**ربما لا أستطيع تحرير الأرض، لكنني أستطيع تحرير الفكر وتحرير الثقافة، علينا جميعًا أن نتكاتفَ لنحملَ همَّ بلادنا سوية، لنكون معًا.. فزورقنا يغرق.. والبحر كبيرٌ والموجُ يحاصرنا.
**الإنسانية ..أغلى من كل شيء، الأديان السّماوية والكتب الرّبانية نادت بالانسانية واحترام الضعيف والوقوف الى جانبه ونصرة المظلوم، قبل أن تنادي بالصلاة والصيام والفرائض والعبادات.
**حنيني للوطن والعروبة أسمى، لأنّني أرى أن الدمام وصنعاء ودمشق هي ذاتها القدي، لم نفترق الا منذ مئة عام فقط.. وعلينا أن نعود كما كنّا متوحّدين، فعاطفتي تجاه البلاد كلها واحدة.
**الأدب ما زال قائما والأدباء انحرفوا عن الطريق ..كان الشاعر والكاتب والرّاوي والقاص يحمل همّ أرضه وأرض إخوانه.
**جيل الرّعيل الأوّل كانوا يزرعون حبّ الارض فينا، ونحن نتخلى عنه رويدًا رويدا، ندّعي أنّنا نكتب للارض، ونحن لا نكتب إلا لأنفسنا.
**وجدت فى الشعر الحرية المطلقة والحداثة، حرية الكلمة، وحداثة الفكرة، ربما هذا النّمط أقرب لحالنا وحال عروبتنا ومأساتنا، لأنّنا نُعبّر فيه بحريةٍ عن أوجاعنا، وهذا ما دفع عمالقة الشّعراء وجهابذتهم إلى تبنّيه.
**لا ندري جميعًا هل ينبت الشوك تحت الورد، أم أنّ الورد ينبت فوق الشوك.
**الوجع.. اختصارٌ لطفولةٍ ومجتمعٍ ووطنٍ ، هو معاناة جنيّ ٍ تربّى داخلي وعاش أحداث عمري، ووجعٌ تقمّص ذكرياتي. الوجع حالة ضروريّة لنا كي نكمل حياتنا ونستكمل طريقنا
**وجدت نفسي في التفعيلة، مع إيماني بتراثي الكلاسيكي، ومحافظتي على العمود من الشّعر .
**
حوارٌ على صفحات الزّمان :تجريها:الدكتورة أحلام الحسن
من لبنان ومن جرح مخيم النّهر البارد تنفجر حنجرةٌ مدوية ألم جرحٍ .. ألم وطنٍ سليبٍ ومن بين أوجاع هذا المخيم وعلى أرضه يولد ضيفنا الفلسطيني الأصل اللبناني المولد يحمل بيدٍ قلمًا ليكتب معاناة شعبٍ وبالآخرى يحمل فانوسًا يستضيء به في طريقه ينظر بعين البصيرة لم تستهوهِ الدنيا رغم تولده في لبنان بلد الجمال إلاّ أنّه آثر قضايا الأمّة وسخّر قلمه لها وللإنسان .. ينفجر شعرُه واقعيةً لا تخلو من جمال التّرميز وإبداعات اللغة .. ومرادفات المعاني فتفجّر شعره متميّزًا بنوعيه العمودي الموزن وقصائد التفعيلة الموزونة لتبحر سفن أقلامه من مرفأيهما بكلّ جدارةٍ وحرفيةٍ تشد الأذهان رغم عثرات الطريق ..
إنّه الشّاعر والكاتب الفلسطيني الأصل اللبناني المولد عبد المحسن محمد ..
ومن على أرض الكنانة مصر وعلى صفحات جريدتنا الزمان المصري ..
أديبنا وضيفنا الكريم الأستاذ عبدالمحسن محمد على أجنحة جريدتنا الزّمان المصري نستقبلك ونرحب بك ضيفًا عزيزًا فأهلاّ وسهلاً بحضرتك
* أهلاً وسهلاً بكم وشكرًا للدعوة الكريمة دكتورة أحلام ..
نستهلّ حوارنا مع حضرتك بهذا السؤال :
*حبّذا بأن يعرّفنا ضيفنا الكريم ويُعرّف قرّاء جريدة الزّمان المصري على نفسه .. ووطنه .. نشأته .. هواياته .. مؤلفاته ..وماهي نشاطاته ؟
* عبدالمحسن صبري محمّد، فلسطيني لاجئ فوق تراب لبنان الحبيبة، يحمل في قلبه ألف جرح ومدينة حزن، ينابيع حب ومزن حنين إلى بلاده فلسطين المغتصبة..
