• اخر الاخبار

    الاثنين، 26 نوفمبر 2018

    الدكتور عادل عامر يكتب عن :التطرف وصرعات النفوذ



    أن السقوط العالمي للمجتمعات الإسلامية والعربية أمام الحضارة الغربية والمسلمون ليس لهم حضورًا على الخريطة العلمية العالمية وليس لديهم إسهام في الحضارة العالمية ونحن في موقف وموقع المستهلك أثر كثيرًا على الشباب وجعلهم يتشككون في كل المؤسسات العلمية التي لدينا والحق ان الغرب يثير في ذلك ليستقطب بهم الشباب قضيتين: -
     الأولى ان الإسلام ضد العلم، والثانية ان الإسلام ضد العقل، فيخيرونه إذا أردت التقدم فعليك ان تتخلى عن الدين وأن تكون معنا وأن تتخلى عن إسلامك لتكون مع العقل. أخذت الدراسات والبحوث التي تناولت موضوع الإرهاب والتنظيمات المتطرفة والمتعصبة عبر التاريخ جانب واسع من الاهتمام الدولي الرسمي والأكاديمي، ولتفرع المجالات التي تتداخل وهذا الموضوع وأهميته الكبيرة التي تصب في استقرار وامن الدول الشعوب
    برزت الكثير من التخصصات الإنسانية التي تتعامل وأطروحاته وتفرعاته، وشخصيا كتبت العشرات من الدراسات والبحوث والمقالات التي حاولت سبر أغوار هذا الموضوع الحضاري والإنساني الخطير والهام، سواء كان ذلك على مستوى الدول او الأفراد، او في جانبه الديني او السياسي او الأمني او الاجتماعي او الاقتصادي وغير ذلك، منها موضوع الإرهاب من النظرية السياسية إلى المعالجات الأمنية والسياسة بين الأخلاق والقانون وسيكولوجيا المحفزات الثانوية للإرهاب، وهي على سبيل المثال لا الحصر.
    لا يمكن ضرب التطرف عبر الأساليب القديمة أو عبر صراعات النفوذ، يتوجب العودة إلى الجذور وخوض مواجهات ثقافية وأيديولوجية وبناء تنموي لم يأت هذا الإقحام للإسلام والعامل الديني من فراغ، بل جاء على الأرجح من قراءة استراتيجية أميركية حول ضرورة صناعة العدو الملائم، لكي تستمر واشنطن، طويلا، في التحكم بالقرار العالمي. خرج التطرف من القمقم لأنه منذ بدايات القرن الحادي والعشرين ارتسم مشهد إقليمي ملتبس في الشرق الأوسط وتصادمت المشاريع المتناقضة لإعادة تركيب المنطقة (أميركي وإيراني وتركي وإسرائيلي).
    أمام زحمة المشاريع لم يكن هناك مشروع عربي، ولم تنجح التحولات منذ 2011 في بلورة مشروع جديد، ولذا أصبحت بلاد الشام والعراق ومصر واليمن وليبيا مسارح النزاعات والإرهاب.
    بدأت مرحلة جديدة في العلاقات الدولية مع حرب أفغانستان وكذلك مع الثورة الإيرانية أواخر السبعينات من القرن الماضي، وهكذا لأول مرة في عالمنا المعاصر يبدأ الاستخدام السياسي للإسلام سواء تحت راية “الجهاد ضد السوفياتي المحتل والملحد”، أو لمواجهة “الاستكبار العالمي” تحت القيادة الخمينية.
    ولم يكن من قبيل الصدفة أن يكون بروز عامل الإسلام السياسي قد سبق انهيار الإمبراطورية السوفياتية بعد اثنتي عشرة سنة، واستمر مواكبا للتحولات اللاحقة. ولذا كان لكل واقع اجتماعي، أو لكل منطقة جغرافية حصتها من الفوضى والمناطق الرمادية وغياب القانون. في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بالإجمال، أدى الحدثان الأفغاني والإيراني، بالإضافة إلى الفشل الأيديـولوجي اليساري والقومي، وبهتان الوهج الفلسطيني بعد ترك بيروت في العام 1982، إلى طغيـان الخطاب الإسلامي السياسي والمقاتل.
    انطلاقا من شعار “الجهاد ضد العدو البعيد للوصول إلى العدو القريب” أرسى عبد الله عزام، مؤسس الجهاد الأفغاني، قاعدة الانطلاق نحو الجهاد الكوني، وكان لقرار “تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية” الإسهام الآخر في نشر الجهاد بصيغته الأخرى التي تجعله تحت إمرة الولي الفقيه وقراره.
    جرى تحضير المسرح جيدا لنشأة التطرف وتمدده، إذ أن المختبر الأفغاني أفرز تنظيم القاعدة بعد حرب الخليج الثانية، والحرس الثوري الإيراني، الذي أسس حزب الله في لبنان وتنظيمات عراقية ودعم غيرها، كان ينفذ قرار تمدد الأذرع الإيرانية في الإقليم.
