والتي تعتبر الدولة الحديثة احدى أهم تجلياتها العملية، والاداة الفضلى لتأمين الحقوق وفرض الواجبات مع مراعاة مبادئ المساواة والعدل والحرية للفرد.
إن إقامة أنظمة حكم رشيدة تؤمن العدل والحرية والمساواة بين ابنائها وتحفظ حقوق الإنسان هي أنجع الطرق لتلافي وجود هذه الجماعات.
والمطلوب أنظمة حكم تعامل الناس كمواطنين وليس كرعايا، ودول تحترم فيها الديموقراطية بمضمونها ومعناها وليس بشكلها ومظهرها.
- تنمية المناطق الفقيرة، إذ تشير معظم الدراسات إلى أن الفقر هو عامل أساس وفاعل في تكوين هذه الجماعات، وهو العمود الفقري في بنيتها العسكرية البشرية. فالحاجة تدفع الكثيرين إلى التفتيش عن وسيلة للعيش.
إن المناطق الفقيرة تشكل خزانًا يرفد الارهاب بالعناصر البشرية ويشكل بالتالي بيئة حاضنة له، أو منطلقًا لأعمال تخل بأمن الناس والدولة، لذلك فإن وضع خطط من قبل الدولة لتنمية هذه البؤر، يحصنها ضد تدخلات الآخرين وإغراءاتهم المادية.
- التعليم والتوعية، الجهل آفة اجتماعية قاتلة وإذا أضيفت إلى الفقر والبطالة والظلم، تنتج الإجرام بأشكاله المتنوعة وتحت عناوين مختلفة. وإذا عرفنا أن نحو ربع سكان العالم العربي، وكذلك أكثر من ربع سكان العالم، هم من الأميين والفقراء، أدركنا حجم المشكلة.
إن تأمين التعليم الإلزامي والمستمر للجميع، والإناث قبل الذكور، في المجتمعات العربية والاسلامية وغيرها، سيشكل حلًا متقدمًا يجنب مستقبل الأجيال القادمة من آفات كثيرة.
كذلك فإن انتهاج سياسات تربوية وتعليمية ودينية لخلق جيل قادر على التحليل والمناقشة استنادًا إلى العقل والمنطق والواقع، وليس ارتكازًا على العصبية والعواطف والافكار المسبقة، سيتيح لهذه المجتمعات القدرة على التفكير والمحاكمة العقلية بدلًا من الارتماء الأعمى في أحضان العصبيات المذهبية والإملاءات الدينية المعلبة والمغلقة التي تولد الأفكار المظلمة والإرهاب.
المراجع
1 - يراجع: القاموس المحيط، ولسان العرب، والمعجم الوسيط، والمصباح المنير مادة (سبب).
2 - يراجع: التلويح شرح التوضيح (2/137)، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي (1/127)، وكشف الأسرار (4/173)، وإرشاد الفحول، ص (7)، والبحر المحيط للزركشي (1/307).
3 - يراجع: القاموس المحيط، ولسان العرب، والمعجم الوسيط، والتعريفات، مادة (فكر).
4 - يراجع في ذلك: هنري هازليت: التفكير علم وفن، ترجمة حامد العبد ط. مكتبة الانجلو المصرية، ود. عبدالكريم بكار: فصول في التفكير الموضوعي ط. دار القم ص(13)، والموسوعة الحرة ، ويكيبيديا، مصطلح (فكر).
5 - يراجع: محمد قطب: مذاهب معاصرة ط. دار الشروق، ود. محمد البهي: الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار العربي.
6 - شرح المختار في أصول السنة للشيخ عبدالعزيز الراجحي.
7 - يراجع لمزيد من التفصيل: الشيخ العلامة القرضاوي: المرجع السابق ص (62) وما بعدها.
8 - الشيخ القرضاوي: المرجع السابق، ص (126).
9 - الاعتصام ( 2/173 ) والحديث رواه البخاري (100)، ومسلم (2326).
10 - البخاري، رقم (4905، 4907)، ومسلم رقم (2584).
11 - تلبيس الجهمية لابن تيمية، (4/194).
12 - رواه أحمد (6702) وغيره، وقال الألباني في شرح الطحاوية رقم (200): حديث صحيح.
13 - البخاري رقم (100)، ومسلم رقم (2673).
14 - التوراة سفر تثنية (11، 24)، ويشوع (1،3).
15 - د. سعدون محمد الساموك: ورقته عن الصهيونية والإرهاب المطبوعة ضمن كتيب: الدين والإرهاب ط. الرشاد، بغداد ص(49).
16 - المرجع السابق مع مصادره.
17 - رواه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، رقم (2355)، وأحمد في مسنده: (4/138،395,405).
18 - رواه البخاري، كتاب الأدب، رقم (5997)، ومسلم، كتاب الفضائل، رقم (2318)، وأحمد (2/228,241,514).
19 - فقد ثبت في الصحيحين أن الله تعالى أنـزل إليه صلى الله عليه وسلم ملك الجبال ليطبق عليهم الأخشبين إن أراد، لكنه رفض ذلك، ودعا لهم، انظر: البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم (3231)، ومسلم، كتاب الجهاد، رقم (1795).
20 - انظر البداية والنهاية للحافظ ابن كثير، ط. مكتبة المعارف، بيروت (4/301)، وقد روى أحمد في مسنده (5/135)، والترمذي (4/361-362)، والحاكم (2/359)، ووافقه الذهبي بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد اختار العفو والصبر فقال: (نصبر ولا نعاقب).
