الإسراء والمعراج معجزة من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم التي منّ الله بها عليه كي يريه من عجائب قدرته ، و يسري عن نبيه صلى الله عليه وسلّم بعد أن أصابَه الحزن الشديد، ليريه آياتِه الكبرى ليملأ قلبه بالثقة فيه ويزيد من قوته في مهاجمة سلاطين الكفر والظلم في الأرض .
( اللهم إليك أشكو ضعف قوتى ، وقلة حيلتى ، وهوانى على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربى ، إلى من تكلنى ؟ إلى بعيد يتجهمنى ام إلى عدو ملكته أمرى ، ان لم يكن بك علي غضب فلا أبالى ، غير أن عافيتك هى أوسع لى , أعوذ بنور وجهك الذى اشرقت له الظلمات ، وصلح عليه امر الدنيا والأخرة أن يحل علي غضبك ، أو أن ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة الا بك) .
كلمات خرجت من قلب طاهر صادق , متضرع إلى الله - ضراعة من فقد النصير ولم يجد سوى العدو اللدود - ضراعة من استنفذ كل اسباب الأرض ولم يبقى أمامه الا مسبب الأسباب - ضراعة من أغلقت أمامه كل الأبواب وينتظر النصرة والعزة من خالق الأبواب .
فقد صلى الله عليه وسلم النصير والحبيب ، والحب والحنان بموت عمه ( أبوطالب) ،وبموت زوجته خديجه رضي الله عنها، فعمه (أبو طالب) كان يَقيه الكثيرِ من أذى قريش، فقد كانت قُريش تتفادى أن تَتصادم مع أبي طالب ولم تكن ترغب في خَسارته ، وكانت السيدة خديجة تسانِده وتخفِّف عنه الكثير من الأذى النفسيّ، مما زاد من حزن الرسول صلى الله عليه وسلّم بعد وفاتها ، فوجد صلى الله عليه وسلم الظلام والقسوة والغلظة والجفاء والآذى من قومه بمكه بعد موتهما ، فآخذ بآسباب الأرض ، وتوجه ألى الطائف آملا" فى النصرة ، لكنه صلى الله عليه وسلم لم يجد فى الطائف سوى ظلاما" وقسوة وغلظة وآذى أشد مما ترك فى مكه .
فخرجت تلك الكلمات الصادقة المؤمنة بربها لتصعد إلى السماء ، فيهتز لها عرش الرحمن ، ويسمعه من بيده ملكوت السموات والأرض ليبدله من جفاء الأرض وضيقها وظلمتها لحفاوة السماء وسعتها ونورها ، وعلى أثرها كانت ( رحلة الإسراء والمعراج )
. فيا من أبتليت فى الدنيا ووجدت من ظلمتها وقسوة أبناءها وجفاء سكانها ، وظلم جبابرة أرضها ، فهون عليك وأقتضى بحبيبك محمد صلى الله عليه وسلم .وأصرخ بقلبك وروحك وكل كيانك ذليلا وتضرع الى من بيده مفاتيح كل شىء، فمهما كانت الشدة والقسوة والبلاء سيأتى الفرج واليسر من الله لا محاله ، وثق بالله خيرا ، وطمئن قلبك ، فإن الله لا يبتلى عبدا" فى الدنيا الا وبه خيرا" كثيرا" ، حتى وإن ظن البشر عكس ذلك .
ما أحوجنا اليوم جميعا لنداء رسولنا الكريم , فقد اشتدت على الأمة العربية والاسلامية المدلهمات, واقتربت المهلكات , وازدادت الكربات , وتكاثرت الأزمات , وتآمر عليها الأعداء والجبابرة والظلمة من كل مكان , فالأمة تعانى وتقاسى محنة شديدة ومأساة عظيمة , تزداد يوما بعد يوم , وتكثر مع كثرة الأعداء والخصام والخونة -- ولربما يدخل على بعض القلوب الوهن, وتصاب بعض النفوس بالخور, من هنا وفي هذه الظلمات والأمواج العاتيات, أحببت في كلماتي هذه أن أطلق شعاعاً من النور ليبدد الضلال والظلام من أمواج الطغاة والبغاة .
وقد لا يخفى على أحد ما مرت به هذه الأمة في تاريخها المجيد من الأزمات التى تزلزل الجبال وتشيب الأطفال وتحير الرجال , ومع ذلك كله مضت الأزمات وبقيت الأمة , لأنها " أمة تمرض ولا تموت -- والله لن تموت أمة "محمد" لا في الدنيا ولا في الأخرة ، والتاريخ خير شاهد على أن هذه الأمة لا تحزن لأنها أمة لا تموت ولو اجتمع عليها من بأقطار الأرض (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) ولقد سمعنا من الصادق الكريم صلّى الله عليه وسلّم خير النداء وهو يطمئن صاحبه : (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) فليس للحزن واليأس طريق لقلوبنا , وليس له سبيل لعزائمنا , بل إننا نؤمن أن الكرب كلما ضاق فقد دنا الفرج , وأن العسر مهما طال فقد اقترب اليسر والنصر , وأن الظلام مهما احتدم وتلاطم فقد آن أوان الفجر الصادق واقترب الوعد الحق .
وأختم بخير الكلام ، فهو القائل " فإن مع العسر يسرا (5) إن مع العسر يسرا(6) .
0 comments:
إرسال تعليق