    بعد هذه الصناعة التي لم تكن ترجمة لنظريات فقهية عند السنة أو الشيعة فحسب، بل أيضا نتاج إسهام أميركي-غربي مباشر أو غير مباشر في البدايات الأفغانية، أو خلاصة لترك الاحتقان المذهبي يتصاعد بعد حرب العراق في 2003 وانعكاساته على صعود التطرف عند الجانبين. أدى تفاقم الوضع في العراق وسوريا إلى إغراق المنطقة بجماعات “الجهاديين” من كل حدب وصوب، وخرجت الأمور عن سيطرة المقررين في اللعبة الدموية، ووصل التغول مع المشروع الإمبراطوري الإيراني وبروز توحش “تنظيم الدولة الإسلامية” إلى حده الأقصى.
    منذ صيف 2014، عادت واشنطن عسكريا إلى العراق تحـت يافطـة التحالف الدولي ضد الإرهاب، وها هو الحنين إلى الخلافة بشكله الخرافي يعود، وها هو أبوبكر شيكاوا النيجيري من بوكو حرام يبايع الخليفة أبا بكر البغدادي، ويصبح تنظيم “داعش” وأخواته هاجسا يؤرق صناع القرار العالمي عبـر سعيه إلى الامتـداد في» قوس إرهابي من وزيرستان إلى خليج غينيا» على حد تعبير وزير الدفاع الفرنسي إيف لودريان.
    إذا سلمنا بأن تنظيم الدولة الإسلامية يعدّ التتويج الدرامي لمسار الحركات الجهادية المتطرفة منذ التسعينات إلى حد اليوم، مع الأخذ بعين الاعتبار دور القوى الخارجية وأنظمة الاستبداد في صناعته، أما التمويل وآلياته والاستثمار في الإرهاب، فهذه حكاية معقّدة فيها أكثر من شريك. إلا أن الاستخدام هو الأهم لناحية الفعل السياسي.
    أي مراقبة دقيقة للمشهدين الميدانيْين في سـوريا والعـراق، تـدل على أن تنظيم “داعش” يخـدم استراتيجية التمدد الإيراني، بشكل مقصود أو غيـر مقصود، كمـا أن الحرب ضده تسمح لواشنطن بالاستمرار في قيادة شؤون وشجون اللعبة المستمرة فصولا.
    جرى كثيرا الحديث عن حروب النفط والغاز والمياه، ويضاف إليها اليوم الحرب ضد الإرهاب وكلها أيضا وسائل مفترضة ضمن خطط ومناهج اللاعبين الإقليميين والدوليين في سعيهم لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
    لا يمكن إذن ضرب التطرف والإرهاب عبر الأساليب الكلاسيكية القديمة أو عبر صراعات النفوذ. بالطبع يتوجب العودة إلى الجذور وخوض مواجهات ثقافية وأيديولوجية وعمليات بناء تنموي وإيجاد حلول عادلة للمشاكل المزمنة. وفي مـوازاة ذلك من دون توافق وشراكات إقليمية ودولية سيستمر استخدام الإرهاب لغايات في نفس يعقوب وغير يعقوب
    إلا أننا في هذا الطرح سنتجنب التشعب بقدر المستطاع في تناول هذا الموضوع، مقتصرين التركيز حول محاولة الإجابة على السؤال محل الدراسة وهو: كيف ساهمت الأنظمة السياسية والحكومات المعاصرة، في صناعة الإرهاب وتسمين التنظيمات الإرهابية او المتطرفة والمتعصبة فكريا ودينيا؟
     وبمعنى آخر: ما هي أهم الأفكار التي ساهمت الأنظمة السياسية والحكومات في ولادتها ونشوئها ومن خلالها تم تسمين تلك التنظيمات المتطرفة والمتعصبة والإرهابية بالأفراد، وخصوصا من فئة الشباب؟! ومنه سنتعرف على الحلول الممكنة لاحتواء وتقليص مخاطر هذه القضية من خلال تلك الأطروحات نفسها.
    لذا ستكون الإجابة من خلال تناول نقاط معينة وهي على سبيل المثال لا الحصر أجد من -وجهة نظري الشخصية-أنها أبرز النقاط الحاضرة في وقتنا الراهن والتي تساهم بشكل ملحوظ وواضح في صناعة هذا الوحش الحضاري او تسمينه من خلال تغذيته بالأفراد والأفكار السلبية والتحريضية التي تساهم في اتساعه وانتشاره وقوته.