21 - الترغيب والترهيب، ط. قطر (3/ 483-487).
22 - مسلم، رقم (2616).
23 - مسند أحمد (5/362)، وسنن أبي داود، كتاب الأدب، -مع عون المعبود- (4/458)، والترمذي، كتاب الفتن (6/329)، والترغيب والترهيب (3/483).
24 - قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/254) رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الكبير ثقات.
25 - الترغيب والترهيب (3/484).
26 - صحيح مسلم (4/2016- 2017) رقم (2612) برواياته الست.
27 - رواه عبدالرزاق في مصنفه (9/458)، والشافعي في الأم (6/11)، ويراجع: تلخيص التحبير، ط. قطر (4/69).
28 - صحيح مسلم، كتاب البر، (4/2016- 2017) رقم (2612).
29 - يراجع: دليل الفالحين شرح رياض الصالحين (4/604).
30 - صحيح البخاري (6/254)، ومسلم، رقم (2242).
31 - صحيح البخاري (9/554)، ومسلم، رقم (1958)، والغرض هو الهدف.
32 - صحيح البخاري (9/553- 554)، ومسلم، رقم (1956) ومعناه أن تحبس للقتل.
33 - صحيح مسلم، كتاب اللباس(3/1673)، رقم (2117).
34 - المصدر السابق نفسه.
35 - رواه أبو داود بسند صحيح، رقم (2675)، والحاكم في المستدرك، وصححه ووافقه الذهبي (4/239)، والبخاري في الأدب المفرد (382)، ويراجع لهذه الأحاديث: رياض الصالحين للنووي بتحقيق الشيخ شعيب أرناؤوط (454- 455).
36 - الكامل للمبرد (3/194).
37 - د. قحطان الدوري: ورقته عن الإرهاب، المطبوع ضمن كتيب بعنوان الدين والإرهاب، ط. الرشاد بغداد، ص (17).
38 - فرق الشيعة للنوبختي، ص(54).
39 - انظر التفصيل في د. عبدة العزي الدوري: الجذور التاريخية للشعوبية ص(87-89).
40 - يراجع: البداية والنهاية لابن كثير، تحقيق د. عبدالله التركي، ط. هجر (14/636)، والمنتظم (12/292).
41 - يراجع: البداية والنهاية، (16/ 175).
42 - أخرجه الإمام أحمد في مسنده (1/ 215-347)، والنسائي (5/ 8 ا. 2)، وابن ماجه (2/ 183) رقم (3064). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: إسناد صحيح على شرط مسلم. اقتضاء الصراط المستقيم ص(106). وذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/ 278) رقم (1283) وقال في تخريج السنة لابن ألي عاصم (1/46) إسناده صحيح. وقد صححه ابن خزيمة والحاكم (1/466) والذهبي والنووي وابن تيمية.
43 - اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية، (1/293).
44 - رواه مسلم، كتاب العلم، رقم (2670).
45 - الحديث صحيح متفق عليه عن أنس رضي الله عنه.
46 - البخاري في كتاب العلم رقم (69)، و مسلم في الجهاد و السير، رقم (1734).
47 - يراجع: الشيخ يوسف القرضاوي: كتابه القيم: "الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف" ط. الأمة بقطر، 1402هـ.
48 - يراجع لمزيد من التفصيل: بدائع الصنائع (7/90)، وحاشية ابن عابدين (3/199)، وجواهر الإكليل (2/294)، والزرقاني (8/192)، وروض الطالب (4/154)، ونهاية المحتاج (7/402)، والمغني (8/287).
49 - يراجع: التشريع الجنائي الإسلامي، للأستاذ عبدالقادر عودة، ط. مؤسسة الرسالة، 1406هـ، (1/647).
50 - بدائع الصنائع (7/140).
51 - حاشية ابن عابدين (4/262).
52 - المبسوط (10/124)، والتاج والإكليل (6/276)، والذخيرة (12/65)، وروضة الطالبين (10/51)، والمغني (10/46).
53 - المغني (10/49).
54 - رواه البخاري في صحيحه، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم، رقم (3610،6163،6933)، ومسلم رقم (1064)، وصحيح ابن حبان، رقم (6741).
55 - صحيح مسلم رقم (1064) باب ذكر الخوارج وصفاتهم.
56 - صحيح مسلم رقم (1064) باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2/741).
57 - صحيح البخاري رقم (6522)، ومسلم رقم (1066).
58 - صحيح مسلم رقم (1068) باب الخوارج شر الخلق والخليقة.
59 - المرجع السابق.
60 - مجموع الفتاوى (3/446- 544) ويراجع: روح المعاني (26/151)، وسبل السلام (3/407)، وتفسير القرطبي (6/316).
61 - راجع لمزيد من أحكام البغاة: فتح القدير(4/408)، والبدائع (7/140)، وتبيين الحقائق (3/293)، ومواهب الجليل (6/278)، والشرح الصغير (4/426)، شرح المحلى على المنهاج (4/170)، والمغني (8/105-107)، ويراجع الموسوعة الفقهية الكويتية، مصطلح (بغاة) (8/130-158).
- كاتب البحثدكتور القانون العامعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسانمدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعيةمستشار وعضو مجلس الإدارة بالمعهد العربي الأوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بفرنسامستشار الهيئة العليا للشؤون القانونية والاقتصادية بالاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفيةمستشار تحكيم دوليمحكم دولي معتمدخبير في جرائم امن المعلوماتنائب رئيس لجنة تقصي الحقائق بالمركز المصري الدولي لحقوق الانسان والتنمية
0 comments:
إرسال تعليق