في مشهد
أثار الكثير من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، ظهرت مديرة إحدى المدارس
الإعدادية في محافظة بورسعيد في موقف لا تُحسد عليه، حين قام المحافظ بمفاجأتها
بزيارة تفتيشية برفقة وسائل الإعلام، متسائلا عن وجود طالبة وزميلاتها خارج
المدرسة اثناء مواعيد اليوم الدراسي، وبعدما سأل احداهن فأجابت ..إجابة "هول
الموقف"؛وتناثرت روايات منها :أن الطالبة جاءت "لتجيب عيش" ببطاقة
التموين الخاصة بوالدتها، ومرت على صديقاتها فقررن الدخول إلى المدرسة.
القصة
في ظاهرها قد تبدو عادية: طالبة في الصف الثالث الإعدادي، أرسلتها والدتها في
الصباح الباكر لشراء الخبز، فمرت على صديقاتها، ثم قررن الدخول إلى المدرسة، ربما
بدافع الفضول أو بدافع الالتزام، لا سيما في أول أسبوع دراسي الذي لا يشهد انتظاما
فعليا في الحضور. سمح لهن الأمن بالدخول، باعتبارهن طالبات في المدرسة. إلى هنا،
لا توجد جريمة ولا حتى مخالفة واضحة، فقط تصرفات يومية مألوفة في بيئتنا المصرية.
المديرة..
بين الإحراج والارتباك
المديرة
التي ظهرت في الفيديو، بدا عليها الإحراج الشديد وعدم القدرة على الرد أمام
الكاميرا، ليس لأنها مُدانة، بل لأن أحدا لم يمنحها فرصة لالتقاط أنفاسها وفهم
السياق. في مجتمع يعاني فيه المعلم من نظرة دونية وتهميش دائم، كان من الأجدر
بالمسؤول أن يهدّئ من روعها، لا أن يصوّرها في موقف ضعف يتداول آلاف المرات على
وسائل التواصل، التي أصبحت كـ"ماسورة صرف صحي" بالفعل، تسمح لكل من هبّ
ودبّ أن يُصدر رأيه، دون فهم أو دراية أو مسؤولية.
الطالبة.. مرآة للمجتمع
الطالبة
ليست حالة شاذة، بل هي صورة طبيعية لواقع ملايين من أبناء الطبقة الكادحة، الذين
يدمجون بين واجباتهم الأسرية والتعليمية منذ الصغر. خروجها في الصباح لشراء الخبز
ليس تهاونا من الأهل، بل ضرورة معيشية. ووجودها في المدرسة كان عفويا، ولم يكن
بدافع التهرب أو إثارة الشغب. لذا، تحويل الأمر إلى أزمة كبرى تعكس قصورا في الفهم
المجتمعي قبل أن يكون خطأ تربويا.
المعلم والمدرسة.. الحائط المائل دائمًا
كعادة
المجتمع، سُرعان ما توجهت أصابع اللوم إلى المدرسة، والمدير، والمعلم، وأنت
المدرسة ؛دون التوقف لحظة لفهم السياق. هل نملك خطة واضحة لضبط بداية العام
الدراسي؟ هل فكرنا في تقديم الدعم الإداري واللوجيستي للمدارس بدلا من تصوير
أخطائها؟ أم أننا فقط ننتظر زلة لنحولها إلى مادة دسمة لعناوين مواقع التواصل؟
يا سادة
..المعلم اليوم هو "الحائط المائل" الذي يُحمَّل مسؤولية كل شيء، من ضعف
التحصيل الدراسي إلى انضباط الطلاب إلى مشكلات البنية التحتية. بينما هو في الواقع
الحلقة الأضعف في سلسلة مهترئة من القرارات والظروف الصعبة.
ما
وراء الصورة.. أخلاق الإدارة وأزمة التواصل
ما حدث
في مدرسة بورسعيد ليس خطأ إداريا فحسب، بل خلل أخلاقي في إدارة المواقف. كان من
الأولى أن يتفهم المحافظ الوضع، يستمع للمديرة، يتحقق من القصة، ثم يقرر ما يُقال
أو لا يُقال. أما تصوير الواقعة وبثها، فهو إهانة غير مباشرة لكل العاملين في الحقل
التعليمي، ورسالة خاطئة للمجتمع بأن الخطأ يُعالج بالفضح لا بالإصلاح.
خطر هذه الظواهر على المجتمع
فى
النهاية بقى أن أقول ؛ ما حدث في بورسعيد ليس مجرد حادث عابر، بل مؤشر على خطورة
ما وصلنا إليه. حين تتحول المدارس إلى ساحات فضائح، وتُستخدم السلطة لاستعراض القوة،
وتُهان الكوادر التربوية على مرأى ومسمع من الجميع، فنحن أمام أزمة قيم وأخلاق قبل
أن تكون أزمة تعليم.
إذا كنا
نطمح إلى إصلاح حقيقي، فعلينا أن نبدأ بإعادة الاعتبار للمدرسة والمعلم، وفهم
طبيعة المجتمع وظروفه، والتعامل مع أبنائه برحمة وفهم، لا بكاميرا وهجوم. فالمجتمعات
لا تُبنى بالإحراج والفضائح، بل بالحوار، والاحترام، والعمل الجاد.

0 comments:
إرسال تعليق