    ومن أهم وأبرز تلك النقاط والأفكار والأسباب التي تجعلنا نوجه الاتهام واللوم للحكومات الغربية بوجه عام وحكوماتنا العربية على وجه الخصوص، النقاط التالية وهي بكل تأكيد على سبيل المثال لا الحصر، فكرة صناعة عدو، الاغتراب السياسي والوطني والديني للشباب، افتقاد الثقة في الأنظمة السياسية والحكومات المعاصرة، وضعف الاقتصاد الوطني والتنمية الاقتصادية، وسوء المعالجات التي وجهت لهذه الظاهرة التي استفحلت في عصرنا الراهن)
    لذا سوف نتحدث عن بعضها بقليل من الشرح وليس الإسهاب والتفصيل، خصوصا تلك التي نجد أنها تقع على قمة سلم الأهمية والأسباب، وهي كالتالي:
    حيث ساهمت أطماع وطموحات الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الاستعمارية الحديثة في خلق وصناعة وحش الإرهاب الحديث، وتسمين مصادر وموارد التنظيمات المتعصبة والمتطرفة في كل أرجاء المعمورة، وخصوصا في الشرق الأوسط، وطبعا فان الحكومات المعنية بهذا الأمر ليست الحكومات الأجنبية فقط، بل وحتى الحكومات العربية كذلك، إذ أنها جميعا أي الحكومات في الغرب والشرق تتحمل وتحمل على عاتقها وزر هذا الأمر سواء بالصناعة او المشاركة او المساهمة المباشرة او غير المباشرة
    ، وذلك من خلال إحياء أقدم فكرة في التاريخ السياسي والعسكري، فكرة خلق وصناعة أعداءها بنفسها، سواء كان أولئك الأعداء حقيقيون أم وهميون، ففي النهاية الغاية واحدة وهي خلق الأجواء المناسبة لجعل العالم يسير خلق مخاوفه، ويتمسك بشعارات جوفاء فضفاضة من اجل خدمة أطماعها الامبريالية التوسعية في العالم، او لهدف إحكام القبضة الأمنية على شعوبها في الداخل. وباختصار فان بروز التنظيمات الإرهابية والمتطرفة في كل بقاع الأرض وخصوصا في عالمنا العربي اليوم هو نتيجة مباشرة لما صنعته أيادي قامت بإحياء فكرة صناعة العدو من خلال بث روح الكراهية والحقد والفوضى، إذ لا يتعدى ما يحدث في الوقت الراهن أن يكون صناعة سياسية بشرية شيطانية مخططا لها بشكل مسبق، تهدف إلى تحويل العالم إلى مستنقع موحل تكسب من وراءه بعض القوى العالمية والأنظمة السياسية مكاسبها الرخيصة،
     وان ذلك النوع من الاستراتيجيات الظلامية سالفة الذكر غير مستبعد ابدأ، بحيث لا يجب أن نتصور أن افتعال الأحداث أو السعي خلف الظلال ومواجهة الأوهام، أو محاربة طواحين الهواء هو شيء ساذج وغير متوقع أو ممكن أبدا في عالم الاستراتيجيات السياسية الدولية الحديثة، فهذا هو العالم الذي نعيش فيه، عالم يتحدى الواقع والمعقول، وسياسات دولية لا اخلاقية تتعدى حدود المستحيل والتصور، وعلى رأس تلك الاستراتيجيات والخطط المستقبلية، فكرة إنشاء الأعداء ومحاربتهم.
    حيث من الملاحظ أن اغلب المنتمين والمنظمين إلى تلك التنظيمات هم من فئة الشباب، وخصوصا من الفئات التي تحمل أفكار الكراهية والحقد والضغينة على أنظمتها السياسية بسبب سوء الأوضاع المعيشية التي يعانون منها هم وأفراد أسرهم او أبناء وطنهم، او بسبب القمع وتكميم الأفواه والتنكيل الأمني وكبت الحريات السياسية، والحقيقة أن الأنظمة السياسية والحكومات تمارس دورا جوهريا في تحديد نمط وشكل ومضمون الهوية الوطنية للشباب، خاصة فيما يتعلق بالمواطنة بوصفها ثابتا جوهريا تتشكل على أساسه الدولة، ويستقر من خلاله الوطن، والهوية هنا:
    تتضمن الولاء والانتماء، والذي يعني ارتباط الفرد بالأرض والشعور بكونها جزءا من مجموعة أوسع _ الأسرة والقبيلة والجنسية والقومية -، ينتمي إليها ويحس بالاطمئنان والفخر والرضا المتبادل بينه وبينها، والولاء الذي يرتبط بالانتماء هو صفة أصيلة للهوية الوطنية، حيث أن الولاء يرتبط بالانتماء وهو علاقة بين وطن وفرد يعلن ولاءه للنظام السياسي -الذي يفترض أن يمثل ذلك الوطن أفضل تمثيل في الداخل والخارج -.
    و- للأسف الشديد –فقد انعكس الواقع السياسي سلبا وبشكل مباشر على التكوين النفسي والثقافي للشباب العربي، حيث تشير العديد من الإحصائيات والدراسات الموثقة، أن نسبة تتجاوز الـ 70% من الشباب العربي محبط من إمكانية تغيير الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في ظل الأنظمة السياسية الراهنة، وان أكثر من 25% تعيش حالة من الانفصام عن الواقع العربي، وتعيش حالة من عدم الاكتراث واللامبالاة بذلك الواقع وقضاياه، وباقي النسبة تتذبذب بين الأمل واليأس والخوف والحقد والتمني، وهو ما يدل على أعلى درجات الاغتراب السياسي والثقافي للشباب العربي في وطنه.
    • تعليقات الموقع
    • تعليقات الفيس بوك

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: الدكتور عادل عامر يكتب عن :التطرف وصرعات النفوذ Rating: 5 Reviewed By: موقع الزمان المصرى
    Scroll to Top