مفاجأة. فوجئوا. فوجئنا. فجأة تعلو الكرامة الإنسانية ومطالب العيش الكريم فوق الطائفية. الخبز يوحد. صار يوحد. صحيح القول أنه ليس بالخبز وحده يحيا الانسان، لكن الحياة مستحيلة دون الخبز. أخذ من الانسان كل شيء حتى الخبز ذاته. لم يبق بيده إلا للابتزاز. الخبز يوحد. لا يعيش الانسان بالخبز وحده. لكن سلب كل مقومات الحياة من شعب بكامله جعله يقول نريد الخبز ونريد غيره من لوازم الكرامة.
فوجىء الناس بأنفسهم. هم إذا قرروا أقوى من النظام. يستطيعون تعطيله. يستطيعون فرض ما يشاؤون من شروط. ليس قدرهم أن يبقوا في موقع المتلقي وأن يقبلوا ما يقدمه لهم النظام. هم أصحاب شأن وإرادة. لا قانون فوق إرادة الشعب أو ما لا ينال رضاه. الناس هم القانون. إرادتهم هي القانون. دون هذه الإرادة ورضى الناس يفقد الحاكم شرعيته. فقد النظام شرعيته منذ ليل 17 تشرين الثاني وعليه أن يفعل شيئاً كي يستعيدها. المطروح الآن، وقد أحسن بعض الهاتفين في المظاهرات حين قال الشعب يريد إسقاط النظام.
يستخدم النظام العنف دون مبرر لوقت قليل، ولا ينفع الأمر. أجهزته قد دربت منذ سنوات طويلة، وما تزال على يد خبراء القوى العظمى على قمع الانتفاضات والثورة. خبرة أصبحت منتشرة في مختلف الأقطار العربية كجزء من عطف الدول الكبرى على أنظمتنا. هذه القوى الكبرى لا تمتلك القواعد الامبريالية في بلادنا، وحسب، بل تدرب القوى الأمنية على القمع. في ظروف من هذا النوع ما توقعنا من “راسبوتين” العهد، ومن “شرابة خرج العهد” أن يتمسك كل منهما بالسلطة، بل أن يستقيلا فوراً. هذا التمسك بالمنصب جزء من عملية القمع، وما تعودناه. كان العرف السائد أن يتظاهر الناس لإبداء امتعاضهم فيستقيل الحاكم كي لا يصير طاغية. أما وقد صار طاغية في وجه الناس فالآتي أعظم.
فوجئ الناس بأن لهم كرامة. وأن هذه الكرامة التي تدخل في خانة الدولة الوطنية تعلو على الطائفية. فوجئوا بأنفسهم. الانفجار حصل في جميع المناطق، بين جميع الطوائف، في وقت واحد. فوجئ الناس بأنفسهم. فوجئوا بأنهم من طبقة غير الطبقة الحاكمة. فوجئوا بأن مصالحهم واحدة وأن اختلاف أديانهم ومذاهبهم لم يكن يعني سوى أن يكونوا ادوات بيد أكباش الطوائف. فوجئوا بأنهم ليسوا قطعاناً تسوقهم الطوائف ووكلاء الذات الإلهية. فوجئوا بأن أكباش الطوائف يتحسسون رقابهم وأنهم يرتجفون رعباً.
فوجئ الناس، استفاقوا من غيبوبتهم. رأوا أن قادتهم يبتزوهم على مدى العقود. وأن التغيير الذي حصل في أوجه وأشخاص وأسماء الطبقة السياسية الذين كان يعينهم نواباً ووزراءً ما كان إلا ذراً للرماد في العيون. التغيير حصل. تغيّرت أسماء الأكباش وبقي النظام واحداً، بل أشد استغلالا وقمعاً. المطلوب ليس التغيير بأي اتجاه بل هو في أن يكون في اتجاه واحد وهو مشاركة الناس في النظام وفي ثرواته وفي ثروات أربابه. هؤلاء لم ينهبوا. لم يصيروا أغنياء بالفساد. السرقة من الفقراء بالدين الشخصي والدين العام والتضخّم تدر على السادة أكثر من سرقة فيها مخالفة للقانون. القانون وعراضاته واستعراضاته ومحاكماته هو لإدانة الآخرين وتبرئة من في النظام وفي قياداته.
