أن القطاع الحكومي في مصر ثبت فشله في التعامل مع السكك الحديد فلماذا لا يتجه القطاع الخاص للعمل على أن يتم فتح الباب إلى العديد من الشركات للاستثمار في السكك الحديد، ولكن كثرة شركات القطاع الخاص سيعمل على توفير الخدمة بسعر أقل وهو الأمر الذي يحدث دائماً كلما توافرت السلعة والخدمة بصورة كبيرة. أن آلية العمل قد تكون من خلال أن تملك تلك الشركات الأموال التي تحصل عليها على أن تعطي جزءا من سعر التذكرة للحكومة كمقابل لاستخدام الخطوط ومن ثم العمل على تجديد وتطوير السكك الحديد.
مجدداً، تعرضت مصر لكارثة جديدة ضمن ما تتعرض له شبكة النقل من وقت لآخر من كوارث أبرزها السكك الحديدية كوارث القطارات أصبحت بمثابة نزيف يحصد أرواح المصريين من وقت لآخر، ما دفع إلى استقالة ثلاثة وزراء للنقل خلال عقد كامل بسبب هذه الحوادث، وفي كل مرة تتم إحالة ملف كل حادث إلى التحقيق، دون أن تصدر توصيات تلزم الحكومة بمواجهة مسلسل كوارث شبكة السكك الحديدية بتطويرها عبر خطط مدروسة، ما يجعل الكارثة قابلة للتكرار بين حين وآخر، حتى إضافة خطوط السكك الحديدية الجديدة عبر المحافظات لا يتم إعطاؤها الاهتمام الكافي، على نحو ما حدث في خط السكة الحديد بين الفيوم والقاهرة، الذي تسبب عدم الاهتمام بتطويره بعد إحيائه
وعلى مدى عقد كامل كان القرار الحكومي الوحيد في الوزارات المتعاقبة، هو استقالة وزير النقل، هو العامل المشترك بين كل كارثة وأخرى، دون أن يكون للحكومات المتتالية طرح خطط بديلة لمواجهة نزيف شبكات النقل البرية والحديدية في البلاد، ما جعل مسلسل حصد أرواح المصريين متواصلا، لعدم التعاطي الرسمي بشكل كاف مع مثل هذه الحوادث، التي أصبحت تمثل ظاهرة بامتياز.
ومع وقوع الثورة وظن المصريين بالحكومات التالية خيرا بأن تعمل على وضع استراتيجية متكاملة للنهوض بشبكات النقل، وتحديداً السكك الحديدية باعتبارها الأكثر عرضة للكوارث، فإن هذا لم يحدث، على الرغم من توفر العديد من الدراسات المتخصصة التي تطرح حلولاً ومعالجات فنية لتطوير ما هو قائم من شبكات النقل.
غير أن كل هذه الدراسات لم تلجأ إليها الحكومات التي جرى تشكيلها منذ الثورة، ما جعل نزيف أرواح المصريين متواصلاً، الأمر الذي تسبب في استقالة وزير النقل السابق على إثر كارثة قطار أسيوط، التي راح ضحيتها 51 تلميذاً إثر اصطدام القطار بحافلة مدرسية، كانوا يستقلونها متجهين إلى نزهة سرعان ما تحولت إلى مأتم في بيوت ذويهم.
وقبل أن يتم وزير النقل الحالي أسبوعه الثاني، كانت كارثة جديدة بحادثة قطار البدرشين، الأمر الذي دفع بسياسيين إلى عدم الاكتفاء بالمطالبة بإقالته، بل الإطاحة بالحكومة الحالية، محملين إياها عدم التعاطي مع الخطط القائمة لتطوير شبكة السكك الحديدية، وإغفال الاستفادة من الأخطاء السابقة، ما نتج عنه من وقوع العديد من الكوارث، نتيجة تكرار نفس الأخطاء. ضرورة تكاتف وزارات الحكومة الحالية بتطبيق الأطروحات الفنية التي تم إعدادها من جانب متخصصين في مراكز ومعاهد أكاديمية، لمواجهة ظاهرة نزيف الطرق المصرية سواء كانت برية أو حديدية، خاصة أنها تحصد قتلى بالمئات سنويات، فضلا عن آلاف الجرحى، ضرورة أن تكون هناك إرادة سياسية لتبني هذه الخطط لتلقى صدى التنفيذ على الأرض، بدلا من وجودها بالمراكز المتخصصة الواقع يؤكد أن السكك الحديد التي تنقل أكثر من نصف مليون مواطن يومياً، تعانى أمراضاً عديدة ، ومشكلات لا حصر لها وكل مسئول يأتينا بتبريرات لا تختلف عن سابقتها.. وكم من وزير سبق ورئيس هيئة جاء. وما زال لغم السكة الحديد يتفاقم يوماً بعد يوم. فالأمنيات كثيرة. والمواطن أصبح في حيرة بين وسيلة مواصلات آمنة كانت محببة إلى نفسه، بعد أن أصبح يخشاها، نتيجة كثرة أعطالها وحوادثها المتكررة وبين استغلال لا حد له من قبل وسائل النقل الأخرى. فكيف يتعامل المواطن المصري مع هذه المشكلة؟!
