ان اداء القانون الدستوري لوظيفته في المجتمع يتوقف علي عوامل عديدة اهمها الاتجاه الديمقراطي في الدولة وكذلك فاعلية المؤسسات الدستورية وتوازن سلطاتها فمن المسلم به ان السلطة لا تحدها ولا تقيدها الا سلطة اخري وقبل ذلك وبعدة وجود رأي عام قوي وفعال يستطيع ان يكون له قول فصل في امور الحكم ونهضة الوطن والدساتير في اغلب نصوصها تأتي بأحكام عامة لا تصلح للتطبيق بذاتها
وانما يستدعي الامر ترك مساحة واسعة لسلطات الدولة الأخرى التي تترجم هذه المبادئ العامة الي اعمال قانونية قابلة للتطبيق وهو امر ظاهر في صياغة النصوص الدستورية ذاتها حيث انها تحيل للقانون لكي ينظم التفصيلات .
يتفق الفقه الدستوري الحديث ان القانون الدستوري يهدف الي اقامة توازن بين السلطة والحرية في المجتمع بهذا التوازن تستقيم الامور في الدولة ويصبح القانون الدستوري اطارا حاكما لعمل المؤسسات السياسية في المجتمع بما يحقق التعايش السلمي بين السلطة والحرية فمن هذا التناقض بين السلطة والحرية فالتوسع في تقرير احدهما يأتي بالضرورة علي حساب الاخر ومن هنا تصبح وظيفة القانون الدستوري في الدولة .
بالغة الاهمية في رفع هذا التناقض وتنظيم الوسائل القانونية التي تكفل ذلك وهذا التوازن يؤدي من ناحية اولي : الي استقرار المجتمع لأنه يمنع الصراع بين طبقتي الحكام والمحكومين : فالحكام في حين ينشدون مزيدا من السلطة والمحكومين علي النقيض يسعون الي مزيدا من الحرية وعدم وجود وسيلة للتوفيق بين هذه الرغبات يؤدي الي عدم استقرار المجتمع للحرية املا لازم حتي لا تتحول ممارسة الحرية الي فوضي .
علي انه من الثابت عملا ان التوازن بين السلطة والحرية في اطار النظام السياسي لا يتحقق بصورة واحدة وانما عملية معقدة تتأثر بالظروف وبالزمان والمكان حيث ان القانون الدستوري يعمل علي تحقيق هدفة وغايته في اطار مفاهيم نسبية للحرية ( فنسبية الحريات العامة تنعكس علي التنظيم القانوني) الذي يختلف بدوره من دولة الي اخري بل داخل الدولة الواحدة وفقا للظروف التي تمر بها او يبرر احيانا في بعض الظروف اذا تهدد امن الدولة الداخلي او الخارجي ان ة من الضروري تقوية السلطة لحماية الحرية .
لا يماري احد في ضرورة حق الامن بالنسبة للإنسان فالفرد غير الامن لا يستطيع ان يعيش حياة طبيعية ومن ثم يجب ان يستهدف النظام القانوني حمايه حق الانسان في الامن ويحدد بصورة دقيقة الحالات التي يتهدد فيها هذ الحق وكيفية وقوع هذا التهديد ومداه وضرورة ترتيب عقاب صارم علي تجاوز هذه الحدود .
اذا كان من المسلم به ان الدستور يجب ان يكون انعكاسا صادقا للهيكل الاساسي الاجتماعي والاقتصادي فانة من الثابت ايضا وجوب خضوعه بصفة دائمة لإعادة النظر والبحث المستمر فيه بهدف مواكبته ومواءمته للتغيرات الجذرية الهامة المتعلقة بالأساسين الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع ويتم ذلك بسواء بواسطه التعديلات المطردة للدستور او من خلال تبني دستور جديد اخر .
لذا انتهى الفكر القانوني السليم إلى ضرورة أن يعهد إلى تنظيم المعادلة بين السلطة والحرية إلى دستور الدولة ذاته –وذلك بعد ان ظهرت فكرة الدسترة في القانون الوضعي- الذي يتولى بدوره تنظيم السلطة السياسية في الدولة من حيث تكوينها وبيان اختصاصاتها، وينظم في الوقت ذاته الحقوق والحريات العامة والفردية التي يجب أن يتمتع بها المواطن والأجنبي في الدولة، وبالتالي يكون الدستور هو أداة التوازن بين السلطة والحرية وبذلك تتحقق الفلسفة الدستورية. وقد ظهرت آثار ذلك على هيكلية الدستور نفسه ولاسيما الدساتير التي كتبت في منتصف القرن العشرين والقرن الواحد وعشرين، إذ نجد إن المشرع الدستوري في دول العالم قد دأب على ذكر الحقوق والحريات ابتداء في الوثيقة الدستورية ثم يعالج موضوع السلطة السياسية (السلطات الحاكمة في الدولة)، ويورد القيود التي ترد عليها حفاظا على نظام الدولة مع بيان الضمانات الكفيلة بحماية الحقوق والحريات.
