البهتان هذا هو ذنب يجمع بين الكذب والافتراء والقذف بالزور و فيقول أحدهم عن الآخر : إنه فعل كذا أو كذا , أو قد أخذ كذا , أو إنه قد ضرب هذا او كسر هذا أو شتم هذا أو فعل كذا وكذا , فيصيبه بتهمته الكاذبة .
فالبهتان هو الكذب الذي يبهت سامعه، أي: يدهشه ويتحيره ، وهو أفحش الكذب , ولا يقتصر الأمر في البهتان على ذلك , بل إنه ليواجهه به , أمام الناس , مما يصيب البريء بالبهت والعجب والاستغراب . يولما كان البهتان من الأمور المذمومة في الشرع ويقلق الكبار مِن كَذِب الأبناء، وقد يلجأ بعضهم إلى مُعاقَبة الصغير على اقترافه "الكذب"،
وهم غافلون أنهم هم مِن أسباب لجوء الصغير إلى الكذب، وقد لا يَلتفت الأب وهو يَكذب في اليوم أكثر مِن مرة، وقد يُبرِّر كذبه أمام ابنه، وقد يَكذب الصغير خوفًا من العقاب والضرب؛ لذا يلجأ إلى الكذب؛ كي لا يَضربه والده، ويلجأ الصغير إلى الكذب كي يَلفِت انتباه والديه إليه بعد أن زادا الاهتمام بأخيه الرضيع أكثر، وقد يكون الطفل مُنطويًا على نفسه فيرتكب الكذب على شكل إنكار وتَستُّر، بينما يَميل الطفل المُنبسِط إلى اختلاق وقائع جديدة أو تشويه للحقائق أو المبالغة فيها.
لكذب خُلَّة ذميمة، لا يلجأ إليه ويتحرَّاه إلا من ضعف دينه، وقلّ عقله، وتلاشت ثقته بنفسه؛ وما ذاك إلا لأن الكاذب لا يكذب إلا لينال من خلاله مطمعًا، أو ليدفع عنه مزعجًا، أو ليستر به نقصًا، ويواري به ضعفاً، ولو كمُل إيمانه، وعظمت ثقته بنفسه،
وتم له عقله لأيقن أن الله قد كتب كل شيء وقدَّرَه، فلن يستجلب العبد بالكذب ما لم يُقدَّر له، ولن يدفع عن نفسه بالكذب ما قُدِّر عليه، ولن ينال به حمدًا، ولن يدفع به ذمًّا؛ بل هو طريقٌ يستجلِبُ به العبدُ سخطَ الله ومقته عليه.
وقد يكون للمدرسة دور في لجوء التلاميذ والطلبة إلى الكذب، فمثلاً يلجأ بعض المُعلِّمين إلى عقاب الطالب المهمل بدون معرفة سبب إهماله، فيلجأ التلميذ إلى الكذب هربًا مِن العقاب البدني، أو نتيجة لكثرة الواجبات المنزلية وعدم قدرته على أداء كل الواجبات، وقد يُفرِّق المعلّم في المعاملة والاهتمام بين طالب وآخَر،
فيلجأ الطالب إلى الكذب والمراوغة كي يَكسب ودَّ مُعلِّمِه وعطفه، وقد يَكذب الطالب بدافع الانتقام أو العداوة أو الغَيْرة مِن خلال اتِّهام الزميل بالتهمة وغيرها. الصُّحبَة والشللية في المدارس تدفع الطفل المُبرّز فيها إلى الكذب؛ لحماية الآخرين مِن العقوبة، ودافع الكذب في هذه الحالة هو دافع الشهامة؛ أي: حماية المذنب من العقوبة، ويكون الشخص الذي يقول الحقيقة جاسوسَ الشِّلَّة، وأنه نمّام غير شهْم.
قد يكون العامل النفسي وراء كذب الكبير؛ فمثلاً يُعاني الكبير مِن عقدة النقص والدونيَّة في الصِّغَر فيُمارس الكذب صغيرًا وكبيرًا - لا شعوريًّا - لسدِّ هذا النقص، وقد تلجأ الزوجة إلى الكذب لإخفاء مُضايَقة أحد السفهاء لها عن زوجها كي لا تُثير غيرته وشكوكه،
أو أن الأب الذي يُخفي عن أبنائه وضعَه الاقتصادي المتدهور حتى لا يُثير قلقهم، أو الطبيب الذي يُخفي عن المريض خطورة مرضه، وقد يكذب الكبير نتيجة لعادته على الكذب وعدم وجود وازِع داخلي يدفعه كي يتخلى عن هذه الصفة الذميمة. سببٌ في الوقوع في الافتراء والبهتان على النَّاس، والتَّحامل عليهم عند الخصومة.