فوجئ الناس بما قالوه، “الشعب يريد إسقاط النظام”. الفساد “هم” و”هم” هناك. الفساد 128+30= يساوي كل النظام. المعادلة بحاجة الى الكثير من الاضافات لكنها تعبير عن جوهر الموضوع. كلكم يعني كلكم. هو النظام أيها العبقري الغبي.
فوجئ الناس بأن راسبوتين النظام مرر لهم باس pass فاستخدموه. أراد الانقلاب عليهم فانقلبوا على أنفسهم وعلى النظام. عندما يستخدم أهل السلطة تعبير انقلاب فهذا يعني أن النظام في مأزق. لحظة ثورية وتاريخية قبل أن يدرك معناها صاحب التعبير.
فوجئ الناس بصعودهم (لا نزولهم) الى الشارع. كانوا مدفونين أحياء في مقابر الطائفية السياسية، والمارونية السياسية، والشيعية السياسية، والسنية السياسية، وغير ذلك. خرجوا الى الشارع. انتشرت رياح الحرية، فإذا الحدث أو التاريخ يصنعه الناس الضعفاء المستضعفون لا الأقوياء. ما عاد التاريخ سلسلة رتيبة من الأحداث. صار الحدث الذي ارتكبه الناس هو اليوم المفصلي في تاريخ الوطن والدولة. بالتمرد يصير الناس أحياء ويصنعون التاريخ.
فوجئوا أن الناس يعرفون معنى حكومات “الائتلاف الوطني”. حكومات اللامعارضة والكل موالاة. فوجئوا أن الناس في وادٍ والسلطة في وادٍ؛ وأن حكومات الائتلاف الوطني، حيث لا معارضة والكل موالاة، هي حكومات السطوة والنهب وإنكار المسؤولية عن كل شريك في السلطة.
ما لا يجب أن يفاجأوا به هو أن قوة الناس، بالرغم من قدرتهم على الإبداع، تتفوّق على السلطة لأيام، تعود بعدها الثورة المضادة. تراكم الثورات، واحدة بعد الأخرى، ولو بشكل متقطّع، هو الذي يشكل كتلة حقيقية من المكاسب للناس بفقرائهم وعمالهم. البقاء في الميدان مستحيل أبد الدهر. السلطة تبقى. أُنشِت للبقاء، في الميدان وغيره. قليل من أهل السلطة من يملك قدراً كافياً من الشرف والإباء كي يستقيل حالما يرى الناس في الميدان. التمرّد يصنع من الإنسان كائناً آخر.
ما حدث في لبنان ثورة مفاجئة. لم تكن انقلاباً. راسبوتين السلطة أراد انقلاباً. الانقلاب يقوم به أهل السلطة في صراعات البلاط. ينعكس الصراع على الناس. الثورة يقوم بها الناس ضد أهل السلطة. تنعكس على السلطة بالتراكم حتى ولو كانت المكاسب قليلة. الانقلاب هو إمساك بالسلطة لبعض أهلها دون غيرهم. الثورة تراكم مكتسبات حتى ولو كانت قليلة. الأمر يعتمد على ما يحدث بعد الحدث. الثورة تحدث وحسب. لكن حدوثها يغيّر مجرى تطوّر الأمور. على الأقل تعيد أهل السلطة الى بعض التعقّل، وعلى إقرارهم أن الناس ليسوا قطعاناً يساقون، وأنهم ما خلقوا كي يخضعوا. يخضع الناس للقانون ويحسب أهل السلطة أن الناس يخضعون لهم. الناس لا يسعون للسلطة. أهل السلطة يتنافسون فيما بينهم من أجل استئثار بعضهم بها. إسقاط الحكومة، أو رموز السلطة، لا يعني إسقاط النظام. إسقاط النظام وتغييره هو الهدف الأعلى. هذا يحدث بعد حين، وبين الدعوة له ووقوعه أهوال ومرارات عديدة. الثورة برهة، ربما امتدت أياماً، تؤدي الى مكاسب للناس. تتراكم المكاسب نحو تحقيق الأهداف. حالما تحدث ثورة يتكتّل أهل السلطة، أو يتنافسون، لدحر حركة الجماهير. لو كان ممكناً تغيير النظام بالكامل لوجب ذلك. تغيير النظام هو الهدف الأسمى، لكنه لا يحدث، ولا يمكن أن يحدث، دفعة واحدة. سيصاب أهل الثورة، أو الانتفاضة كما سموها، بالاحباط بعد الثورة، اذ سيجدون أن القليل من أمالهم ومطالبهم قد تحقق. لكن الثورة تحقق هدفها القريب بإحداث تغييرات أولاً، وبجعل أهل السلطة يأخذون في حسابهم أن الجماهير تنتظرهم عند كل خطوة يأخذونها.
