إن عصرنا هذا هو عصر القلق والاضطراب والتوتر والتدهر الخلقي. وتدهر االقيم يجعل الإنسان في نضال مستمر مع ظروف الحياة الصعبة التي يعيشها، يعترض الإنسان لخبرات قاسية وضغط مستمر ناجم عن ظروف الحياة في الصراع الدائم مع الواقع.
إن الإنسان الذي عاش منذ ملائين السنين يبحث عنالاستقرار والأمان وينشد الطمانية له ولأبنائه، ويسعى لتخفيف عبء الحياة عن كاهله ، ولما ازدادت الحياة تعقيدا وقوة وتوسعت، ازدادات معها مطالبها وحاجاتها، وازدادت الضغوط الواقعة على الإنسان لتلبية تلك المطالب .وقدازداد من مستوى الضغط على التنفس وحملها أكثر من طاقتها وذلك بغية اللحاق بموكب التحضر بكل ما يحمله من قسوة ورخاء. فالحضارة تحمل معها رياح التغيير، والتغيير يحمل معه التبديل في السلوك.
والحياة تخلو من أحداث تفاجئ الإنسان وتجعله عرضه للاصابة ببعض الأمراض النفسية كالاكتئاب والقلق والتوتر، ثم تكرر هذه الأحداث في حياة الإنسان وتدفعه إلى الأمراض الجسدية كالقلب، والسكر وضغط الدم وضغط النفسي.
الإنسان اليوم يعاني من الكثير من الأزمات الصحية والإجتماعية والنفسية. وقد شهدت الأوساط العلمية اهتماماً متزايداً بالجانب الروحاني. وقد عرف الجانب الروحاني بأنه حالة من السلام الداخلي من خلال تحقيق التعرف على الذات والإنسجام مع القيم الشخصية .
لقد غير عصر المعلومات العالم كله، فقد اختصر الزمن والمسافات فاصبحت الاتصالات والتعاملات فورية، وأضحت وسائل الإعلام تنقل لنا آمال العالم والشعوب في لحظة، وأصبح بمقدورنا الحصول على قدر كبير من المعلومات لمجرد أن نلمس أيدينا لوحة جهاز الكمبيوتر، كما أن لدينا وعيا أكثر بالقضايا الاجتماعية والسياسية والأخلاقية التي يواجهها العالم اليوم.
الروحانية تعبر عن الشخصية والزكاء الإرادة والمشاعر الإنسانية وتثقف الروح البشرية، وهي أمور معنوية محسوسة أكثر من كونها غير مادية. الروحانية تهتم بمساعدة الإنسان في تحقيق السلام الداخلي من خلال التعرف على الذات وتحقيق الانسجام بين القيم الشخصية والعادات اليومية.
تطور معنى الروحانية وتتوسع عبر الزمن، ويمكن العثور على دلالات مختلفة له مع بعضها ، فتقليدياً تشير الروحانية إلى عملية إعادة تكوين دينية تهدف لاستعادة الهيئة الأصلية للإنسان. إن العقل البشري مصمم بيولوجيا لإحداث الاتصالات والتفاعل المستمر مع الناس الآخرين، وهو مخزن للأخلاق والمعاني الروحية. تتعلق الروحانية بأحسانا بالرضاء النفس والرخلاء والسعادة القصوى في الحياة.
الروحانية هي همسة من همسات الله التي تحثنا على التغيير وتعيد ترتيب آثاث عقولنا، وتحررنا من أخطاء الماضي، وتضع أمامنا أهدافا جديدة للحياة. تساعد الروحانية في إعطاء سياق لحياتنا. وليس بالضرورة أن نكون مرتبطين بنظام معتقد معين أو حتى بالعبادة الدينية. ولكنها، تنشأ من اتصالنا مع أنفسنا ومع الآخرين، وتطوير نظام قيم شخصية، والبحث عن مغزى الحياة.
الروحانية هي التي تتيح لنا الفرصة للتعمق في أنفسنا وللتأمل في ذاتنا، والهمنا بأشياء تتعلق بنا وبالآخرين من حولنا. الروحانية هي التي تحررنا من درك الانحاف للطبيعة البشرية الفاسدة وتمتنعنا من ارتكاب الاخطاء وتحثنا على الأعمال الخيرية وتقودنا إلى الانضباط الذاتي الذي هو الطريق إلى الحرية الذاتية.
تأخذ الروحانية بالنسبة للكثيرين في شكل الشعائر الدينية، أو الصلاة أو التأمل أو الإيمان بقوة سامية. وبالنسبة للآخرين، يمكن العثور عليها في الطبيعة أو الموسيقى أو الفن أو المجتمع العلماني. تختلف الروحانية بالنسبة للجميع فبالنسبة الكثير تبدو الروحانية غريبة وغير مقبولة، فهم يتعاملون مع آلامهم من خلال الاستماع الموسقى أو يشغلون أنفسهم كوال الوقت بالأنشطة المختلفة فرارا من معاناة الحياة.
الروحانية هي التي تتوفر الفرصة للنظر في ذاتنا وفي داخلنا، ربما تكون الدرب الذي إلى الاتساع والأمل والطمانية. وهذا النوع من الروحانية أقرب منه للإنسان بقيمه الاجتماعية ، العمل الجماعي وقيم التكافل الاجتماعي التي تحفظ التواصل الاجتماعي والتضامن بين المجاميع البشرية ، ومقياس الخير والشر مختلف في هذا النوع من الروحانية .
الروحانية تنشر المحبة والسعادة بين البشر، وتزرع الثقة والأمان في نفوس الناس، والقضاء على الفساد وطرق الرذيلة وتقلل من حدّة الفرديّة من خلال ترسيخ قيم التكافل والمساعدة والتعاون والصدق بين أفراد المجتمع، وتدفن الجريمة والتوتر والقلق والخوف من خلال استتاب الأمن داخل المجتمع.
*كاتب المقال
الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها
جامعة عالية ،كولكاتا - الهند
merajjnu@gmail.com
0 comments:
إرسال تعليق