يبدو هذا الإهمال واضحاً لدي الموظف الذي يتقاعس عن تنفيذ الأوامر الصادرة إليه من رؤسائه أو عدم الاكتراث بتنفيذها أو رعونته عند التنفيذ وإذا كان الأصل وجوب احترام أوامر الرئيس فيجب ألا يصل الأمر بالمرؤوس إلي حد ارتكاب جريمة يطلب منه اقترافها،
سرقة الأوراق أو المستندات المتعلقة بالحكومة نتيجة إهمال من كانت في عهدته
نصت المادة 151من قانون العقوبات على أنه إذا سرقت أوراق أو مستندات أو سجلات أو دفاتر متعلقة بالحكومة أو أوراق مرافعة قضائية أو اختلست أو أتلفت وكانت محفوظة في المخازن العمومية المعدة لها أو مسلمة إلى شخص مأمور بحفظها يعاقب من كانت في عهدته بسبب إهماله في حفظها بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاثة شهور أو بغرامة لا تزيد عن ثلاثين جنيها مصريا .
وحتى يمكن تطبيق هذه المادة لابد من توافر الشروط الآتية:-
1-الفعل المادي هو سرقة أو اختلاس أو إتلاف .
2-طبيعة الأشياء التي وقع عليها السرقة أو الاختلاس أو الإتلاف .
3-أن تكون هذه الأشياء مودوعة في المخازن العمومية المعدة لها أو مسلمة إلى شخص مأمور بحفظها.
4-أن تكون واقعة السرقة أو الاختلاس أو الإتلاف قد تمت نتيجة خطته أو رعونته.
أ- فالفعل المادي هو الذى يتحقق في هذه الجريمة أما بالسرقة أو الاختلاس أو الإتلاف .و مع ذلك عبارات سرقة أو اختلاس أو إتلاف الواردة بالنص تثير عدة ملاحظات .فالإتلاف قد يكون أما بفعل المودع لدية أو بفعل الغير.
أما السرقة ؛فالوضع فيها يختلف : إذ لابد وأن يفترض لتحققها وضع اليد على الشيء وحيازته حيازة مادية .وهذا الأمر لابد أن يكون ممن له الحق في تملك الشيء . وعلى ذلك فأن واقعة السرقة لا يمكن حدوثها من الموظف المكلف بحفظ الشيء ؛ وهذا على العكس من الاختلاس اذ قد يقوم الموظف المكلف بحفظ الأشياء باختلاسها.
ب- هذا ويجب أن تكون هذه الأشياء مودعة في المخازن العمومية المعدة لها. فقد تضمن النص الأشياء التي ينطبق عليها وهي أوراق أو مستندات أو سجلات أو دفاتر متعلقة بالحكومة أو أوراق مرافعة قضائية. ويبين من هذه العبارات أنها عامة تتضمن كافة الأوراق أو السجلات أو الدفاتر . ولكنها في حد ذاتها لا تشمل كل الأشياء المنقولة المودعة في المخازن العمومية. جـ- وليس بشرط أن يكون الشخص المكلف بحفظها من موظفي الدولة أو من زوى المرتب ، وهذا واضح من عبارة النص والتي جاء بها أو ملة إلى شخص مأمور بحفظها ، ولذلك قضت محكمة جنح فانوس بأن أحكام هذا النص تسري على المأذون الذي اهمل في حفظ دفاتر قسائم الزواج وشهادات الطلاق، كما يسرى النص على نقاش الأختام الذي تسبب في إتلاف بعض أوراق دفتره.
د-ويقصد بالمخازن العمومية المعدة لها كافة الأماكن التي تودع فيها هذه الأوراق أو السجلات أو الدفاتر، كالمكتبات العمومية والمتاحف والمعارض ولا يشترط أن يكون لهذه الأوراق قيمة مادية كما إذا اختلس بعض الأفراد بعض الخطابات البريدية من حقيبة ساعي البريد أو إذا ما اختلس أحد عمال هيئة البريد بعض الخطابات من مكتب بريد أخر غير الذي يعمل بة أو من عربة البريد الملحقة بالقطارات
ويقصد بأوراق المرافعة القضائية كافة الأوراق المتعلقة للمنازعات التي يثار بشأنها أو يمكن أن يثار بشأنها منازعات أمام القضاء، كما إذا وقع الاختلاس على محاضر التحقيق التي تجرى بأقسام البوليس أو على دفتر الأحوال.
