• اخر الاخبار

    الثلاثاء، 31 ديسمبر 2019

    الدكتور عادل عامر يكتب عن :غربة الروح والوطن

       الدكتور عادل عامر يكتب عن :غربة الروح والوطن

    الغربة مدرسة من الطراز الاول ولكن ليس لديها الا أسلوب تعليمي واحد وهو القسوة , قسوة اشتياقك كل يوم لحضن امك الدافئ لجرعة الحنان التي تعوت عليها في كل صباح , لقسوة ابتعادك عن اخيك عمودك الفقري الثاني عن تجمع اصدقائك التي لم يفرق بينكم سوا الغربة عن شوارع قد تركت بها الكثير من الذكريات.
    فالغربة هي غربة روح بين أناس لم يعتادوا إلا أن يكونوا غرباء؛ نعم غرباء هم يلتقون ويتحدثون ويأكلون ويشربون وينامون في مكان واحد ولكنهم غرباء عندما تراهم تدرك أن كل واحد منهم من عالم غرباء وكأنهم عابرو سبيل جمعهم القدر في مكان واحد وأن مصير هذا الاجتماع إلى زوال ليبقوا في ذلك المكان غرباء ويبقى لكل واحد منهم شكله الذي لا يشبه أحد ويبقوا غرباء غرباء روح.
    وحين تغترب لا تحاول أن تفضفض لصاحبك كل مشاعر الشوق والحنين التي تشعر بها فهو يعاني مثل ما تعاني رفقاً بقلب صاحبك , ويتبقى لك نفسك تشكي و تفضفض لها ما تريد وتعترف لها ان اقسي ما في الغربة ليس البعد عن ارض الوطن
     وان تعيش الاعياد في بلاد بعيدة ووحيدا اصعب ما في الغربة هو الشعور بفراق الاحبة احساسك علي انك قد اصبحت اقوي علي الصبر والتحمل ولكنك تخاف علي قلبك أن يتعود فراق الاحبة .
    فالغربة غريبة بطبعها لا وطن و لا أصل لها سوى أفكار تزورك بين الفينة و الأخرى  تبعثر ما قد نجحت في تجميعه تشوش ترددك تجاه اناك بقربك منك، تألف ما كان يوما غريبا عنك فلا تغترب عن نفسك و اجعلها الأولى بصحبتك  ترى الكون مصغر في أبسط تفاصيله الغربة كلمة طعمها مر، مرارة الليمون أو أشدّ،- هل هي غربة الزمان؟ أم غربة المكان ؟أم غربة الأهل؟ أم غربة الوطن؟ أم غربة الروح؟ أم غربة الفكر ؟
     أم تراها غربة المبادئ والقيم ؟ أم هي ذلك كله جميعا؟- لماذا يغتالنا الشعور بالغربة ونحن بين أهلنا وأحبائنا, على أرضنا وفي أوطاننا؟ غربتي غربة المشاعر والروح ,إن عشت بين أهلي وصحبي. - لماذا يجتاح ذلك التصحر الرهيب أعماقنا ويغتال أجمل ما في دواخلنا؟-
     ما سر ذلك الجفاف القاسي الذي يغمر أرواحنا والقلق الصامت الذي يدفعنا للبحث عن شيء لا ندري ما هو؟- لماذا تهفو النفس الى شيء لا تجده ? ويرنو البصر نحو أفق لا نهاية له ؟
     كلمة قاسية وتجربة صعبة قد عاشها الكثير منا لكن بأشكال مختلفة ولأسباب متعددة، فمنا من ولد ووجد نفسه في بلد قد هاجر إليه الأهل بحثا عن فرصة عمل أفضل ومنا من يجد نفسه مجبرا لترك البيت الدافئ الذي نشأ وترعرع به طلبا للعلم عله يضيف عند عودته بالشهادة والنجاح
    وبعضنا يبحث عن فرصة أفضل لتحسين مستواه في بلد غير موطنه الأصلي، ومنا من يكون في بلده ومع أهله ولكنه يشعر بغربة قاتلة قد حاصرته من كل جوانب الحياة من هموم ومشاكل وظلم وهضم للحقوق وعدم منحه الفرصة التي يستحق .
    الغربة قد تكون ممتعة لعدة شهور حين تحقق املك في السفر و بدء حياة جديدة طالما حلمت بها, حتي تشعر بالوحدة دون الاهل والاصدقاء والاحبة , تسير حياتك بشكل طبيعي حتى تتذوق الغربة وهنا المنعطف الذي تتغير فيه حياتك تغترب مشاعرك وإحساسيك حتى انطباعاتك القديمة تصبح غريبة شعور مضطرب لا يحسه الا مغترب تكره الغربة أشد من كره المظلوم الي ظالمه حتى إذا عدت لبلدك اشتقت لتلك الغربة .
     هي بعض ذلك أو كله, هي جزء من تكويننا الروحي والنفسي , تقطن في دواخلنا, تغيب وتظهر , وتنمو وتضمر بقدر وعينا وحجم إدراكنا , ومدى قدرتنا على التلائم مع الواقع حولنا, آو انفصالنا عنه. تزيد بقدر محاولتنا ان نسمو بذواتنا , ونعلو بقيمنا ومبادئنا ونمارس إنسانيتنا وإسلامنا حقا ,في عالم أخلد الى الأرض وانغمس في مادته ومصالحه أهدافه وتطلعاته اللاهثة خلف السراب.