درست اللغة العربيّة، إدارة الأعمال، الطب الأوّلي، الرياضيات وعلوم الحاسوب وعلم الاجتماع. أعمل في مجال الاسعافات الأولية وتدوير النفايات، وأدير جمعية شبابية وجمعية ثقافية.
أحب الرياضة رغم عدم ممارستي لها بالشكل المطلوب، أعشق المطالعة والكتابة، أكتب الشعر والرواية. أصدرت العام الماضي ديوانيّ " تمخّضي عشقًا " و " على قيد الوجع ".
* أديبنا وضيفنا الكريم ماهي الرّؤى المستقبليّة للأديب والشّاعر عبد المحسن محمد ؟
وهل ثمّة ما يُعيقها ؟
* لديَّ وكما لسواي ألف طموح، أعشق الوحدة، وحلمي أن أرى عالمنا دون حدود، أن أرى وطننا تحدّه الانسانية، وخارطتنا العربية يسودها العدل والأخوة، لا تعيقها الغربان القابعة فوق رؤوسنا، والخناجر المستقرة فوق رقابنا. ربما لا أستطيع تحرير الأرض، لكنني أستطيع تحرير الفكر وتحرير الثقافة، علينا جميعًا أن نتكاتفَ لنحملَ همَّ بلادنا سوية، لنكون معًا.. فزورقنا يغرق.. والبحر كبيرٌ والموجُ يحاصرنا..
تعيقُنا الأيادي القصيرة.. ليتها تمتدّ إلى جيب السجن فتسرق المفتاح وتسجن السّجان، حريتنا غالية.
* لكلّ أديبٍ وصاحب قلمٍ هادفٍ رسالة .. ماهي رسالة شاعرنا ؟ وماهي الإستراتيجية التي يتّبعها ضيفنا لإبرازها إلى حيّز الوجود ؟
* أما رسالتي.. فالإنسانية أغلى من كل شيء، الأديان السّماوية والكتب الرّبانية نادت بالانسانية واحترام الضعيف والوقوف الى جانبه ونصرة المظلوم، قبل أن تنادي بالصلاة والصيام والفرائض والعبادات. وأنا أؤمن أيضًا أنّ الدّين جاء ليخدم البشرية وينصرنا، وهذا دورنا في الشعر أيضا، علينا ان نكون لسانًا يحكي أوجاع الأمّة ويروي ماضينا الجميل وحاضرنا المخزي ومستقبلنا المجهول.
**قصائد شاعرنا ذات طابعٍ تغلب عليه الوطنية العربية بينما نرى الكثير ممن هم في مثل مسيرته ينأون للطابع العاطفي البحت أو الغالب .. هل لنا بالإيضاح ؟
* لا أخفي عليكم، أنّ لكلّ كاتبٍ وأنا أصغرهم وأقلّهم وأقزمهم إن نلت شرف الوقوف بينهم، تجاربه الجميلة والقاسية، تجارب أرضه وحُبّه لها ، وتجارب عشقه للمرأة، نصفه الثاني، وتمام كماله البشري، وأنا مثلهم جميعا، ولكن حنيني للوطن والعروبة أسمى، لأنّني أرى أن الدمام وصنعاء ودمشق هي ذاتها القدي، لم نفترق الا منذ مئة عام فقط.. وعلينا أن نعود كما كنّا متوحّدين، فعاطفتي تجاه البلاد كلها واحدة.
** كيف يرى أديبنا مسيرة الأدب العربي الحالي وهل هي في المسار الصحيح ؟
* الأدب ما زال قائما، لكن الأدباء انحرفوا عن الطريق، كان الشاعر والكاتب والرّاوي والقاص يحمل همّ أرضه وأرض إخوانه، جيل الرّعيل الأوّل كانوا يزرعون حبّ الارض فينا، ونحن نتخلى عنه رويدًا رويدا، ندّعي أنّنا نكتب للارض، ونحن لا نكتب إلا لأنفسنا.. حقا !!
** في ركب تطوّر وحداثة الشّعر العربي الموزون ظهرت ظاهرة قصيدة التّفعيلة وبجمالياتها الرائعة جدًا وبتركيباتها الموزونة أثبتت جدارتها كشعرٍ موزونٍ وفق البحور الخليلة
ولكون شاعرنا من الكتّاب المتميّزين بكتابة قصيدة التفعيلة هل لنا بإعطاء الجمهور الكريم ومتذوقي الشّعر فكرةً عن هذا النّوع الأدبي الرّفيع ؟ وهل تراه سيسع الآفاق الأدبية مستقبلًا ؟
* الشّعر ليس نمطًا أو مظهرًا أو قالبًا، الشّعر هو أن تشعر بذاتك، بحروفك، أن تشعر بما كتبت. فشعر التفعيلة نمطٌ برز وأثبت قدرته عن جدارةٍ مؤخرًا، وأكثر الشعراء تنمّطوه، نزار قباني، محمود درويش، أحمد شوقي، سميح القاسم...