ومع ذلك قضت محكمة النقض الفرنسية في 18 أكتوبر 1935م بعدم تطبيق أحكام هذه المادة إذ ما وقع الاختلاس على بعض المستندات المودعة داخل ملف جنحة كأن موضوعاً بقاعة المحكمة ليس في حراسة الشخص المأمور بحفظة،
وإنما الواقعة تعتبر في حكم السرقة البسيطة ويرى جاور كذلك عدم تطبيق أحكام هذه المادة إذا كأن الاختلاس قد وقع من الحجرة المخصصة للقاضي بالمحكمة، ولكن رأت محكمة النقض الفرنسية في حكم حديث لها عكس ذلك إذ أن كافة الملفات في حراسة أمين السر أو كاتب الجلسة وهو مكلف بالمحافظة عليها. أما الاختلاس الذي يقع على بعض الخطابات المتبادلة بين الهيئات العامة أو المصالح الحكومية قبل إيداعها في المكان المخصص لحفظها أو تسليمها لأحد الأشخاص ليتولى حفظها؛ فلا يسري في حقه أحكام المادة 151 عقوبات.
يبين مما تقدم أنه يكفي لمسألة الشخص المكلف بالحفظ ومعاقبته بالعقوبة الواردة بالمادة 151 عقوبات أن تكون الأوراق أو الدفاتر أو السجلات أو المستندات قد اختلست أو سرقت أو أتلفت نتيجة إهماله سواء أكان هذا الإهمال طفيفاً أم جسيماً.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن كانت المادة 151 عقوبات قد تضمنت واقعة الاختلاس أو التلف أو السرقة التي تقع بإهمال من المكلف بالخطط، فأن المادة 152 عقوبات قد نصت على الجزاء في حالة ما إذا وقع الاختلاس أو التلف أو السرقة من الشخص الكلف بالحفظ عن عند. ومع أن المادة 152 عقوبات ليست من جرائم الإهمال، إلا أننا سنضطر إلى إيضاح التفرقة بينها وبين أحكام المادة 112 عقوبات، وهذا لأن المادة 152 عقوبات تتحدد مع المادة 151 عقوبات في كافة الأركان باستثناء الركن المعنوي، فضلاً عما يثيره تطبيق هذه المادة من لبس مع وجود المادة 112 عقوبات.
فتنص المادة 112 عقوبات على أن يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة كل موظف أو مستخدم عمومي اختلس أموالاً أو أوراقاً أو أمتعة أو غيرها مسلمة إليه بسبب وظيفته .... الخ.
فالمادة 112 عقوبات تنص على جناية اختلاس أموال أو أمتعة أو أشياء أو أوراق، فهي عامة تتضمن كافة الأشياء. بينما يقتصر نص المادة 152 عقوبات على الأوراق أو المستندات أو السجلات أو الدفاتر المتعلقة بالحكومة.
فضلاً عن ذلك فأن المادة 152 عقوبات قاصرة على اختلاس السندات أو الأوراق المودعة في كل مكان معد لذلك مع غيرها من السندات والأوراق مادامت قد أودعت في الحفظ fait partie d'un depot public une collection d'archives، كما إذا وقع اختلاس على سند قديم مودع بمحفوظات المحافظة أو إحدى الوزارات.