وبعد أن كانت السكة الحديد تحتل مرتبة متقدمة عالمياً منذ نشأتها قبل مائة عام، صارت الآن تحتل المرتبة 78 على مستوى العالم، وديونها وصلت لمليارات الجنيهات، بعد أن كانت رقم «2» بعد بريطانيا. ومع أن هذا القطاع يسهم بنصيب كبير في إيرادات انجلترا، إلا أنه في مصر يساهم بحجم ضئيل جداً لا يزيد على 2% من الناتج القومي وبحجم إيرادات لا يزيد علي 1.2 مليار جنية.
في أكتوبر 1997 في الإسكندرية وقع حادث اصطدام قطار بالقرب من الإسكندرية بإحدى المصدات الأسمنتية الضخمة، مما أدى إلى اندفاعها نحو المتواجدين بالقرب من المكان، وخروج القطار نحو إحدى الأسواق المزدحمة بالبائعين والمتجولين، مما أدى إلى مقتل 50 شخصًا، وإصابة أكثر من 80 مصابًا، ومعظم الضحايا ممن كانوا بالسوق أو اصطدمت بهم المصدة الإسمنتية، وأرجعت التحقيقات في وقتها ذلك إلى عبث أحد الركاب المخالفين في الركوب بفرامل الهواء بالقطار.
إن مشاكل السكة الحديد تتفاقم وتزداد يوما بعد يوم، وعاما بعد عام، وقدر المسئولين الحاليين أنهم ورثوها ومطلوب منهم حلها:
أولاً، المشاكل وتتمثل في الديون والخسائر والقروض وفوائدها تصل إلى 100 مليار جنيه، وأكثر من 70 ألف موظف معظمهم عبء على المرفق، وإهلاكات سنوية نحو 650 مليون جنيه بسبب العمر الافتراضي، والسرقات نحو 250 مليون سنوياً، وحالة السكة (الجسر، البازلت، الفلنكات، القضبان) لا تصلح وتحتاج إلى صيانة شاملة أو تغيير كامل، بالإضافة إلى التعدي على أصول الهيئة من الأراضي، كما أن السكة الحديد تنقل 2% فقط من حجم النقل الجماعي وخدماتها سيئة، والإشارات تحتاج إلى تغيير وربطها بغرفة تحكم مركزي، وأيضاً تدهور حالة الكباري والأنفاق المملوكة للسكة الحديد، وأزمة المزلقانات والمعابر غير الشرعية، تلك هي المشكلات الأساسية.
ثانياً، الحلول، وهي: عاجلة، وعلى المدى الطويل.
أما العاجلة فتتمثل في مراجعة خطة التشغيل (1200 رحلة يومياً)، وتقليل عددها، وإلغاء بعضها لعدم جدواه الاقتصادية والاجتماعية، وهذا يحقق فوائد كثيرة، منها تقليل نفقات التشغيل والصيانة والإهلاكات وتوفير جرارات وعربات وعمالة فنية.
والتركيز على خطى القاهرة-الإسكندرية والقاهرة-أسوان وتدعيمهما بالجرارات والعربات والعمالة التي تم توفيرها من الخطوط الملغاة، وتوجيه الإنفاق في تطوير هذين الخطين من كهربة الإشارات وميكنة المزلقانات وتغيير وصيانة القضبان حتى تتحمل سرعة 220 كيلو في الساعة لأنهما الأكثر استخداماً وتعرضاً للمشاكل وأيضاً الأكثر ربحية، 80% من الإيرادات، مع تدريب وتأهيل العنصر البشرى، خاصة طوائف التشغيل، تشكيل مجلس لإدارة المرفق برئاسة وزير النقل يضم خبراء في هذا المجال وقيادات الصف الثاني في السكة الحديد. هذا التطوير يحتاج نحو 3 سنوات بتكلفة 20 ملياراً، وسوف يساهم في وقف خسائر السكة وحوادثها، بل ومع تنشيط نقل البضائع وربطها بالموانئ سيحقق 4 مليارات جنيه أرباحاً يُستفاد منها في تطوير الخطوط الأخرى تدريجياً.