     أن نتحدث بلغة لا يفهمها أحب الناس الينا , ونتكلم بصوت لا يسمعه أقرب الناس منا .. أن نعيش يومنا دون حلم ننتظره ,أو أمل نترقبه, بعدما تبخرت أحلامنا تحت وطأة الواقع كقطرات ندى لامستها أشعة شمس الصباح وتلاشت آمالنا.. كسراب لملمته شمس المغيب ورحل معها. أن نبحث عن جرعة محبة صادقة لم يكدر صفوها مطامع مادية, او مصالح شخصية فلا نجد سوى الجفاف وقحط المشاعر فننطوي على الظمأ.
    أن نبحث عن حضن دافئ يضمنا بحنان ونشعر عنده بالأمان في لحظات ضعفنا وانكسارنا فلا نلقى إلا لسعة الصقيع وجمود القسوة.
    "بك يا زمان أشكو غربتي إن كانت الشكوى تداوي مهجتي قلبي تساوره الهموم توجعاً ويزيد همي إن خلوت بظلمتي "آما عن الاشتياق للوطن , وطني الذي حلمت بتنفيذ احلامي فيه ولم استطع , وطني الذي احبة ولأكنه لا يحبني امضيت فيه نصف عمري ولم احقق شيء مما تمنيت ولم يترك لي سوا ذكريات واشخاص , لكنني لم اكن اعلم ان الوطن ليس مِلكي يلبي طلباتي وان الحلم لِي وهو عليه تحقيقه , لما يجبرني الوطن علي الرحيل ولما لم يترك لي مكان للمكوث فيه .
    وقد استفدت الكثير من الغربة وعرفت معزة الوطن وأرض الوطن رغم ما فيه من مشاكل وصعوبات الأ أنها أهون بكثير من الاغتراب.
     ولما دقت ساعة الرحيل وحزمنا أمتعتنا واتجهنا صوب العالم الأخر بقيت قلوبنا تلتفت وراءها تودع شمس الوطن وسهوله وهضابه وروابيه . ونذرف الدموع تلو الدموع ، والقلب حينها معلق أيما تعلق بحبال الحب والاشتياق الى الأهل والصحبة والجيران فهذه هي بداية الرحلة خارج أسواره وساحاته
    ولا نعرف متي سيأتي اللقاء مرة اخري , الغربة صعبة لكنها تعطيك ما لا يمنحه لك وطنك وتمنحك تجارب عظيمة في سفرك وتعرفك على الناس والبلاد. الوطن غالٍ على القلب لكنه لا يمنحك الأ قوت يومك ويأخذ بتبديد أحلامك فيقعدها فلا تقوى على النهوض.
     وأي الأمرين أصعب أن تلاقي بعد سنوات نفسك مكانها لم تغادره ولم تتقدم خطوة الى الأمام سوى خطوات لا تغني ولا تسمن من جوع أم الابتعاد عن ديارك وطلب الرزق والعودة يوما ما بالخير والثمر
    عجبي علي وطن غريب يحتضن ما ليس منه وتجد فيه ما يساعدك علي تحقيق احلامك وتدين له بالولاء والحب لتدرك ان وطنك قد علمك كيف تسطيع ان تحقق ما تريده لاكن ف وطن غريب حتي تحقق ما تريد وكيف تستطيع أن توازن بين تحقيق غايتك من الغربة وتجنب الآثار السلبية لها سؤال صعب يجب أن تفكر فيه يجب أن تقف وتسأل نفسك ما الضريبة التي ستدفعها ثمناً لغربتك
     ومتى ستصل للحد الذى من أجله تغربت ومتى يكون قرار العودة صائباً هناك الكثير والكثير من التساؤلات التي تحملها نظرات تمتزج فيها الحيرة بالقلق , ويعشعش فيها حزن دفين , وألم قديم متجدد يغتال الكلمات  أجرجر وحدتي في كل حشد....
    وأحمل غربتي في كل جمع أن نبحر مراكب صدقنا في خضم بحر لجّي متلاطم من الكذب والزيف. أن نكون مختلفين في وسط قوالب بشرية متكررة لا تقبل إلا صورتها وأن نعيش العمق في زمن السطحية. أن نفتش عن ذواتنا , فينا وأن نبحث في كل مكان حولنا فلا نرى إلا الفراغ الممتد.
     في دواخلنا. أن يقيدنا الزمان ونحن خارجــــــــه. هي ذلك كله, آو بعضه, آو اكثر منه بكثير مما يختزل و ينصهر في دواخلنا ولا نقوى على البـــــوح به ,أو نجرؤ على الحديث عنه.
     تمتد الغربـــــــــة. لتغمر عمرنا كله وتنخر أعماقنا بصمت , لتستوطن جزءا خفيا من ارواحنا ومشاعرنا, وفق وعينا وإدراكنا ومصداقيتنا مع انفسنا ومع كل من حولنا. فكل منا يحمل بذور غربته في داخله ويعيشها بأسلوبه آملا ان يعثر على حقيقته المفتقدة لتزول غربتــــــــه.!!!


    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الدكتور عادل عامر يكتب عن :غربة الروح والوطن Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top