تحقيق التوازن بين السلطة والحرية ولو بصورة مقبولة وليست مثالية، يؤدي إلى نتائج مهمة على صعيد نظام الدولة، خصوصاً إشاعة روح المواطنة بين أفراد المجتمع، فالمواطنة هي ليست حق الحصول على الجنسية بل هي الآمال والآلام التي يشعر بها المواطن تجاه بلده، فيجدّ بالعمل على تحقيق الآمال والقضاء على الآلام التي تحيط ببلده وأبنائه عن طريق التزام العمل المفيد والصالح لبلده.
من ثم فلا تعتبر أي ممارسة للسلطة مشروعة إلا إذا كانت تعبيرا عن إرادة شعبية. ولا تتمتع أي مؤسسة للدولة بالشرعية إلا إذا كانت ممارساتها تتم وفق إرادة الشعب ممثلة في القوانين الصادرة باسمه، وكذا في رضاه عن أدائها.
وعلى ذلك فإن مشروعية الممارسات وشرعية المؤسسات لا تتأكد إلا من خلال توافر الرقابة الشعبية عليها. وفي غياب هذه الرقابة تبقى المشروعية والشرعية في مدار الشك على أفضل تقدير. وينعكس هذا الشك في غياب ثقة المواطنين في مؤسسات الدولة، وفي سلامة ممارساتها، وهو ما يمثل تهديدا دائما للسلام الاجتماعي؛ حيث يميل المواطنون إلى عدم التعاون مع مؤسسات الدولة، ويتزايد إقدامهم على خرق القانون؛ كونه صادر عن مؤسسات لا تمثل إرادتهم، أو تقوم على إنفاذه مؤسسات لا يثقون بالتزامها هي نفسها به. وكذا يظل خطر التصادم بين المواطنين وبين ممثلي مؤسسات الدولة قائما طيلة الوقت؛ لعدم ثقة المواطنين في هذه المؤسسات.
ولا يمكن أن يطمئن المواطنون إلى سلامة ممارسات المؤسسات لسلطاتها دون أن يتوافر لهم إمكان الاطلاع على مسار هذه الممارسات، ويقر في يقينهم أن لا شيء منها يتم في الخفاء. كما أن هذه الطمأنينة لا يمكن لها أن تتحقق إلا إذا كان المعلن من هذه الممارسات مبررا بالقانون، أو بالصالح العام، بشكل واضح لا لبس فيه. الحقيقة أن الديموقراطية ليست هدفا في حد ذاتها وإنما هي إطار يضمن تحقق أهداف أكثر التصاقا بكل إنسان. فالديموقراطية يفترض أن تكون المنظومة التي يمكن من خلالها أن يشارك كل شخص بشكل فعال في تحديد قواعد اﻹدارة اليومية لشئون مجتمعه بما يسمح له بالدفاع عن حقوقه ومصالحه. وفي أدبيات حقوق اﻹنسان يُعرف المجتمع الديموقراطي بأنه ذلك الذي يحترم حقوق وحريات أفراده. ويفترض هذا التعريف أن الجميع يدركون أن حياة البشر لا تستقيم دون حماية حقوقهم.
فلا يمكن تصور أن تكون حياة أحدنا محتملة إن كان حقه في الحياة مهددا بشكل دائم، أو أن حقه في اﻷمن على نفسه وعلى أسرته إلخ لا يوجد ضامن له. كما يفترض هذا التعريف أن الجميع يدركون أن الحقوق جميعها مرتبطة ببعضها البعض، فلا يمكن أن يتحقق أحدها دون تحقق اﻵخر.
لا يمكنك أن تأمن على حياتك إن لم يكن ثمة ضامن لحقك في الغذاء والكساء والمأوى، وهذه لا تتحقق بشكل مستدام للغالبية العظمى من البشر إن لم يكن حق كل منهم في العمل مضمونا. ويمكننا إن نتتبع مثل هذه العلاقات بين كافة الحقوق الواردة في العهدين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية وبالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
0 comments:
إرسال تعليق