تلك هي الحلول العاجلة، أما طويلة المدى فتتمثل في إنشاء سكة حديد جديدة خارج الكتلة السكنية في الصحراء، ونبدأ أيضاً بخطى الإسكندرية والصعيد والدخول في عالم القطار فائق السرعة (500 ك/الساعة) وأن يُطرح ذلك بنظام الاستثمار أو الشراكة مع القطاع الخاص بحيث تمتلك الدولة البنية الأساسية فقط، أما الوحدات المتحركة والتشغيل فيتولاه القطاع الخاص. هذه الرؤية لا مفر منها حتى نترك للأجيال المقبلة ثروة حقيقية،
لأن إنشاء مرفق جديد للسكة الحديد في الصحراء سوف يخلق أيضاً مجتمعاً عمرانياً تنموياً جديداً، وبالتوازي مع ذلك يجب إعادة تشغيل مصانع الإنتاج الحربي لإنتاج القطارات، وهناك عروض من دول أوروبية للتصنيع وليس التجميع، ووقف الاعتماد على القروض والاستيراد في مشروعات السكة الحديد إذا كنا بالفعل جادين في إنهاء مشاكل السكة الحديد تماماً وبناء صناعة قوية تساهم في حل مشاكل البطالة وتحسن مستوى الخدمة وتنقذ أرواح الأبرياء من نزيف القضبان.
رؤية النهوض بالسكة الحديد تتضمن أيضاً مصادر التمويل وتوقيتات ومراحل التنفيذ، وفيها تفاصيل أخرى كثيرة، وهي موجودة في وزارة النقل نتمنى من رئيس الهيئة الاستفادة منها لأنها خلاصة فكر نخبة من كبار الخبراء المصريين المتطوعين وأصبحت ملكاً لمصر.
ومن أهم المشاكل والعراقيل التي تواجه السكة الحديد، إهمال منظومة الصيانة، وتهالك القطارات، وقلة الرقابة والتفتيش المستمر على حركة القطارات، وعدم التفكير في توسعات جديدة بإضافة خطوط جديدة أو مخارج إضافية لتستوعب زيادة عدد الركاب، إضافة إلى نقص العمالة الفنية الماهرة للمزلقانات
ومراقبي الأبراج والسائقين الملتزمين، وعدم الاهتمام بمنظومة العاملين ورواتبهم، وغياب تطبيق القانون بشكل رادع على قائدي القطارات الذين يقودون تحت تأثير الكحول والمخدرات، ناهيك عن الممارسات الخاطئة منها قطع الطرق واستغلال الباعة الجائلين بافتراش قضبان القطارات، مما يتطلب إصلاحاً حقيقياً لقطاع السكك الحديدية، وتطوير المزلقانات، وتنمية مهارات العنصر البشرى، للحد من الحوادث المتكررة، وحماية ملايين الأرواح يومياً ، فلابد وأن ً تكون هناك قيادات واعية لتنفيذ خطط التطوير والتحديث وما يحقق الاستقرار بلا عودة لنقطة الصفر ، ولابد من مشروع تطويري متكامل لعلاج الوضع القائم في السكة الحديد ما بين وزارة النقل ممثلة في هيئة السكة الحديد مع جميع المحافظين وإدارات المحليات بالتعاون مع أجهزة وزارة الداخلية لتأمين القطارات وإزالة التعديات على خطوط السكك الحديدية وإنارة المزلقانات واقامة مطبات صناعية قبلها،
واتخاذ جميع إجراءات الحماية والأمان للمزلقانات القانونية، كما أن هناك دوراً غائباً للمؤسسات الإعلامية وهو العمل على نزع السلبية عند المواطنين وإبراز الإيجابية في التعامل مع هذه الوسيلة الحيوية ، فهناك دولاً كثيرة تفوقت في مجال تطوير خدمات السكك الحديدية على رأسها اليابان، وكذلك الصين، وإنجلترا التي بدأت في الثمانينيات إعادة هيكلة السكة الحديد، واستغرق ذلك نحو ثماني سنوات، مبدياً أن نصف دخل السكة الحديد في ألمانيا يأتي من نقل الركاب، والبضائع، والنصف الآخر من النشاط التجاري الملحق بالمحطات، ومن ثم لا مانع من الاستفادة من هذه التجارب، وذلك بوضع حلول تتلاءم مع طبيعة المشاكل التي نواجهها.
وفي النهاية: لا أحد ينكر أن هناك مجهودا” يتم لتطوير سكك حديد مصر منذ سنوات، لكن أين يتم هذا المجهود؟ وأين تحدث عمليات التطوير سواء في القطارات أو المحطات؟ وهل تتم عمليات التطوير والتحديث في قطارات النوم والدرجة الأولي، أم في قطارات الدرجة العادية؟ ورغم إنفاق الملايين على تطوير سكك حديد مصر إلا أنها ما زالت تعاني من كل أشكال انهيار الخدمة والأهمال الشديد.
0 comments:
إرسال تعليق