فمساءلة الشخص المكلف بالحفظ عن الجريمة المنصوص عليها في المادة 152 عقوبات تتوافر بمجرد تسليم الأوراق أو المستندات إليه بصرف النظر عن وظيفته الأصلية التي يشغلها، وهذا لأن اعتبار الشخص حافظاً للورقة لا يترتب على حالة قانونية بل يترتب على واقعة مادية وهي مجرد تسليم هذه الورقة إليه،
وهذا على عكس المادة 112 التي تستلزم لتطبيق جناية الاختلاس أن يكون السند أو الورقة قد سلمت للموظف المختلس بسبب وظيفته وليس أميناً على المحفوظات. يضاف إلى ما تقدن أن المادة 112 عقوبات قاصرة على الموظفين والمستخدمين العموميين، بينما ينطبق نص المادة 152 عقوبات على كل فرد يختلس أو يسرق أو يتلف الأوراق أو السندات بغض النظر عما إذا كأن موظفاً أم لا، كذلك يقتصر حكم المادة 112 عقوبات على واقعة الاختلاس بينما تنص المادة 152 على الاختلاس وأيضاً السرقة والإتلاف.
وإذا ما اختلس الموظف الأمين على المحفوظات الأوراق أو المستندات التي تسلم إليه بسبب وظيفته. ففي هذه الحالة ينطبق على الواقعة نص المادتين 112، 152 عقوبات، ولكن يعاقب الفاعل بالعقوبة الواردة بالمادة 112 لأنها تتضمن عقوبة أشد من الأخرى، وهذا طبقاً للمادة 32 عقوبات والتي تنص على أنه: " إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها ". وتأييداً لذلك قضت محكمة النقض المصرية في 22 نوفمبر 1949 بأنه متى كأن الحكم قد أثبت أن المتهم بوصف كونه صول بلوكات النظام ورئيس مكتب رياسة البلوكات المذكورة.
من مقتضى عمله فتح المظاريف المسجلة الواردة من وزارة الداخلية والتي تحوي أذون صرف بدل السفر للعساكر ورصد هذه الأذون في دفتر خاص والتأشير عليها وعرضها على القومندان، فهو يكون أميناً على هذه الأوراق من وقت تسلمها حتى يعرضها على رئيسه ويتولى تسليمها لذويها. ومادام قد أوتمن بسبب وظيفته على حفظها فهو يعتبر في القانون أميناً على الودائع. فإذا هو اختلسها حق عليه العقاب بمقتضى المادة 112 عقوبات وكأن عمله جناية اختلاس لا جنحة.
حيث نص قانون العقوبات في المادة (36) على حال قيد رفع المسئولية الجنائية عما يرتكبه الموظف من جرائم تنفيذاً لأمر صدر إليه أو تنفيذاً للقوانين واللوائح يتطلبها من الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبيت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة وهذا هو منطق القانون المدني فالطاعة الواجبة على المرؤوس قبل رئيسه لا تمنعه من إبداء رأيه ما دام لم يجانب ما تقتضيه وظيفته من تحفظ ووقار وما تستجوبه علاقته برئيسه من التزام حدود الأدب واللياقة وحسن السلوك، إذن الصراحة في إبداء الرأي بما فيه وجه المصلحة العامة مطلوبة، ولاسيما أن مبدأ الطاعة يمثل ركيزة أساسية في سير المرفق العام وانتظاره، كما أن المحكمة الإدارية العليا اعتبرت واجب الطاعة في مقدمة الواجبات التي يتعين علي الموظف أو العامل مراعاتها، فالطاعة في هذا المجال أمر طبيعي تمليه طبائع الأمور، خاصة أن هناك علاقة وظيفية قانونية بين من يصدر الأمر
ومن يتلقاه، خاصة إذا كان الأمر الصادر والتكليف مشروعاً صادراً عن سلطة اختصاص بموجب اللائحة والقانون وواجب الموظف لا يقتصر على أداء العمل المختص به فقط بل يجب عليه طاعة أوامر رؤسائه والتعاون معه وإلا جازت مساءلته تأديبياً، وفي النهاية يجب استظهار قيام رابطة السببية بين الخطأ والوظيفة وهو الشرط الذي يتحقق به مسئولية المتبوع عن فعل تابعه وهو من المسائل التي تختص بها محكمة الموضوع لتقدير الفعل وتحديد المسئولية الحقيقية.
0 comments:
إرسال تعليق