سقطت في هذه الثورة خرافات عديدة حول لبنان، خرافات غذتها ايديولوجيا الطبقة الحاكمة في عقول اللبنانيين. بعضها أن لبنان يستمر بقدرة قادر ولا لزوم للإصلاح، وأن لبنان يتمتّع بثقة الآخرين ولو ارتكب حكامه المزيد من الأخطاء، وأن لبنان “دلوع العرب والعالم”، وأن لبنان “الرسالة” واجب على العالم العناية به. عناية هي أشبه بالعناية الإلهية.
العناية الإلهية التي استخدمتها الطبقة الحاكمة، جعلت اللبنانيين، أي حكامهم، ينسون أو يتناسون، ويجبرون أتباعهم على نسيان كل دروس الحساب والمحاسبة. موازنة الدولة لم تعد تعني شيئاً. مضت سنوات دون موازنة وقطع حساب. كانت الموازنة قبل العام 1975 تناقش بنداً بنداً وعلى مدى أيام، وكان الإنفاق دائما دون ايرادات. جاء فؤاد شهاب، فأرسى الدولة على قاعدة القانون والمؤسسات. جاء رفيق الحريري فجعل الدولة والأفراد يعملون، وإن بطريقة أخرى. منذ سنوات نسي اللبنانيون أهمية الحساب والمحاسبة وأهمية العمل والإنتاج. ساد في نظرهم أن لبنان “غير شكل” وأن الثقة بلبنان سوف تنقذه، وأن العالم سيجري مهرولاً لمساعدة لبنان، حتى كانت احتفالية تهريج سيدر قبل الانتخابات اللبنانية. بين تهريج سيدر، وبهلونيات راسبوتين وتحويل السياسة الى لعبة “3 أوراق”، اعتبرت الطبقة السياسية أن الأمر يتوقف على الصراع فيما بينها على السلطة، واعتبرت أن السلطة تكفل ورود “الغنائم”، وأن الطوائف اللبنانية مجرد قطعان تساق ببضع خطابات متشنجة. علّ أهل السلطة استفاقوا مؤخراً الى أن في لبنان شعب، وأنه شعب يعرف أكثر مما يقول، وأن كرامته فوق الإسفاف الطائفي. ما شهدناه من صلافة الطوائف وقلة حيائها صار لا يطاق. وما شهدناه مؤخراً من تلاعب بالمال العام واهمال للاقتصاد والاعمار وتلبية أبسط حاجات المواطنين الملحة، لم يعد يطاق. اعتقدت الطبقة الحاكمة أن الموازنة مجرد تلاعب بالأرقام واحتيال على الفقراء من أجل نشل ما تبقى في جيوبهم. تربّع أكباش الطوائف على عروشهم وظنوا أنهم صاروا سلاطين على البلد والشعب، وأن الدولة ليست إلا مستودعاً للتوظيف دون عمل منتج، وما عليهم، هم الحكام سوى الجباية مما لا ينتج. هذه الجباية بالذات رآها الناس، عن حق سرقة ونهباً، وصار شائعاً على ألسنة الناس أن “اللي استحوا ماتوا”. فقدت الطبقة السياسية كل حياء، بعد أن فقد النظام كل محاولة في علم الحساب والمحاسبة. أبو الهول ينظر من فوق. صارت المسافة بينه وبين الناس طويلة. لم يعد يرى الناس وأوجاعهم. اعتبر أنه هو سبب وجودهم، وأن له حق على البلد، وأن البلد مدين له بالكثير الكثير. أخذ الكثير من موارد البلد، البشرية والمادية، وظل محافظاً على صورة التقي النقي الطاهر الورع. حلت صورة افتراضية مكان الواقع، حتى قيل: “الآخرون ما عم بخلونا نشتغل”. تماماً كما قيل في السابق ”حرب الأخرين على أرض لبنان”. فكأن اللبنانيين أبرياء من الحرب الأهلية، كما أهل السلطة أبرياء من إفقار اللبنانيين وتهجيرهم، بالأحرى طردهم من بلادهم. القتل أنواع، منه ما يكون بالرصاص، ومنه ما يكون بالإفقار. بسرعة شيدوا القصور وامتلكوا المصارف، ولم يجب أحد منهم على قول الشاعر الجنوبي:
يا وزير الانبهار الوطني دلني من أين أصبحت غني.