أما أنا، فقد وجدت فيها الحرية المطلقة والحداثة، حرية الكلمة، وحداثة الفكرة، ربما هذا النّمط أقرب لحالنا وحال عروبتنا ومأساتنا، لأنّنا نُعبّر فيه بحريةٍ عن أوجاعنا، وهذا ما دفع عمالقة الشّعراء وجهابذتهم إلى تبنّيه.
**ماهي أحدث قصائد شاعرنا وبنوعيها العمودي والتفعيلة ؟
* قصيدتاي الأخيرتان " صلاتنا الحبلى " و " مبتلّةٌ بالموت " وأقول فيهما :
صَلاتنا الحُبلى
أقيمي اللّيلَ
صلّي فوقَ أوجاعي
صلّي فوقَ أوجاعي
فكمْ صلَّى
هناكَ الذّئبُ
فوقَ مواجعِ الرّاعي
هناكَ الذّئبُ
فوقَ مواجعِ الرّاعي
وصومي الدّهرَ
وابتهلي..
فإنّ قداستي رحلَتْ
وماتَ الوحيُ والدّاعي
وابتهلي..
فإنّ قداستي رحلَتْ
وماتَ الوحيُ والدّاعي
وغارُ الحزنِ ممتلئٌ
كما صدري..
غريبٌ..
بينَ أضلاعي
كما صدري..
غريبٌ..
بينَ أضلاعي
أنا وحدي..
وحزنُ الغارِ
يُقلِقُني..
ويقتلني..
ومِنْ عينيكِ فجرًا
يولدُ النّاعي
وحزنُ الغارِ
يُقلِقُني..
ويقتلني..
ومِنْ عينيكِ فجرًا
يولدُ النّاعي
هنا موتٌ
هنا عمْرٌ
قد اقتاتَتْهُ أحزانٌ
مِنَ الأعلى
إلى القاعِ
هنا عمْرٌ
قد اقتاتَتْهُ أحزانٌ
مِنَ الأعلى
إلى القاعِ
وبي حزنٌ..
ودمعٌ يحتسي خدّي
وأوجاعٌ تلومُ
ضلالةَ السّاعي
ودمعٌ يحتسي خدّي
وأوجاعٌ تلومُ
ضلالةَ السّاعي
هناكَ الوحيُ مقتولٌ
وبعضُ صَلاتِنا الحُبلى
على أشيائنا الصّغرى
وأحلامٌ ولدْناها
قتلناها.. دفنّاها..
بلا داعي
وبعضُ صَلاتِنا الحُبلى
على أشيائنا الصّغرى
وأحلامٌ ولدْناها
قتلناها.. دفنّاها..
بلا داعي
أجيري الغارَ
كيْ نفنى
ونولدَ مرّةً أخرى
ونُقتلَ مرّةً أخرى
وخامسةً..
وعاشرةً..
مللتُ الموتَ سيّدتي
فخلّيني..
على الأحزانِ مصلوبًا
كلحنٍ فوق إيقاعِ
كيْ نفنى
ونولدَ مرّةً أخرى
ونُقتلَ مرّةً أخرى
وخامسةً..
وعاشرةً..
مللتُ الموتَ سيّدتي
فخلّيني..
على الأحزانِ مصلوبًا
كلحنٍ فوق إيقاعِ
ظنونُ الغار تشبهني
وأوجاعي.. ستكتب مرّةً أخرى
ليحفظها الهوى بعدي
إذا غاب المدى عنّي
وغابتْ عنهُ أضواعي
ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء
وأوجاعي.. ستكتب مرّةً أخرى
ليحفظها الهوى بعدي
إذا غاب المدى عنّي
وغابتْ عنهُ أضواعي
ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء
مُبتلّةٌ بالموت
ثَملَتْ خُطايَ وما لمحتُكِ في فمي
يا خمرةً مُنعَتْ عنِ الأكوابِ
يا خمرةً مُنعَتْ عنِ الأكوابِ
هاتي بخمر هواك فوق قصيدتي
وامضي بنصف الضوءِ نحوَ البابِ
وامضي بنصف الضوءِ نحوَ البابِ
تجدينَ يوسفَ والقميصَ ممزّقًا
وزليخةً تبكي على الأثوابِ
وزليخةً تبكي على الأثوابِ
كمْ قُدَّ حلمُ الحبِّ، فامتزجي معي
عتمٌ أنا وهواكِ عودُ ثقابِ
عتمٌ أنا وهواكِ عودُ ثقابِ
ما كنتِ فيهم إذ رمَوا أقلامَهُمْ
كيْ يكفلوا عينيكِ في المحرابِ
كيْ يكفلوا عينيكِ في المحرابِ
عذراءُ أوجاعي يراودها الهوى
كالحلمِ مصلوبٌ على الأخشابِ
كالحلمِ مصلوبٌ على الأخشابِ
أحيا فتقتلُني القصيدةُ مرّةً
والموتُ معتكفٌ على أعتابي
والموتُ معتكفٌ على أعتابي
ألقاكِ في كل النّساء حبيبةً
زُلفى تقرّبُني مِنَ الأحبابِ
زُلفى تقرّبُني مِنَ الأحبابِ
مبتلّةٌ بالموتِ بعضُ دموعِنا
والبعضُ مُنكسرٌ على الأهدابِ
والبعضُ مُنكسرٌ على الأهدابِ
وأقرُّ للمرآة أنّي متعبٌ
مَنْ ينجدُ المرآةَ بعدَ غيابي؟!