يتولَّد عنه الحقد الشَّديد للمَبْغُوض. يتسبَّب في انتشار بعض الأمراض الاجتماعيَّة الخطيرة، التي تفتك بالمجتمع وتهدِّد لُحْمَته وتماسكه، كانتشار الإشاعات المغرضة، والتَّحاسد والتَّنافس غير المحمود. سببٌ في فقدان الأمن والأمان في المجتمع؛
فإذا سادت الكَرَاهِية والبَغْضَاء، أحسَّ الفرد أنه يعيش في غابة بين وحوش يتربَّصون به، ويتحيَّنون الفرص لأذيَّته، فيعيش في قلقٍ دائمٍ لا ينتهي. يتسبب في فقدان الحبِّ في المجتمع الواحد، بل في العائلة الواحدة. بسببه تضيع الثِّقة بين أفراد المجتمع،
فلا تكاد تجد أحدًا يثق في أحدٍ. انتفاء العدل في المجتمع المتَبَاغِض، ولهذا قيل للعادل: هو الذي إذا غضب لم يُدْخِله غضبه في باطل، وإذا رضي لم يُخْرِجه رضاه عن الحقِّ. لا شك أن الكذب عمل مرذول، وصفة ذميمة فهو من خصال النفاق، ومن شعب الكفر، بل إن الكفر نوع من أنواعه فالكذب جنس، والكفر نوع تحته.
والكذب من أسباب رد القول، ونزع الثقة من الكاذب، والنظر إليه بعين الخيانة. والكذب دليل ضَعَة النفس، وحقارة الشأن وخبث الطوية. والكذاب مهين النفس، بعيد عن عزتها المحمودة. والكذاب يقلب الحقائق فيدني البعيد، ويبعد القريب، ويُقبِّح الحسن، ويُحَسِّنُ القبيح. آثار الكذب على الفرد والمجتمع وإنّ للكذب آثاراً سيّئة على الفرد والمجتمع، فالفرد عندما يكذب بلا شكّ يسيء إلى نفسه من ناحية إيمانه حيث إنّ المؤمن لا يكذب،
ومن ناحية نظرة النّاس إليه حيث يفقدون الثّقة فيه فيتجنّبون التّعامل معه، أمّا آثاره في المجتمع فوخيمة، فالمجتمع الذي يكون الكذب فيه عادة وخلقاً مجتمع لا يستطيع النّهوض والرّقي، لأنّ الكذب يرادف الفوضى وعدم النّظام، كما يسبّب مشاكل اجتماعيّة كثيرة. حالات يُرخّص فيها الكذب والحقيقة أنّ الشّريعة الإسلاميّة لم تبح الكذب بمفهومه المجرّم أصلًا،
وإنّما أباحت قول كلام في ظاهره مخالفة للحقيقة لتحقيق مقاصد شرعيّة أو لدفع ضررٍ أكبر، فليس الكاذب بالذي يصلح بين النّاس فيقول خيرًا أو ينمي خيرًا، وليس الذي يواري الأعداء في المعركة ويخدعهم،
كما قد يكون هذا النّوع من مخالفة القول للواقع في العلاقة بين الأزواج، حينما يشعر الزّوج أن إخبار الزّوجة بالأمر على حقيقته قد يحدث مشاكل وضرراً أكبر، شريطة ألّا يتوسّع الإنسان في هذا الأمر، وأن يلجأ إلى التّورية والتّعريض في الكلام دون الكذب الصّريح الكذب كلمة بسيطة في مبناها، عظيمة وكبيرة في دلالتها ومعناها ولدى سماعها يتغير المزاج وتتقلب الأنفس فكم نستصغر الشخص الكاذب ونستحقره.
ومن باب التحلي والتفاؤل قدمنا الصدق، ومن باب التخلي أخرنا الكذب، ومَن أمَر بالصدق نهى عن الكذب، ومن نهى عن الكذب أمر بالصدق.
الكذب بوابة الشرور، والمفاسد والنفور، والأوزار والفجور. الكذب آفة ذميمة، وخصلة وخيمة، تسقط قدر الإنسان، وتدنيه من الهوان.
الكذب ما كان في شيء إلا أفشله، ولا في حديث إلا أنقصه، ولا معاملة إلا أبطلها، ولا في أموال إلا أذهب بركتها، ولا مع أولاد إلا حط من قدره، ولا صديق إلا أذهب هيبته، مَن اعتاده استمرأه، ومن مشى عليه استشربه.
بيد أن الكذب عند البعض أصبح هو الثقافة والقوة والشجاعة والدهاء والديانة، وأخْذَ الحقِّ والمتانة، وسرعةً في البديهة، وحسناً في التصرف، وقوة في الذاكرة؛ فصُدق الكاذب، وكذب الصادق، فانعكست الموازين، وضيعت ونهبت حقوق المسلمين.
الكذب يقلب الحقائق، فيدني البعيد ويبعد القريب، ويقبح الحسن ويحسن القبيح؛ الكذب مهنة دنيئة، وخلة سيئة وبيئة، فأصبح شعار بعض البيوعات في العقارات والمناقصات، والعقود والمعاهدات، والبيوع والمشتريات، وأنواع المركبات والسيارات، وفي المعاملات والتعاملات.
فهو يروج في السلع، ويورث الهلع، فتجد الإنسان على ظاهره أحلى الكلمات، وأصدق العبارات، وأوفى المعاهدات، ودون ذلك خرط قتاد، وتحته الكذب والتمويهات، فبان خبثه، وظهر قبحه.
لا خير في ود امرئ متملق *** حلو اللسان وقلبه يتلهبُ
يلقاك يحلف أنه بك واثقٌ *** وإذا توارى عنك فهو العقرب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة *** ويروغ منك كما يروغ الثعلب
0 comments:
إرسال تعليق