لم تتاجر لم تهاجر لم ترث عن أبيك الرث غير الرسن.
أخيرا طغت الطبقة على الطائفة. صار للسياسة معناها الأسمى. لم تعد السياسة صراعاً على السلطة، بين أكباش الطوائف، وداخل قطعان الطوائف. صارت السياسة صراعاً طبقيا، بين الناس بطبقاتهم الدنيا من جهة، والسلطة بما هي قبضة الطبقة العليا على السلطة من جهة أخرى. لم تعد الطبقة العليا التي تشكّل أقل من واحد بالألف من الناس تقبض على خوانيق الناس. في لحظة الثورة يقبض الناس على خوانيق الطبقة العليا.
فجأة تغلبت الهوية الطبقية على الهوية الطائفية. هذه الأخيرة هوية جماعة مغلقة، فيها انعزالية غريبة عن الإنسانية. الهوية الطبقية فيها ما يجمع بالانسانية في كل المساحة الأرضية. الأممية الانسانية متاحة بالايديولوجيا المؤسسة على الطبقة. الايديولوجيا المؤسسة على الهوية لا تنتج إلا الفاشيات. بهذا الانقلاب في هوية اللبنانيين، من طائفية الى طبقية، ربحوا انسانيتهم أو استعادوها. كانت الطائفية حاجزاً بيننا وبين الانسانية. المجتمع المفتوح، مجتمع السياسة والحوار والنقاش والجد والسؤال والشك واليقين المؤجل، هو المجتمع الانساني الأعلى والأسمى. يصير المجتمع العالمي مفتوحاً عندما تكون المجتمعات المحلية مفتوحة يتفوّق فيها الحوار على الانعزال والسؤال على اليقين والشك على الايمان والعقل على الخرافة.
المجتمع المفتوح تتاح فيه السياسة. مقومات المجتمع المفتوح هي أساس السياسة. مقومات الهوية المغلقة هي أساس الاستبداد. الكلمة أساس الانفتاح. لا يخاف طغاة الاستبداد من شيء قدر خوفهم من الكلمة. الكلمة في مجتمع مفتوح تعبير عما في النفس من حرية مكبوتة تظهر الى العلن. يكره الطغاة العلانية. يفضلون العمل في الليل تحت جنح الظلام. كذلك السرقة والنهب والفساد يحدثون في العتمة. العتمة زمن الطغيان. نور النهار زمن الحرية والديمقراطية. الانقلابات تحدث في العتمة. الثورات تحدث في وضح النهار. شعر اللبنانيون أن هناك انقلاباً يهيّئ له العسس وعلى رأسهم راسبوتين، فقاموا في ثورة في النهار، تصل الليل بالنهار لضمان الاستمرارية. شعر اللبنانيون أن حرياتهم مهددة وأن ما يّبيّت لهم هو حكم أمني فثاروا عليه.
تمارس السياسة عندما يناقش أهل الحكم ما لديهم أمام العامة في وضح النهار وفي المجال العام. أرادوها غير ذلك فألغوا السياسة، وكانت استبداداً مبطناً. اتفق الأكباش الكبار مع الصغار على الصراع من أجل السلطة في العتمة. غيبوا كل شيء عن اللبنانيين بحيث باتوا لا يعرفون شيئاً عما يجري في المجال الاقتصادي من تلزيمات ومن اجتماعات مطولة بين أهل الحكم لا يصدر عنها محضر اجتماع. ولا حتى تصريح واحد.