مَنْ ينجدُ المرآةَ بعدَ غيابي؟!
** هل ثمّة نصيحةٍ أو رسالةٍ لأديبنا يوجهها للأقلام الجديدة .. وخاصّةً شعراء قصيدة التّفعيلة والتي مازالت لا تخلو من معارضين لها رغم صعوبة كتابتها وجمالها ؟
وما نصيحة أديبنا لمعارضيها ؟
* لكل عملٍ بداية، ولكلّ شاعرٍ حرفهُ الأول، كنّا وكنتم .. وإن كنت في بداية الطريق قد أحبطنا البعض ووضع الحواجز أمامنا، نهانا البعضُ ولم يشجعنا، لكننا ثابرنا، فثابروا ولا تقفوا عند من اسيأس منكم أو زرع اليأس فيكم، فلا ندري جميعًا هل ينبت الشوك تحت الورد، أم أنّ الورد ينبت فوق الشوك..
**ديوانك الجديد " على قيد الوجع " عنوانٌ يحوي الكثير .. الوجع النفسي .. الوجع الوطني .. وجع الأمّة وما تعانيه .. فأيّ المحطات هذه كان وجع شاعرنا ؟
* أمّا عن الوجع.. فهو اختصارٌ لطفولةٍ ومجتمعٍ ووطنٍ ، هو معاناة جنيّ ٍ تربّى داخلي وعاش أحداث عمري، ووجعٌ تقمّص ذكرياتي. الوجع حالة ضروريّة لنا كي نكمل حياتنا ونستكمل طريقنا، الوجع أصبح قدمنا الثالثة التي نقف عليها.. فتعرقل المسير أحيانا.. وتدعمه في مرّات أخرى.
الدّيوان اختصر حياتي.. وها أنا أنثر لحظات عمري في صفحاته وأحرفي تحاكي أوراقه .. فاقرؤوا مني ما شئتم ..
**من الملاحظ في قصيدة " صلاتنا الحبلى " لشاعرنا بأنّها قصيدةٌ دسمةٌ من العيار الثقيل بنظام التفعيلة الموزونة وبالتحديد تفعيلة " مفاعلتن " من بحر الوافر ورغم مشقة كتابة قصيدة التفعيلة إلّا أنّ شاعرنا قد أبدع فيها فما السّرّ ياترى .. وما الذي يستهوي شاعرنا في قصيدة التفعيلة ؟
* مشاعرنا متناسقةٌ ومنسجمةٌ مع القصيدة، ولشعر التفعيلة سرٌّ يجذبنا إليه كلّما وقفنا على أطلال الفرح وهممّنا بالبكاء.. لذلك فأكثر المحزونين والموجوعين يتبعون التفعيلة منهجا..
وها أنا .. وجدت نفسي في التفعيلة، مع إيماني بتراثي الكلاسيكي، ومحافظتي على العمود من الشّعر .
**هل من كلمةٍ أخيرةٍ يريد أديبنا قولها ؟
* في الختام لا يسعني إلّا أن أقف إجلالا واحترامًا لكم في جريدة "الزمان المصري"، على هذه الاستضافة الكريمة والشيقة والممتعة، تنحني أقلامي أمام أوراقكم العامرة ..
في مسك هذا الحوار الشّيق نتقدم بالشّكر لضيفنا الشاعر الأستاذ عبد المحسن صبري لتلبيته دعوتنا وعبر جريدتنا الهادفة "الزمان المصري ".
من أرض الكنانة سنبحر ثانيةً في حوارٍ جديدٍ مع شخصيةٍ مميزةٍ جديدةٍ فانتظرونا .
0 comments:
إرسال تعليق