فوجئنا وفوجئ الكثيرون بشعار “الشعب يريد إسقاط النظام”. معنى ذلك أن الناس يريدون إسقاط العتمة بالإضافة الى معنى آخر هو إسقاط النظام لا إسقاط الدولة. العلم هو شعار الدولة. رفع المتظاهرون العلم وأنشدوا النشيد الوطني. اضطروا الى حفظه مرة أخرى، وكانوا قد نسوه منذ كانوا أطفالاً. أنساهم نظام الصراع على السلطة معنى الدولة وأنساهم النشيد الوطني، وغيّب العلم الوطني، وظهرت أعلام الطوائف وميليشياتها. دعوا الى إسقاط النظام وطردوا كل رموز النظام وأعضاء المنظومة الحاكمة من صفوفهم في المظاهرات والاعتصامات. ظهر تصميمهم على تنفيذ كل ما يقولون. دون ذلك لا يكون للقول قيمة. هي شعارات للتحقق لا للابتزاز.
شيء غير مسبوق في حياة اللبنانيين. شيء يجب الحفاظ عليه. شيء يؤمن الانتقال الى مرحلة أخرى من الوعي ورفض الطائفية وممارسة السياسة. أعلن اللبنانيون أنهم يمسكون بتلابيب السياسة. ومهما كان شأن الطبقة السياسية فإنها مسؤولة أمامهم في عملية حساب ومحاسبة دائمة. أعلن الشعب الأمر لي، بعد الآن، دون هوادة أو تراجع.
الناس في ميادين المدن وجوههم مضيئة. نفوسهم معبأة ومصممة. حازمون في قراراتهم. وفي نفس الوقت يلهون ويرقصون ويدبكون ويهزجون في أماكن كانت القداسة تمنعهم من ذلك. وطالوا شخصيات أحيطت بقداسة لا مكان فيها، نظرياً، لمن يعمل بالسياسة. اللهو ساعدهم على الإقامة في الميدان وتكسير الأصنام. صاروا مواطنين؛ من المواطنين تنشأ الدولة. صاروا مواطنين وصارت المساواة، على الأقل أمام القانون ممكنة. صار القانون ممكناً. انتقائية القانون لم تعد ممكنة. تصير المساواة في خيرات النظام، في الموارد الخزينة ونفقاتها أقرب الى التحقق مع هذا التطوّر. ظن البعض أن استعادة الأموال المنهوبة مجرد شعار، فإذا به قانون جديد (لم يصبح بعد رسمياً) على طريق تحقيق العدالة. ما كنا نعتبره مستحيلاً، صار ممكناً. أمر غير مسبوق في لبنان، على الأقل. لكن هناك “أول مرة” في تطوّر، خاصة هذا التطوّر المفاجئ الذي هو أشبه بالميوتايشن (mutation) في البيولوجيا. ميوتايشن اجتماعي يشبه الميوتايشن البيولوجي.
أسهل ما في الشغل هو الشغل. كلام يقال لأهل الميادين، ولا يعدو أنهم بحاجة الى من ينصحهم. كل ما يحتاجه الأمر هو حكومة جديدة من بضعة أشخاص يتمتعون بالكفاءة والصلابة الأخلاقية والممارسة السياسية. في لبنان خيرات كثيرة إذا جمعنا كل القطاعات بما فيها المصارف. على كل واحد منهم ومنا المساهمة في تعديل حالة البلد. الدولة هي انتظام المجتمع. ينتظم المجتمع عندما يساهم في بنائه كلّ حسب قدرته ويأخذ منه كل حسب حاجته. فليقرر أصحاب المليارات ذلك، أو فليكن إرغامهم عليه. ليست مهمة الجيش أن يحكم بل أن يحمي. مهمة السياسة هي الحكم مدعومة من الجيش والقوى الأمنية. عندما تصير كل هذه ثابتة منفذة عند النظام السياسي. يسمعنا أبو الهول. يحتاج الى كفاءات لا الى مهرجين من أمثال راسبوتين، ولا الى رؤوساء مثل شرابات الخرج ولا الى رؤوساء لا يجيدون سوى لعبة الثلاث أوراق. ليس في هذا الكلام وعظ أو رسم طريق لأهل السلطة. هو كلام تضامني مع أهل الميادين لشد أزرهم، إذا كانوا بحاجة الى ذلك. مهمتهم ليست صعبة ولا مستحيلة.
إصرارهم يبعث فينا الأمل من جديد.
*تنشر بالتزامن مع مدونة الفضل شلق
0 comments:
إرسال تعليق